في قلب بورتسودان، حيث تتراكم الأزمات وتصعب سُبل العيش، تبرُز قصة إلهام إنساني أشبه بمعزوفةٍ من ألحان القدر. بطل هذه القصة هو حسام عبدالسلام، موسيقي نازح من الخرطوم، فرغم قسوة النزوح وظروفه الصعبة، وجد في ألحانه وقوداً لطريق جديد – طريق الطهي وصناعة الأمل في أطباق الطعام .
بدأت الحكاية عندما وقف حسام مشدوهاً أمام واقعٍ صعب، وجبات متواضعة لا تفي باحتياجات الجائعين، وأسعار تتسلق جدران الفقر بلا هوادة. لم يكن حسام مجرد موسيقي، بل كان عازفاً على أوتار الحياة، يبحث عن نغمات أخرى لتسكن الجوع وتغذي الأرواح.
في لحظةٍ من التأمل، التقط حسام فكرة من بين أوتار قيثارته. كما تتناغم سبع نغمات موسيقية لتُشكل ألحاناً شجية، قرر حسام أن يجمع سبع حبوب غذائية مع سبع خضروات مختلفة، ليخلق وجبة متكاملة، لا تغني عن الجوع فحسب، بل تحمل في طياتها نغمات غذائية متوازنة. أطلق على هذا المشروع اسم “بروماتك”، وهو مزيج بين الطعام والموسيقى، معبراً عن انسجام الروح والجسد في وجبة واحدة.
لم يكتفِ حسام بالطهي في مطبخه المتواضع؛ بل انطلق بدراجته، يحمل وجباته المتناغمة ويجوب بها أزقة بورسودان، إلى دور الإيواء والمحتاجين، ليقدم لهم وجبات تحاكي نغمات الأمل في كل قضمة. ورغم صعوبة الطريق، كان يؤمن أن كل وجبة هي معزوفة جديدة تعزف على أوتار الجوع، تخفف وطأة المعاناة وتزرع بذور الصحة.
سرعان ما انتشرت هذه الأطباق بين الناس، وصاروا يتهافتون عليها، ليس فقط لجودتها الغذائية العالية، ولكن لأنها كانت تروي حكاية إنسانية في كل طبق. ومع توسع المشروع، لم ينسَ حسام زميلاته من النساء النازحات؛ فتح لهن أبواب الأمل والعمل، ليصبحن جزءاً من سيمفونية “بروماتك”.
اليوم، بات مشروع حسام نموذجاً يحتذى به في كيفية تحويل المأساة إلى نجاح، والفن إلى حياة. قصته أصبحت مصدر إلهام للكثيرين، وأطباقه باتت رسائل حب تُرسل كل يوم إلى جائع أو محتاج. نغمات الأمل ليست مجرد حكاية موسيقي، بل قصة إنسانية تنبض بالحياة، وتدعونا إلى التفكير في القوة الكامنة في أبسط الأفعال – عندما يُطعم الفن الجياع.