أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (خاص – محمد الجنون)
– مي شدياق، وزيرة لبنانية وصلت إلى مركز القرار كـ”وزيرة” في الحكومة اللبنانية الجديدة.
– تتميز شدياق بمواقفها اللاذعة، وقد بدأت مسيرتها كإعلامية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
– اعتبرت شدياق أنّ عملها الصحافي هو الباب نحو محاربة الفساد والتصدّي لكل محاولة سلوك وتصرف وقرار ضد المصلحة العامة وضد التطور والتقدم الاجتماعي اللبناني.
– بعد محاولة اغتيالها في العام 2005، مرّت شدياق بفترات صعبة لكي تتقبل فكرة فقدان بعضاً من استقلاليتها التي كانت أساسية في حياتها.
– اتهمت شدياق بـ”العمالة” عبر مواقع التواصل وتعتبر ذلك بمثابة “هدر دم”.
– معركة المرأة اللبنانية طويلة، وسوف تُوصِل في نهاية المطاف المزيد من النساء إلى البرلمان.
– المشهد بشأن المرأة في العالم العربي إيجابي، وهناك الكثير من الإصلاحات.
إليكم التفاصيل:
كثيرةٌ هي حكايا النساءِ اللواتي قدّمن الكثير في مجتمعاتهنّ، وضحين من أجلِ مستقبلهنّ. فالمرأة في الميدان حاضرة رغم كل شيء، ووجودها هو الأساس الذي لا يمكن لأحدٍ أن ينكره. أمّا الأبرز، فهو وجود امرأةٍ عاندت مصاعب الحياة وانتصرت لذاتها. تغلّبت على نيران الإغتيال، وثارت من جديدٍ لأجل الحياة، نافضة غبار الألم عن صفحات الحياة. كل ذلك ينطبق فعلاً على سيدة لبنانية أصبحت في مركز القرار، وهي في الأصل مَعروفة بـ”الشهيدة الحيّة” التي لم تعرف الإنكسار، بل سارت نحو الحياة بكلّ قوة وثقة نحو ما هي عليه اليوم.
من لا يعرف مي شدياق (وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في الحكومة اللبنانية) فقد فاته الكثير عن نضالات امرأةٍ برزت من جديد في الإعلام والسياسة، لاسيما بعد محاولة اغتيالها في العام 2005 التي أفقدتها رجلها وذراعها، وشكلت انعطافة أساسية في حياتها. فهي تلك الإعلامية، السياسية اللبنانية التي تتميّز بمواقفها الجريئة واللاذاعة. من خلال مهنتها، صنعت شدياق اسمها في عالم الإعلام، واتجّهت نحو السياسة من بابها العريض، لتصبح وزيرةً في الحكومة اللبنانية التي تشكّلت قبلَ شهرٍ من الآن.
وبمناسبة يوم المرأة العالمي (8 آذار/مارس)، اختار موقع “أخبار الآن” أن يجري حديثاً خاصاً مع شدياق (56 عاماً)، يتطرّق فيه إلى أبرز المحطّات في حياتها إلى جانبِ المشاكل التي واجهتها، فضلاً عن مسيرتها الحزبية والسياسية التي خاضت خلالها “معالي الوزيرة” الكثير من المراحل.
الدم.. ثمن الإصرار على قول الحقيقة
في حديثها، تتحدث شدياق عن بداياتها كصحافية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وتقول: “كانت الصحافة هي مهنتي ولا زالت، حتىّ مع حصولي اليوم على حقيبة وزارية. نعم، سيبقى جزء كبير منّي صحافية”. وتضيف: “عند اختياري مهنة الصحافة، لم أكن على علمٍ بما ستحمله الأيام من صعاب ومشّقات. كنت أعلم أنني اخترت مهنة البحث عن المتاعب، لكني لم أكن أعلم بأنّ المتاعب ستلاحقني. لم أكن أعلم أيضاً أنني سأدفع دماً ثمن الإصرار على قول الحقيقة ونقلها إلى الناس بأمانة وصدق”.
مسيرة وكفاح.. وصوت في وجه الطاغية
في عملها، كانت تعتبرُ شدياق أنّ الكلمة الأولى والأخيرة للشعب اللبناني الذي كانت تتحدث باسمه، ومن خلال مسيرتها الإعلامية كان السعي لمقارعة الفساد. وتقول: “إنّ مسيرتي الإعلامية الفعلية بدأت ببث الأخبار في إذاعة صوت لبنان عندما كنت في الـ20 من عمري. وبعدها، انطلقت في المجال التلفزيوني حيث واصلت كفاحي لحرية الشعب اللّبناني خلال عملي كمراسلة ومذيعة أخبار ومحاورة في المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCI). كنت أطمح إلى وطن سيد، حرّ، مستقل. لقد رأيت في عملي كصحافية، الباب إلى محاربة الفساد والتصدّي لكل محاولة سلوك وتصرف وقرار ضد المصلحة العامة وضد التطور والتقدم الاجتماعي اللبناني. في زمن الاستبداد لم أتلكأ يوماً عن التحدث باسم الشعب اللبناني بكل شفافية وصدق، وكانت التهديدات تنهال عليّ من كل حدب وصوب. كان للتهديد والوعيد مفعول عكسي، فقد زاد إصراري على قول الحقيقة كما هي، وارتفع صوتي عالياً في وجه الطاغية. بدأت ولا أزال حرّة، لا أهاب قول الحقيقة وسأبقى كذلك إلى الأبد”.
ما بعد الاغتيال.. مواجهة
تشدد شدياق على أهمية أن تقول رأيها بحرية مهما كلفها ذلك. وكما تقول، فإنّ “مسيرتها المهنية مليئة بالأحداث المثيرة بسبب إنخراطها في العمل السياسي خلال مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، في ظل تقلبات سياسية وتوترات وضعت الشعب اللبناني بأكمله تحت سيطرتها”.
وتضيف: “أنا لا أنقل البارودة من كتف إلى كتف. ربّما شجاعتي هذه جعلتني أمّر بعدد يكاد لا يحصى من التجارب والمحطات الحاسمة، وصولاً إلى محاولة إغتيالي. بعد تلك الحادثة الأليمة، مررت بفترات صعبة لكي أتقبل فكرة فقدان بعضاً من استقلاليتي التي كانت أساسية في حياتي. وحتماً، فإنّ تقبل الأمر الواقع ليس سهلاً”. تقول شدياق: “بعد محاولة إغتيالي في العام 2005، قررت أن أواجه نفسي بالحقيقة وأصارح نفسي بما أنا عليه. كنت قاسية مع نفسي في طريقة مواجهتي للأمر، ولكنني أعتبر أنني عالجت نفسي بنفسي. مررت بأوقات صعبة جداً، تخطيتها بارادتي، أعتقد أن هذا جزء من شخصيتي”.
شدياق “الوزيرة”.. ماذا تريد؟
في الواقع، فإنّ تجربة شدياق في أن تكون وزيرة في حكومة بلادها، أمر يعتبر جديداً بالنسبة لها. وتقول: “التجربة ليست سهلة خصوصاً أنها تحمل مسؤوليات جديدة. كما أنني كسيّدة، أريد الاثبات للجميع نجاحي وقدراتي كي أفسح مجال لسيّدات أخرى في المستقبل ليفرضن أنفسهنّ”.
تلفت شدياق إلى أنّها “ستسعى جاهدة لتطبيق الحكومة الالكترونية بالتنسيق مع باقي الوزارات والمانحين”، معتبرة أنّ “المواطن اللبناني ملّ من الانتظار ساعات لانهاء معاملاته واضاعة وقته على الطرقات”.
تؤكد شدياق أنّ “الحكومة الالكترونية ستساهم في بناء بيئة جيّدة للقطاع الخاص ورجال الأعمال للاستثمار بعد تسهيل إجراراتهم، وهذا ما يعدّ أولويّة لنا. هناك العديد من الأشياء أيضاً لتحقيقها، ومنها وضع توصيف وظيفي لكل المراكز في القطاع العام، ما سيسهّل محاسبة الموظّف عندما لا يقوم بعمله”.
واقع المرأة في لبنان.. المعركة طويلة
لا تنكر شدياق أنّه رغم الكثير من المعوقات في لبنان، لكنّها واقع المرأة هناك شهد بعض الخطوات الإيجابية، وقد برز دورها في تحريك عجلة الاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة وإحلال السلام. بحسب شدياق، فإنّ “مشاركة المرأة السياسية شهدت تحسناً نسبياً. ففي العام 2009 كان عدد المرشحات للانتخابات النيابية 12 سيدة فقط لا غير، ارتفعت هذه النسبة عام 2018 إذ تخطّى عدد المرشحات أكثر من 100 امرأة لبنانية، كما شهد لبنان وصول عدد من الوزيرات يتمتّعن بحنكة سياسية ونشاط منقطع النظير”.
وتضيف: “نحن نخوض معركة طويلة، سوف توصل في نهايةِ المطاف المزيدَ من النساء الى البرلمان، ونأمل في أحد الأيام الى الوزارات ولما لا رئاسة الدولة. المرأة اللبنانية نجحت في كافة القطاعات وأصبحت قادرة على هزّ المجتمع واحداث تغيير ولو بوتيرة بطيئة نسبياً”.
في وزارتها.. سابقة تاريخيّة
وفيما خصّ وزارتها (شؤون التنمية الإدارية)، فإنّ شدياق تعتبرُ مسألة تسلمها وزارتها من الوزيرة السابقة عناية عزّ الدين سابقة تاريخية. وتقول: “لأول مرة في لبنان، تسلم امرأة حقيبة وزارية لامرأة أخرى. فعلياً، لقد باتت المرأة اللبنانية مدركة لأهمية مشاركتها وحقها في ممارسة دورها التشريعي مثلها مثل أي رجل آخر، لا يمكن لمفهوم تطور الدولة أن يسير على السكة الصحيحة دون وجود المرأة”.
ماذا عن المرأة في العالم العربي؟
بالنسبة لشدياق، فإنّ المشهد بشأن المرأة “إيجابي” جداً، وتشير إلى أنّ “هناك الكثير من الإصلاحات، ونرى عزماً أكبر لدى السيدات في الحصول على أبسط حقوقهنّ”.
وتقول: “لقد أعلنت المملكة مؤخراً تعيينَ الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، سفيرةَ للرياض لدى واشنطن. في تونس، إكتسبت السيدة التونسية حق الزواج بغيرِ المسلم، كما تسيرُ التونسيات نحو تحقيقِ المساواة في الإرث بين الجنسين. في العراق، استطاعت الشابّة اليزيديّة نادية مراد التي تم اختطافِها من قبل مسلحي تنظيم داعش الإرهابي من الفوزِ بجائزة نوبل للسلام، لتبعثَ الأملَ في نفوسِ العربيات بشكلٍ عام، والعراقيات بشكلٍ خاص. في مملكة البحرين، تولّت فوزية زينل منصبَ رئيسة مجلس النواب، لتكونَ أولَّ امرأة تتولّى هذا المنصب. أمّا في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيتوجّه رئيسُ الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان إلى رفعِ نسبةِ تمثيلِ المرأة الإماراتية في المجلس الوطني الاتحادي إلى 50 في المئة وذلك في الدورةِ المقبلة من العام الحالي 2019″.
وتضيف: “كل ما سبق مؤشر أساسي لوعي المجتمعات العربية وفهمها لدور المرأة الريادي، وهذا سيؤدي حتمًا إلى مزيد في التغيّر الإيجابي في واقع المرأة عربياً”.
على مواقع التواصل.. المرأة ضحية
ولأنّ مواقع التواصل الإجتماعي من المنصات الحرّة التي تستطيع المرأة التعبير من خلالها عن رأيها، فإنّ شدياق تعتبرها “محركاً فعالاً في اتجاه التغيير المحتّم، من خلال عدد متزايد من الحركات النسوية الساعية لكسر الصورة النمطية القائمة على عقليات بالية مضى عليها الزمن”. وتقول: “ولكن مع ذلك، فإن هذه الوسائل التي أصبحت واقعًا لا بد منه، هي سلاح ذو حديّن فهي منبر للتنمر الإلكتروني الذي يمارس عبر التحرش والمطاردة وتشويه السمعة عن طريق نشر شائعات، والكشف عن معلومات شخصية وانتحال شخصية وإنشاء حسابات وهمية وعادةً ما تكون المرأة هي الضحية الأساسية لهكذا تصرفات، خصوصاً عندما تكون تحت الأضواء وفي مركز سياسي واجتماعي معيّن”.
تهم العمالة.. هدر دم!
واقعياً، فإنّ شدياق لم تكن بعيدة عن الهجمات التي فرضتها مواقع التواصل الإجتماعي، كما أنها كانت ضحية اتهامات كثيرة. وفي هذا الصدد، تشير إلى أنّها “تعرضت للكثير من المضايقات عبر وسائل التواصل الإجتماعي”، وتقول: “لقد اعتدت على كل ما يقال. أصبح الموضوع ينزلق وكأنني أرتدي سترة واقية للمطر. في البداية كنت أتأثر جداً وكانت الدموع تنهمر من عيني لأنها كلمات مؤلمة خصوصاً من الناحية الإنسانية. ولكن عندما يتم تكرار هذه المقولات على مر السنوات، تصبح بلا فائدة وتمر مرور الكرام ولكن الأغرب عندما يلصقون بي تهم العمالة هذا يصبح هدر دم وليس تنمراً فقط. لذا علينا التعامل مع هذه الوسائل بحذر للاستفادة من الجانب الإيجابي وتفادي السلبيات الناتجة عنه”.
رسالة إلى كل امرأة.. نحن صانعات التغيير
وفي ختام حديثها، فإنّ من شدياق رسالة إلى كل امرأة، وتقول: “ناضلي من أجل الحقوق التي لا زلت محرومة منها، فالحقوق لا تعطى، بل تؤخذ بالقوة. حافظي على أحلامكِ وطموحاتك، أبقيها على قيد الحياة. لا تسمحي لأحد بأن يكتب قصتك ويقولبها كما يشاء، بل أكتبيها أنتِ كما تريدين. فلنكمل معاً التحدّي الكبير الذي نخوضه اليوم، ونثبت يومياً أنّنا بأنفسنا صانعات التغيير الذي لا بد منه.
للمزيد: