لا تزال خريستينا ألكساندروفيتش تتذكر الثامن من يناير 2020، كما لو كان بالأمس, ففي وقت مبكر من صباح هذا اليوم، تلقت مكالمة من زوجها السابق منذ 9 سنوات إيهور ماتكوف، مضيف رحلة PS752 التابعة للخطوط الجوية الأوكرانية الدولية.
تقول ألكساندروفيتش: “سألته عما إذا كان قد هبط في كييف وقال لا، وإن رحلته كانت تستعد للإقلاع من طهران”، تتذكر ألكساندروفيتش جيدا أنه لم يكن على ما يرام.
ورغم انفصالهما، إلا أنهما بقيا على علاقة جيدة وعلى تواصل، ودائما ما كان إيهور يجلب هدايا تذكارية لخريستينا بعد رحلاته لدول مختلفة.
قبل أيام قليلة من ذلك الصباح، أخبر إيهور خريستينا أنه قلق من اندلاع حرب في إيران بسبب التوترات المتزايدة في البلاد مع الولايات المتحدة.
تقول خريستينا بصوت يرتجف:
“وكأنه شعر بأن شيئًا سيئًا على وشك الحدوث، وطلب مني أن نبقى أقوياء أنا وابني”.
في الثامن من يناير 2020، تحدثت إلى زوجها السابق للمرة الأخيرة وبعد دقائق قليلة من إنهاء المكالمة، تحطمت الطائرة الأوكرانية المتجهة من طهران إلى كييف بالقرب من مطار الخميني الدولي، ما أسفر عن مقتل 167 راكبًا و9 من أفراد الطاقم، بمن فيهم إيهور ماتكوف.
توفي مواطنو سبع دول في ذلك اليوم، وكانوا 11 أوكرانيًا و82 إيرانيًا و63 كنديًا و10 سويديين و4 أفغان و3 بريطانيين و3 ألمان.
كان لمخاوف ماتكوف أسبابها، إذ إنه في اليوم السابق لرحلته، أطلقت إيران 22 صاروخًا باليستيًا على القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، حتى أن الولايات المتحدة أصدرت تحذيرًا لشركات الطيران المدنية التابعة لها، لكن الرحلات الجوية الأخرى لم تتلق أي تحذيرات.
استمرت الحكومة الإيرانية لمدة ثلاثة أيام في الادعاء بأن عطل المحرك أو خطأ الطيار تسبب في تحطم الطائرة الأوكرانية، ولكن في 11 من يناير/كانون الثاني 2020، ولا سيما بعد الضغط الدولي الهائل وأدلة الفيديو التي نشرت على الإنترنت، اضطرت السلطات الإيرانية إلى الاعتراف بأن نظام الدفاع الجوي العسكري الإيراني أسقط الطائرة، وأجبرت أحد القادة العسكريين على تحمل المسؤولية والاستقالة، ووعدت بإجراء تحقيق عادل في الحادث.
الآن مر عام على ذلك اليوم، ولم تحقق العدالة لعائلات الضحايا حتى هذه اللحظة.
صرحت وزارة الخارجية الأوكرانية وكندا ودول أخرى بأن إيران تمضي في المفاوضات وتتعاون بشكل صحيح أثناء التحقيق في الحادث.
ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية في 30 ديسمبر/كانون الأول أن مجلس الوزراء الإيراني وافق على دفع تعويضات مالية قدرها 150 ألف دولار لأسرة كل ضحية، لكن الجهة الإعلامية للوزارة قالت إن الإيرانيين لم يناقشوا هذا القرار مع وزارة الخارجية الأوكرانية، وإنه تم الإعلان عن هذا المبلغ فقط في وسائل الإعلام.
كان الاتصال الدولي مع إيران بشأن التحقيق في إسقاط PS752 أبعد ما يكون عن الكمال؛ وقال يوجين إينين نائب وزير الخارجية الأوكراني في تعليق له، إن إيران قدمت تقريرها الفني حول التحقيق في تحطم الطائرة PS752 إلى الجانب الأوكراني في 31 ديسمبر فقط، وأضاف أن المحققين الأوكرانيين أمامهم شهرين لدراسة الرسالة، فضلا عن شهر آخر للنظر في العروض وإجراء تغييرات في التقرير؛ وبعد ذلك، سيتم نقل التقرير إلى منظمة الطيران المدني الدولي.
الرقابة والإخفاء:
لا يزال الدبلوماسيون والمدّعون العامون الأوكرانيون حذرين للغاية عند الحديث عن تفاصيل تعاونهم مع إيران، لقد ألزمت طهران بإجراء تحقيق عادل في الحادث، ومع ذلك، تعترف مصادر في الدوائر الدبلوماسية الأوكرانية بشكل غير رسمي بعدم وجود ثقة كبيرة في الحكومة الإيرانية من جانب شركائها. فمنذ اليوم الأول، اختارت إيران فرض الرقابة وإخفاء تفاصيل الكارثة عن العامة.
“أخبار الآن” حصلت على رسالة من مصدر مقرب لأهالي أحد ضحايا الطائرة الأوكرانية:
ترجمة الرسالة:
مشرف تكنولوجيا المعلومات بالمقر الرئيسي للقوات المسلحة الموضوع: إسقاط الطائرة الأوكرانية مرحبا، يبدو أنه بسبب حساسية موضوع إسقاط الطائرة الأوكرانية بوينج 737 واستغلال العدو لهذا الموضوع، فقد منع قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاج زاده من أي حديث عن هذا الموضوع منذ سقوط الطائرة يوم أمس. 19/10/1398. |
مع هذا النهج، وجدت أوكرانيا أنه من الصعب إجبار إيران على تسريع التحقيق بملابسات سقوط الطائرة الأوكرانية.
وقالت الجهة الإعلامية إن وزارة الخارجية الأوكرانية تنسق المفاوضات مع الجانب الإيراني ومع الدول الأخرى التي لقي مواطنوها حتفهم في الحادث، مضيفة إلى أنه يتعين على إيران أن تفعل ذلك في إطار قواعد القانون الدولي.
مع ذلك ، قدم نائب المدعي العام الأوكراني جيوندوز ماميدوف مزيدًا من التفاصيل حول كيفية سير التحقيق الجنائي.
هل يوجد تعاون؟
في الثامن من يناير كانون الثاني 2020، وهو نفس اليوم الذي أسقطت فيه إيران الطائرة الأوكرانية، سجل مكتب المدعي العام الأوكراني دعوى جنائية بموجب ثلاث مواد من القانون الجنائي لأوكرانيا، وهم محاولة القتل، والتدمير المتعمد للممتلكات، وانتهاك قواعد السلامة المرورية أو عملية النقل الجوي والذي تسبب بوقوع ضحايا ووفيات.
أرسلت أوكرانيا خمسة طلبات وأجرت جولتين من المفاوضات مع الإيرانيين، وفي حديث لجيوندوز ماميدوف: “أود أن أقول إنه هناك تعاون، لكنني لن أسميه مثمرًا، وأضاف: “المحققون الأوكرانيون غير راضين عن الإجابات التي تقدمها لنا إيران”.
على سبيل المثال، عرض الأوكرانيون إنشاء مجموعة تحقيق مشتركة، مثل المجموعة التي تحقق في إسقاط طائرة MH17 في أوكرانيا؛ وقال ماميدوف: “في عام 2014، قام مرتزقة مدعومون من روسيا بإسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية MH17 بواسطة أنظمة الصواريخ، لقد عرضنا أيضًا إجراء تحقيق مشترك، لكن مكتب الادعاء العسكري الإيراني لم يعط أي رد مناسب على عروضنا.”
وذكر ماميدوف أن إيران حددت هوية ستة من المشتبه بهم في عملية الإسقاط، ومع ذلك، لم يحصل المدعون العامون في أوكرانيا على أي معلومات عن هؤلاء الأشخاص من إيران.
وأضاف: “ليس لدينا أي بيانات عن مناصبهم أو رتبهم العسكرية أو واجباتهم المهنية، لا نعرف شيئًا عن مستوى مشاركتهم أو مسؤوليتهم التي قد يواجهونها، لا سيما زعم إيران أن هذه المعلومات من أسرار الدولة العسكرية “.
كان التقرير الذي حصلت عليه أوكرانيا في 31 ديسمبر كانون الأول مجرد تقرير فني يقدم التفاصيل التي تسببت في تحطم PS752، وقال نائب المدعي العام إن هذا ليس سوى جزء من التحقيق، وهو جزء تقني بعيد عن التحقيق الجنائي.
تحدث الإيرانيون عن القتل غير المتعمد، وهذا يثير كثير من التساؤلات، خاصة أن المحققين الأوكرانيين لا لا يعرفون كل تفاصيل تحطم الطائرة للاعتقاد بأنها أسقطت بالخطأ، هذا هو السبب في أن الجانب الأوكراني يجري تحقيقاته الخاصة، إذ قال نائب المدعي العام الأوكراني: “هدفنا هو استبعاد رواية أن الطائرة أسقطت عمدا”.
وأضاف ماميدوف:
“يجب أن يتحمل جميع المسؤولين عن إسقاط الطائرة الأوكرانية عقوبة جنائية، بغض النظر عن وضعهم العسكري أو السياسي”، ومن حق العائلات والخطوط الجوية الأوكرانية الحصول على تعويضات مالية.”
ولا تزال عائلات 176 شخصًا لقوا حتفهم في حادث تحطم طائرة، تأمل في تحقيق العدالة على الرغم من أن بعضهم، مثل خريستينا ألكساندروفيتش، لا يعتقدون أنه يمكن تحقيق ذلك.
وتقول خريستينا: “مضى عام وما زلنا لا نرى أي إدانات”.
إنها واحدة من ذوي الضحايا الأوكرانيين القلائل في تحطم PS752 الذين يتحدثون إلى الصحافة، إذ يفضل البعض الآخر الاتصال بالمدعين العامين الأوكرانيين وموظفي الخطوط الجوية الأوكرانية الدولية.
خسرت إحدى أشهر شركات الطيران الأوكرانية الطائرة المستأجرة وأحد أفضل أطقمها في المأساة الإيرانية، بحسب ما قالت السكرتيرة الصحفية لوكالة المخابرات المركزية، أولها زلوبينا، في رسالة بالبريد الإلكتروني.
دفع النقل الجوي تعويضات لأقارب الطاقم، لكنها تواصل دعم أسر ضحايا الطائرة الأوكرانية عاطفياً.
السكرتيرة الصحفية لوكالة المخابرات المركزية، أولها زلوبينا أضافت: “فقدان الأحباء ألم لن يمر أبدًا، لذلك نحاول حماية العائلات من أي ضغوط إضافية ومشاركة الألم، لقد فقدت الخطوط الجوية الأوكرانية أحد أفضل أطقمها في ذلك اليوم، لقد كانوا أشخاصًا استمروا في أداء عملهم بشجاعة حتى اللحظة الأخيرة”.