فعملية الإفراج عن المعارض المالي سومايلا سيسي وموظفة الإغاثة الفرنسية صوفي بترونين إضافة إلى رهينتين إيطاليين، والتي جرت بمنطقة كيدال شمال مالي، قابلها إطلاق سلطات باماكو سراح نحو مئة أو حتى مئتين.
الرهائن كانوا محتجزين لدى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والتي يقودها المالي إياد أغ غالي، وهو زعيم سابق للمتمردين الطوارق في التسعينيات والذي شغل لبعض الوقت منصب مستشار للرئاسة في باماكو قبل أن يتحول إلى الجماعات المسلحة.
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حرص على التأكيد بان بلاده على استعداد لمحاربة الإرهاب و دعم مالي في معركتها ضد براثن هذا الإرهاب في اشارة واضحة على انه مهما كانت ظروف الصفقات فالمعركة ضد الإرهاب و الإرهابيين تستمر و لعلّها ستكون اشرس.
احتفال جماعة نصرة الإسلام و المسلمين التي يقودها المالي أياد أغ غالي لن يقابل بالتأكيد الا بالمزيد من التشدد و تضييق الخناق على هذه المجموعة التابعة لتنظيم القاعدة.
صور نشرتها عدة وسائل إعلام بعد اتمام الصفقة تظهر جانبا من حقيقة المجموعات الإرهابية التي لا تلتفت الا الى مصالحها المادية بعيدا من أي ايديولوجيات ومبادئ و تفضح الأهداف الحقيقية للمجموعات الإرهابية.
صفقات التبادل سترتدّ على الإرهابيين
هو ليس استنتاجا مبنيا على نظرية او تحليل، هو انعكاس و ترجمة لوقائع تاريخية استعرضناها في اخبار الآن في وثائقي من سبعة أجزاء وثّق كيف تتحول الصفقات و عملية التبادل من وهم بالنصر الى نقمة و لعنة تلاحق المجموعات الإرهابية.
و لعلّ التذكير ببعض الأمثلة مفيد في هذا الإطار:
سبتمبر 2008… لم تجر الرياح كما اشتهى خاطفو السياح الاجانب الاوروبيين الاحد عشر و مرافقيهم المصريين الثمانية الذين جرى اختطافهم من الحدود الليبية المصرية .خمسة المان و خمسة ايطاليين و سائحة رومانية، وضعت وحدة كومندوز من القوات الخاصة حدا لتهديد حياتهم بعملية نوعية في معسكر قرب الحدود السودانية نتج عنها تصفية جميع الخاطفين ،حرر الرهائن ، قتل الخاطفون و تبخر حلم الستة ملايين يورو التي طالب بها الخاطفون بحسب السلطات المصرية.
انه المصير الذي يؤرق الخاطفين و المجموعات الإرهابية و العصابات التي تمتهن تجارة الخطف مقابل الفدية ، انه المصير نفسه الذي يحول اي خاطف الى كيان إرهابي ملاحق من قبل السلطات منبوذ من قبل المجتمع وبحكم المنتهي.
صفعات عديدة تلقتها التنظيمات الإرهابية ولا سيما القاعدة وطالبان انتهت بتكبيدها خسائر في العديد و العتاد بالإضافة الى خسارتها المحتومة لمبالغ كبيرة عولت عليها من مشاريع و مخططات تجارة الفديات. و هذا ما يتوقعه المراقبون من اي عملية تبادل للرهائن بحيث انها ستتحول حملة شرسة امّا من قبل سلطات البلاد او من قبل مجموعات ارهابية اخرى.
في الأغلب تتم عمليات الخطف مقابلَ الفديات أملا بعقد صفقات رابحة بالنسبة للخاطفين، هم ينخرطون في أعمال جرمية للحصول على تمويل لعملياتهم الإرهابية و غيرها من الممارسات غير القانونية كشراء الاسلحة و المعدات الحربية لمزيد من الهجمات و مزيد من الدمار و الاذى للمجتمع.
و أبعد من ذلك من يحسم بان دفع الفديات يعود بالنفع على الجهة الإرهابية ذاتها؟ من يحسم بان هذه الاموال التي تصلها تساهم بتنظيم صفوفها و ليس العكس ؟ داعش القاعدة طالبان جماعة ابو سياف و بوكو حرام هي من اكثر التنظيمات التي انتفعت من دفع الفدية لكنها و بنفس الوقت من اكثر التنظيمات التي شهدت انقسامات و تشرذمات داخلية لعل المال الذي كان يصلها كان سببا وراء ذلك.
أموال الفديات مقدمة للقضاء على الجماعة الإرهابية
البروفسورة كاثرين براون الخبيرة في شؤون الإرهاب تؤكد ان من اسباب ضمور بريق القاعدة و تراجعها كان بسبب ان العمليات التي نفذتها لم تستطع تكرارها و باتت مؤخرا عاجزة عن الحصول على اموال جديدة ، فقلة التمويل كانت سببا في نشأة وتعزيز وضع داعش بمده بمقاتلي القاعدة و بالتالي ساهم هذا الوضع بالقضاء على ابرز تنظيم ارهابي عرف في التاريخ الحديث. فهل يكون المبلغ المالي الذي حصلت عليها جماعة نصرة الإسلام و المسلمين مقدمة للمزيد من التقاتل الداخلي و الإنقسامات هذا اذا لم نذكر استفحال العداوة بين هذه الجماعة و تنظيم داعش الإرهابي.
كلها شواهد و ان اكدت شيئا فهي تؤكد ان المال التي تحصل عليه المجموعات الإرهابية لن يكون في اي حال من الاحوال الا مصدرا لمزيد من المشاكل و الصراعات الداخلية و باب لصراعات على النفوذ او تمهيدا لتمرد داخلي و لا سيما اذا ما صرفت هذه الاموال على ملاذات القيادات وحُرم منها الفراد العاديين كما هو حاصل في داعش مؤخرا.
الجزائرُ مثلا كانت من بين الدول التي شهدت العديدَ من عملياتِ الإختطافِ مقابلَ الفدية او المال، لكنها ايضا من الدولِ التي شهدت ردعاً للعديد من المجموعات الإرهابية كونُ هذه الاخيرة لم تحصدْ من عملياتِ او محاولاتِ الإختطاف سوى الفشلِ المادي و الفشلِ الإستراتيجي
مراكز الدراساتِ في الجزائر و حتى متورطون سابقون بالإرهاب يشرحون باسهابٍ كيف ان المجموعاتِ الإرهابية لم تهدف يوما في عملياتِ الخطف الا للمال و تفنّد مراكزُ الدراسات كيف ادى فشلُ عملياتِ الإختطاف الى دفع ِ المجموعاتِ الإرهابية الى السعيِ وراءَ مواردَ اخرى لتمويل نفسِها. هذا عدا عن خطر التفكك الداخلي نتيجة انكشافها الأمني.
لم يكنْ تكرارُ نجاحِ افشالِ عملياتِ الإختطاف و تحريرِ الرهائن الا مدماكاً إضافياً في الوعي لدى الرأيِ العامِ العالمي بضرورةِ عدمِ الإستسلامِ لرغباتِ المجموعاتِ الإرهابية
قد ينجح الإرهابيون في خطفِ رهائن و الحصولِ على تمويل مالي الا ان الإجراءاتِ الكثيرةَ الني وضعتها الحكوماتُ و مجهودَ المنظماتِ الحكومية و غيرِ الحكومية ساهم بلا شك بمحاصرةِ هذه الظاهرة و تضييقِ الخناقِ عليها.
الحزمُ بمواجهةِ عملياتِ الإختطاف ، فتطويرُ القدراتِ العسكرية و التطورُ الامني و المخابرتي و المعلوماتي يجعل من فرصِ نجاحِ عملياتِ الإختطافِ احتمالا ضئيلا
القوانينُ الرادعةُ تلعب دورا كبيرا في الحدِّ من عملياتِ الإختطافِ او على الاقل في جعلِ الجهةِ الخاطفةِ تفكر اكثرَ من مرةٍ في مآلِ خطوتِها الإرهابية.
انه تضافرُ المجهودِ الامني و القانوني و الإنساني في مضاعفةِ خطرِ عمليةِ الإختطاف و مضاعفة صعوبتِها و كلفتِها على المجموعاتِ الإرهابية
فبين انقاذِ روحٍ و بين تمويلِ مجموعةٍ ارهابية و تشجيعِها على القيامِ باعمالٍ ارهابية اخرى خيطٌ رفيع تتداخل في نسجِه الكثيرُ من العوامل فاما يؤسس لمجتمع ٍ و بيئةٍ و بلدٍ آمن اما سببا اساسياً في دمارِ المجتمعات و انهيارِ الدول بمن فيها من ارهابيين.
لمن يريد متابعة أجزاء الوثائقي الضغط على الرابط التالي: