أهلاً بكم إلى مرصد الجهادية لهذا الأسبوع نغطي فيه الفترة من الأحد ٢١ إلى السبت ٢٧ يونيو ٢٠٢٠.
إدلب هي العنوان الأبرز. ثمة تطورات بالنسبة لداعش في موزمبيق وغرب إفريقيا، ومقتل القيادي في داعش أبي سعد الشمالي فايز العقل في ضربة للتحالف قرب الباب شمال سوريا. سنعرج عليها الأسبوع المقبل.
لكن السؤال الأهم اليوم:
– هل هي مواجهة مصيرية أخيرة بين هيئة تحرير الشام والقاعدة؟
– في نهاية الأمر، ومن بوابة غرفة عمليات فاثبتوا، طُرد حراس الدين من معاقلهم غرب إدلب.
– الهيئة مهدت للتراجع باعتقال أبي مالك التلي
– وما أشبه اليوم بالأمس، فتاوى الجهاديين .. لكل قياس
ضيفا هذا الأسبوع:
– عباس شريفة، الباحث السوري، من إسطنبول
– – عروة عجّوب، الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجماعة لوند – السويد
التفاصيل. فيما تسلسل زمني لأحداث الأسبوع وتطور الموقف بني هيئة تحرير الشام وحراس الدين/القاعدة.
أين نحن الآن؟
حتى فجر الأحد ٢٨ يونيو ٢٠٢٠، أبرم حراس الدين اتفاقيات مع هيئة تحرير الشام لإفراغ مقراتهم في غرب إدلب وشمالها والتحضير للتحاكم.
كيف وصلوا إلى هناك؟
نذكر أن الأسبوع الماضي انتهى باعتقال أبي صلاح الأوزبكي القيادي المنشق عن هيئة تحرير الشام والعامل الآن ضمن أنصار الدين بقيادة الدكتور أبي عبدالله الشامي الذين شكلوا غرفة عمليات فاثبتوا بالاشتراك مع حراس الدين وتنسيقية الجهاد (أبي العبد أشداء) وانصار الإسلام ولواء المقاتلين الأنصار بقيادة أبي مالك التلي الذي، وبشكل مفاجئ للجميع، استقال من مجلس شورى هيئة تحرير الشام.
كان هذا يوم ١٧ يونيو. ونذكر أننا عرضنا منشوراً من حساب مزمجر الثورة المختص بفضح ممارسات الجولاني وأمنييه يقول إن اعتقال الأوزبكي مقدمة لاعتقال التلي القائد العسكري لغرفة فاثبتوا.
٢٢ يونيو
وفعلاً في ٢٢ يونيو، اعتقل التلي. هيئة تحرير الشام أصدروا توضيحاً من خلال لجنة المتابعة المركزية قالوا فيه إنهم فوجئوا بتشكيل التلي فصيلاً جديداً (غرفة فاثبتوا) وأنهم حذروه كي يعود عن قراره لكنه رفض وبالتالي كان واجباً اعتقاله لمحاسبته على “الأعمال التي تسبب بها في إثارة البلبلة وشق الصف وتشجيع التمرد.”
في نفس اليوم، نشرت معرفات هيئة تحرير الشام رسالة قيل إنها من الجولاني إلى التلي بتاريخ ٨ أبريل الماضي عندما قدم التلي استقالته وقتئذ وتدخل عبدالرحيم عطون وأبو ماريا القحطاني حتى تراجع الرجل عن الاستقالة.
الرسالة لا تختلف عن بيان اللجنة المركزية سوى أنها كانت شخصية من الجولاني خاطب فيها التلي مرهباً ومرغباً، فقال: “ابتعد عن سياسة المزاودات التي لا تليق بك … أقبل وقل كلّ ما في داخلك … احذر من إنشاء جماعة أو مناصرة مخالفين أنت أعلم بنواياهم … فيومها ستكون قد ابتعدت كثيرا وأسقطت كل الاعتبارات.”
وفي نفس اليوم أصدرت الهيئة قراراً يمنع أي عنصر يستقيل من تشكيل جماعة أو الانضمام إلى جماعة أخرى. فالمستقيل يسلم سلاحه إلى الأبد.
غرفة عمليات فاثبتوا ردت بإصدار بيان بعنوان “حول اعتداءات هيئة تحرير الشام على غرفة عمليات فاثبتوا” وهذا العنوان مهم كما سيتضح لاحقاً. البيان طالب بإطلاق سراح التلي والأوزبكي والتوافق على قضاء مستقل وإلا واجهت الهيئة نتائج ذلك.
بعد البيان، اعتقلت الهيئة أبا حسام البريطاني (توقير شريف) العامل في الإغاثة. اعتقلوه من منزل زوجته الثالثة. قال البعض لأن له علاقات وثيقة مع أبي العبد أشداء الذي وجه رسالة مساء ذلك اليوم إلى “عقلاء هيئة تحرير الشام” مذكراً إياهم: “ألم تخجلوا من فعلتكم عندما رفضتم الإصلاح واعتقلتموني ثم اضطررتم لإخراجي بعد أن ذهبت الديار وشُرد الناس.”
هيئة تحرير الشام قالت إنها أوقفت البريطاني بعد دعاوى بخصوص تصرفه بأموال المنظمات والإغاثة التي تصله لأغراض شخصية وعسكرية لشراء الولاء له دون حسيب أو رقيب
٢٣ يونيو
كثفت هيئة تحرير الشام حضورها الأمني على مداخل إدلب، وأقام حراس الدين وغرفة فاثبتوا حواجز أمنية لمنع اعتقال مزيد من القادة.
مع غروب شمس اليوم، اندلعت اشتباكات في محيط قرية عرب سعيد، أحد أهم معاقل حراس الدين، غرب إدلب.
توقف القتال بعد ساعتين.
٢٤ يونيو
في اليوم التالي ٢٤ يونيو، تجددت الاشتباكات في محيط القرية وعند حاجز اليعقوبية القريب؛ ووردت أنباء عن محاصرة الهيئة مقراً لأنصار الدين في سرمدا شمال إدلب.قُتل في الاشتباكات أبو زيد الأردني من الحراس.
وتبادل الطرفان الاتهامات حول محاصرة منزل محمد الشيخ الرئيس السابق لحكومة الإنقاذ (الذراع السياسية لهيئة تحرير الشام).
وكثرت الأخبار المتضاربة حول انشقاقات في الطرفين. مثلا، قيل إن مقاتلي لواء عبدالرحمن بن عوف التابع للهيئة رفض القتال؛ وأن مقاتلين في التنسيقية اعتزلوا. وفي كل مرة كان الطرف الآخر ينفي.
في الأثناء، وردت أنباء عن استهداف التحالف مركبة على طريق بنش شمال شرق إدلب، أسفر عن قتل أبي عدنان الحمصي مسؤول الآليات في الحراس.
في المساء، أصدرأكاديميون وشرعيون محليون دعوة للصلح.
سامي العريدي، شرعي الحراس، دعا الطرفين إلى التحاكم بصفته شرعي جبهة النصرة سابقاً.
قنوات الهيئة علّقت: ما الذي يدفع أحدهم إلى تذييل منشوراته بكلمة “سابقا”؟ هل هو عاطل عن العمل حاليا؟
٢٥ يونيو
في الساعة الأولى من يوم ٢٥ يونيو، وجهت القاعدة المركزية بياناً بعنوان ” إن الله أبى عليّ قتل مؤمن” آزرت فيه حراس الدين. أهم ما جاء في البيان:
– هيئة تحرير الشام لا حقّ إمامةٍ لها على المسلمين في المنطقة
– لا بأس إن انفصل مقاتلون وتابعوا “الجهاد” ضمن تشكيلات أخرى
– دعوة مقاتلين موالين للقاعدة ضمن صفوف الهيئة إلى أن يخالفوا أوامر قادتهم وألاً يحملوا السلاح ضد فاثبتوا.
بعد أقل من ساعة تقريباً، أصدرت غرفة عمليات فاثبتوا بياناً تعلن فيه قبول دعوة الصلح التي أطلقها أكاديميو وشرعيو إدلب المحليون.
في الصباح، ظل الوضع متوتراً. بعد الظهر، أصدرت هيئة تحرير الشام بياناً بعنوان (كل دعوة خير مقبولة) تقول فيه إن الاقتتال سينتهي بمجرد أن يرفع الطرف الآخر الحواجز ويُحاسب “من تجرأ” على هذا الفعل و”غامر” بأمن المنطقة.
واستمر التوتر والحشد.
٢٦ يونيو
في الساعة الأولى من صباح يوم ٢٦ يونيو، ردّ عبدالرحيم عطون، رئيس المجلس الشرعي في هيئة تحرير الشام، على بيان القاعدة في سيناريو مكرر من رده على الظواهري عند فك الارتباط في ٢٠١٧. الرد في خمس صفحات موقعة باسم الشيخ أبي عبدالله الشامي وهو الاسم الحركي لـ عطون. أهم ما فيه:
– هيئة تحرير الشام لا تدعي حقّ الإمامة ولكنها تمثل النظام العام في المنطقة “المحرر” ولا يجوز لأي فئة أخرى أن تعطل هذا النظام.
– غرفة عمليات الفتح المبين التي تشرف عليها الهيئة هي الإطار العسكري المعني بالقتال ولا مبرر لإنشاء غرفة عمليات أخرى.
– لا يحق للقاعدة أو الحراس الإخلال بالتزام مسبق مع الهيئة بعدم نصب حواجز أو إقامة محاكم
– الإجراء المتخذ بحق التلي والأوزبكي هو إجراء داخلي لا علاقة للحراس أو غيرهم به. وبالتالي فإن تنطع (فاثبتوا) للدفاع عن الاثنين لم يكن مشروعاً.
وتابع عطون يفند البيان فقرة فقرة. وهنا ذكّر برد القاعدة على قرار فك الارتباط واتهام الهيئة بشق الصف، وها هي القاعدة الآن تقول إن لا بأس إن أراد فرد أن يقاتل ضمن تشكيل آخر.
وختم بوصف ممارسات الحراس بالصبيانية وتحذير مبطن بأن الهيئة قادرة على استيعابهم طالموا انشغلوا بالتحصين والتدشيم.
بعد ساعات، أعلنت غرفة عمليات فاثبتوا أنه “حقناً للدماء” فهم مستعدون للاستجابة إلى بيان الهيئة ورفع الحواجز لمدة ثلاثة أيام يجري خلالها التفاوض والتقاضي بخصوص الأوزبكي والتلي ومن معهما. تنتهي الهدنة يوم ٢٩ يونيو.
وسرعان ما أبرمت تعهدات مكتوبة بخط اليد بين ممثلين عن هيئة تحرير الشام وممثلين عن فاثبتوا في عرب سعيد وسهل الروج واليعقوبية وحارم وغيرها تقضي برفع الحواجز وإخلاء الحراس مقارهم وإحالة مطلوبين إلى التركستان للبت في أمرهم.
في نهاية اليوم، أصدرت هيئة تحرير الشام بياناً حول توحيد الجهد العسكري وهو نسخة عن بيان الهيئة في اليوم الأول من الأزمة الذي يحظر استحداث أي فصيل جديد في المنطقة.
٢٧ يونيو
يوم السبت ٢٧ كان هادئاً باستثناء أن تنسيقية أبي العبد أشداء قالت إن عناصر من الهيئة اقتحموا نقاط الرباط التي لهم. الهيئة قالت إن عناصرها كانوا يتفقدون الشباب. والآن تبث التنسيقية فيديوهات عن أعمال التدشيم التي تقوم بها. الفيديوهات تحمل شعار التنسيقية حصراً.
ثوب الجهادية
الباحث السوري عباس شريفة يرى أن الجولاني بات معنياً اليوم بأن يخلع ثوب الجهادية عن أي قوة أخرى في إدلب ومحيطها وأن يقدم نفسه محارباً للإرهاب. “عنده هاجس أن يُعترف به دولياً وأن يسقط عنه تصنيف الإرهاب،” يقول شريفة. ويضيف إن انشقاق أبي مالك التلي سرّع من الأمر. فالتلي يتمتع بكاريزما، ولديه حاضنة شعبية، وهو سوري معروف النسب، ولديه موارد اقتصادية من صفقة معلولة تُقدر بـ ٢٠ مليون دولار، وبالتالي انضمامه إلى حراس الدين والآخرين سيجعل منهم قوة هدفها القضاء على الجولاني وهو ما لن يسمح به الرجل.
ردود الفعل
منظر السلفية الجهادية أبو محمد المقدسي كتب على حسابه التلغرام عن هيئة تحرير الشام: “مع جماعة الدولة ظهر كالحمل الوديع؛وطالب المشايخ بالدعوة إلى تحكيم الشرع؛ فصدّقوه واستجابوا لدعوته؛ ودعوا إلى حكم الله؛ وكنت واحدا منهم؛ ولما لم تستجب جماعة الدولة لمبررات لم أقتنع بها؛ اتخذت منهم موقفا واضحا … واليوم هاهي الحرباء ترفض تحكيم الشرع وحقن الدماء”
حساب قريب من المنظّر الآخر للسلفية أبي قتادة الفلسطيني، ويعتقد أنه يكتب باسمه تحت معرف أبي محمود الفلسطيني، كتب: “ليفرح المقدسي شيخ الغلاة والدواعش… ها قد حققت حلمك… فتنصل كعادتك… اللهم اشهد أننا عملنا جهدنا لمنع الاقتتال، وحقن الدماء… لكن المقدسي واتباعه سعوا لذلك سعياً”
صحيفة داعش الأسبوعية النبأ في عددها ٢٤٠ الصادر الخميس ٢٥ يونيو خصصت افتتاحيتها لأحداث إدلب وذكّرت بما جرى بينهم وبين القاعدة بسبب الجولاني وتناقض المواقف بين اليوم وأمس؛ وأن داعش بريء من تهم شق الصف والتكفير والغلو؛ وعليه تختم الافتتاحية بدعوة من لا يعجبهم ما يجري بالعودة إلى حضن داعش.
عروة عجوب، الباحث السوري في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة لوند السويدية يلفت إلى التناقض في موقف جميع الأطراف المعنية مما يحدث اليوم وما حدث في ٢٠١٧ عندما قرر الجولاني فك الارتباط بالقاعدة فاستاءت القاعدة ومنظروها وعابوا ذلك عليه، وها هم اليوم يبررون لطلاق مماثل. وكذلك بالمقارنة مع ما حدث مع داعش عندما أصرّ داعش على ضم جبهة النصرة آنذاك. يختم عجوب بأن كل مجموعة لها منظرون يسوّغون لها الفتاوى.