في خضم التنافس المحموم بين دول العالم لاقتناص المزيد من الاكتشافات العلمية، تبرز على الدوام مشكلة الاستخدام السلمي أو الآمن كما يطلق عليه البعض لتلك الاكتشافات، بمعنى أن تكون بعيدة عن أي انتهاك قد يمس البشر والطبيعة، وهو ما يبدو أنه بعيد عن الصين ومآربها التي طوعت أحد أكثر الاكتشافات ثورية في العالم وهو الحمض النووي، بهدف قمع شعب بأكلمه وتغيبه عن الوجود.. طبعا نتحدث هنا عن أقلية الإيغور المسلمة في الصين.
ومذ تمكن العلماء من قراءة الشيفرة الوراثية للحمض النووي والذي يعرف اختصارا بـ الـDNA عام 2003، طوع هذا الاكتشاف لاستخدامات سلمية شتى أبرزها الاستخدامات الطبية والجنائية، إلا أن الصين وحزبها الشيوعي ضربوا بهذه الاستخدامات عرض الحائط، موظفين تلك التقنية للتجسس على الأقلية المسلمة التي تفننوا بإرهابها والتنكيل بها. وكان ذلك عبر تجميع بيانات طبية للحمض النووي لملايين من أبناء الإيغور بعد أخذ عينات منهم طوعاً أو كرهاً ومن ثم تخزينها وإنشاء بنك معلومات ضخم، لتعقبهم والتنكيل بهم لاحقاً.
خطورة جمع بيانات الحمض النووي
يؤكد باحثون أن “الأشخاص الذين يقررون حفظ بيانات حمضهم النووي ومشاركتها لاحقا مع قواعد بيانات، فإنهم بذلك يقدمون بيانات عن آبائهم وأبنائهم، وأبناء عمومتهم وصولاً إلى الدرجة الثالثة الذين لا يعرفون شيئا عنهم، بل وأثرًا يمكن أن يشير إلى أطفال لم يولدوا بعد”.
اختصارا، يمكن القول بأن تخزين بيانات الحمض النووي لأشخاص، يُمكّن الجهة المخزّنة من معرفة كل شيء عنهم تقريبا وربطهم بأقارب آخرين لهم وحتى إمكانية التنبؤ ببعض الأمراض التي قد يصابون بها في المستقبل، بمعنى آخر، الأشخاص المخزنة بياناتهم باتوا مكشوفين بشكل كامل للجهة المخزنة وهي ما طبقته الصين تجاه أقلية الإيغور المسلمة في ذلك البلد.
تقنية التعرف على الوجوه عبر جمع عينات ضخمة من الدم لآلاف الإيغور
صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نشرت تقريرا العام الماضي، تحدث عن لجوء الصين إلى تقنية النمط الظاهري للحمض النووي، عبر جمع عينات ضخمة من الدم لآلاف من أقلية الإيغور في مقاطعة سنجان ذات الأغلبية المسلمة، في محاولة لإيجاد طريقة لاستخدام عينة من الحمض النووي لإنشاء صورة لوجه الشخص.
ورغم أن تلك التقنية تعتبر في مراحلها الأولى من التطوير، إلا أنها يمكن أن تنتج صورا تقريبية للوجوه. وحسب خبراء استطلعت أراءهم الصحيفة الأمريكية، فإنه من الممكن للحكومة الصينية استخدام الصور الناتجة عن عينة من الحمض النووي في أنظمة المراقبة الجماعية والتعرف على الوجه بهدف تشديد قبضتها على المجتمع الإيغوري.
نشطاء لحقوق الإنسان أشاروا إلى أن الحكومة الصينية تستغل انفتاح المجتمع العلمي الدولي على الأبحاث حول الجينوم البشري لتسخيرها في أغراض مريبة، مؤكدين أن بكين توظف بالفعل تقنية التعرف على الوجه لتصنيف الناس حسب أعراقهم. كما أنها تبحث في الطرق التي تساعدها على استخدام الحمض النووي لمعرفة ما إذا كان الشخص من الإيغور.
بعد أسبوع من نشر نيويورك تايمز تقريرها، قرر العملاق الأمريكي “تيرمو فيشر” المتخصص في معدات المختبرات التوقف عن تزويد السلطات في إقليم سنجان في شمال غرب الصين بمعدات طبية متخصصة ذات تكنولوجيا متطورة.
وتعرضت شركة “تيرمو فيشر” للانتقاد في عدة مناسبات واتهمت بتسهيل التصنيف الجيني لسكان الإقليم وخصوصا أقلية الإيغور المسلمة.
ما سبق يدفعنا إلى التذكير بأن بكين عام 2017، عمدت إلى جمع أوتوماتيكي وتلقائي للهوية الجينية لسكان الإقليم بغرض إنشاء قاعدة بيانات ضخمة تساعد على مراقبة أقلية الإيغور ، و”العينيات البيومرتية” هي عنصر رئيسي في نظام المراقبة التي تستخدمها الصين في إقليم سنجان، بحسب تصريح أدلت به”مايا وانغ” المتخصصة في شؤون جنوب غرب آسيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش لفرانس24.
الجدير بالذكر أن السلطات الصينية فرضت في شينجيانغ منذ 2017، برنامجا إجباريا أسمته ” الفحص الطبي للجميع” مدعية أنه يهدف إلى تحسين الحالة الصحية للأهالي هناك. وتضمنت الاختبارات الطبية أخذ عينات من الأنسجة الجلدية تعالج في أجهزة الشركة الأمريكية “تيرمو فيشر” لتزويد قاعدة البيانات الخاصة بسكان هذا الإقليم.
في سياق متصل، كشفت هيومن رايتس ووتش أن السلطات الصينية جمعت بيانات جينية لنحو 19 مليون شخص من بين 21 مليون يعيشون في إقليم سنجان، استنادا إلى تقرير حول المراقبة البيومترية الصينية نشر في 2017.
تجارة الأعضاء
استخدام آخر للحمض النووي لعبت عليه الصين، تمثل باستخدام الأقليات الصينية المسلمة الموجودة في معسكرات الاعتقال كبنوك أعضاء، لتباع لاحقاً في الأسواق العالمية.
الصحافي الاستقصائي الأمريكي “إيثان غوتمان” فجر تلك القضية، بعدما أجرى بحوثاً استغرقت سنوات حول عمليات نقل الأعضاء من الصين، مؤكدا أن بكين تراقب الأقليات العرقية عن كثب من خلال فحوص طبية وتخزين بيانات الـDNA وذلك لتسهيل انتزاع الأعضاء منهم فيما بعد وبيعها في الأسواق العالمية.
وأوضح الصحافي الأمريكي أن هذه الفحوص الطبية تمكّن السلطات من مراقبتهم، واحتمال رصد تحركاتهم لأخذ أعضائهم. وبفضل هذه الاختبارات الطبية، تستطيع الحكومة معرفة فصيلة الدم من السكان الإيغور، ومعرفة مدى سلامة أعضائهم وتطابقها مع المشترين.
الأدهى ما كشفه في تحقيقاته عن أن نحو 25 ألف شخص من الإيغور يتم اخفاؤهم قسريا كل عام ليقتلوا بعد ذلك وتنتزع أعضاؤهم ويتم بيعها في الأسواق، ومن ثم تحرق جثثهم في أماكن معينة تخضع لحراسة مشددة، يتقاضى القائمون عليها مبالغ ضخمة قياساً على الدخول في الصين قد تصل إلى 1200 دولار شهرياً للحارس الواحد.
ولابد من الإشارة إلى أن احدى أبرز المستشفيات المسؤولة عن زراعة الأعضاء في الصين ويطلق عليهامستشفى “تيانجين”، تقدم عبر موقعها على الإنترنت عروضاً لبيع الأعضاء وتكون مسؤولة عن نحو 5000 عملية زرع سنوياً”.
كما أن مطار “كاشغر” في شينجيانغ، يسمح بنقل الأعضاء البشرية، ونجد علامات مرسومة على أرضية المطار، باللغتين الصينية والإنكليزية، تشير إلى الرواق المخصص لنقل الأعضاء.
قلة الشفافية السائدة في الصين تجعل من الصعب معرفة أماكن توزيع الأموال المكتسبة من هذه التجارة. بالنسبة إلى الصحافي إيثان غوتمان، من المحتمل جداً أن توزع هذه الأموال على المستشفيات والمؤسسات المحلية التابعة للحزب الشيوعي الصيني وفي معسكرات الاعتقال أيضاً.
وبالمجمل شكلت المعطيات السابقة، مادة خصبة لعشرات التقارير حول العالم والتي تتقاطع مع تقارير حقوقية دقت ناقوس الخطر من تعرض شعب كامل للإبادة في شينجيانغ، بدءً من معسكرات اعتقال بات يعرفها القاصي والداني، إلى إجراء تجارب طبية واختطاف فتيات وإجراء زواج قسري ولاحقا تجارب على الحمض النووي لتعقب شعب كامل وترهيبه والبطش به، كل ذلك ومازال الحزب الشيوعي يعيش حالة إنكار مدعياً بأن الإيغور يعيشون في أمان واطمئنان، متناسياً التقارير السابقة والحقائق التي تنطق بفظائع آبت الإنسانية لها وجود على مر التاريخ.