الجفاف بسد الموصل يظهر معالم أيزيدية كانت مطمورة بالمياه منذ 38 عامًا
بسبب أزمة المناخ، يشهد العراق جفافًا منذ أكثر من 40 عاماً بسبب الانخفاض القياسي في هطول الأمطار. وعلى مدى العقود الماضية، انخفضت تدفقات المياه من نهري الفرات ودجلة، التي توفر ما يصل إلى 98٪ من المياه السطحية في العراق، بنسبة 30-40٪. كما تجف الأهوار التاريخية في الجنوب، وهي إحدى عجائب التراث الطبيعي.
وكشف الجفاف إثر انخفاض منسوب مياه سد الموصل في شمال العراق، عن ظهور ثلاثة معالم أيزيدية بعدما طمرت في مياه السد لقرابة 38 عاماً.
وأظهرت لقطات خاصة “لأخبار الآن” عن ظهور مدرسة ابتدائية ومقبرة، ومزار ديني أيزيدي، في قرية خانكي القديمة الواقعة على ضفاف بحيرة سد الموصل، بعد انحسار المياه، جنوب غرب مدينة دهوك في إقليم كوردستان العراق، وذلك نتيجة لأزمة المناخ التي يتعرض لها العراق.
المقبرة تسمى مقبرة الشيخ بازيد الباسطامي أو “مقبرة خانكي القديمة” ويعود تاريخها لأكثر من ألف سنة، بحسب مختار قرية خانكي القديمة حمزة عيدو، الذي قال في حديث عن القرية لـ”أخبار الآن”: “قبل أن تدفن تحت المياه كنا نأتي إلى هنا في شهر آيار بمناسبة دينية تقام سنويًا، نأتي منذ الصباح من قرانا سيراً على الأقدام ونبقى حتى المساء، نؤدي بعض الطقوس كالطواف حول المزار وزيارة قبور أقربائنا ونذبح الذبيحة على أرواح الموتى ونحضر الغداء، كذلك نقوم ببعض الطقوس الموسيقية كالطبلة والزرنة مع الدبكة الأيزيدية (الگوفند)”.
وعن ذكرياته في المزار يقول عيدو: “أتذكر عندما كنت طفلاً وعمري 10 سنوات عندما كنا نزور المقبرة والمزار رفقة عائلتي وسكان قريتنا، كانت أيام جميلة جدًا والحياة بسيطة”.
ويضيف عيدو “ظهرت بقايا هذا المزار والمقبرة قبل حوالي 25 يومًا، هذه المرة الثانية التي تظهر فيها فقد ظهرت ايضًا في 2018 عندما إنخفض منسوب المياه لكن الفرق أنه في المرة الأولى كان المزار لازال على هيئته القديمة والآن لم يتبقى منه سوى بعض الأحجار”.
وبعد هجرهم لقريتهم عام 1985 بسبب ملئء السد وإنغمار مزار الشيخ بازيد الباسطامي تحت المياه، بدأ سكان قرية خانكي بناء نفس المزار في القرية التي تسمى حاليًا ايضًا بقرية خانكي القديمة.
وعن ظهور عدد من القبور يشير عيدو “عدد القبور كبير جدًا يتجاوز ألف قبر، وماظهر منهم حتى الآن حوالي 400 قبر وهنالك قسم منها لم يتبقى له أي أثر واصبحت معالم القبور تحت التراب”.
وتعود قبور هذه المقبرة لسكان أربعة قرى أيزيدية وهم خانكي، الربيبية، خيرافا، والزينيات وهذه القرى واقعة على ضفاف بحيرة سد الموصل.
وكانت مياه بحيرة سد الموصل قد غمرت 75 قرية تحت المياه عند إنشاء السد في عام 1985 من ضمنها هذه المعالم الأيزيدية.
يقول عيدو عن تلك الفترة “في أذار من ربيع عام 1985 اجبرنا على ترك قريتنا بسبب ملئ سد الموصل بالمياه وكانت لحضة حزينة بالنسبة لنا، لأننا تركنا أرضنا التي نشأنا وترعرنا بها، كانت لحظات حزينة أيضًا عندما دفنت قبور موتانا ومزار الشيخ بازيد تحت المياه”.
والشيخ بازيد الباسطامي شخصية دينية أيزيدية، جاء إلى شمال العراق في حوالي سنة 1000 ميلادي وأصبح لفترة من الزمن المرجع الديني الأعلى للأيزيديين أو كما يسمى الآن” بابا شيخ الأيزيديين”.
وعن ظهور المزار والمقبرة مجددًا يقول عيدو: “فرحنا وحزنا بنفس الوقت، فرحنا لأن راح نشوف قبور أجدادنا والمزار ونتذكر أيامنا الحلوة وأيام الطفولة، وحزننا لأن هذا الإنخفاض بمنسوب المياه جداً خطر وينذر بكارثة”.
بالإضافة للمقبرة والمزار، فقد ظهرت أيضاً مدرسة خانكي الإبتدائية والتي بنيت عام 1979، وكان بالقرب من المدرسة بيت للمعلمين الذين يأتون من مناطق بعيدة، كالشرقاط والقيارة والموصل كما يشير مختار القرية حمزة عيدو.
وكان سد الموصل قد أنشأ على نهر دجلة في عام 1985 بسعة تخزينية تتراوح بين 6 إلى 11 مليار متر مكعب وبحسب المعلومات فإن 30% من سعته التخزينية قد إنخفضت.
ويعود الإنخفاض الكبير بمياه السد إلى قلة تساقط الأمطار خلال الأربع سنوات الماضية فضلاً عن قلة الإطلاقات المائية الاحتياجية من قبل تركيا والذي ينذر بمخاطر كبيرة.
ويتحدث أستاذ التأريخ شكري رشيد خيراڤاي البالغ من العمر 51 عاماً لـ”أخبار الآن” ويقول “قريتنا خيرافا هي واحدة من عشرات القرى الأيزيدية التي تقع جنوب غرب مدينة دهوك والتي غُمرت بالمياه عند ملئ السد في بداية ثمانينيات القرن الماضي، تم ترحيل قريتنا مع أربعة قرى أخرى اثنين منهم لإخواننا المسلمين، والبقية للأيزيديين، إلى مجمع سمي آنذاك خانك أو خانكي نسبة الى قرية خانك الكبيرة، وقد أصبح الأن ناحية تضم عدة قرى”.
ويقول شيخ خلات الذي تولى شؤون المقبرة والمزار منذ أن كان عمره 11 عامًا لأخبار الآن: “إدارة شؤون المقبرة شيء يفرحني ويسعدني لأنني أخدم أهلي وناسي، لقد ورثت هذه المهنة من والدي وأجدادي، في الحقيقة لست الوحيد الذي يخدم هذا المزار والمقبرة، فأنا واحد من عائلتين تتناوب على خدمة المزار والمرقد سنوياً”.
وعن ذكرياته في المزار يضيف شيخ خلات: “كنا نسير سنويًا حوالي 10 كم في كل الظروف من برد وحر لأجل خدمة المقبرة والمزار، نأتي كل اسبوع مرتين ونشعل النار وفقًا لعادات الإيزيديخان”.
ويستكمل: “الشيء الجميل الذي أتذكره سابقًا كان هنالك تعايش سلمي بيننا وبين العرب ولا فرق بين أي دين أو طائفة، وكانوا إخواننا العرب يشاركوننا سنويًا بمناسبة الطواف الذي يقام في شهر آيار”.
تبلغ مساحة بحيرة سد الموصل نحو 380 كلم مربع، ويعمل السد على توليد الطاقة الكهرومائية وتوفير المياه للري في اتجاه مجرى النهر ويوفر الكهرباء لـ 1.7 مليون من سكان الموصل.