مركز “بتسيلم” الإسرائيلي يكشف معاناة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون
“كان الأمر أكثر رعبا في تلك الفترة هو الليالي، لأن القوات الإسرائيلية كانت تقتحم الزنزانة ليلا وتهددنا صراحة بالقتل”، “منعوا عنّا الأدوية، وخلال هذه الفترة أيضًا فقدت من وزني 35 كغم، بسبب الحرمان من الطعام”، بعد أربعة أيّام أخذوني للتحقيق الذي كان أساسه الضرب والتعذيب: أطفأوا سجائر في فمي وعلى جسمي، وربطوا بخصيتي لاقطات كانت موصولة بشيء ثقيل. استمرّ الأمر على هذا النحو يومًا كاملًا”، “قبل أن يطلقوا سراحي فتشوني وأنا عارية مرة أخرى، لم أكن قادرة حينها على تحريك يديّ، وكأنّ الدم تجمّد في عروقي. كانت يداي تنزفان في المكان الذي كانت فيه الأصفاد”.
لم تكن هذه سوى جزء من إفادات بعض الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ممّن احتُجزوا في السّجون ومرافق الحبس الإسرائيليّة خلال الفترة التي أعقبت اندلاع حرب غزة، وتُبين كيف تحول أكثر من اثني عشر من هذه المرافق مدنيّة وعسكريّة، إلى شبكة معسكرات هدفها الأساسيّ التنكيل بالبشر المحتجزين داخلها.
“أهلا بكم في جهنم”، كان هذا عنوان تقرير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة “بتسيلم B’Tselem”، والذي تناول بالبحث والتوثيق، مُعاملة الأسرى الفلسطينيّين وحبسهم في ظروف لا إنسانيّة في السّجون الإسرائيليّة منذ 7 تشرين الأول 2023.
مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة تأسس في العام 1989، ويقوم بتوثيق وتقصّي ونشر معلومات وشهادات ومواد توثيقية مصوَّرة وأوراق موقف وتقارير حول انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة.
سياسة ممنهجة
نحن في أخبار الآن تواصلنا مع مدير البحث الميداني في مركز “بتسيلم” والناطق الرسمي لوسائل الإعلام العربية كريم جبران، والذي أكد في بداية حديثه، أن إسرائيل تنفذ سياسة هيكلية وممنهجة قوامها التنكيل والتعذيب المستمران للأسرى الفلسطينيين منذ بدء الحرب في غزة، بما يشمل العنف التعسفي والاعتداء الجنسي.
يقول جبران إنه مباشرة بعد هجوم السابع من أكتوبر، تم سحب جميع امتيازات المعتقلين، وحقوقهم الأساسية، التي يمكن تلخيصها، في المعاملة الإنسانية بحدها الأدنى، حتى وصل الأمر إلى منع الطعام عنهم وسحب كل المقتنيات الشخصية، وفق توجه وسياسة ممنهجة في محاولة لكسر إرادة المعتقلين، والانتقام منهم يوميا وبشكل كامل.
معسكرات التعذيب
ويكشف في حديثه مع أخبار الآن، أن عدد المعتقلين بالسجون الإسرائيلية كان يقدر بنحو 5000 قبل السابع من أكتوبر، لكنه بحسب المتحدث باسم “بتسيلم” تضاعف ليصل إلى قرابة 10 آلاف معتقل، تلقوا جميعهم، معاملة غير إنسانية، بدافع الانتقام.
يضيف جبران، أن ما يجري في السجون الإسرائيلية هو عبارة عن سياسة ممنهجة وموجهة من قبل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، مشيرا إلى أن شمول هذه الإجراءات، على جميع الأسرى في مختلف المعتقلات الـ12، الموجودة في داخل إسرائيل، سواء التي تتبع إدارة السجون، أو تلك التي تتبع إدارة الجيش أدى أو ساهم بإطلاق تسمية معسكرات التعذيب أو التنكيل على هذه السجون.
واستند تقرير مركز “بتسيلم” إلى شهادات 55 أسيرا فلسطينيا أطلق سراحهم مؤخرا من السجون الإسرائيلية من بينهم 30 أسيرا من الضفة الغربية والقدس الشرقية و21 من قطاع غزة و4 فلسطينيين من داخل الخط الأخضر يحملون الجنسية الإسرائيلية.
ووفق التقرير فإن عملية عد الأسرى وتفتيش الزنازين، باتت تحصل يوميا بطريقة مذلة ومهينة من 3 إلى 5 مرات يوميا تشمل “حشر” جميع الأسرى في زاوية الزنزانة مكبلي الأيدي ورؤوسهم على الأرض.
عنصرية بن غفير
وفي هذا الصدد يؤكد كريم جبران أن نهج التنكيل بالمعتقلين هو في لب سياسة العنصرية القومية المتطرفة لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، والذي تحدث مرارا حتى قبل 7 أكتوبر، عن السجون ورغبته في تحويلها إلى أماكن يعاني فيها الأسرى، لافتا إلى أنه بدأ في تنفيذ هذه الإجراءات من خلال حل اللجان في داخل المعتقلات، والتي كانت متواجدة، على مدى سنوات طويلة، وتمثل المعتقلين أمام إدارة السجن.
وأكد مدير البحث الميداني في “بتسيلم” أن ارتكاب التنكيل بهذه المنهجية والاستمرارية، والتي تكرر وصفها في إفادات عشرات الشهود الذين كانوا ُمحتجزين في مختلف مرافق الحبس، لا تترك مكانا للشك بأن الأمر ينم عن سياسة محددة، مرسومة وعلنية تتبعها سلطات السّجون الإسرائيلية، وتطبقها بقيادة الوزير المسؤول عن مصلحة السجون، إيتمار بن غفير، وبدعم تام من حكومة إسرائيل ورئيس حكومتها.
وتطرق المتحدث باسم مركز “بتسيلم” بالتفصيل إلى ما يقوم به بن غفير في هذا الملف بالتحديد، مشيرا إلى أنه استغل أحداث السابع من أكتوبر مباشرة، من أجل تمرير أجندته العنصرية والفاشية، والقيام بسياسة انتقامية لا إنسانية، يحاول من خلالها تجريد الإنسان الفلسطيني من إنسانيته، وذلك من خلال الممارسات الشنيعة التي يقوم بها السجانون في داخل هذه السجون، ومصادرة كل الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أي سجين أو معتقل، في العالم، وفقا للقانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، وحسب اتفاقية جنيف وحتى حسب القانون الإسرائيلي.
يضيف: أن السياسة الجديدة يجري تطبيقها في جميع مرافق الحبس وتسري على جميع الأسرى الفلسطينيين، وترتكز أساسا على التعنيف الجسدي والنفسي الشديد والمتواصل، بما في ذلك منع العلاج الطبي، التجويع، الحرمان من الماء، الحرمان من النوم، مصادرة جميع المتعلقات الشخصية وغير ذلك.
من بين الشاهدات على التنكيل بالسجون الإسرائيلية هديل الدحدوح- ظاظا وهي أم لطفلين، من سكّان حيّ الزيتون في مدينة غزّة، وكانت بسجن “الدامون”.
تقول هديل: “أمرني الجنود بخلع الحجاب. قال لي أحدهم: أنا قتلتُ زوجك وأريد أن أقبركما وأنتما حيّان، حتّى تأكلكما الكلاب”.
تضيف: قالت لي الجنديّات أن أخلع ثيابي وأبقى بملابسي الداخليّة، وهكذا قمن بتفتيشي […] طوال ذلك الوقت كنّ يضربنني ويشتمنني”.
عنف جنسي وجسدي
منذ السابع من أكتوبر طرأ ارتفاع ملحوظ في وتيرة وشدة العنف المنظم الذي استخدمته سلطات السجون ضد الأسرى، حيث تكشف إفادات الشهود بحسب “بتسيلم” عن عنف جنسي وجسدي، ونفسي، كان يستخدم بتعسف وعشوائية، جعلت الأسرى طوال الوقت تحت التهديد، وقد حدث أحيانًا، ان أخفى المعتدون هوياتهم.
أمام هذه الانتهاكات البشعة، وما تم توثيقه من إفادات تكشف حجم المعاناة، شدد جبران على أن هذه الممارسات جميعها تمثل خرقا للقانون الدولي واتفاقية جنيف التي تتعلق بالأسرى، وتشكل بحد ذاتها، جريمة حرب بكل ما تعني الكلمة من معنى، لكنه لفت إلى أن شمول هذه الجريمة لجميع المعتقلين في داخل السجون الإسرائيلية، أدت إلى الحديث أيضا عن جرائم ضد الإنسانية، تطال نحو 10 آلاف معتقل، تمارس ضدهم كافة أشكال التنكيل وبشكل ممنهج، وبمباركة من اعلى المستويات السياسية داخل الحكومة الإسرائيلية، وحتى المنظومة القضائية، التي تعتبر متواطئة فيما يجري بحسب المتحدث باسم “بتسيلم”.
وفاة معتقلين
لكن ماذا بعد ما تم الكشف عنه من انتهاكات بشعة في السجون الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين؟، يقول جبران إن التقرير اشتمل على توصية واضحة من قبل مركز “بتسيلم” بضرورة المحاسبة الجنائية، لكل مسؤول عن هذه الجرائم، بما في ذلك دعوة المحكمة الجنائية الدولية، لفتح تحقيق مباشر مع هؤلاء المسؤولين عن تنفيذ هذه السياسة الممنهجة.
وشدد على أن المطلوب في هذه المرحلة، أن يكون هناك موقف وقرار سياسي عند دول العالم عند الجهات الدولية التي تعنى بفرض آليات المحاسبة، وكذلك ضرورة التحرك بشكل فوري، من أجل إيقاف هذه الجريمة، وإنهاء هذه المعاناة اليومية، التي يتعرض لها 10 آلاف معتقل فلسطيني.
وكشف جبران في حديثه مع أخبار الآن أن الإهمال الطبي بالسجون الإسرائيلية بالإضافة إلى العنف الممارس بحق المعتقلين، أدى إلى وفاة نحو 60 أسيرا، منذ السابع من أكتوبر، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من الوحدات العسكرية الإسرائيلية التي تمارس هذا العنف المبالغ فيه، مثل “كيتر” ومتساد”، حتى يصل الأمر وفق شهادات إلى ما يشبه حفلات ضرب وعنف ضد المعتقلين الفلسطينيين بشكل مستمر.
اعتقال دون محاكمة
المتحدث باسم مركز “بتسيلم” تحدث كذلك عن منع زيارات الصليب الأحمر، إلى المعتقلات، وكذلك منع الكثير من الأسرى حتى من مقابلة محام، لافتا إلى وجود نحو 5000 معتقل تحت الاعتقال الإداري، ولم تتم محاكمتهم.
وفي هذه النقطة، أوضح كريم جبران، أن من بين الـ55 فلسطينيا أخذت إفادتهم، هناك 50 لم تتم محاكمتهم أو حتى التحقيق معهم، بينما سجن الخمسة الآخرون قبل 7 أكتوبر، وهو ما يثبت أن الأمر ليس له علاقة بما جرى، قبل 10 أشهر، ولكن كما يقول مدير البحث في “بتسيلم” “طالما أنت فلسطيني فأنت هدف، بغض النظر من أين أنت، إذا كنت من داخل إسرائيل، من داخل الخط الأخضر، أو من القدس، أو الضفة أو غزة، فأينما كنت سيتم تجريدك ونزع إنسانيتك بشكل كامل”.
منظومة الأبارتايد
وبينما تستهدف السياسة الجديدة، كل ما هو فلسطيني، يؤكد المتحدث باسم مركز المعلومات الإسرائيليّ لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، أن كل ما يجري هو في لب منظومة الأبارتايد Apartheid الإسرائيلية التي تسعى بكل الطرق لإخضاع المواطن الفلسطيني وضمان السيادة المطلقة للعنصر اليهودي سواء كان في داخل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، أو داخل الخط الأخضر.
ويوضح جبران أن منظومة “الأبارتايد” هي نظام تفوق يهودي من النهر إلى البحر، ويشمل كل ما هو فلسطيني يعيش على هذه الأرض، مضيفا أن هناك محاولات لتشريع قوانين، وممارسات يومية، تثبت وجود هذه المنظومة، والتي تعتبر المعتقلات جزءا منها ويتم تعزيزها بشكل ممنهج.
وبحسب منظمة “بتسيلم” فإنه في الحالة الإسرائيليّة لم ينشأ هذا النظام بين ليلة وضُحاها وإنّما تأسس واتّضحت معالمه بمرور الزمن.
وتقول المنظمة، إن تراكُم هذه الخطوات بمرور السّنين وانعكاسها على نطاق واسع في القوانين والممارسة والدّعم الجماهيريّ والقضائيّ الذي حظيت به – كلّها تؤسّس للاستنتاج المؤلم أنّ هذا النظام قد تجاوز السّقف الذي يقتضي تعريفه كنظام أبارتايد.
واختتم المتحدث باسم مركز “بتسيلم” حديثه بالتأكيد على أن هذه السياسة الممنهجة، تطال جميع المعتقلين بدون التفريق، بين منطقة جغرافية وأخرى، مشيرا إلى أن التقرير استند إلى شهادات 55 أسيرا فلسطينيا من بينهم 30 أسيرا من الضفة الغربية والقدس الشرقية و21 من قطاع غزة و4 فلسطينيين من داخل الخط الأخضر يحملون الجنسية الإسرائيلية.