إنها ليلة مباراة النادي الأهلي المصري.. الجميع بالمنزل يترقب في صمت، يوم الكرة المحبب للجميع، يتوسط الأب “مصطفى” جلسة الأسرة الصغيرة، وبجانبه تجلس طفلته “وئام”، وتصيح مع كل ركلة وتمريرة، بحماس وشغف، زرعه الوالد بطفلته منذ بدأ وعيها يتشكل، فكانت مكافآته لها دوما، هي رحلتهما سويًا للذهاب لاستاد القاهرة الدولي، لمشاهدة المباراة والجلوس وسط المشجعين بالمدرجات، تلك الرحلة، وهذا الشغف، اللذين شكلا حلم وئام منذ طقولتها، وهي أن تنتقل من صفوف المشجعين بالمدرجات، إلى أرض الملعب، لتقتحم عالم التصوير الرياضي الذي طالما اقتصر على الرجال فقط.
تقول “وئام مصطفى” في حديث لـ”أخبار لآن” :”أنا كشخص بحب الكورة جدًا، يعني والدي زي ما بيتقال يعني، مجنون بالكورة، كان يلعب كرة القدم، وعمل أيضًا كمدرب، وزرع في حب اللعبة الشعبية الأولى بمصر والوطن العربي، ومن رحلات الاستاد بصحبته، جهة صف المصورين الرياضيين، الأقرب للملعب منه للمدرجات، وبدأ يتشكل حلمي باحتراف التصوير الرياضي”.
كان عام 2013 هو بداية أولى خطوات “وئام” لتحقيق حلمها، والخطوة هنا كانت بمساعدة والدتها، والتي كانت قد وعدتها، حال تفوقها بالثانوية العامة، والحصول على مجموع درجات يؤهلها للالتحاق بكلية الإعلام، بأن تشتري لها أول كاميرا احترافية رقمية صغيرة، بعد أن ظلت لسنوات، تمارس التصوير كهواية بكاميرا قديمة صغيرة.
تحكي وئام أولى لقطاتها بكاميرتها الجديدة، حين خرجت للشارع، كطالبة صغيرة السن، مازالت في العام الأول لدراسة الإعلام، ثم بدأت البحث عن مؤسسة صحفية، توافق على إلحاق طالبة صغيرة السن بها، لفترة تدريب، كمصورة صحفية، وبالفعل، في عامها الدراسي الأول، حصلت على فرصة للتدريب، دون راتب، في إحدى المؤسسات الصحفية، ومع نهاية دراستها، التحقت للعمل كمصورة صحفية، بجريدة فيتو.
وامام أحلام الفتاة عاشقة كرة القدم، بالوصول لأرضية الملعب وتوثيق المباريات، اصطدمت وئام بواقع العمل الصحفي كمصورة في 2013 بمصر حيث كانت أولى مهماتها هي تصوير أحداث سياسية في الشارع، وتغطية أحداث ساخنة، تعلق وئام لأخبار الآن قائلة: ” من الدار إلى النار، رحلتي لم تكن رحلة سهلة”.
6 سنوات كاملة، قضتها وئام في محاولاتها لتحقيق حلم تصوير مبارايات كرة القدم، لكن معداتها البسيطة، والكاميرا الرقمية الصغيرة التي أهدتها لها والدتها، لم تكن كافية لهذا النوع من التصوير، تعلق وئام قائلة: ” لم أكن أملك من المعدات ما يؤهلني لتصوير لقطات جيدة في مبارايات كرة القدم، حتى حل عام 2019.
“اشتريت كاميرا أفضل، وأكثر احترافية حينها، بعد 6 سنوات من الادخار، وكنت استعير عدسات تصوير احترافية مقربة، لتصوير المباراة، من بعض الأصدقاء، ثم أعيدها مرة أخرى”.
تضيف وئام قائلة لــ“أخبار الآن” : ” أًصعب عائق أمام المصورين الصحفيين المتخصصين في التصوير الرياضي، هو المعدات اللازمة، فأقل كاميرا بدون عدسة قد يتعدى سعرها 80 الف جنيه مصري، وبإضافة العدسة، قد تصل الميزاينة المطلوبة لحوالي 200 ألف جنيه على الأقل، وهي فاتورة صعبة جدًا على أي مصور صحفي شاب، حتى وإن كان يحصل على أجر شهري ثابت، فهو لا يقارن بقيمة تلك المعدات، ومن ناحية أخرى، فالمؤسسات الصحفية في مصر لا توفر هذا النوع من المعدات غالية الثمن”.
وعلى جانب آخر، لم يكن عالم التصوير الرياضي متاحًا للمصورات، كما هو الحال الآن، فقد كانت “دكة” المصورين بالاستادات مقتصرة على المصورين الرجال فقط، وهو مازاد صعوبة رحلة وئام، والتي توضح قائلة:” كان الدارج بين المصورين عموما، كما نقول بالعامية المصرية، البنات مابتعرفش تصور، وإذا كانت هناك فتيات مصورات، فبالتأكيد لا يستطعن استخدام الكاميرا، وإذا استطعن، فلن يصنعن صورًا احترافية، وخاصة في التصوير الرياضي.
لم تدعي وئام أنها أول من اقتحمت هذا العالم، حيث توضح قائلة: “فأعتقد أنا وزميلات مصورات أخريات، أشهد باحترافيتهن، غيرنا تلك الفكرة النمطية في مجتمع التصوير، وأًصبح الدارج أن هناك مصورات، سيأتين لمباريات كرة القدم، وينافسن في جودة واحترافية وفنون التصوير، وبعضهن سيسبقن مصورين رجال.
تستكمل وئام قائلة: “مجتمع التصوير لم يكن متقبلًا للفكرة في البداية، خاصة وأنها أمر جديد، أن تقتحم المصورات عالم التصوير الرياضي، المكلف، والمجهد، والذي يتطلب وعيًا بقوانين وقواعد كرة القدم، أما الآن، فالجميع يتقبل وجود المصورات، بل ويشجعنا زملائنا كثيرًا، وأنا شخصيا حين أقوم بنشر ما قمت بتصويره في بعض المباريات، أحصل على تشجيع كبير من زملائي المصورين، وأجدهم متعاونين جدًا معي ومع كل المصورات خارج وداخل ملعب كرة القدم، والبعض منهم أيضًا يسدي لي الكثير من النصائح.
استمرت وئام، ولمدة عامين، في العمل بنفس التكتيك، استعارة عدسة، ومحاولة الحصول على موافقة لحضور المباريات وتغطيتها، حتى بدأت تجني ثمار ما عانته، تقول وئام : “عملت شغل كويس”، وكانت ردود الأفعال حول ما أنتجه من صور جيد جدًا، حتى أن بعض وكالات الأنباء العالمية تواصلت معي لشراء عدد من الصور التي قمت بتصويرها في المباريات، وكان هذا بالنسبة لي حلمًا من أحلام اليقظة، وكنت أحدث نفسي ، وأقول أن هذا أمر غير معقول، لكن في نفس الوقت علمت بأني أسير في الطريق الصحيح.
الخطوة التالية، جاءت في عام 2021، جين فوجئت “وئام” بمكالمة هاتفية، وسمعت صوت المتصل من الطرف الآخر، يسألها : “وئام، نريد الحاقك للعمل كمصورة رسمية، لأولى بطولات كأس العرب لكرة القدم للسيدات”،ة وهي البطولة المقامة في مصر حينها، ما مثل قفزة كبيرة في مشوار وئام.
تحكي وئام عن شعورها في تلك اللحظة قائلة: ” المكالمة مثلت لي صدمة كبيرة، وكنت أسأل نفسي ايضًا، كيف ذلك، لازلت في بداية مشواري؟ هل من الممكن ان تكون جودة صوري بهذا المستوى؟،وبالفعل أصبحت أول مصورة رسمية في تاريخ كأس العرب للسيدات.
تستكمل وئام، بعد هذه البطولة فوجئت بتواصل وكالة الأنباء المختصة بحقوق تصوير وتغطية مباريات الاتحاد الافريقي لكرة القدم، يطلب مني الالتحاق للعمل بالوكالة كإحدى مصورات الاتحاد الإفريقي الرسميين لتغطيات بطولة أمم إفريقيا في مصر، وبهذا أًحبت المصورة المصرية والعربية الأولى تصبح مصورة رسمية للاتحاد الافريقي لكرة القدم، ومن هنا بدأت رحلة احتراف التصوير الرياضي بشكل جدي وحتى الآن، حمدًا لله، خضت معام رحلة طويلة من السفر، وتغطية الفعاليات الرياضية، كمصورة رسمية.
أما أهم خطوات رحلتها، فوفقًَا لقول وئام، فهو الوصول لشريك العمر، الذي وجدت فيه شرك الرحلة والحلم، حين التقت زوحها المهندس احمد رشيد أثناء تصوير احتفالات مولد السيدة نفسية بمصر، ثم الارتباط والزواج، تقول وئام” رشيد بالنسبة لي هو أهم داعم،ودائما ما أجد فيه دافعًا للناجح بشكل أكبر”.
يبتسم الزوج بما تقوله وئام، ويعلق حول ما قد يدور في أذهان البعض حول خوضها رحلات شبه أسبوعية تغيب فيها خارج البلاد لأيام طويلة، لتغطية لمباريات، حين يقول: ” رحلات عمل وئام، تتحول لمتعة ، لا عائق، ولا أجد منها تقصيرًا، بل على العكس تمامًا، فعملها يجعلنا أكثر قربًا، حيث نقضي وقتًا في حزم امتعتها، والتحضير للسفر والتحضير للتصوير والحديث عن الدول التي ستزورها، وأرى أن طموحها في احتراف التصوير يجدد دافع استقرارنا ويضيف المزيد من العمق لعلاقتنا كأسرة”.
أما عن أحلامها، فتبتسم وئام، قبل أن تعلق قائلة: “كالفوز بجائزة world press photo ، هو حلم الأحلام بالنسبة لين ويأتي بعدها مباشرة تغطية وتصوير كاس العالم للمنتخبات والأندية، فكلتا البطولتين لم أحظى بعد بتصويرهما”.
أما عن نصائحها لقريناتها من المصورات، اللاتي يبدأن احتراف التصوير الرياضي،فتقول وئام: ” المثابرة، والمحاولة والاستمرار وعدم الاستسلام للمعوقات، هو سر النجاح في هذه المهنة”.