استهداف حفل تايلور سويفت يكشف تفاصيل مثيرة حول تجنيد داعش للمراهقين
عاد تنظيم داعش الإرهابي ليطل برأسه مجددا في أوروبا، وذلك بعدما أعلنت النمسا إلغاء ثلاث حفلات للنجمة الأمريكية تايلور سويفت كانت مقرّرة في فيينا هذا الأسبوع، في أعقاب إعلان الشرطة إحباط مخطط إرهابي.
وأكدت وكالة الاستخبارات النمساوية أن الشاب البالغ من العمر 19 عاما والذي أوقف في النمسا كان يحضر لهجوم انتحاري خلال إحدى حفلات سويفت في فيينا “لقتل عدد كبير من الأشخاص”، ما أدى إلى “تجنّب حمام دم”.
وبحسب مدير وكالة الاستخبارات عمر حيجاوي-بيرشنر فإن المشتبه به المنتسب إلى تنظيم داعش منذ مطلع تموز/يوليو أدلى باعترافات كاملة وقال إنه كان ينوي تنفيذ هجوم باستخدام المتفجرات والسلاح الأبيض.
ويتوافق ما كشفته السلطات النمساوية بشأن المؤامرة الإرهابية المزعومة التي كانت تستهدف حفلات تايلور سويفت الثلاث في فيينا مع نمط مخيف مألوف لدى مسؤولي مكافحة الإرهاب الأوروبيين.
حول هذا الموضوع، وتداعياته، على الأمن في القارة الأوروبية، بالإضافة إلى دلالات تفاصيله وتوقيته، وكذلك استراتيجة داعش في تجنيد الشباب لتنفيذ مخططاته الخبيثة والمتطرفة، تواصلنا في “أخبار الآن” مع الدكتور جاسم محمد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، والذي أرجع في بداية حديثه تعمد التنظيم الإرهابي استهداف الحفلات الموسيقية بشكل خاص سواء كانت في أماكن مفتوحة أو مغلقة، إلى رغبته في إلحاق الضرر بأكثر عدد ممكن من الضحايا، وكذلك إحداث ضجة إعلامية أكبر واهتمام أكثر بأنشطته وعملياته.
وأكد جاسم محمد على أن التطرف والإرهاب موجودان ولم يختفيا، لكن نجاح هذه التنظيمات في تنفيذ مخططاتها يعتمد على مدى قدرة الحكومات الأوروبية بسد الثغرات ومنح حدوث مثل هذا النوع من العمليات.
ويرى رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن تنظيم داعش موجود في أوروبا على شكل خلايا أو أنصار أو حتى متأثرين بالأيديولوجيا، لكنه استبعد في الوقت نفسه وقوع عملية واسعة على أراضي القارة الأوروبية، بسبب الجهد الأمني والاستخباراتي عن طريق تنفيذ عمليات استباقية ووقائية من قبل أجهزة الاستخبارات سواء على المستوى الوطني وكذلك على صعيد الاتحاد الأوروبي.
المراهقون.. وقود إرهاب داعش
اللافت في التهديد الذي وقع في فيينا، كان عمر المشتبه بهم الذين تم إيقافهم على خلفية التخطيط لارتكاب هجوم إرهابي، فبحسب السلطات النمساوية يبلغ المتهم الرئيسي من العمر 19 عاما، وهو مواطن نمساوي ذو أصول من مقدونيا الشمالية تم اعتقاله خلال عملية للشرطة في منزله في تيرنيتز، وهي بلدة بالقرب من الحدود المجرية
وقال رئيس الأمن العام فرانز روف للصحفيين يوم الخميس إن المراهق الذي نشر مقطع فيديو على الإنترنت يعترف فيه بالمؤامرة استقال من وظيفته في 25 يوليو تموز وقال للناس إنه “كان لديه خطط كبيرة”.
وخلال تفتيش منزله، صادرت سلطات إنفاذ القانون مواد وأدوات مختلفة تستخدم في صنع القنابل، بالإضافة إلى دعاية تنظيم داعش و21 ألف يورو (23 ألف دولار) من الأموال المزيفة، والسواطير والسكاكين والذخيرة الفارغة.
وذكرت صحيفة كورير نقلا عن مصادر مطلعة على الوضع أن المشتبه به سرق المواد الكيميائية من مكان عمله السابق، وهي شركة لمعالجة المعادن تقع أيضا في تيرنيتز.
مراهق يبلغ 17 عامًا
وبعد أن تم الإبلاغ في البداية عن مشتبه به واحد، عثر المحققون النمساويون على اثنين آخرين، بما في ذلك مواطن نمساوي يبلغ من العمر 17 عامًا من أصول تركية كرواتية تم القبض عليه في فيينا.
وكان يتصرف بشكل ملحوظ في منطقة ملعب إيرنست هابل، حيث كان من المقرر أن تقام عروض سويفت في الملعب أيام الخميس والجمعة والسبت.
وكان الشاب البالغ من العمر 17 عامًا قد حصل على وظيفة في شركة قبل أيام قليلة كانت تقدم خدمات في الملعب.
ولم يدل المتهم بتصريحات للشرطة بعد، وبالتالي فإن دوره الدقيق في المؤامرة غير واضح، لكن مسؤولين قالوا إنه كان على اتصال مكثف بالمشتبه به الرئيسي.
مراهق يبلغ 15 عامًا
أما المشتبه به الثالث والأخير فهو مواطن نمساوي من أصول تركية.
وقال المسؤولون إن الشاب قال أثناء الاستجواب إن المشتبه به الرئيسي تغير بشكل كبير في الأشهر الأخيرة وكان يسأل بانتظام عن أجهزة لإشعال المتفجرات.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور جاسم محمد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إن ما كشفته الاستخبارات النمساوية يؤكد لجوء تنظيم داعش ولاية خراسان وهو الذي يتولى مهمة تنفيذ عمليات في أوروبا، إلى استراتيجية تجنيد المراهقين في الفئة العمرية أقل من20 عاما، مرجعا ذلك إلى سهولة التأثير على هذه الفئة.
يضيف محمد في حديثه مع أخبار الآن، أن هذه الاستراتيجية هي توجه جديد لدى التنظيم الإرهابي، من أجل استقطاب الشباب، مشيرا إلى بعض الدراسات التي أظهرت أنه خلال 2023 – 2024 كان أغلب المستهدفين من قبل تنظيم داعش وتحديدا ولاية خراسان، من الشباب في هذا السن، كما هو الحال في حادث فيينا.
تيك توك ورقة داعش لتجنيد المراهقين
وكشف رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أنه بينما تبقى ولاية خراسان هي المعنية بتنفيذ العمليات الخارجية لتنظيم داعش خاصة في أوروبا، ظهر اسم شخص يدعى “رستم” وهو من أصول طاجيكية، يتولى عملية تجنيد هؤلاء المراهقين وهو الرئيس الحالي لوحدة العمليات الخارجية في تنظيم ولاية خراسان”.
يتابع الدكتور جاسم محمد: “لذلك نلاحظ أغلب الذين يتم تجنيدهم داخل دول أوروبا هم من أصول طاجيكية”، مضيفا أن عملية التجنيد تتم عبر الاتصال غير المباشر من خلال منصات التواصل الاجتماعي، خاصة تطبيق “تيك توك”، لكنه لفت أيضا إلى استغلال باقي وسائل التواصل أيضا، وكذلك استخدام الذكاء الاصطناعي، عبر الخوارزميات، وتحليل المعلومات، من أجل معرفة بعض الأسماء التي يمكن التقرب منها، وبالتالي ترشيحها لعمليات التجنيد.
ووفقًا لدراسة أكاديمية بارزة، فإن ما يقرب من ثلثي الاعتقالات المرتبطة بتنظيم داعش في أوروبا في الأشهر التسعة الماضية كانت لمراهقين، وذلك مع تزايد القلق بين مسؤولي الأمن الأوروبيين من التنامي المتزايد والوصول في الغرب لداعش وفرعها داعش في خراسان.
وكشفت الدراسة الأكاديمية لـ 27 هجوما مرتبطًا بتنظيم داعش أو مخططات فاشلة منذ أكتوبر 2023 أن من بين المشتبه بهم البالغ عددهم 58، كان 38 تتراوح أعمارهم بين 13 و19 عاما، وفقًا لبيتر نيومان، أستاذ دراسات الأمن في كينجز كوليدج لندن.
وأشار نيومان إلى أن أحدث بيانات اليوروبول أظهرت أن “عدد الهجمات والهجمات المخطط لها تضاعف أكثر من أربعة أضعاف” منذ عام 2022.
إشعال أوروبا
لكن ماذا عن الهدف وراء تنامي هذه المخططات؟، يقول رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إن تنظيم داعش يسعى إلى إشغال دول أوروبا بموضوع الإرهاب والتطرف، خصوصا ان التنظيم بات مخترقا من الداخل، وفقا للدكتور جاسم محمد، الذي لم يستبعد أن تكون هناك أطراف تقوم بتحريكه، ومن مصلحتها أن يكون الوضع غير مستقر في دول أوروبا التي هي أصلا مستهدفة، أكثر من قبل داعش، وذلك في أعقاب حرب غزة، ومن قبلها الحرب الأوكرانية.
ومع الإعلان عن إحباط الهجمات التي كانت مقررة، في فيينا، تنامى القلق في كل أوروبا، وتحديدا بريطانيا، التي تنظم الأسبوع المقبل حفلات أيضا للنجمة تايلور سويفت في ستاد ويمبلي ضمن جولتها الغنائية.
لندن في دائرة الخطر
ورغم أن متحدث باسم شرطة العاصمة لندن، قال إنه لا يوجد ما يشير إلى أن الأمور التي تحقق فيها السلطات النمساوية سيكون لها تأثير على الأحداث المقبلة هنا في لندن، يعتقد جاسم محمد، أنه من الممكن إلغاء حفلات العاصمة البريطانية، خصوصا أن هذه التهديدات تتزامن، مع أسوأ موجة عنف تشهدها إنجلترا منذ 13 عاما، تسببت في فوضى كبيرة خصوصا من قبل اليمين المتطرف.
ويرصد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أنه منذ هجوم 7 أكتوبر، وما تبعه من أحداث في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما غزة، أطل تنظيم داعش برأسه في بعض الدول الأوروبية، مشيرا إلى ماجرى في روسيا، في مارس الماضي، والهجوم المروع الذي طال أحد المسارح الكبرى بضواحي موسكو وتبناه داعش، موقعاً أكثر من 137 قتيلاً، وكذلك التهديدات التي استبقت انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في باريس، ومن قبلها بطولة الأمم الأوروبية في ألمانيا.
وفي أواخر مايو 2024، وجه المدعون الفرنسيون اتهامات إلى شاب يبلغ من العمر 18 عاما من أصل شيشاني بتهمة “الانتماء إلى جماعة إرهابية”، وكان يستهدف المتفرجين في مدينة سانت إتيان خلال الألعاب الأوليمبية، وفقا لبيان من ليز جولين، المتحدثة باسم المدعين الفرنسيين لمكافحة الإرهاب.
وقبل أسبوعين تقريبا، تم القبض على رجلين يبلغان من العمر 15 و18 عاما في شمال شرق وجنوب فرنسا بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي، والهدف غير واضح، وفقا للبيان. وأضاف البيان أنه في أبريل 2024، تم القبض على شاب يبلغ من العمر 16 عاما من مقاطعة هوت سافوي في جنوب شرق فرنسا بتهمة البحث عن كيفية صنع حزام ناسف، ربما لاستهداف الألعاب الأوليمبية