“أخبار الآن” تزور قرية سيف العدل
على مقربة من مدينة شبين الكوم، مركز محافظة المنوفية المصرية، تقع قرية البتانون مسقط رأس محمد صلاح الدين زيدان أو سيف العدل، الموصوف بأنه الأمير الفعلي لتنظيم القاعدة، والذي ولد في هذه القرية عام 1963 وقضى سنواته الأولى فيها قبل انتقال عائلته إلى مدينة شبين الكوم، حيث استكمل تعليمه والتحق بكلية التجارة جامعة المنوفية وتخرج فيها عام 1984 وبعدها التحق بالجيش المصري ليقضي فترة التجنيد الإجباري، كضابط احتياط بسلاح المظلات، ثم بعد ذلك قرر السفر والالتحاق بما عُرف بالجهاد الأفغاني ومن هنا بدأت رحلته مع تنظيم القاعدة.
ومن مسقط رأس سيف العدل، قررت “أخبار الآن” أن تبحث عن الجذور الأولى للأمير الفعلي للقاعدة وأن تلتقي بمن عرفوه في سنواته الأولى وعرفوا عائلته من قبل، وهي “عائلة زيدان” كما تُسمى في القرية المصرية المصنفة كواحدة من أكبر قرى الريف المصري والتي خرج منها العديد من القادة العسكريين والمسؤولين البارزين، على رأسهم المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس عمليات الجيش المصري إبان حرب عام 1973 ووزير الحربية في ما بعد ذلك.
وكان لافتًا خلال جولتنا في قرية البتانون، والتي استغرقت قرابة 5 ساعات، أن معظم أهالي القرية لم يسمعوا عن سيف العدل أو الأمير الفعلي للقاعدة ولا يعتقدون أن أحدًا من أبناء هذه القرية يمكن أن ينضم إلى التنظيمات الجهادية أو الجماعات الإرهابية، ولعل هذا ليس مستغربًا في الريف المصري بشكل عام وفي ريف محافظة المنوفية بشكل خاص.
وخلال تلك الجولة، التقت “أخبار الآن” بأحد أقرباء محمد صلاح الدين زيدان، الذي تحفظ على الحديث بشكل علني لوسيلة إعلام عن قريبه الذي لم يره أحد منذ غادر مصر في عام 1987، وحين وعدناه بأن هويته ستبقى سرية وافق على حديث مقتضب، قال فيه إن محمد في حكم الميت بالنسبة لعائلته، حتى أن أسرته حصلت على حكم قضائي بإثبات وفاته منذ سنوات طويلة.
وأضاف أن أسرة سيف العدل وأشقاءه لم يتلقوا أي اتصالات منه بعد سفره وتفاجئوا في ما بعد بالحديث عن انضمامه لتنظيم القاعدة ولم يكونوا يصدقون هذا الأمر بل اعتبروه نوع من الخطأ أو الخلط بينه وبين جهادي آخر، لكنهم في ما بعدوا تأكدوا بأنه انضم للقاعدة بالفعل.
وأوضح قريب “سيف العدل” أن أحد أشقاءه عُين محاسبًا بإحدى الوزارات المصرية وظل على رأس عمله إلى أن تقاعد بعد بلوغه سن المعاش، منذ فترة وجيزة.
وعلى نفس الصعيد، قال “الحاج إبراهيم”، أحد شيوخ قرية البتانون، أن عائلة “زيدان” كانت تقيم في القرية لكنها تفرعت وانتقل العديد من أبنائها إلى خارج القرية لكن ما زال بعضهم يقيم فيها، مضيفًا أنه لا يعرف محمد نجل صلاح زيدان على وجه التحديد لكنه عرف والده نجل عبد الحليم زيدان والذب انتقل إلى شبين الكوم مع أسرته في الستينات وظل هناك حتى وفاته.
وحين انتقلت أسرة محمد صلاح الدين زيدان “سيف العدل” إلى شبين الكوم بدأ فصل جديد من فصول حياته، فهناك تلمس محمد خطواته الأولى على درب الالتزام وفق الطريقة السلفية مع مجموعة من أصدقائه ورفاق دراسته، وواظب على حضور الدروس الدينية بمسجد فجر الإسلام، وتبنى آنذاك موقفًا متشددًا ضد الشيعة حتى أنه وصف “الثورة الإيرانية” بأنه “فتنة وقع فيها العديد من الإسلاميين”، حسبما يروى أحد رفاقه السابقين، لكن بعد سنوات طويلة شهدت تحولاته الدراماتيكية، أصبح “زيدان” يمتدح خصوم الأمس ويُثني عليهم بعد أن تحالف معهم.
ورغم أن سيف العدل أطلق سراحه في صفقة تبادل أسرى بين تنظيم القاعدة وإيران، عام 2015، ومن قبله غادر صهره مصطفى حامد، أبو الوليد المصري، الأراضي الإيرانية عام 2011 واستقر في مصر لسنوات ثم عاد في 2016 لطهران مجددا، إلا أن كليهما يرفضان أن يغادرا الأراضي الإيرانية وذلك ربما يرجع لقناعتهما بالتحالف مع إيران أو لإصابتهما بـ”متلازمة طهران“.
وتنص اللائحة الداخلية لتنظيم القاعدة على أن أمير القاعدة يجب أن يتواجد في أفغانستان أو في واحد من أفرع القاعدة الأخرى، إلا أن سيف العدل الموصوف بأنه الأمير الفعلي للقاعدة بقي في إيران، وهو ما يتناقض مع اللوائح والقواعد التنظيمية الحاكمة لتنظيم القاعدة، وعلى نفس المنوال يرفض مصطفى حامد أن يغادر إيران التي عاد إليها طواعية، في 2016، مع أن له علاقات وثيقة بحركة طالبان الأفغانية التي يكتب بشكل دوري في مجلتها الرسمية “الصمود”، مما يعني أنه يمكن أن ينتقل للإقامة بسهولة في أفغانستان خصوصًا مع وجود صلات بينه وبين شبكة “حقاني” التي سبق وآوت أيمن الظواهري في كابول، وهذا يكشف اقتناع الصهرين (سيف العدل وأبو الوليد المصري) بالحلف أو المحور الإيراني.
وفي أحدث مقالاته التي نشرتها مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة، أشاد محمد صلاح الدين زيدان “سيف العدل” بالهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي ضد السفن المبحرة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ووصفها بأنها أربكت حسابات الغرب وفتحت بابًا يُلهم بقية شعوب المنطقة لتنفيذ عمليات سرية ضد المصالح الأمريكية والغربية أينما وجدت.
لكن هذا المديح شق صفوف القاعدة وأثار جدلا واسعًا داخل التنظيم ورد عليه، مباشرة، فرع التنظيم في اليمن على لسان إبراهيم أبو صالح، المسؤول الأمني له، في آخر إصدارته المرئية التي نشرتها مؤسسة الملاحم، الذراع الإعلامية لقاعدة اليمن، وكذلك في أحدث عدد من مجلة صدى الملاحم التي تضمنت مقالا يُهاجم جماعة الحوثي ومن يمتدحونها ووصفها بـ”خيانة المسلمين”، وفق تعبير المجلة.
ومن جانبه، أشار سيف العدل، في مقاله المعنون بـ”هذه غزة.. حرب وجود لا حرب حدود” والذي كتبه قبل رمضان الماضي ونشر بعد نحو شهرين من كتاباته، إلى أن الولايات المتحدة والغرب لم يردا أن يتوسع الصراع في المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة لأنهم يخشون أن يتم استهداف قواعدهم العسكرية في جيبوتي التي تقع في مدى ومتناول أسلحة الحوثي وجماعة الشباب الصومالية، مضيفًا أنه لولا التحالف العربي وهجماته في اليمن لكان للوضع منحى آخر، على حد تعبيره.
سيف العدل ومصطفى حامد في خدمة المشروع الإيراني
وفي الحقيقة، فإن هذه المرة الأولى التي يشيد فيها سيف العدل الذي يكتب حاليا باسم مستعار جديد هو “سالم الشريف”، صراحةً، بجماعة الحوثي المعروفة بأنها جزء من “محور المقاومة” الإيراني، مع أنه ألمح في مقالات وكتابات سابقة إلى التحالف مع إيران ووصفه بأنه ضرورة استراتيجية لاعتبارات تتعلق بقيادة القاعدة.
ولا تخرج كتابات سيف العدل الأخيرة عن نفس إطار “جهاد طروادة” و”متلازمة طهران” التي انتقلت عدواها إليه من صهره مصطفى حامد، أبو الوليد المصري، الذي خصص موقعه الإلكتروني “مافا الإيراني” للترويج لمشروع طهران في المنطقة، بيد أن الأكثر إثارة للاهتمام في المقالات الأخيرة لكلًا من سيف العدل وصهره مصطفى حامد أن كلايهما يكتبان في نفس الإطار وتحت عنوان متشابهة فضلًا عن التشابه الذي يصل إلى التطابق في بعض الأحيان في متون تلك المقالات.
وعلى سبيل المثال، ادعى “حامد” في أحدث مقالاته “المعبد العالمي يتصدع” أن عائلة روتشيلد اليهودية الشهيرة تسيطر على حكومات دول عربية ودعا لاحتلال الحرم المكي والسيطرة عليه معتبرًا أن هذا الأمر هو الجهاد الحقيقي لتحرير المقدسات، وبالطبع هذا ليس مستغربًا من مصطفى حامد الذي يخدم أجندة تهدف إلى توظيف الحج بصورة سياسية تضر بالمملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى.
وآثر “سيف العدل” اقتفاء خطوات صهره خطوةً خطوة فزعم أيضًا في مقاله “هذه غزة.. حرب وجود لا حرب حدود” أن عائلة روتشيلد تسيطر على دول عربية، وحرض على استهداف حكومات هذه الدول بحجة أنها تتحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما تكشف مقالات سيف العدل وصهره مصطفى حامد أن لديهما نفس التوجيهات والتوجهات التي تخدم المشروع الإيراني، وهذا يبدو في مقال الأمير الفعلي للقاعدة الذي ختمه بتوقيعه وجملة “ليالي اليوم التالي للحرب” واصفًا الحرب الحالية بأنها حرب مصيرية تقتضي توحد الحركات الشيعية والسنية التحالفة مع إيران في حلف واحد للتصدي للولايات المتحدة وحلفائها، وهو ما تناوله صهره مصطفى حامد في مقال بعنوان “اليوم التالي: صباح الخير من غزة” دعا فيه على إعادة تصنيف الفواعل دولا وفواعل من دون الدول إلى معسكرين الأول معسكر محور المقاومة الذين يسميهم “الأصدقاء” والثاني معسكر الأعداء ويضم الولايات المتحدة وإسرائيل والحكومات العربية، بحسب تصنيفه.
ولعل الإصابة بـ”متلازمة طهران” قد حولت الأمير الفعلي للقاعدة وصهره إلى ما يُشبه التوأم السيامي الملتصق في الرأس، ففي حين أن لكل منهما جسد منفصل إلا أن رأسهما يتلقى الأوامر والتوجيهات ممن يملك زمام الأمور ويوجههما لخدمة مصالحه ومشروعه الخاص في المنطقة.
ولا يقتصر الأمر على التشابه اللافت بين سيف العدل وصهره، بل يمكن ملاحظة وجود هذا التشابه في بيانات مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامية للقاعدة، والمقالات التي تُنشر على موقع “مافا الإيراني” سواء كانت تلك المقالات لمصطفى حامد أو لغيره، فمثلًا دعا مقال منشور عبر الموقع بعنوان “نداء لأبناء الأمة وللذئاب المنفردة” أنصار القاعدة إلى شن هجمات ذئاب منفردة في الغرب وإلى تخريب الشقق السكنية وتفجيرها بفتح الغاز الطبيعي فيها ثم إشعال النيران، وهو نفس ما حث تنظيم القاعدة عليه في بيان صدر، مؤخرًا، بعنوان “دعم وتأييد لعمليات الذئاب المنفردة ضد الصهاينة المعتدين” الذي دعا فيه لتنفيذ هجمات ضد المصالح الأمريكية والغربية في الدول العربية.
تمرد أتباع القاعدة على سيف العدل وصهره
وعلى الجهة الأخرى، آثار هذا التماهي مع المشروع الإيراني غضبًا وسخطًا واسعًا في أوساط تنظيم القاعدة وأنصاره، لا سيما وأن المنهج الذي تبناه التنظيم منذ نشأته يقوم على أسس سلفية جهادية ترى أن إيران عدو ونقيض أيديولوجي وعقدي للجهاديين.
وحاول التنظيم أن ينفي الاتهامات الموجهة له بأن قيادته الحالية مصابة بمتلازمة طهران وتدور في فلك المحور الإيراني فأخرج عبر مؤسسة “جيش الملاحم الإلكتروني”، المقرب من التنظيم، مقالًا بعنوان “طبيعة العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران معارك كسر العظام والوثائق المسربة”، ادعى فيه أن التنظيم يقف ضد إيران ودعم حركات مسلحة منها جماعة جند الله التي أسسها وقادها عبد الملك ريغي، قبل اعتقاله ثم إعدامه في إيران عام 2010، غير أن كاتب المقال لم يستطع أن ينفى أو يُكَذب وجود علاقة بين التنظيم وطهران وإن بررها بأن التنظيم يعرف كيف يدير تلك العلاقة، بحسب قوله.
وبالطبع أدت السجالات الداخلية حول علاقة القاعدة بإيران إلى خلافات عميقة داخل التنظيم وأفرعه الخارجية، وظهرت هذه الخلافات إلى العلن، في الفترة الأخيرة، التي تخللها إصدار بيانات رسمية للتنظيم ومقالات لأميره الفعلي تمتدح وكلاء إيران كما حدث في مقال سيف العدل الأخير “هذه غزة.. حرب وجود لا حرب حدود”.
ومن جانبه، اعتبر طارق عبد الحليم، المنظر الجهادي الشهير، أن تنظيم القاعدة يعيش حالة من التعثر والاضطراب المنهجي والتخبط التنظيمي منذ مقتل أيمن الظواهري، في أغسطس/ آب 2022، ومن قبله زعيم التنظيم المؤسس أسامة بن لادن، ملمحًا أن التحول في نهج القاعدة يأتي انعكاسًا لتوجه مصطفى حامد صاحب العلاقات الوثيقة بإيران والذي يصفه بأنه المسيطر على الإعلام في تنظيم القاعدة الذي لم يعلن، رسميًا، عن اختيار أمير جديد خلفًا لـ”الظواهري”، على حد قول المنظر الجهادي.
واعتبر طارق عبد الحليم، في تدوينة له عبر حسابه الشخصي على موقع إكس (تويتر سابقًا) أن تنظيم القاعدة انتهى على أرض الواقع بعد رحيل قادته الأوائل، وفق قوله.
وبالطبع لم تكن قيادة القاعدة وأفرعها الخارجية بمعزل عن هذه السجالات، إذ خرج إبراهيم أبو صالح، رئيس اللجنة الأمنية لتنظيم القاعدة في اليمن، في آخر إصدار مرئي نشرته له مؤسسة الملاحم، مهاجمًا جماعة الحوثي ويوجه رسالة إلى القيادة العامة للقاعدة التي يتحكم فيها سيف العدل قائلًا: “ليعلم إخواننا المسلمون أن الحوثة والروافض (الشيعة) جميعًا سواءً كانوا في إيران أو العراق أو في لبنان وسوريا خطر داهم على أمتنا وخنجر مسموم في ظهر أهل السنة ولا يغرنكم ما يقومون به من بعض الأعمال في استهداف المصالح الغربية بحجة نصرة المسلمين في غزة فإنما هو من قبيل اختلاف المصالح بينهما”، بحسب قوله.
وللمفارقة فإن إبراهيم أبو صالح كان هو منسق العلاقات مع جماعة الحوثي وله علاقات ممتدة معه، بحسب اعترافاته، إذ أقر خلال تحقيقات أجراها الأمن معها إبان اعتقاله، بأنه أنشأ شبكة علاقات واسعة مع الحوثيين واستعان بهم في توفير الأسلحة لتنظيمه كما باع أسلحة لهم أيضًا، وكذلك وفرت الجماعة ملاذات آمنة له ولكوادر القاعدة.
ويبدو أن إبراهيم أبو صالح يُدرك خطورة وصم التنظيم بالعلاقة مع الإيران ووكلائها لذا يحاول نفي هذا الاتهام عن طريق مهاجمة الحوثيين ووكلاء إيران الآخرين في المنطقة. ومن المعروف أن القيادي المصري في قاعدة اليمن، هو أحد أبرز قادة الصف الأول المتبقين في التنظيم ويوصف بأنه من دائرة سيف العدل المقربة حتى أنه تولى مسؤولية إعداد وتدريب نجله خالد محمد صلاح الدين زيدان الذي انتقل من إيران إلى اليمن، قبل سنوات، وعمل فيها باسم “ابن المدني” إلى أن وفاته المنية في مارس/ آذار الماضي، بعد إصابته إثر اندلاع حريق في شقة كان يقين بها، ولذا إنه يُحسب من المتماهين مع قيادة القاعدة المصابة بمتلازمة طهران.
وبعد أيام فقط من ظهور إبراهيم أبو صالح، نشرت مجلة صدى الملاحم الصادرة عن القاعدة في اليمن مقالًا لقيادي آخر بالتنظيم أطلقت عليه اسم “أبو سالم الأنصاري” بعنوان “بين الموت لأمريكا وخيانة المسلمين” هاجم فيه إيران ووكلائها في اليمن جماعة الحوثي بشدة، قائلًا إن طهران تحالفت مع الولايات المتحدة لإسقاط نظام حركة طالبان، بعد هجمات 11 سبتمبر، وإن جماعة الحوثي منذ نشأتها تتبع نظام الولي الفقيه في طهران ولا تخرج قيد أنملة عن السياسة الإيرانية.
وألمح “الأنصاري” في مقاله الذي جاء ردًا مباشرًا على مدح سيف العدل، في مقاله الأخير، أن جماعة الحوثي تريد السيطرة على كامل التراب اليمني وطمس هوية السنة في البلاد، معتبرًا أن الهجمات التي استهدفت السفن في باب المندب والبحر الأحمر لا تعدو كونها مناوشات تريد منها جماعة الحوثي تجميل وجهها وإظهار نفسها كأنها تشكل خطرًا على الولايات المتحدة لا سيما وأنها ترفع منذ نشأتها شعار “الموت لأمريكا” دون أن تستهدف المصالح الأمريكية في المنطق، على حد تعبيره.
ومن اللافت أن مجلة صدى الملاحم اختارت أن تنشر المقال الذي يُهاجم الحوثي باسم “أبو سالم الأنصاري”، والذي يُستخدم لأول مرة في منشورات قاعدة اليمن، ردًا على سيف العدل الذي يكتب باسم “سالم الشريف”، ولهذا الأمر دلالة ضمنية هامة، فالأخير اختار هذا الاسم المستعار ليوحي بأنه سلم من الانحراف ولم يتورط في حرف مسار ومنهج القاعدة، بينما جاء اختيار اسم “أبو سالم الأنصاري” لإرسال رسالة مفادها أن السلامة المنهجية الحقيقية هي التصريح بالعداء لإيران ووكلائها وليس الإشادة بهم ومدحهم كما فعل سيف العدل في أحدث مقالته.
كما يُعطي نشر هذا المقال لمحة أخرى عن الخلاف داخل قيادة اليمن، فــ”أبو سالم” يُشار له بنسبة “الأنصاري” أي أنه من القيادات اليمنية داخل التنظيم والذين يُشكل أغلبهم، وفي مقدمتهم سعد العولقي الأمير الحالي للتنظيم، تيارا رافضًا لنهج المصابين بمتلازمة طهران، ويرى هؤلاء ضرورة التركيز على قتال وكلاء إيران في المنطقة بعكس رؤية سيف العدل وصهره الذين يدعون لتحالف بين الفريقين.
وتكشف التطورات الأخيرة بما فيها ظهور إبراهيم أبو صالح ومقال أبو سالم الأنصاري أن الخلاف والغضب المكتوم تجاه سيف العدل وصهره مصطفى حامد، المصابين بمتلازمة طهران، بدأ يطفو إلى العلن وبقوة وهو أمر لا يحدث داخل القاعدة إلا في الحالات التي تتعمق فيها الخلافات وتنشق فيها صفوف التنظيم.
وربما تفضي تلك الخلافات إلى انشقاقات كبيرة في صفوف التنظيم أو حتى خروج أفرع كبرى من إطار الدائرة التنظيمية للقاعدة فالخبرة السابقة في التعامل مع التنظيمات الجهادية تشير إلى أن قادة الأفرع الخارجية لا يلجأون للرد على أمير التنظيم أو من ينوب عنه إلا حين تتطور الخلافات تمامًا مثلما حدث في الشقاق الجهادي الشهير بين القاعدة وداعش، عام 2014، والذي أدى إلى انفصال الأخير إلى غير رجعة عن تنظيم القاعدة.
الخلاصة
لا يبدو أن نهج سيف العدل، محمد صلاح الدين زيدان، يحظى بقبول وتوافق كامل داخل قيادة تنظيم القاعدة فبين الحين والآخر تظهر مؤشرات على رفض نهجه الحالي المتحالف مع طهران والمتماهي مع استراتيجيتها، ومن الواضح أن سيف العدل يمضي في طريقه لتحويل القاعدة إلى وكيل إيراني تمامًا كجماعة الحوثي وحزب الله اللبناني، فلم يسبق في تاريخ التنظيم أن امتدح أميره أو أي قائد بارز فيه جماعة شيعية ولائية مرتبطة بنظام الولي الفقيه في طهران كما فعل سيف العدل في مقاله الأخير.
ورغم أن سيف العدل يطمح أن يكون قائدًا عالميًا لتنظيم القاعدة إلا أن الواقع يقول أن الجهادي المصري الذي ترك بلدته منذ ثمانينات القرن الماضي، صار موصومًا ومرفوضًا في مسقط رأسه أو في أحسن الأحوال مجهولًا ومنسيًا لا يعرف عنه أحد شيء، وهذا هو واقعه الذي لا يستطيع الفكاك منه اليوم.