طارق عباس بطل تحدى الإعاقة وأصبح مدرب عالمي
6 سنوات ونصف، قضاها الطفل طارق دون أن تعوقه إصابته بشلل الأطفال بعد ولادته بأشهر فقط، لم يكن حتى مدركًا لما ألم به، وبطبع طفولته، كان يتعايش مع قدمه اليمنى، المختلفة عن أصدقاءه، فيختار مركز حراسة المرمى، الأقل حاجة للركض، حين يمارس كرة القدم، بشوارع حي مدينة نصر، شمال العاصمة المصرية القاهرة، حيث كان يسكن، ويستمتع بصحبة أبناء سنه، في طفولة طبيعية.
ومع بلوغه سن السابعة، أصطدم للمرة الأولى، بواقع إقصاء الآخرين له، بسبب إعاقته الحركية، ففي يوم عادي، انطلق الطفل الصغير ليلتقي أصدقاءه، لكنه فوجيء بأنهم توجهوا لحمام السباحة القريب من الحي السكني، بداخل نادي الزهور، وما آلمه هو أن إقصاءهم له يم يكن محض صدفة، بل كان قرارًا جماعيًا من أصدقائه، بعدم اصطحابه حتى لا تعطلهم إعاقته عن ممارسة السباحة.
“قررت اني أتحداهم، بممارسة السباحة في نفس النادي، ودون أن أخطرهم أيضًا”، هكذا وصف “طارق عباس”، بطل بارالمبي ومدرب تنس أرضي وكرة ريشة، لـ”أخبار الآن” خطوته الأولى، التي كان محركيها الحزن والتحدي.
قطع تذكرته، إرتدى ملابس السباحة، رأى أصدقائه الذين أقصوه في المنطقة الأكثر عمقًا من الحمام، فقرر أنه سيظهر خطأ قرارهم، بأن يتمرن، ويتقن السباحة، حتى يصل في يوم ما لأن يكون أسرع منهم في السباحة، وبالفعل، قفز إلى المياه.
يقول “طارق” ضاحكًا: “ كنت سأغرق، لم أكن أعرف شيئًا عن السباحة من قبل، واستمرت محاولاتي لشهور، حتى أتقنت العوم،وبالصدفة، شاهدني المدرب المسؤول عن تدريب الأطفال الأصحاء، وبينهم أًصدقائي، فتساءل مندهشًا عن كيفية تعلمي لتقنية السباحة، التي أمارسها، بالمنطقة الخالية على هامش التدريبات بحمام السباحة”.
“حاولت تعليم نفسي بنفسي كي أستطيع السباحة بسرعة” هكذا كانت إجابة طارق، ليتلقاها المدرب باندهاش وسعادة مغمورين بإعجاب، فيطلب من كل الأطفال إخلاء حمام السباحة، ومشاهدة تقينة “طارق” في السباحة، كمنوذج يتعلموا منه التقنية، والتحدي”.
يستذكر “طارق” المشهد في سعادة وفخر تجليا في عينيه، قائلا لــ“أخبار الآن” :”فعلا تمكنت من السباحة، وأمام أصدقائي الذين أقصوني منذ شهور، وأتمتت كامل المسافة بين بداية ونهاية حمام السباحة، لأخرج رأسي من المياه، فأجد الجميع، وبينهم أًصدقائي يصفقون لي في سعادة”.
كانت الحادثة، سببًا في اختيار إدارة النادي لـ”طارق” ليمثل فريق السباحة، في احتفالية كبيرة جدًا، استضافوا خلالها وزير الشباب والرياضة ووزير التربية والتعليم المصريين، ليتمكن طارق من الفوز بالسباق، ويحصل على كأس ومحرمة سباحة”.
يضحك طارق، ويقفز صوت الطفل المنتصر في حديث الرجل ذي الـ50 عام، حين يصف المشهد قائلا : “أصدقائي لم يستطيعوا تصديق أعينهم، هل هذا طارق الذي رفضنا اصطحابه معنا للسباحة، الآن هو بطل يحمل كأسًا”، ويستكمل “في هذا اليوم، لم أعود لمنزلي وحيدًا، لم أعود سيرا على قدمي المصابة بشلل الأطفال، فقد حملني أًصدقائي على أكتافهم حتى باب منزلي، بعد أن كانت أول زياراتهم للنادي دون إِشراكي معهم”.
يقول طارق عباس، هذه القصة مُلهمة أنها أسست لقاعدة أعيش بها منذ تلك لفترة، وهي ألا أدع فرصة للحزن، وأن أقابل الإقصاء بالتحدي، وحتى اليوم ألتقي ببعض من أًصدقاء الطفولة، فيعتذر لي عن هذا الحادث، لكني أ{د اعتذاره بشكر صادق، لأنه وبدافع هذا الحادث، أصبحت بطلًا عالميًا وأوليمبيًا، وقد فتحت لي ممارسة السباحة الباب أمام 3 رياضات بارالمبية مارستها وحصلت فيها على ميداليات باسم مصر، فكانت انطلاقة لي لعالم احتراف رياضات المعاقين بصفة عامة.
وبالفعل بدأ مشوار “طارق” الاحترافي بمشاركته في أول بطولة للجمهورية للإعاقات في السباحة عام 1988، بمصر، واليتي كان الفوز بها مؤهلًا لكأس العالم للشباب 1989، وبحصوله على الميدالية الذهبية شارك في بطولة العالم في امريكا فلوريدا 1989، ليحصلا على اول 3 ميداليات ذهبية في السباحة، بسباقات 50 متر حرة و50 متر ظهر و 50 متر فراشة.
لتستمر مشاركات طارق العالمية برياضة السباحة البارالمبية، حيث شارك ببطولة العالم في انجلترا للعام 1995، ليجمع نقاطًاتساعده على الصول لترتيب عالمي يؤهله بالفعل للمشاركة في اوليمبياد اتلانتا 1996.
وفي أولى مشاركاته الاوليمبية يحصل “طارق” على المركز السادس ، ما أعتبر إنجازًا تاريخيًا كونه أول عربي وإفريقي ومصري يشارك في 6 سباقات في الاوليمبياد.
وبينما يتحدث طارق، يقاطعه صوت نسائي، لا تخفي اللكنة التونسية ما يحمله الصوت من فخر واعتزاز، حين تنطلق “ريم محمد”، معلمة لغة فرنسية وزوجة طارق، قائلة : “سنتأخر على التدريب”، لتبدأ الأ[ والأم وطفلتيهما في التوجة للسيارة، حيث يعمل “طارق” كمدرب للتنس الأرضي للكراسي المتحركة لذوي الإعاقة، والتنس الأرضي للأصحاء أيضًا.
وفي الرحلة للملعب الذي يبعد حوالي 30 دقيقة، تفصل حي مدينة نصر حيث تسكن أسرة طارق و منطقة التجمع الخامس، تنطلق “ريم” قائلة “التقينا بالصدفة، حين كان يزور تونس،وحينها قررت أن أكون شريكة حياة طارق، وليس زوجته فقط”.
تستطرد “ريم”” قائلة : “طارق بالنسبة لناليس زوجًا أو أبًا فقط، بل هو ملهم ،وطاقته الإيجابية تغمرنا كأسرة ، وجميعنا نتشارك في كل شيء في الحياة والرياضة والبيت والعمل”، وانا أشعر بفخر شديد لما يفعله، فقد حصل على 80 ميدالية مخلتفة في رياضة السباحة وحدها، وما يوفق 100 ميدالية في الرياضات الثلاث بإضافة التنس الارض وكرة الريشة لمجموع ميدالياته ، لكنه يرفض وضع حدود لطموحه، وقد نقل تلك الطاقة لطفلتينا، فهم يتدربون على السباحة والتنس وكرة الريشة، مثله تمامًا، وقد ورثا عنه أيضًا شخصيته القوة التي تفرض وجودها بقوة في المجتمع.
يبتسم طارق لزوجته، بينما يستمر في قيادة السيارة، ويفسر حديثها قائلًا: “انتقلت للعمل بالولايات المتحدة الأمريكية، مطلع التسعينيات، وهناك تعرفت على لعبة التنس الأرضي للكراسي المتحركة، وفي عام 2009، عدت للقاهرة، بهدف نشر اللعبة في أوساط الأبطال الرياضييين من ذوي الإعاقة.
وبالفعل ، تمكن طارق من تأسيس الاتحاد المصري للتنس الأرضي للكراسي المتحركة، ليصبح أول مدرب لأول منتخب للعبة في مصر، وخلال سنوات، استطاع أن يتفرغ لتدريبات التنس الأرضي في أكاديميته الخاصة، التي درب فيها أبطالًا رياضيين أصحاء ومن ذوي الإعاقة.
يصل طارق محطته الأولى لليوم، تساعده “ريم” في حمل الكرسي المتحرك المصنوع خصيصًا من مواد أخف وزنًا وعجلات أكثر ديناميكية، ليناسب ممارسة الرياضات المتعددة، ينما تحمل طفلتيهما بقية المعدات من مضارب وكرات تنس، ويسبقا الزوجين ركضًا، في سعادة غامرة، صوب الملعب، ذي الأرضية الحمراء.
انطلق مشوار طارق في عالم تدريب التنس الأ{ضي وكرة الريشة للمعاقين والأصحاء، مع نهاية تجربة تأسيس وتدريب منتخب مصر للتنس الأرضي للكراسي المتحركة، فبعد شهرين من نهاية توليه تدريب منتخب مصر للعبة، قرر أن يسلك تحديًا جديدًا.
يقول طارق، فيما يبدأ لاعبوه في التحضير للتدرب: “وجدت أنني لست في حاجة للعمل لدى آخرين، سواء ناد أو اكاديمية، فأسست اكاديمية خاصة ، بفكر مختلف، كأول أكاديمية تجمع معاقين واصحاء في التدريب واللعب”.
يرى طارق إعاقته ككميزة إضافية في عمله كمدرب للتنس الأرضي، حيث يلهم ذلك اللاعبين ذوي الإعاقة، كنموذج خض بطولات وحقق ميداليات عالمية ودولية، كما يلهم الأصحاء من حيث محو فكرة الأعذار والمعوقات التي قد تقابلهم في مشوارهم.
” استخدمتها كسلاح لتشجيع الاصحاء لممارسة الرياضة،وبصراحة نجحت جدا، لأن معاينتهم لشخص قعيد يتحرك بهذه السرعة ويضرب الكرة بهذه القوة، ويمتلك هذه الطاقة لتشجيعهم وتوجيههم أثناء التدريب، فهذا أمر يغير حياة الكثيرين ممن أدربهم.
تبدأ الحصة التدريبية الأولى، بركض عدد كبير من لاطفال الذين يتدربون لدى “طارق”، نحوه، في مشهد يظهر مدى عمق العلاقة التي كونها مع لاعبيه من الأطفال، يقول طارق: ” أعرف أن الأطفال يرون في كمدرب، نموذجًا يحتذون به، وهذه الميزة تحفزهم، ليس على المستوى الرياضي فقط، بل وعلى مستوى التعامل مع شتى مناحي حياتهم.
تدفع يدا “طارق” القويتين عجلات كرسيه المتحرك، يمينًا ويسارً، يجمع الأطفال حوله، ويبجري منافسات بينهم، تمتزج بين الضحك والجدية، وطوال 4 ساعات، تنهي مجموعة تدربها، لتلحق بها مجموعة اكبر سنًا، حتى تنتهي المرحلة الأولى من يوم “طارق” وأسرته.
سريعًا تصعد الأسرة بألإرادها الأربعة إلى مقاعد السيارة، ليتوجه “طارق” إلى “جمعية المجاربين القدامي ومصابي الحرب” بمنطقة الحي السابع بمدينة نصر، لتبدأ الرحلة الأخيرة من اليوم.
“المكان هنا مدينة رياضية متكاملة لأبطال القوات المسلحة من الرياضيين ومصابي الحرب، وكذلك تخدم عدد كبير ن الرياضييين الأصحاء”، هكذا شرح طارق ما تخفيه بوابات “جمعية المحاربين” من ملاعب وأبنية ضخمة، مجهزة للرياضيين، بل ومابن سكنية أيضًا ومناطق معسكرات تدريبية”.
تستبدل أسرة “طارق” معدات التنس الأرضي بمثيلتها الخاصة بلعبة كرة الريشة، قبل أن ينطلقوا لصالة الألعاب المغطاة، ليتدرب طارق وزوجته وطفلتيهما، مع عدد نم أبطال المنتخب البارلمبي لكرة الريشة لمدة ساعتين كاملتين.
وبينما يتبادل أعضاء الأسرة مواقع اللعب والراحة، استطرد طارق قائلا : أنا أحب أن تكون أسرتي وبناتي دائمًا إلى جواري، وأشكر الله أنهم احبوا الرياضة، فهم يمارسون السباحة والتنس الأ{ضي وكرة الريشة كوالدهم، وحلمي أن تظل كل منهن تمارس الرياضة إلى جانب دراستها”.
وبسؤاله عن الحلم الأخير، يعلق طارق بابتسامة، تلطف العزم والتحدي في إجابته، قائلًا : “الحلم المقبل، الطموح المقبل، وليس الأخير، فأنا دائمًا سأسعى لخوض حلم جديد، لذا فأنا أسعى بالفوز بعضوية اللجنة البارالمبية المصرية، لأخطو خطوة جديدة في مشوار نقل خبرتي للأبطال من ذوي الأعاقة”.