أخبار الآن | شينجيانغ – الصين (خاص)
لا تكاد تجد موطأ قدم في متحف أرومتشي في أي يوم أحد من أيام الصيف في إقليم أرومتشي غرب الصين.
فالمتحف متنوع، فيه شيء من كل شيء: من التاريخ الطبيعي والسياسي والفولكلور. فيه موميات، ونماذج بالحجم الطبيعي لمن سكنوا الإقليم اليوم وعبر العصور الغابرة.
يحرص الصينيون على بناء المتاحف. فالقصص هنا شيقة، ويجيد الصينيون روايتها. ثلاثة متاحف في أرومتشي وتوربان وقشقر تستقطب الزوار كما أي مزار، ولا تبخل الدولة في خدمتها.
والحقيقة أن الدولة لا تخفي مرادها من هذه المتاحف. فبالنسبة للزائر، المسألة لا تتعلق بدقة المعلومة التاريخية ومحاولة تأكيد صحتها أو عدم ذلك، بقدر ما يتعلق الأمر بالرسائل التي يراد إيصالها عند كل معلم.
كل متحف يبدأ بلوحة كُتب عليها “مقدمة” تُحضّر الزائر لما سيراه وتضعه في مزاج يسمح له بالمتابعة. المقدمة تقول إن إقليم شينجيانغ هو حصيلة الثقافات المخلتفة التي يتبناها الناس هنا وأن الدولة الصينية هي من رعت هذه التعددية، وأن الإقليم لا وجود له خارج إطار الدلة الصينية لا قديماً ولا حديثاً ولا مستقبلاً.
وتنتهي المتاحف بلوحة كُتب عليها “الخلاصة” وفيها استعراض لما تمّ تقديمه. الخلاصة هي: سكان المنطقة يضمون صوتهم إلى بقية الشعب الصيني من أجل بناء صين قوية ومزدهرة.
إقرأ أيضا: عندما يُسأل الإيغوري عن المسجد!
شينجيانغ الصينية أبداً
بغض النظر عمّا إذا كانت مستحاثات أو هياكل ديناصورات أو موميات أو رقع بالية أو تماثيل مصغرة، الرسالة هي أن كل ما في إقليم شينجيانغ مرتبط ارتباطاً عضوياً وروحياً ب “الدولة الأم” : الصين.
المتاحف الثلاثة تتبع تطور المدن الثلاثة بسرد أثر السلالات الإمبراطورية في أحداث المنطقة. في متحف أرومتشي، تقول اللوحة في الجزء الخاص بالعصر البرونزي والحديدي الأول أن شينجيانغ منذ ذلك الوقت كانت مرتبطة بالمركز الإمبراطوري والدليل هو العثور على فخاريات تحمل أحرفاً صينية.
فلا وجودَ لإقليم شينجيانغ خارجَ إطارِ الدولةِ الصينيةِ قديماً وحديثاً وحتى مستقبلاً. في متحف قشقر غرفة خاصة يُعرض فيها فيلم عن “كاشي” وهو الاسم الصيني لـ “قشقر”، وعلى جانبي الشاشة الكبيرة شاشتان واحدة تمثل قشقر الآن والأخرى تمثل ما يراه الحزب في قشقر بعد عشرة أعوام.
حتى التعدد العرقي والتنوع الثقافي كانا مدفوعين بشكل أو بآخر من المركز، فإقليم شنجان الذي نراه اليوم بإثنياته المختلفة هو صنيعة بكين حتى قبلَ عام ألف وتسعمئة وتسعة وأربعين عندما ضُمّ الإقليم إلى دولة الصين الشعبية.
في زاوية سلسلة تشينغ، نقرأ أنه عندما أحكم المركز الإمبراطوري على شينجيانغ أرسل حاميات من المنشوريين والهان وعائلاتهم ليستوطنوا هنا ويعززوا حكم المركز وفصل الدين عن الدنيا.
لا ذكراً واضحاً ووافياً للإسلام: كيف دخل سكان المنطقة في الإسلام وكيف ساهموا كمسلمين في نهضتها. في المقابل، تخصص أجنحةٌ للحديث عن أديانَ أخرى قديمة.
في المتاحف الثلاثة زوايا وقصص عن أثر البوذية في المنطقة وكيف أن سكانها في الأصل يدينون بالبوذية والمانشية والشامانية.
في متحف أرومتشي، تقول اللوحة التي تتقدم هذا الجزء إن المنطقة الغربية، أي إقليم شينجيانغ ، كان البوابة التي دخلت منها البوذية إلى جميع أنحاء الصين.
وفي قشقر، صورة لـ بوداتيسفا وهو راهب أعلى يمتلك قوى خاصة كمن يملك صكوك الغفران، يحيط به متعبدون يتقربون من الرب ويحملون القرابين. معظم هذه الوجوه قوقازية.
المتاحف في شنجان تعكس رؤية الحزب الشيوعي الحاكم للإقليم والتي تضمنتها الورقة البيضاء المنشورة في تموز يوليو عام ألفين وتسعة عشر. التقرير الرسمي يقولُ إن الإسلامَ ليس ديناً أصيلاً عند الإيغور وليس دينَهم الوحيد.
في الجزء السابع من هذه الورقة، نقرأ: “في الإسلام المتعارف عليه، لا يُعبد شخص أو شيئ إلا الله. أما الإيغور وبعض المجموعات العرقية الأخرى لا يزالون يقدّسون المزارات، وهي مدافن أو أضرحة قديسين أو رجال دين مرموقين.”
وجوه بلا أسماء
إقرأ أيضا: لماذا ارتبطت كلمة “مدني” بالرعب لدى أقلية الإيغور في الصين؟
المساجد برعاية إمبراطورية
المعالم التاريخية خارج المتحف تسير ايضاً على نفس النهج. بل توحي بأن رعاية الإمبراطورية الصينية للإقليم كانت سبباً في بناء المساجد.
الأميرة العطرة
من أبرز المعالم السياحية في قشقر ضريح آباق خوجا أو آفاق خوجا. وهو ابن الزعيم الديني محمد يوسف، الذي يُعتقد بأنه ساهم في نشر الصوفية في هذا الجزء من العالم.
يضم هذا الضريح رفات عائلة آفاق خوجا وأهمهم الأميرة إبرهان. وكانت امرأة جميلة تفوح منها رائحة عطرة حتى سُمّيت بالأميرة العطرة أو شينغ فيه، وهو الاسم الصيني الذي يُعرف به هذا المزار.
للأميرة العطرة قصة مع الإمبراطور تشينلونغ الذي خاض حرباً ضد زوجها وكان حاكماً في قشقر. خسر الإيغور الحرب، فسبى الإمبراطور الأميرة وضمّها إلى جواريه. لكن أحبها حبّاً جمّاً، أما هي فظلّت على دينها الإسلام في أكلها وشربها ولبسها. عندما ماتت، أمر الإمبراطور بأن يدفن جثمانها في قشقر، فبنى لها المزار وفي جواره مسجد لأنها كانت امرأة عابدة.
أمين خوجا
محلة حكم أمين خوجا وجهة سياحية مهمة في توربان وهي واحة مهمة وتاريخية جنوب أرومتشي. أمين خوجا كان قائداً مهما وفاعلاً في تاريخ المدينة والإقليم.
في سرداب قصر الحاكم الذي عاش فيه، قصص تروي تاريخ الرجل من مهده إلى لحده. القصص تروي كيف خدم إمبراطوره الصيني. ومنها أنه عندما ردّ أعداءً كانوا يهددون الإمبراطورية الصينية من جهة الغرب، أتاه وفد من بكين مهنئاً فخرج هو وجميع سكان توربان مرحبين بالضيوف الأعزاء.
القصة الأكثر تأثيراً هي أنه في آخر حياته، أوصى ببناء مسجد المنارة لتكون منارة أبدية للعلم يستهدي بها أبناء منطقته.
في سرداب القصر الحاكم، قرأت أن بناء المسجد كان بفضل الرعاية التي حظي بها أمين خواجة ما سمح له أن يؤدي واجباته تجاه ربه وشعبه. لكن المنارة اليوم مهجورة ومسجدها لا مُصلين فيه.
بان تشاو
في عام ألف وتسعمئة وأربعة وتسعين، قررت الحكومة الصينية بناء هذا المنتزه ليكون مزاراً لـ القائد العسكري والسياسي المحنك بان تشاو، الذي كان له دور مهم في إخضاع المنطقة الغربية لحكم سلالة الهان الشرقية في القرن الأول للميلاد.
في المنتزه جدارية يظهر فيها بان تشاو متآخياً مع ملك شولي: وهو الاسم القديم لقشقر. فالجدارية تُصوّر حملته بأنها فتح لا حرب.
في مدخل الفندق الذي كنت أقيم فيه في قشقر، رأيت جدارية تذكر بان تشاو. تقول هذه الجدارية إنه تمّ استدعاء بان تشاو بعد استكمال مهمته في قشقر، فرفض سكان المدينة السماح له بالمغادرة حتى إن منهم من قتل نفسه احتجاجاً على ذلك. وقال سكان المنطقة إن بان تشاو ومبعوثيه يُعاملون في قشقر كما يُعامل الوالدون، فكيف يتركهم أبناؤهم يرحلون؟ بالفعل، بقي بان تشاو في قشقر.
التلة الحمراء
وعن التاريخ الحديث لـ شينجيانغ ، خصص مبنى رائع في منتزه التلة الحمراء (هونغ شان) لاستعراض مراحل بناء مدينة أرومتشي العاصمة.
الطوابق الثلاثة في الداخل لا تذكر مساهمات الإيغور إلا بما يرتبط مع مساهمات الجيش والمتطوعين القادمين من العاصمة المركز.
وكان ملاحظاً غياب المساجد من عشرات الصور التي توثق بناء أرومتشي منذ ١٩٤٧، أي قبل انضمام الإقليم إلى الدولة الصينية، وحتى الوقت الحالي. استعرضتُ الصور، فوجدتُ صورة واحدة فقط.
مصدر الصورة: Getty Images
إقرأ أيضا: