التشريعات في مالي لم تقض تماماً على ظاهرة عبودية النسب

في مايو الماضي ومثل كل عشية، ذهب عمر كوناتي لإطعام ماشيته ولكنه هذه المرة لم يعد بل قٌتل حيث كان. لم يقترف الشاب العشريني ذنباً غير أنه أبى أن يكون عبدا لمن يسمون أنفسهم الأسياد ووقف ضدهم مطالباً بحريته ومتحدياً نظام الرق على أساس النسب المتوارث في مالي منذ قرون.

 “كانت لدينا نزاعات حول بناء حظيرة للمواشي. لأنه المكان الوحيد الذي نأوي فيه مواشينا. لذلك قمنا بالبناء، ولكنهم اعترضوا وهدموا الحظيرة. كل ليلة، كان عمر يذهب لإطعام مواشيه. لا أعرف ما الذي حدث بالضبط، ولكن والدتي أبلغتني بأن جثة أخي الصغير ملقاة على الأرض، وعندما وصلت، وجدته هناك مرمياً، لقد تم قتله بالفعل” هكذا بدأ يحيى كوناتى شقيق عمر، حديثه لأخبار الآن متحدثاً عن مأساة قتل أخيه.

قتل وتعذيب وتهجير.. صراع مجتمع "الأسياد والعبيد" في مالي

قصة يحيى كوناتى وشقيقه عمر كما رسمه الذكاء الاصطناعي

 “ورثة” نظام العبودية بالنسب في مالي، صراع لا ينتهي

النزاع الذي وقع مع عمر بسبب رغبته في بناء حظيرة للمواشي وانتهى بقتله كما يقول شقيقه هو في حقيقة الأمر حدث واحد من حلقة الصراع التي يواجهها “ورثة” نظام العبودية بالنسب في مالي بمجرد مطالبتهم بحقوقهم الشرعية. لا تزال مالي أحد معاقل العبودية في منطقة الساحل بأفريقيا، ففي الوقت الذي تخوض فيه العولمة في مشاكل مثل الحقوق السياسية والجنسية وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي يرزح أناس مئات الآلاف في مالي تحت نظام العبيد والأسياد في حياتهم اليومية.

قتل وتعذيب وتهجير.. صراع مجتمع "الأسياد والعبيد" في مالي

 

لا يزال هذا النظام السالب للكرامة الإنسانية جزءاً لا يتجزأ من النظام الاجتماعي المحلي في باماكو، حيث يقوم نظام العبودية في مالي بالتوريث، بمعنى أنه ينتقل من الأم إلى أبنائها فمن يولدون من النساء العبيد يصبحون عبيدًا لأسيادهن. ومن يعارض هذا الوضع يُعاقب بشكل عنيف، وقد يواجهون القتل مثلما حدث مع عمر كانوتي وغيره، أو يُطردون من مناطقهم التي عاش فيها أجدادهم لمئات السنين، أو حتى يسجنون خاصة في منطقة نيما تولاي، بنيورو دو ساحيل.

مضايقات وحرمان من الحقوق يلاحق العبيد

في حوار لمراسل أخبار الآن في مدينة نيما تولاي المالية يقول بوبكر سيسوكو رئيس جمعية جامبانا إنترناشونال والتي أنشئت لمناهضة العبودية في مالي:”في الواقع، منذ 6 سنوات، بدأت حركات الاستنكار ضد العبودية على أساس النسب، وبدأت معها المشاكل. هذه القرية معادية لكل من ينتقد العبودية المورّثة ويريد الخروج من هذا الوضع”.

ويضيف: بمجرد أن أعلنوا أنهم يرغبون في الخروج من هذا الوضع، بدأت المضايقات. طردوهم من القرية ومنعوهم من دخول الأماكن العامة، وما إلى ذلك. هذا الشاب الذي تم اغتياله من قبل العبيد، كان قد تزوج أولًا في القرية، لكنهم أخذوا زوجته لأنه رفض وضعه كعبد. تزوج ثانيةً وهذه المرة وافق والدا الزوجة. في يوم زفافهم، حاولوا تخريب حفل الزفاف واعتدوا على شقيق هذا الشاب الفؤوس والسكاكين.

ويواصل بوبكر سيسوكو حديثه قائلاً: السُخرة في مجالات الزراعة وتربية الماشية و الاتجار بالعبيد ووهبهم، وتنتقل من ناحية الأم إلى ذريتها ومن ثم فإن من تلده الإماء يصبح عبداً جديداً لأسياده ومن يعترض على هذا الوضع نقرأ بعدها خبر وفاته في عناوين الأخبار فهناك من تعرضوا للضرب حتى الموت مثل عمر وهناك من طُردوا من مناطقهم حيث عاش أجدادهم لمئات السنين وهناك من سُجنوا.

قتل وتعذيب وتهجير.. صراع مجتمع "الأسياد والعبيد" في مالي

يعتبر الرق القائم على النسب ، واسع الانتشار في المناطق الوسطى والشمالية من مالي بما في ذلك مناطق تمبكتو وغاو وكيدال، ووفقاً للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في مالي ، لا توجد بيانات عن عدد ضحايا الرق بالنسب في البلد ، ومع ذلك تقدر بعض المنظمات أن ما لا يقل عن 800 ألف شخص يعتبرون مولودين في العبودية ويعيش حوالي 200 ألف شخص منهم تحت السيطرة المباشرة لــــ”أسيادهم”.

وفي دراسة حديثة، أوردت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في مالي تفاصيل عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان المتصلة بالرق بالنسب، بما في ذلك أعمال العنف، والاعتداء، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والإذلال العلني، والشتائم، والتخويف، والاختطاف، والاغتصاب التي يرتكبها يوميا “الرؤساء” ضد “الرق”، والحرمان من الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية (بما في ذلك مرافق المياه مثل المضخات أو الآبار، والمدارس، والمرافق الرياضية والصحية)، والحرمان من الوصول إلى الأعمال التجارية أو المزارع. وكثيراً ما يتعرض الأفراد أو المجتمعات المحلية التي تقاوم الرق للعزل البدني أو الاجتماعي.

“ديوكو” قالت لا للعبودية فقتلوها وألقوها في المياه

لم يختلف الوضع كثيراً في منطقة كاييس تحديداً بقرية لاني، فهناك عاشت وماتت سيدة عجوز تدعى”ديوكو سيديبي” لقت مصرعها في حقلها والسبب إنها قالت ذات يوم ” أنا لست عبدة ولا أولادي عبيد”.

“في يوم جمعة، ذهبت العجوز إلى حقولها للعمل وكنت في كاييس. لم يحدث لها شيء، إلا أن إحدى العائلات الداعمة للعبودية هاجموها وكانت وحدها. لا أعرف إن كانوا قد ضربوها أو أساءوا معاملتها، لكن الله وحده يعلم. أخذوها معهم، وعندما جئنا إلى الحقول لم تكن هناك. تبعنا آثارها ولكن بلا جدوى. بقينا كذلك حتى صباح السبت لمواصلة البحث في حقول الأرز. وجدنا جثتها في كيس في الماء تحت شجرة. اتصلنا بالسلطات والعمدة وجاءوا ومزقوا الكيس، ووجدوا أن الجثة كانت محروقة. هذه هي الطريقة التي قتلت بها والدتنا”.

قتل وتعذيب وتهجير.. صراع مجتمع "الأسياد والعبيد" في مالي

هكذا تصور الذكاء الاصطناعي مقتل “ديوكو سيديبي”

هكذا روى لنا إبراهيم كوناتى قصة مقتل والدته بهذه الطريقة الشنعاء، بينما فضح لاسين كوناتي الابن الثاني للسيدة ديوكو سيديبي ما يمارس ضدهم من جرائم مطالبًا بشيء واحد فقط وهو أبسط حقوقه الإنسانية “الحرية”، قائلاً : “بدأوا بمنعنا من سحب الماء من المضخة العامة الموجودة في منطقتنا لأننا رفضنا الاعتراف بأننا عبيد مرة أخرى. لكن على الرغم من المحاولات العديدة، تمسكنا بقرارنا. والمرة الثانية كانت بمنعنا من زراعة حقولنا، وأصبح من الضروري علينا الامتثال لذلك لأن أجدادنا كانوا عبيدًا لهم. لذلك، يجب علينا الامتثال، ومن يجرؤ على تحديهم لن يُسمح له بزراعة حقوله.

ويضيف: كان هذا العنف نوعًا من الاستراتيجية السياسية لعدم ضرب شخص ما في المقام الأول. من عام 2017 إلى اليوم، مرت سبع سنوات على استمرار هذه الممارسة، لم نطلب شيئًا من السلطات في مالي ، نحن فقط نريد أن نكون أحرارًا ومتساوين في الحقوق كما ينص على ذلك الدستور المالي. إذا لم يكن هناك تكافؤ بين الناس، لن يكون هناك سلام. نحن نطالب فقط بحقوقنا لأن الطريقة التي يعاملوننا بها هي عار علينا.

على الرغم من إلغاء العبودية رسمياً في مالي عام 1905 خلال فترة الاستعمار الفرنسي، إلا إن عملية الإلغاء تلك لم تُنفذ بفعالية كاملة خوفاً من زعزعة الاقتصاد المحلي القائم على العبودية، بل تم السماح باستمرار الممارسات العبودية تحت مسميات جديدة مثل “العمل المنزلي” أو “العقود العمالية” ، ونتيجة لاستمرار توريث حالة العبودية عبر الأجيال ، يتم تمييز العائلات التي كانت تاريخياً مستعبدة ويظل أبناؤها وأحفادها يحملون وصمة العبودية ليتم استبعادهم من الحقوق والفرص التي يتمتع بها بقية المجتمع فيقرر الضحايا الهروب والهجرة لدول أخرى لتحقيق حياة أفضل .

قتل وتعذيب وتهجير.. صراع مجتمع "الأسياد والعبيد" في مالي

ويحكي لاسين كوناتى تفاصيل حياة من يسمونهم العبيد في مالي قائلاً “كل شخص يُدعى عبداً لا يُعتبر شخصية في المنطقة ولا يحق له حضور بعض الأمور في القرية. مثلاً عندما تزور شخصية معينة القرية، يكون دور العبيد هو تنظيم اللقاء والترحيب بالزائر بالتصفيق والرقص والفلكلور.

لكن هناك بعض الأمور التي لا يحق لهم التدخل فيها، ويتم استبعادهم تماماً. في أيام الأعياد، قبل أن تبدأ في أعمالك الخاصة، يجب أن نقوم بالأعمال المنزلية لـ”أسيادنا”. وكما أن لكل منطقة قوانينها الخاصة، في بعض المناطق يجب أن يذبح العبيد الخراف قبل أن يذبحوها لأنفسهم. وفي مناطق أخرى، يجب عليهم زراعة حقول رؤسائهم من الاثنين إلى الخميس، والأيام الأخرى مخصصة لهم لزراعة حقولهم، وفي مناطق أخرى يطلبون منهم العمل لثلاثة أيام. كنا نُعامل كعبيد حتى عندما يسير أطفالنا على الطريق كانوا يسمونهم أطفال العبيد” .

 واتفق معه شقيقه إبراهيم قائلا: معاناة مستمرة منذ خمسة أعوام، خوف وحرمان واغتيال الأبرياء فنحن نعيش في قريتنا ونحن خائفون. ومع ذلك، تظل الوضعية ثابتة. قبل عام 2019 – 2020 – 2021 وحتى عام 2023، عشنا أصعب الأوقات مع القرويين. منعونا من استخدام الآبار والحقول، ولكن الآن الأمور أفضل. نحصل على الماء ونزرع. وإلا فقد عانينا كثيرًا دفننا والدتنا هنا، لأن القرية بأكملها كانت وراء اغتيالها. قتلوها وألقوا بجثتها. وجدنا الجثة بعيدًا عن مقبرة القرية. وحالة الجثة لم تسمح لنا بنقلها إلى المقبرة. لذلك دفننا والدتنا هنا”.

ضحايا أبرياء ورثوا العبودية واكتووا بنارها

الباحثة ماري رودت وهي محاضر في تاريخ إفريقيا بجامعة سواس في لندن، تصف ما يحدث لهؤلاء بـ “الوضع المغلق” قائلة : “هي شكل من أشكال العبودية التي يتم وراثتها من العبودية التاريخية، حيث يرث الضحايا وضع العبودية في مجتمعهم لأن أحد أجدادهم تم استعباده. لذا لا يمكنهم فعلاً التخلص من هذا الوضع، وهو وضع مغلق حيث يجب عليهم الزواج ضمن هذه الطبقة الاجتماعية، ولديهم واجبات اجتماعية محددة تجاه الطبقة الحاكمة التي تسمى النبلاء، والتي تعتمد على عدد من طبقات الواجبات والالتزامات والإكراه أحياناً، بما في ذلك العنف”.

قتل وتعذيب وتهجير.. صراع مجتمع "الأسياد والعبيد" في مالي

أين القانون؟

كل ذلك يحدث والحكومة لا تزال غير قادرة على إنهاء العبودية والأوضاع الشبيهة بها في البلاد ، وفقا لما ذكرته ماري قائلة “مالي هي واحدة من الدول القليلة التي لم تقم بعد بتجريم العبودية المستندة إلى النسب. لذا لديهم تشريعات ضد العبودية الحديثة، وقد دمجوا العبودية في القانون الجنائي، لكنهم لا يعرفون العبودية المستندة إلى النسب.

كما أن الأدوات القانونية التي لديهم لمحاولة معالجة العبودية ليست كافية للتعامل مع العبودية المستندة إلى النسب، إلا عندما يكون هناك عنف جسدي. لذا فإن مالي بحاجة إلى قانون محدد يجرم العبودية المستندة إلى النسب بشكل خاص وليس العبودية بشكل عام”.

وبخلاف من تعرضوا لإصابات أو حتى القتل لرفضهم العبودية هناك من قرروا الهجرة ولاذوا بالفرار تاركين قراهم وديارهم ، وهذا ما حدث مع “لو كوليبالي” إحدى ضحايا العبودية النازحين في باماكو والذي يقول لأخبار الآن “غادرنا مناطقنا بسبب الصراع المتعلق بالعبودية بالوراثة. لأول مرة، من يدعون أنهم أسيادنا حرمونا من الحصاد لمدة ثلاث سنوات، وخلال هذه السنوات الثلاث، حرمونا من الماء، ومن المدرسة، وحتى من المستشفى. لم يتوقفوا عند هذا، بل منعونا من السوق، وحتى من المتاجر في قريتنا”.

لا تزال للقصة بقية تكشف فظاعات ما تتم ممارسته ضد ضحايا الرق والعبودية حيث تقول كوليبالي : “بعد كل ذلك، في يوم جمعة، قطعوا الماء عنا. وعشنا بدون ماء من السبت حتى الاثنين. ثم أخبرونا أن نذهب لجلب الماء من بئر مياهه كانت متسخة جداً لأنها مزيج من المياه العادمة ومياه الأمطار. في نفس الليلة من يوم الجمعة، بدأوا في رشقنا بالحجارة من الساعة 8 مساءً حتى الساعة 11 مساءً. وفي حوالي الساعة 1 صباحاً، كسر من يدعون أنهم أسيادنا بابنا، وأصاب الباب رأس حماتي.

وتضيف : طلبوا إخراج زوجي، لكننا رفضنا لأنهم كانوا يريدون إنهاء حياته. بعد كل هذا، أطلقوا إنذاراً نهائياً لمغادرة القرية قبل ظهر اليوم التالي. عند هذا الإنذار، أخذنا الأشياء الضرورية فقط وأخذنا أطفالنا و فررنا. لأنهم كانوا أكثر عدداً. مشينا بلا توقف حتى وصلنا إلى قرية نعرف أنها أكثر أماناً، وهناك قضينا الليلة. بعد ذلك ذهبنا إلى ديما، دائرة في منطقة نيورو دو الساحل، لإبلاغ السلطات المحلية لكنها لم تستطع فعل شيء. وهكذا وصلنا إلى باماكو، العاصمة.

حركات حقوقية في مواجهة العبودية

وسط هذه الجرائم الإنسانية التي تُرتكب بحق من يُطلق عليهم “العبيد” في مالي ظهرت حركة مناهضة للعبودية، ممثلة في جمعية غامبانا إنترناشونال ومن بين رموزها بوبكر سيسوكو ولاسين كوناتي ابن السيدة ديوكو سيديبي التي قتلت في حقلها.

“في منطقتنا في كاي، كان الرق بالوراثة ممارسة موجودة منذ زمن طويل. لكن اليوم، أصبح لدينا فهم معين لهذا الموضوع. لا يمكن أن تستمر هذه الممارسة القديمة اليوم في القرن الحادي والعشرين. لهذا السبب أنشأنا جمعية لإنهاء هذه الممارسة، ولأن الوقت قد حان لنكون أحراراً ومتساوين في نظر الجميع. لهذا السبب سمينا الجمعية “غامبانا” والتي تعني المساواة بين جميع البشر في المجتمع المالي كما ينص على ذلك الدستور المالي في أحد مواده. فكرنا في القيام بحملة توعية حول عواقب الرق بالوراثة، وتم إنشاء الجمعية في عام 2017 تحت اسم غامبانا”.

هؤلاء الناشطون يناضلون من أجل العتق من ظروف السخرة و باللجوء للقضاء لتقديم شكاوى بحق من يسمون أنفسهم “الأسياد” والقادة المزعومين ممن يدعمون سلطة هؤلاء الأسياد على نظام العبودية بالنسب.

ولكن حتى هؤلاء الناشطين يتعرضون بانتظام لأعمال العنف والتعذيب ونزع أملاكهم ولا سيما في منطقة كايس حيث العبودية بالنسب لا تزال ضاربة بجذورها في أعماق الأرض إلا أن كثيرون يعقدون الأمل على رموز الجمعية لإنقاذهم من براثن العبودية بالنسب.

وهذا هو الهدف الأسمى لبوبكر سيسوكو الذي يقول “لا نريد البقاء في هذا الوضع بعد الآن. سنترك هذا الوضع. من الآن فصاعداً، سنوقف كل ما يتعلق بالعبودية. وسنوقف تنفيذ كافة العادات المرتبطة بالعبودية. ولا يجب أن يدعونا الناس عبيداً بعد الآن. سواء كانت أحيائنا، حي العبيد، أبقارنا، أبقار العبيد، خيولنا، خيول العبيد، حميرنا، حمير العبيد، يجب أن يتوقف كل هذا”.

في كيتا، في قرية مامبري، هناك أكثر من 1600 شخص نازح. وفي مدينة الأطفال في باماكو، هناك أكثر من 300 نازح هناك أيضًا منذ 4 سنوات. وفي سينو 500 نازح، وفي ييريماديو نفس الشيء. وعلى الرغم من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المسؤولة عن استمرار العبودية المتوارثة ذات النزعة العنصرية في مالي إلا أن الباحثة ماري دعت هؤلاء النشطاء لاستكمال مشوارهم “هذه المجتمعات لديها تاريخ هائل من المقاومة ضد العبودية، وقد تمكنت من بناء قدرة على التحمل عبر الأجيال.

كما أنها بقيت في بيئات اجتماعية معادية ومعزولة من قبل طبقة النبلاء الحاكمة، لأن هذه الطبقة الحاكمة والسلطة السياسية المهيمنة لم ترغب في أن يُعرف هذا التاريخ ويعطي أفكاراً لفئات أخرى مستعبدة وأشخاص يحملون وضع العبودية لمحاولة مقاومة خضوعهم.

وأضافت: لذا، رغم هذا، لم يتغير الخطاب المهيمن عن العبودية عبر الأجيال في الفضاء العام، لأن النخبة الحاكمة لم تتغير كثيراً، كان هناك حظر كبير على العبودية الداخلية والأشخاص الذين تمكنوا من الهروب من العبودية الداخلية من خلال الهجرة فقط أخفوا أصلهم للمرور على أنهم جزء من الطبقة الحاكمة. لكن ما أحاول قوله من خلال هذا البحث هو أن هذا التاريخ من المقاومة يجب أن يتم مناقشته في الفضاء العام ويجب أن تكون الأجيال الشابة فخورة به لكي يتمكنوا من استخدام هذه المعرفة والتراث لمواصلة الكفاح ضد أشكال الاستغلال المعاصرة، بما في ذلك العبودية الحديثة”.

وأتفق معها بوجا كرندي، مسؤول في حركة حماية حقوق الإنسان في مالي، قائلاً أن الوضع تحسن قليلاً منذ بداية النضال ضد العبودية في عام 2018، حيث كانت هناك حالات وفاة متكررة في القرى بسبب هذه الممارسات. لكن مع وصول العسكريين، الذين اعتمدوا على الحلول القانونية، بدأت الأمور تتحسن تدريجيًا. وعلى الرغم من غياب القوانين الصارمة لمعاقبة العبودية بشكل مباشر، فقد حدثت العديد من الاعتقالات، وتراجع الدعم الشعبي للعبودية بفضل الضغط القضائي.

قتل وتعذيب وتهجير.. صراع مجتمع "الأسياد والعبيد" في مالي

وذكر كرندي أن السلطات القضائية في مالي قد أسست محاكم خاصة للنظر في قضايا العبودية في عام 2022، وقد تم القبض على العديد من الأشخاص المتورطين في هذه الجرائم. وأضاف أن الوضع الاجتماعي قد أصبح أكثر هدوءًا مع انخفاض كبير في حالات العبودية، مع تراجع العديد من الشخصيات الداعمة لهذه الممارسة تحت ضغط العدالة.

وكشفت دراسة حديثة عن جمعية “محامون بلا حدود” الكندية، أن هناك حوالي 800,000 شخص متضرر من العبودية بالوراثة في مالي. كما أوضحت الدراسة أن هناك نحو 3,000 شخص فروا من مناطقهم بحثًا عن الأمان في شرق البلاد. ويقدر عدد الأشخاص المتضررين ، من 2021 حتى الآن بالملايين وقد كانت هذه القضية تؤثر بشكل كبير على مناطق مثل كاي، حيث شهدت نزوح آلاف الأشخاص، بالإضافة إلى وقوع قتلى بالإضافة للمناطق الأخرى مثل نيورو وديبا، والمناطق الشمالية مثل غاو، تمبكتو، وكيدال.

التوصيات والتوجهات المستقبلية

وأمام الحقائق السابقة والمعاناة التي يعانيها أهل مالي يتفق الخبراء على أن هناك حاجة ماسة لإقتراح قانون جديد فمن بين التوصيات التي قدمتها حركة حماية حقوق الإنسان، اقتراح قانون يجرم العبودية بالوراثة ويعاقب مرتكبيها، إلى جانب التوعية ا والتثقيف، فلابد أن تعمل المنظمات على زيادة الوعي وتقديم الأنشطة التوعوية التي تشرح القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان وأهمية مكافحة العبودية، وذلك لتعزيز التغيير المجتمعي.