أخبار الآن | إدلب – سوريا (خاص)
في مشهد يعكس مدى سوء الأوضاع التي تشهدها سوريا، انتشرت ظاهرة عمالة الأطفال في إدلب شمال غربي البلاد، والتي تكتظ بمئات الآلاف من المقيمين والنازحين، نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية وافتقار المجتمع إلى تطبيق القوانين الكفيلة بمنع انتشار تلك الظاهرة.
ولعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى تزايد ظاهرة عمالة الأطفال، الواقع الاقتصادي المتردي الذي خلفته الحرب في سوريا، وانخفاض مستوى الدخل للعائلات، الأمر الذي اجبرها على الدفع بفلذات أكبادها إلى سوق العمل بغرض تأمين المأكل والمشرب. يضاف إلى ما سبق، غياب المعيل، فكثير من الأسر قتل أو اعتقل معيلها أو ربما منعته إعاقة دائمة أصيب بها نتيجة الحرب من العمل، ليضطر أطفالهم إلى سد مكانهم وحمل عبء تقديم مستلزمات الحياة لباقي أفراد الأسرة.
عدم الاستقرار والنزوح المتكرر والواقع الخدمي للمراكز التعليمية والمدارس، وتدني المستوى التعليمي، أدى كذلك إلى تسرب أعداد كبيرة من الأطفال من المؤسسات التعليمية.
وساهم القصف من قبل قوات النظام وحليفته روسيا، في تدمير عشرات المدارس وحرمان آلاف الطلاب من حق التعليم لاسيما تعليق الدوام المستمر نتيجة القصف، ما خلق حالة من عدم الاستقرار وعزوف أولئك الطلبة عن التعليم.
كاميرا أخبار الآن تجولت في عدد من المناطق الصناعية في إدلب، حيث التقت عدداً من الأطفال الذين يعملون في مهن مختلفة، أجبرتهم الظروف القاسية على ترك المدرسة والالتحاق بالعمل.
معتز حمود (12) عاماً، وهو طفل سوري يعمل بمهنة النجارة، قال: “تركت المدرسة لحتى اتعلم مهنة النجارة وصير معلم فيها واعرف كلشي في المصلحة”.
بشار مخللاتي (11) عاماً، وهو طفل مهجّر من حلب قال لأخبار الآن: “جينا لهون نازحين خوفا من القصف والضرب، انا عم اشتغل هون بالصناعة حتى ساعد أهلي وأعيلهم. من أول ما أجينا على ادلب بلشت الصعوبات بأجار البيت، عم اشتغل حتى أساعد أهلي بإيجار البيت وعايشين على قد حالنا والحمد لله”.
حال حمدو أيوب وهو طفل يعمل بمهنة تصليح السيارات، لم يكن أفضل حالاً من سابقيه، وقال: “عم اشتغل هون بالصناعة ميكانيكي حتى أتعلم المصلحة واعيل أمي وأخواتي، أبي توفى وبطلت (تركت) من المدرسة وما ضل الهم معيل غيري ولحتى أمن دخل وساعدهم”.
من جانبه، قال محمد يوسف وهو صاحب ورشة لتصليح السيارات في إدلب: “الأسباب التي تدفع الطفل إلى العمل عديدة، إما من أجل أن يتعلم مهنة يعمل بها مستقبلا أو من اجل أن يعيل عائلته إذا كان لا يوجد لديها معيل… بالنسبة لأجور الأطفال مقابل عمل أسبوع واحد قليلة تتراوح من ٣٠٠٠-٤٠٠٠ ليرة سورية”.
أخصائيون في حماية الطفل والدعم النفسي يرون أن عمالة الأطفال لها آثار سلبية على المدى القريب والبعيد، وبالتالي ظهور جيل غير متعلم بعد أعوام.
واثق الحلاق وهو مستشار برنامج الحماية بإحدى المنظمات الإنسانية، اعتبر أن ظاهرة عمالة الأطفال تفاقمت في الآونة الأخيرة، نتيجة عدة ظروف أهمها عدم تطبيق القوانين التي تحد من تلك الظاهرة.
وقال في مقابلة مع أخبار الآن: “عم نحكي عن ظاهرة اسمها عمالة الأطفال والتي تعتبر من الظواهر السبلية التي تحتاج إلى عدة قطاعات من أجل التدخل فيها وحلها، هذه الظاهرة وضمن سياقنا السوري والذي يعتبر من أصعب السياقات نقول وبشكل بسيط، يوجد لدينا عدد كبير من الأطفال عم يتعرضوا لحالات الاستغلال تحت عنوان عمالة للأطفال. قد يكون السبب الرئيسي لوجود هذه الظاهرة ليس الأزمة بحد ذاتها إنما غياب الهياكل المجتمعية بالإضافة لغياب الالتزام بالتشريعات والقوانين سواءً القوانين المحلية أو الدولية”.
وتابع: “معروف للجميع أن العمالة هي أحد أشكال الإساءة للأطفال والتي يجب أن لا تتم، وضعت مجموعة من القوانين والشرائع لحل هذه الظاهرة. عند تحليل ظاهرة العمالة نقول أن العوامل التي تساعد على عمالة الأطفال فعليا حالات النزوح وحالات الأزمة بحد ذاتها وغياب الدخل الثابت، وكذلك غياب الهياكل المجتمعية والدعم الأسري للأطفال يؤدي إلى تفاقم تلك الظاهرة. نقول أيضا أن غياب القوانين والتشريعات والتي يلتزم فيها أرباب العمل والتي تشكل سبب حقيقي ورئيسي لوجود ظاهرة العمالة”.
وعن أثر عمالة الأطفال على مستقبلهم، قال الحلاق: “الظاهرة لها أثار متعددة لا تقتصر على الطفل نفسه، فالأطفال العاملين يتعرضون لمخاطر متعددة، إضافة إلى التأثير السلبي على المستوى المجتمعي، فمثلاُ جيل كامل من الأطفال يتعرض للإساءة فهو لا يلتزم بفرص النمو المتاحة أمامه من تعليم وما إلى ذلك، هذا الشيء يهدد شكل المجتمع في المراحل القادمة”.
وفيما يتعلق بالحلول التي تساهم في الحد من تلك الظاهرة، قال الحلاق: “الحلول المقترحة لإنهاء هذه الظاهرة، تكمن في إيجاد قوانين تحد منها ومن ثم العمل على الأطفال العالمين حاليا بإعادة دمجهم وتأمين فرص نمو لهم على المستوى الطبي والتعليمي وعلى المستوى النفسي والمستوى الاجتماعي أيضا. قد يكون التدخل أيضا بدعم هذه الأسر من أجل تحسين أوضاعهم حلاً جيداً حتى لا يرسلوا أطفالهم مرة أخرى إلى العمل”.
أخصائيون دعوا منظمات المجتمع الدولي وحقوق الإنسان واليونسيف، لتحمل مسؤولياتها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال دعم العملية التعليمية وبرامج الحماية وكفالة الأيتام والضغط على روسيا وقوات النظام السوري لوقف القصف واستهداف المدارس وسن تشريعات لتجريم عمالة الأطفال.
وضمن السياق السابق، قالت قمر الحلواني، المديرة التعليمية لمدارس القلوب الصغيرة للأيتام، إن المجتمع السوري بات يعاني بكشل كبير من ظاهرة عمالة الأطفال.
وأضافت في مقابلة مع أخبار الآن: “يعاني مجتمعنا من مشكلة العمالة. أحد أسبابها هو اليتم، لأن اليتيم فقد معيل الأسرة فلجأ إلى العمل وهذا يؤثر عليه سلبا عليه من حرمانه من ممارسة حياته الطبيعية كاللعب وحرمانه من التعلم وهو الحرمان الأكبر، كما يؤثر سلبا على صحته ونموه بشكل سليم بسبب بعض الأعمال التي تتطلب جهدا كبيرا، فيجب علينا نحن جميعا كمنظمات إنسانية مسؤولة الحد انتشار هذه الظاهرة”.
وتقدر منظمات إنسانية عدد النازحين في شمال وغرب سوريا بنحو مليون نسمة، كما أجبرت الحرب آلاف الأطفال على ترك مدارسهم والعيش في مخيمات النزوح أو العمل ضمن ظروف قاسية.