كيف وصل الظواهري إلى كابول؟ تفاصيل حصرية ودور مؤثر لحمزة الغامدي

في مثل هذا اليوم من عامين وتحديدا في 31 يوليو 2022، تم قتل الظواهري بواسطة ضربة طائرة أمريكية بدون طيار في كابول.

في العام 2022، وصل الزعيم السابق لتنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، خلسة إلى العاصمة الأفغانية كابول عن طريق مسؤول استخبارات شاب من طالبان، لكن الشاب المتمرد فعل ذلك دون علم قيادة طالبان.

حصلنا على هذه المعلومات وفقًا لجهاديين كبار في باكستان وأفغانستان الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم. ولحماية مصادرنا على الأرض، تم تغيير ثلاثة أسماء في هذه المقالة. ونحن في أخبار الآن نعلم الهويات الحقيقية لهؤلاء الثلاثة.

كان المسؤول الشاب في طالبان الذي جلب الظواهري إلى كابول سراً هو “نعمان” (ليس اسمه الحقيقي). ينحدر “نعمان” من قندهار. كان يعمل في ذلك الوقت تحت حكومة طالبان وتحديدا لدى وكالة الاستخبارات الأفغانية (GDI).

الظواهري كان يعاني من “مشاكل في القلب والكلى والجلد” وكان بحاجة إلى مساعدة طبية في المدينة، ونظرًا لأنه كان يعاني من أمراض مزمنة لسنوات، ليس من الواضح لماذا قرر في هذه المرحلة بالذات الذهاب إلى كابول. هل تدهورت حالته الصحية؟ هل كانت الرحلة فكرته أم جاءت من المحيطين به؟

ما هو واضح هو أن الظواهري ومرافقيه اختاروا تجاهل الضرر الهائل الذي سيلحقونه بطالبان وقاموا بالرحلة السرية والشاقة إلى كابول.

القصة غير المروية لآخر رحلة لأيمن الظواهري إلى كابول.. ولماذا لم تتمكن القاعدة من إعلان خليفته

الظواهري مع رفيق رحلاته السرية حمزة الغامدي

كذلك، كان “عبد المتين” (ليس اسمه الحقيقي)، وهو مسؤول إقليمي كبير في أفغانستان، و”قاري مختار” (ليس اسمه الحقيقي)، عضوًا آخر في طالبان له صلات بالقاعدة، من بين قليل من مسؤولي طالبان الذين كانوا على علم بوجود الظواهري في كابول. لقد كانوا على معرفة شخصية بالظواهري وبن لادن منذ التسعينيات والتقوا سراً بالظواهري ونعمان بعد وصول زعيم القاعدة السابق إلى كابول بفترة قصيرة.

وأقام الظواهري لعدة أسابيع في موقعين مختلفين في كابول.

المكان الأول الذي أخفى فيه “نعمان” الظواهري كان منزلًا آمنًا خاصا بمديرية الاستخبارات العامة التابعة لطالبان. ولكن بعد رصد طائرة بدون طيار فوق المنزل الآمن، نُقل الظواهري بمساعدة “نعمان” إلى منزل بالقرب من دوار “سه راهی علاالدین Sai Rahi Aludin roundabout” في العاصمة الأفغانية.

وخلال إقامته في هذا الموقع الثاني، اكتشفت استخبارات طالبان في كابول وجود الظواهري في العاصمة.

الصدمة والذعر بين قادة طالبان

بعد الاكتشاف المفاجئ، تلقى سراج الدين حقاني، وزير الداخلية الحالي في طالبان، اتصالا عاجلا في منتصف الليل ليتم إبلاغه عن وجود زعيم القاعدة في كابول.

تواصل سراج الدين حقاني، مذهولًا ومصدومًا، مع اثنين من إخوته وسألهم إن كانوا مشتركين في خطة جلب الظواهري إلى كابول.

عندما أقسم كلا الأخوين أنهما لا يعرفان شيئًا عن نقل الظواهري إلى كابول، قرر حقاني نقل زعيم القاعدة المريض إلى موقع ثالث، وهو منزل من طابقين في كابول.

اكتشف الأمريكيون موقع الظواهري وقتلوه بضربة طائرة بدون طيار في 31 يوليو 2022.

وفقًا لتقرير داخلي لطالبان عن قضية الظواهري، تم العثور لاحقًا على عدة كاميرات مخفية في غرفة النوم والمطبخ في المنزل الذي قُتل فيه الظواهري.

كان اكتشاف وقتل الظواهري في كابول مؤلمًا للغاية ومحرجًا لطالبان.

في اتفاق الدوحة الموقع مع الولايات المتحدة في عام 2020، وافقت طالبان على منع الجماعات الإرهابية المناهضة للغرب من استخدام أفغانستان كملاذ آمن مقابل انسحاب الأمريكيين من أفغانستان.

ولكن بالكاد بعد عام واحد من استيلاء طالبان على أفغانستان، تبين أن الظواهري، أكثر المطلوبين في قائمة الإرهاب الأمريكية وأحد المشتبه بهم الرئيسيين في هجمات 11 سبتمبر، كان يختبئ في وسط كابول التي تسيطر عليها طالبان.

كانت حالة من الذعر تسود بين طالبان في كابول. خوفًا من أن الأمريكيين لن يتسامحوا مع هذا الخرق لاتفاق الدوحة، اختارت طالبان إنكار وجود ومقتل الظواهري في كابول علنًا.

القصة غير المروية لآخر رحلة لأيمن الظواهري إلى كابول.. ولماذا لم تتمكن القاعدة من إعلان خليفته

طالبان تأمر سيف العدل بحسن التصرف

طالبان خشيت من أن القاعدة ستؤكد مقتل الظواهري وتعلن عن اسم زعيم جديد للقاعدة.

لذلك، بعد وقت قصير من مقتل الظواهري، أرسلت طالبان رسولًا يحمل رسالة إلى قيادي القاعدة، سيف العدل، الذي يعيش منذ سنوات عديدة في إيران.

في الرسالة إلى سيف العدل، طلبت طالبان منه عدم الإعلان علنًا عن وفاة الظواهري والانتظار في أي إعلان لخليفته على قيادة التنظيم.

تحدثت رسالة طالبان عن “العلاقات التاريخية بين منظمتيْنا”. وأشادت بمساعدة القاعدة لطالبان. وجاء في الرسالة: “في وقت الحاجة، قاتلت القاعدة إلى جانبنا وقدمت لنا الدعم المالي”.

ولكن أوضحت رسالة طالبان أيضًا أن وجود أسامة بن لادن في أفغانستان هو الذي أسقط طالبان في عام 2001. وأن طالبان ليست مستعدة لسقوط آخر، هذه المرة بسبب وجود ومقتل الظواهري في كابول.

وأضافت الرسالة: “لكن لا تنسوا أننا (طالبان) ضحينا بنظامنا بالكامل من أجل ذلك. من المنطقي وفي مصلحة الجانبين عدم الإعلان عن زعيم جديد (للقاعدة) وعدم الإعلان عن “استشهاده” بعد. انتظروا وقتًا مناسبًا. من فضلكم احترموا علاقتنا”.

كان جواب سيف العدل لطالبان من إيران واضحًا. كتب أنه يفهم موقفهم تمامًا. وأنه كان “حلم الظواهري أن يستشهد بهذه الطريقة”.

وفقًا لمصادر جهادية كبيرة، بعد وقت قصير من وفاته، دفن جثمان الظواهري بمنطقة “شواك زدران Shawak Zadran” النائية في مقاطعة بكتيا في جنوب أفغانستان.

رحلات عبر باكستان وإيران وأفغانستان للوصول إلى كابول

إن المناطق الريفية في جنوب أفغانستان والأراضي الحدودية النائية من الحزام القبلي الباكستاني كانت بالفعل لعدة عقود المكان الذي كان يختبئ فيها الظواهري.

في عام 2001، غادر الظواهري وبن لادن معًا، بمساعدة “عبد المتين”، إلى تورا بورا بعد تقدم القوات الأمريكية. وعلى الرغم من مقتل بن لادن في عام 2011 في أبوت آباد، باكستان، بقي الظواهري بعيدًا عن الأنظار لفترة أطول بكثير.

يقول جهادي كبير، يعيش الآن في كابول، أنه التقى سرًا بالظواهري في عام 2018 في منطقة أوراكزاي القبلية Orakzai District في باكستان.

في وقت لاحق من ذلك العام، في نوفمبر، قُبض على ابنة الظواهري وزوجها في كراتشي. ويعلق الجهادي الكبير، “منذ تلك اللحظة أدرك الظواهري أن مكانه غير آمن وعرضة للخطر”.

انتقل الظواهري بعدها سرًا من أوركزاي إلى المناطق الحدودية، الخارجة عن القانون، حيث تلتقي باكستان وأفغانستان وإيران. ومكث لبعض الوقت في منطقة سراوان في إيران.

يقول الجهادي المخضرم: “لم يكن ممكناً إخفاء الظواهري في إيران لفترة طويلة، كان ذلك كإخفاء جمل في خيمة. كان سيتم اكتشافه من قبل السلطات”.

في عام 2020، عندما بدأ الأمريكيون في الاستعداد للانسحاب من أفغانستان، انتقل الظواهري بسرعة واختبأ لفترة في منطقة بهرامشة Bahramcha في مقاطعة هلمند.

في بداية عام 2022، بدأت الرحلة التي استمرت ما يقرب من ثلاثة أسابيع إلى كابول. انتقل الظواهري بحذر عبر مقاطعتي زابول Zabul وغزني Ghazni إلى العاصمة الأفغانية.

القصة غير المروية لآخر رحلة لأيمن الظواهري إلى كابول.. ولماذا لم تتمكن القاعدة من إعلان خليفته

حمزة الغامدي: صعود ملفت بعد وفاة الظواهري

في رحلاته السرية من باكستان إلى جنوب أفغانستان ثم إلى كابول، رافق الظواهري حمزة الغامدي، أحد كبار قادة القاعدة. يدير الغامدي شؤون القاعدة في جنوب وشرق أفغانستان وفي الحزام القبلي الباكستاني. الغامدي، الذي هو أصلاً من السعودية، يتحدث لغة الباشتو المحلية بطلاقة.

الغامدي شوهد آخر مرة في الجانب الأفغاني من شمال وزيرستان في باكستان. وفي يونيو من العام الحالي 2024، وضعت الولايات المتحدة الغامدي على قائمة الإرهاب مع مكافأة بقيمة خمسة ملايين دولار على رأسه.

بعد وفاة الظواهري، أستمر الرجل الذي أشرنا إليه باسم “عبد المتين” في عمله كمسؤول إقليمي كبير في أفغانستان. وبينما حاول عضو طالبان الآخر، الرجل الذي أشرنا إليه باسم “قاري مختار”، الانتقال إلى إيران للبقاء على اتصال مع زعيم القاعدة سيف العدل إلا أن محاولاته قوبلت بالرفض من قبل السلطات الإيرانية.

وفقًا لتقرير داخلي لطالبان عن قضية الظواهري، اعتقلت طالبان حوالي 200 شخص بعد مقتل الظواهري. وتم الإفراج عن معظمهم لاحقًا.

من بين الأشخاص الذين تم اعتقالهم كان الرجل الذي أشرنا إليه باسم “نعمان”، ضابط الاستخبارات الشاب الذي جلب الظواهري إلى كابول. سُجن لمدة عامين وأفرج عنه مؤخرًا، ثم انتقل إلى باكستان.

القصة غير المروية لآخر رحلة لأيمن الظواهري إلى كابول.. ولماذا لم تتمكن القاعدة من إعلان خليفته

بغض النظر عن نواياه الحقيقية، بقدومه إلى كابول ومقتله هناك، وجه أيمن الظواهري ضربة قاسية لجهود طالبان في الحصول على الشرعية الدولية، كما أنه أعاق طريق سيف العدل إلى قيادة القاعدة بشكل رسمي، على الأقل لبعض الوقت.

الظواهري أيضًا ترك خلفه الديناميكية المعقدة بين سيف العدل وحمزة الغامدي غير محلولة، في الوقت الذي تزايد فيه استياء عناصر تنظيم القاعدة من ارتباط سيف العدل وتبعيته لأجهزة الأمن الإيرانية.

‎⁨ ظل بن لادن.. هل يكون حمزة الغامدي منافس سيف العدل أم أميره الاستبن؟