الجاليات العربية في أوروبا الوسطى تتغلب على تداعيات الفيضانات بالتعاون والتواصل
تشهد أوروبا الوسطى أسوأ فيضانات منذ عقدين على الأقل حيث خلفت سلسلة من الدمار من رومانيا إلى بولندا، مرورا بالتشيك والنمسا والمجر، والتي أسفرت مقتل 23 شخصا على الأقل حتى الآن.
ومنذ الأسبوع الماضي، تسبّبت العاصفة “بوريس” بفيضانات وأمطار غزيرة على نطاق واسع، وأجبرت المصانع والمتاجر في أنحاء وسط أوروبا على وقف خطوط الإنتاج وإغلاق أبوابها.
وتضررت المناطق الحدودية بين جمهورية التشيك وبولندا بشدة خلال عطلة نهاية الأسبوع، بعد أيام من الأمطار الغزيرة، فيما انهارت بعض الجسور ودُمرت المنازل، بينما غمرت المياه القرى والبلدات في شرق رومانيا.
وبينما بدأت الأنهار في منطقة الحدود التشيكية البولندية في الانحسار يوم الإثنين، اتسعت الفيضانات إلى المزيد من المناطق وتركت المدن الكبرى في كلا البلدين في حالة تأهب.
ووصف رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا الوضع بأنه فيضان يحدث مرة واحدة كل قرن.
وتضم هذه البلدان المتضررة جراء الفيضانات، عددا من الجاليات العربية التي يقيم أفرادها هناك بشكل دائم أو بغرض الاستثمار واستكمال الدراسة، وهو ما دفعنا في “أخبار الآن” إلى التواصل مع بعض أفراد هذه الجاليات للاطمئنان على أوضاعهم، ومتابعة كيف يتعايشون مع هذا الوضع الصعب وغير المسبوق في عديد المدن.
حدث غير مسبوق
تقول نتاليا أبو ناصيف وهي لبنانية تعيش في العاصمة التشيكية براغ، إنه لم يصب أحد في دائرة معارفها بسبب هذه الفيضانات، التي تفاوتت درجة تأثيرها من منطقة إلى أخرى في براغ، مضيفة أنه على الرغم من كون سوء الأحوال الجوية ليس بالأمر الغريب هناك، لكن ما حدث هذه المرة كان أمرا غير مسبوق، على الأقل منذ أن انتقلت إلى العيش في التشيك قبل 6 سنوات.
وتابعت أبو ناصيف في حديثها مع أخبار الآن، أن هناك تواصل دائم بين أفراد الجاليات العربية من مختلف الجنسيات، خصوصا في مثل هذه الأحداث، حيث يتم مشاركة ما يجري على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال صفحات ومجموعات تعنى بنقل الأخبار لجاليات العالم العربي، وهو ما يبقيهم على اطلاع دائم.
وأشارت نتاليا إلى بعض الإجراءات التي تم اتخاذها في العاصمة التشيكية، خصوصا ان السلطات قامت بتحذير المواطنين قبل وصول العاصفة، لافتة إلى أن المنطقة السياحية مثل براغ 1 وبراغ 5 حظيت بإجراءات أكثر صرامة من غيرها، كونها على النهر مباشرة، حيث تم منع السير مثلا في هذه المناطق من قبل الشرطة.
تعطل المواصلات وتضرر الإنترنت
“يوم السبت كان يوما صعبا” تقول نتاليا بسبب سقوط أمطار غزيرة، تسببت في ارتفاع منسوب مياه الأنهار، حتى ان السلطات التشيكية أعلنت حالة التأهب في هذا اليوم وسط توقعات بازدياد ارتفاع منسوب المياه على مدار اليوم، وتم وضع بالفعل خطط للإجلاء في ما يقرب من 150 منطقة محلية في مستوى التحذير من الفيضانات وحوالي 30 بلدية في مستوى التحذير الأقصى.
ومع استمرار ارتفاع منسوب الأنهار وهطول الأمطار في العاصمة التشيكية براغ، أقامت السلطات حواجز مضادة للفيضانات على ضفاف نهر “فلتافا” في عدة أجزاء من المدينة.
وأشارت أبو ناصيف إلى أنه نتيجة لهذه الأوضاع، أغلقت بعض خطوط المترو، وتعطلت العديد من وسائل المواصلات، الأمر الذي تسبب في حدوث زحام شديد، حتى مع استمرار عمل الأتوبيسات والترام.
ورغم أن التيار الكهرباء لم ينقطع في براغ بحسب نتاليا أبو ناصيف، إلا أنها انقطعت بشكل كلي في مناطق أخرى لمدة 3 أيام، كما تضرر الإنترنت بعض الشئ.
وحول إذا ما كان قد تم التواصل مع أحد من أفراد الجالية العربية ببراغ، من قبل الجهات المسؤولة بشكل مباشر، أو من قبل سفارات وقنصليات بلدانهم، تقول نتاليا إنه لم يتم التواصل معهم بشكل شخصي، في هذا الإطار، وكان اعتمادهم الكلي على متابعة إجراءات السلامة التي يتم تحديثها من قبل السلطات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال وزير المالية التشيكي زبينيك ستانجورا إن الأضرار قد تصل إلى نحو 100 مليار كرونة تشيكية (4.44 مليار دولار)، وهذا يعادل نحو 1.25% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأثر ارتفاع منسوب مياه الأنهار على جميع أجزاء جمهورية التشيك تقريبًا، باستثناء بعض المناطق الغربية.
وكانت المناطق الأكثر تضرراً في الشمال الشرقي، على طول الحدود البولندية، في منطقة تمتد لأكثر من 100 كيلومتر.
وتضررت أجزاء من ثالث أكبر مدينة في البلاد أوسترافا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 295 ألف نسمة، بسبب الفيضانات.
الجالية العربية بخير في برنو
أما مدينة برنو ثاني مدن التشيك من حيث عدد السكان بعد براغ، فلم يكن لها النصيب الكبير من التضرر، بحسب الصيدلاني السوري طاهر كبب، الذي يعيش هناك، وأكد أن الجالية العربية ضمن إطاره لم تصب بأذى، غير أن منزل أحد الأشخاص تضرر سقفه بسبب كثرة الأمطار، بينما وقع حادث سيارة لعائلة عربية أخرى، دون إصابة أحد بأذى.
ونقل كبب شهادته في حديثه مع أخبار الآن، حيث أشار إلى أن وسائل النقل العامة في برنو لم تتضرر كثيرا، وأن البنى التحتية في المدينة ما زالت صامدة، بينما غطت المياه بعض الجسور، في الوقت الذي لم تنقطع فيه أصوات سيارات الإسعاف والإطفاء.
لكنه عبر عن استغرابه، من عدم اتخاذ السلطات قرارا لتعطيل المدارس، على الأقل بالنسبة للأطفال.
“المولات” وسيلة لشحن الهواتف
وأضاف كبب أن جنوب التشيك على حدود النمسا والشمال الشرقي في مدينة أوسترافا كانت من المناطق الأكثر تضررا، لافتا إلى أن بعض المدن كأوسترافا شهدت انقطاعا للكهرباء، واضطر بعض الأهالي إلى اللجوء لبعض “المولات التجارية” لشحن هواتفهم أو الأجهزة المحمولة لمتابعة الأخبار.
وأشار كبب، إلى أنه تلقى بعض الرسائل النصية على هاتفه، توضح أرقام الخدمات التي يجب الاتصال بها في حال حدث أمر طارئ، مضيفا أن السلطات التشيكية قامت بوضع أكياس تحتوي على مادة تحد من المياه، بالقرب من المنازل بمحاذاة الأنهار، حتى يضعها الناس أمام النوافذ المطلة على قبو البيوت لمنع وصول المياه للقبو في أسفل المنازل.
ورغم أنه لم يتم اتخاذ قرار رسمي بتعطيل الدراسة، إلا أن كبب أشار إلى أن سير العملية الدراسية تأثرت بفعل صعوبة التنقل، عبر وسائل المواصلات، مشيرا إلى أنه يذكر مثلا أن إحدى إشارات المرور انقطعت عنها الكهرباء لمدة يومين، ما اضطر بعض أفراد الشرطة للقيام بتنظيم حركة السير بأنفسهم، بعدما تسبب ذلك في زحام شديد، حيث كانت تقع الإشارة عند مفترق طريق رئيسي يمر منه سيارات بكثرة.
إجراءات حماية لنهر الدانوب
وفي المجر، وصلت مستويات الفيضانات إلى ذروتها ومن المتوقع أن تستمر حتى الخميس، كما يتوقع أن تكون مستويات الفيضانات أقل من المستويات القياسية التي شهدتها البلاد في عام 2013.
ونشرت حكومة المجر أعدادا كبيرة من الجنود للمساهمة في جهود تعزيز الحواجز حول نهر الدانوب؛ مخافة وقوع فيضانات، كما شارك آلاف المتطوعين في ملء الأكياس الرملية؛ لتعزيز الحواجز بهدف حماية عشرات المناطق السكنية المطلة على النهر.
تقييد حركة المرور
ونتيجة لهذه اللفيضانات، قال حمزة الدبش وهو مواطن أردني يعيش في المجر، إنه تم تقييد حركة المرور على خط الترام رقم 2 عند رصيف pest اعتبارا من أمس فصاعدا، كما تم منع السيارات من دخول جزيرة مارغريت.
وجزيرة مارغريت هي جزيرة مساحتها (0.965 كيلومتر مربع في منتصف نهر الدانوب في وسط بودابست، وتغطي غالبيتها الحدائق والمناظر الطبيعية، وهي منطقة ترفيهية شعبية، وتحتوي على أطلال من القرون الوسطى ترمز إلى المكانة الدينية لهذه الجزيرة.
وأشار الدبش في حديثه مع أخبار الآن إلى أنه لم يسمع بوقوع أذى لأي من أفراد الجالية العربية، بالمجر، لكنه لفت إلى أنه بسبب الارتفاع السريع في منسوب المياه في نهر الدانوب، أمر عمدة مدينة بودابست بإصدار تنبيه من الدرجة الثالثة للحماية من الفيضانات في جميع أقسام الحماية من الفيضانات في بودابست.
وأكد حمزة الدبش أنه فيما لم تتأثر العملية الدراسية بالمجر، جراء هذه الفيضانات، تعطلت خطوط المواصلات التي تمر بجانبي نهر الدانوب، بالإضافة إلى توقف خطوط القطارات بين بودابست فيينا.
الوضع خطير
وفي النمسا، قال ديدي فاهرافلنر، قائد قوات المطافئ إن وضع الفيضانات في النمسا السفلى خطير وتعمل فرق الإطفاء بشكل متواصل على إنقاذ السكان المحاصرين بالمياه في منازلهم باستخدام القوارب المطاطية.
أخبار الآن تواصلت مع المواطن المصري إسلام فهمي الذي يقيم في النمسا، والذي أشار إلى أن الأوضاع كانت صعبة هناك، خصوصا مع تواصل هطول الأمطار وارتفاع مستوى الأنهار وانتشار الفيضانات بشكل غير مسبوق وزيادة خطر انهيار بعض السدود تحت وطأة زيادة ضغط المياه وتحول شوارع المدن إلى أنهار، كما أكدت إدارة ولاية “النمسا السفلى”.
وقال المستشار كارل نيهامر إن صندوق الكوارث الفيدرالي سيرتفع إلى مليار يورو (1.11 مليار دولار) وستتمكن الشركات المتضررة بشدة من الفيضانات من تأجيل مدفوعات الضرائب.
واتسم الوضع بالتوتر بشكل خاص على طول نهري كامب وكريمبس، اللذين يصبان في نهر الدانوب. وقال نائب حاكم ولاية النمسا السفلى، شتيفان بيرنكوبف، إنه تم تصميم الدفاعات ضد الفيضانات في المنطقة، والتي تم تعزيزها بعد الفيضانات العارمة في عام 2002، بحيث تتحمل الفيضانات التي تحدث مرة واحدة كل 100 عام بحسب الإحصائيات.
بولندا
في جنوب غرب بولندا هناك أربع مقاطعات مشمولة بأعلى مستوى من التحذيرات الهيدرولوجية ضد الفيضانات من المستوى الثالث.
وقالت وزارة الدفاع البولندية إن أكثر من 14 ألف جندي تم نشرهم في المناطق المتضررة من الفيضانات.
من جانبه كشف رئيس الوزراء دونالد توسك أن الأضرار الناجمة عن الفيضانات ستصل إلى مليارات زلوتي البولندي. وقال وزير المالية أندريه دومانسكي في اجتماع أزمة إنه تم تأمين 2 مليار زلوتي بولندي (521 مليون دولار) من الأموال للمساعدة الفورية.
رومانيا
أثرت الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة التي تلتها في رومانيا على عشرات القرى والبلدات الصغيرة في ثماني مقاطعات، وكانت مقاطعتي جالاتي وفاسلوي الشرقيتين الأكثر تضررا.
وفي حين لا تزال الحكومة تقيم التكلفة الإجمالية للأضرار، تشير التقديرات الأولية إلى أن الأضرار لحقت بنحو 6500 منزل، مما أثر على أكثر من 15 ألف شخص.
وخصصت الحكومة الائتلافية 100 مليون ليو (22.37 مليون دولار) كمساعدات فورية للأسر المتضررة من الفيضانات، فيما خصص مجلس مقاطعة جالاتي ما يقل قليلاً عن مليون ليو لتغطية تكاليف التنظيف الأولية، بما في ذلك إزالة الحيوانات النافقة.
ولدى رومانيا نظام تأمين إلزامي للمنازل ضد الكوارث الطبيعية بما في ذلك الزلازل والفيضانات والانهيارات الأرضية، لكن مجموعة التأمين التي تشرف على النظام تقول إن معدلات التغطية المتوسطة في المناطق الريفية في جالاتي وفاسلوي تبلغ 7% و8% على التوالي، وهو أقل بكثير من المتوسط الوطني البالغ 23%.