أحدث التقارير المتعلقة بأساليب عمليات تهريب الأسلحة من كوريا الشمالية ولا سيما الى الحوثيين بالرغم من العقوبات الدولية المشددة عليها، نشره في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي مشروع مسح الأسلحة الصغيرة التابع للمعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية في جنيف بسويسرا، بعنوان “ناقلات الظل: الأساليب والتقنيات المتطورة للتهرب من عقوبات كوريا الشمالية”.
تقرير مشروع مسح الأسلحة الصغيرة
التقرير أعده كل من هيو غريفيث، وهو مستشار في مجال العقوبات وتمويل انتشار وتهريب الأسلحة عبر البر والبحر، ومات شرويدر كبير الباحثين في مشروع مسح الأسلحة الصغيرة، غريفيث الذي كان حتى أواخر عام 2019 ضمن فريق خبراء تابع للأمم المتحدة يشرف على تطبيق عقوبات ضد كوريا الشمالية، انتقد ما وصفه بـ “الإجراءات البطيئة وغير الفعالة لوقف تهريب الأسلحة الكورية الشمالية”، وأشار إلى أن دبلوماسيي بيونغ يانغ يمارسون في الواقع نشاطات إتمام اتفاقات بيع أسلحة وتهريبها، ودعا إلى قمع أشد لعمليات التهريب هذه.
أخبار الأن، أجرت لقاءً عبر تطبيق زوم، مع الصحفية مِن تشاو تشوي، المتخصصة بصحافة البيانات والشأن الكوري الشمالي، تحدثت فيه عن أهمية التقرير بالرغم من أنه مراجعة لتقارير سابقة قُدمت للأمم المتحدة من قبل لجنة خبراء تطبيق العقوبات، التي كان هيو غريفيث عضواً فيها بالإضافة إلى معلوماته. وهي كانت قد أجرت مقابلة مع غريفيث حول التقرير، وبرأيها، فوجوده خارج اللجنة الآن يمكنه من إرسال رسالة أقوى للمجتمع الدولي، خصوصاً أنه يرى في جائحة فيروس كوفيد 19 فرصة مناسبة لتقفي عمليات التهريب ومنعها.
قالت مِن تشاو تشوي إن “المعلومات الواردة في التقرير كانت قد نشرت سابقاً قبل جائحة فيروس كورونا المستجد، وأعتقد أنه موضوع مراقبة الجهات المختصة في الحكومات بشكل جدي لحركة الدخول والخروج من بلادها بسبب القلق من انتشار الفيروس، هو فرصة رائعة لمراقبة عميقة لنشاطات مواطني كوريا الشمالية في الخارج، وكذلك الأشخاص الذين يقومون بنشاطات تجارية مع بيونغ يانغ وتعزيز سياساتها في الخارج”.
وأضافت، “بالنسبة لي هذه هي الزاوية الجديدة في التقرير، وهي وجود هذه الفرصة الآن، فكما ذكرتي في سؤالك، يقوم دبلوماسيو كوريا الشمالية الآن بكثير من مهامهم عبر الإنترنت، وحركة السفر الدولية منخفضة بشكل عام، وبما أن كثيراً من عمليات بيع الأسلحة تتم عادة بتواصل الأطراف المعنية وجهاً لوجه، لذلك فإن السفر لتنفيذ هكذا مهام سيكون بارزاً، فالناس لا تسافر بشكل عادي منذ جائحة كورونا المستجد، بالتالي هي فرصة حقيقة لتعزيز المراقبة. كما أن الشركات الخاصة، كشركات الشحن وقطاع اللوجستيات يمكن أن يتعاونوا مع السلطات المختصة للإشارة إلى أي عملية شحن محتملة للأسلحة”.
بعد شهر من صدور التقرير، تفاخر رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون خلال العرض العسكري في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس حزب العمال الحاكم، بما كشفته بيونغ يانغ من صواريخ جديدة، أحدها عابر للقارات لم يُرَ في أي من عروضها العسكرية السابقة، وفي ذلك رسالة للمجتمع الدولي الذي كان قد أنزل بكوريا الشمالية عقوبات مشددة عبر القرار 2371 الذي أقره مجلس الأمن بالإجماع في تموز/ يوليو عام 2017 بسبب برنامجيها البالستيي والنووي. وهو القرار الأممي الثاني، إذ سبقه عام 2006 القرار 1718 الذي أنشئت بموجبه لاحقاً لجنة خبراء لمراقبة تطبيق العقوبات.
من العرض العسكري بمناسبة الذكرى 75 لتأسيس حزب العمال
لكن جائحة فيروس كوفيد 19 التي يدّعي كيم جونغ أون ويتباهى بأنها لم تعصف ببلاده، قد عصفت فعلاً بعمليات التهريب واتفاقات توفير خبراء إنتاج الأسلحة وتقنياتها التي ينفذها ديبلوماسيو بيونغ يانغ، بعد أن قُيدت بشكل حاد حركة النقل البري والبحري والجوي في كل العالم أشهراً عديدة، وبالتالي قُيّد سفر دبلوماسيي كوريا الشمالية الذين كانوا يزورون سفاراتهم في الدول الأخرى، لعقد مفاوضات بيع وتهريب الأسلحة، فهناك أكثر من 70 شخصاً غالبيتهم دبلوماسيون، ممن حاول مجلس الأمن عام 2017 السيطرة على تهرب بيونغ يانغ من العقوبات بالطلب من الإنتربول إصدار مذكرات خاصة متعلقة بنشاطهم غير القانوني، لكن الفرصة أهدرت.
من العرض العسكري بمناسبة الذكرى 75 لتأسيس حزب العمال
خلال المقابلة معها، قالت مِن تشاو تشوي، “إن أفضل مصدر لهذه المعلومات هو تقريري لجنة خبراء الأمم المتحدة، نصف السنوي والسنوي، الذي نرى من خلالهما أن المتورطين بصفقات عمليات تهريب الأسلحة يسيؤن استغلال مناصبهم ويتحصنون بامتيازاتهم الدبلوماسية، ويستخدمون سفاراتهم وقنصلياتهم كأمكنة آمنة لإجراء مثل هذه الصفقات الممنوعة، كما نرى أن رجال أعمال كوريين شماليين، قد يتمتعون أو لا يتمتعون بامتيازات دبلوماسية، يسهلون لقاءات في الدول، خصوصاً إذا كانوا متمكنين من لغات أخرى، وحين يستطيعون إيجاد زبون، يكون هذا الزبون عادة دولة وكيلة، أذكر هنا مثلاً إيران وسوريا، وكوريا الشمالية لديها علاقات قديمة تتعلق بالأسلحة، تعود إلى سبعينيات القرن الماضي على الأقل، وتساعدهم ليس فقط في بيع وتطوير الأسلحة وتسهيل انتشارها، بل أيضاً في إنتاج تصنيع الأسلحة محلياً، عبر إرسال خبراء وقطع للتصنيع العسكري، وهذا أيضاً يدخل في إطار عملية منع انتشار الأسلحة”.
وأضافت تشوي، “عادة عندما تتم الصفقة، تكون هناك ثقة شخصية عالية، وهذا يفسر لماذا تجرى رحلات سفر كثيرة لتجار السلاح والوسطاء. وعندما يتم الاتفاق على صفقة، يتم إيجاد جهة اتصال تكون عادة شركة مملوكة للدولة مقرها في كوريا الشمالية أو في دولة أسيوية بهدف التضليل، ثم يتم إخفاء الأسلحة في حاويات مقفلة وسط بضائع أخرى، ويتم نقلها بحرياً عبر عدة موانيء قبل أن تصل وجهتها النهائية، وعادة لا تكون وجهة تسليم الأسلحة في الميناء الأخير للناقلة، بل في المرفأ الثاني أو الثالث الذي تتوقف فيه، وذلك لإخفاء ميناء المنشأ، أي كوريا الشمالية، وعادة يستلمها الوسطاء الذين يقومون بإرسالها للمستلم النهائي”.
يذكر تقرير “ناقلات الظل” أنه ومنذ بدء العقوبات عليها، زوّدت كوريا الشمالية أو حاولت تزويد أكثر من 30 دولة، وإقليم وجماعات مسلحة بمواد وخدمات محظورة، فعلى سبيل المثال، ووفق دولة عضو في الأمم المتحدة لم يسمها التقرير، فإن مسؤولين حوثيين من اليمن زاروا سفارة كوريا الشمالية باستمرار صيف 2016، ولا غرابة في أن تكثف قوة خفر السواحل اليمنية من طلعاتها لضبط أي عمليات تهريب تجري في المياه الإقليمية اليمنية وعبر سواحلها.
حول هذا الأمر، أجرت أخبار الآن لقاءً مع مدير عام خفر السواحل قطاع البحر الأحمر في اليمن، العقيد بحري عبد الجبار الزحزوح الذي أكد أن قوات خفر السواحل تنفذ مهامها بناء على خطة مرسومة ومحددة، كما تنفذ دوريات في كل مراكز خفر السواحل.
من تقرير مجلس الأمن
وقال العقيد الزحزوح إن “مواجهاتنا متعددة، مع الإرهاب، ومع التهريب بجميع أشكاله، ما بين السلاح والمخدرات وجميع الأشياء الممنوعة، وتم ضبط عدة أنواع من المخالفات، من بينها سلاح وذخيرة”. وأوضح العقيد الزحزوح أنه “من خلال ضبط خلية حوثية، ومن خلال اعترافاتهم تبيّن أن تهريب السلاح يسير بشكل مستمر، وعبر طرق وخطوط مختلفة، وبحسب اعترافاتهم، تم تهريب أكثر من شحنة جاءت من إيران عبر بحر العرب، مروراً بالمهرة، بحسب المناطق التي تم إنزالها وعبر الطرق المختلفة، وبعد ذلك تم تهريبها عبر البر”.
كما أشار إلى أن هناك طرقاً مختلفة لتهريب السلاح منها ما يعبر براً ومنها ما يعبر عبر بحر العرب، مروراً بخليج عدن – البحر الأحمر والموانيء، ومنها ميناء الحديدة وميناء الصليف، أما بالنسبة لأنواع الأسلحة، فهي من كل الأنواع، “وبحسب احتياجاتهم في معركتهم، يتم تهريب الأسلحة ومن ضمنها الطائرات بدون طيار، والصواريخ والمضادات بجميع أشكالها، وجميع أنواع الذخائر”، مشيراً إلى أن الأسلحة المهربة مختلفة الأنواع والتصنيع، لافتاَ إلى معلومات وردتهم بأن “هناك أسلحة نوعية كورية الصنع، يتم طلبها ومن ضمنها قوارب شبيهة بالغواصات تستخدم لاستهداف السفن الحربية والنفطية والتجارية أيضاً”، وذكّر العقيد الزحزوح بما تم ضبطه من قبل وهو مخدرات وأسلحة وأسمدة ممنوعة وألعاب نارية يتم استخدام البارود الموجود فيها لتصنيع المتفجرات، فضلاً عن شحنة أسمدة ضبطت مؤخراً وعرضت في وسائل الإعلام وتتضمن 45% من مادة اليوريا التي تستخدم في صناعة المتفجرات.
مدير خفر السواحل قطاع البحر الأحمر
يشير تقرير “ناقلات الظل” أيضا إلى أن بعض حالات تزويد كوريا الشمالية أو محاولاتها لتزويد مواد وخدمات محظورة تعود إلى ما قبل بدء العقوبات على بيونغ يانغ وتتعلق باستمرار التجارة السرية لصواريخ بالستية. أمر تنفيه بيونغ يانغ التي واجهت في اليوم التالي لخطاب كيم جونغ أون المتفاخر بصواريخه البالستية وعابرة القارات صفعة قوية بالصوت والصورة تؤكد على مضمون المراجعة التي قدمها تقرير مشروع مسح الأسلحة الصغيرة، إذ بثت أولى حلقات الوثائقي “ذا مول” أي الخلد، الذي استمر العمل عليه في الخفاء عشر سنوات، عبر اختراق جمعية الصداقة الكورية. ويكشف “ذا مول” العالم الخفي لصفقات تهريب وتصنيع الأسلحة والمخدرات وبيع الخبرات العسكرية واستقطاب التمويل، لكن بيونغ يانغ اعتبرته محض تلفيق.
I am proud to present my new documentary “The Mole”, which has it’s premiere on Sunday 11/10 on @BBC @svt @NRKno and @DR1TV ???? #dkmedier #dkpol #NorthKorea pic.twitter.com/WCx2ggoDhS
— Mads Brügger (@MBrgger) October 8, 2020
الصحفية مِن تشاو تشوي علقت على سؤالنا عن رأيها كمختص بالشؤون الكورية الشمالية، بإمكانية أي تلفيق في وثائقي “ذا مول” (الخلد)، بالقول إنها تؤمن أن الفيلم حقيقي، بالرغم من أن بعض رجال الأعمال والوسطاء الذين ظهروا في الوثائقي قد ادعوا أنهم كانوا يمارسون دوراً إما لتجريم الواقعة بالإثباتات أو ربما للحصول على ملايين دولارات الدفعة الأولى للصفقة، إذ أنه في حال هروب أحدهم بالمال، فلن يلجأ المتورطون لتقديم شكوى رسمية بالنصب عليهم في صفقة أسلحة غير شرعية.
من تقرير مجلس الأمن
وأكدت قائلة، “أنا أؤمن بصدق أن المادة الفلمية التي عرضها الوثائقي هي حقيقية ولم يكن أياً منها منظم مسبقاً، ربما هناك آراء بخصوص المونتاج، كما لا يمكننا أن نعرف نوايا الكوريين الشماليين والوسطاء، لكنني أؤمن أن المادة الفلمية المصورة بالخفاء هي حقيقية. على سبيل المثال ما صوّر في بيونغ يانغ والرحلات التي تمت هناك، فمصادري تخبرني أنها أمر نموذجي عندما تقوم بزيارة تجارية على مستوى عالٍ في كوريا الشمالية، سيكون اليومين الأولين للمتعة والسياحة، وفي اليوم الثالث يأخذونك لموقع آخر وهناك تلتقي بشركة تتناقش معها حول الصفقة ثم توقع عقداً، لذلك يمكن تصديقه بسهولة بالرغم من أنه في مثلث الصفقة التجارية بأكمله، قام المستثمر المزيف بشراء مواد حديدية من أوغندا ليتمكن من إنشاء مصنع للأسلحة تحت الأرض، ويبني فوقه منتجعاً. هذا يبدو غريباً، لكنه في الواقع نموذج عن النمط الذي تتبعه كوريا الشمالية حين تفكر في بناء مصنع للأسلحة في دولة ثالثة، فهم لا يشحنون الأسلحة، بل يشحنون القطع ويوفرون الخبراء”.
برأي مِن تشاو تشوي، فإن كوريا الشمالية تمر بفترة حرجة حالياً بسبب القيود التي فرضها فيروس كوفيد 19 على حركة النقل ما يسهل تتبع الوثائق وأوراق تخليص المعاملات عبر شركات الشحن وغيرها من الشركات الخاصة، فضلاً عما تسببته الفيضانات من خسائر وما يمكن تحليله من خطاب الرئيس كيم جونغ أون خلال العرض العسكري الأخير، والمعاملات الجديدة التي يجرونها في الخارج.