تتمتع الصين بإعفاءات ضريبية في باكستان على أنظمة الصادرات والاستثمار، وذلك بفضل الاتفاقات غير المتوازنة التي تم التوصل إليها مع المسؤولين الصينيين في العام 2015، عندما دخل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، الذي تبلغ كلفته عدّة مليارات الدولارات، حيّز التشغيل.
وتنعكس الإمتيازات الضريبية والرسوم غير المسبوقة للشركات الصينية بشكل سيء على التجارة والصناعة المحلية، لكن السلطات تواصل تقديم مزايا مالية غير ضرورية للصين لتحريك الأمور.
وقامت إدارة الضرائب في باكستان، بموجب اتفاقيات الإيجار والعقود، بإعفاء الشركات والمقاولين الصينيين من الرسوم والضرائب، ما سمح لهم بتحقيق أرباح ضخمة من دون الإمتثال للإجراءات المرتبطة بالنظام الضريبي. وفي معظم الحالات، تمنح الحكومة الشركات الصينية حرية استيراد الآلات والمعدات من دون دفع أيّ رسوم استيراد.
ميناء جوادار يقلل من اعتماد بكين على طرق بحر الصين الجنوبي عالية التكلفة
ومن شأن ميناء جوادر أن يقلل من اعتماد بكين على خط بحر الصين الجنوبي عالي التكلفة، لتلبية احتياجاتها من الطاقة. ومع هذا، فإنّ بكين مستعدة ليس فقط لجني الفوائد الدفاعية والإقتصادية، ولكن أيضاً الحصول على أكثر من 90% من إجمالي الإيرادات من ميناء جوادر في مقاطعة بلوشستان المضطربة. وكذلك، ستحصل بكين على إيرادات إضافية بنسبة 85% من “المنطقة الحرة” المحيطة، كجزء من عقد إيجار مدته 40 عاماً أبرمته السلطات الباكستانية مع شركة “China Overseas Port Holding Company”.
وقبل بضع سنوات، كان أبلغ مير هاسيل بيزينجو، الوزير الفيدرالي السابق للموانئ والشحن الذي توفي مؤخراً، مجلس الشيوخ الباكستاني، أنّ باكستان ستسدد 16 مليار دولار من القروض التي تمّ الحصول عليها من البنوك الصينية لتطوير جوادر ومنطقة التجارة الحرة بمعدل فائدة ضخم يبلغ 13%، بما في ذلك 7% رسوم تأمين.
وسيحقق الميناء، الذي يعدّ جزءاً من مبادرة الحزام والطريق في بكين، إيرادات هائلة للصين إلى جانب تزويدها بالقواعد التكتيكية ومرافق الشحن، بينما ستسدد باكستان القرض والفائدة التي أنفقت على تطوير ذلك الميناء. ومع هذا، تقول المعطيات إنّ بكين ستستعيد كامل نفقات الممر الاقتصادي في السنوات الـ4 الأولى، من ميناء جوادر والمنطقة الحرة.
إسحاق لـ”أخبار الآن”: الإيرادات الصينية الكبيرة العامل الوحيد الذي سيؤثر على الاقتصاد
وقال محمد إسحاق، المستورد الرئيسي والمدير السابق لمجلس خيبر بختونخوا للاستثمار والتجارة (KPBOIT)، لـ”أخبار الآن“، إنّ حصة الأسد الصينية في إيرادات الميناء والمنطقة الحرة كانت العامل الوحيد الذي سيؤثر على الاقتصاد.
وأضاف: “لقد تمّ وضع الإتفاقيات لتكون بشكل كبير لصالح الصين، ما يسمح للمقاولين خصوصاً أولئك المرتبطين بشركة China Overseas Port Holding Company، بالحصول على إعفاء من ضرائب الدخل والمبيعات ورسوم الإنتاج الفيدرالية لمدّة 20 عاماً. إلى جانب ذلك، فقد تمّ منح إعفاء ضريبي لمدة 40 عاماً لواردات المعدات والمواد والمصنع والأجهزة والملحقات للموانئ والمنطقة الاقتصادية الخاصة”.
وتابع إسحاق أنّ “المصانع والمراكز اللوجستية ومرافق التخزين ومراكز العرض المبنية على المنطقة الحرة، التي تبلغ مساحتها 2282 فداناً، معفاة من الرسوم الجمركية والضرائب الإقليمية والاتحادية”.
أعزاز لـ”أخبار الآن”: العقود طويلة الأمد الموقعة حول الممر قوضت المصلحة الوطنية
من جهته، أوضح محسن أعزاز، عضو مجلس الشيوخ الباكستاني عن حزب “تحريك إنصاف”، في حديث لـ”أخبار الآن“، أنّ “العقود طويلة الأمد الموقعة حول الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) قوضت بالتأكيد المصلحة الوطنية”. وقال: “تحتاج الحكومة إلى إشراك القطاع الخاص في مثل هذا النوع من الصفقات، فهي تتطلب تدخلات من قبل أصحاب المصلحة”، مشيراً إلى أنّه “كان يجب على الحكومة إشراك المنظمات التجارية قبل توقيع الاتفاقيات ذات الأهمية الوطنية”.
وعندما تولت السلطة في العام 2018، أظهرت حكومة “تحريك إنصاف” حرصاً على إعادة النظر في الاتفاقيات الموقعة مع الصين. وقد ألمح رئيس الوزراء عمران خان في مناسبات عديدة، إلى إعادة تنظيم شروط اتفاقيات الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني مع مراعاة مصلحة البلاد. وقد نشرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية تقريراً في العام 2018 نقلاً عن مستشار رئيس الوزراء للتجارة عبد الرزاق داود، قوله إنّ بنود اتفاقيات الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني لا تصب في إطار المصلحة الوطنية. كما أعرب شبلي فراز ، وزير آخر في حكومة رئيس الوزراء عمران خان، عن الموقف نفسه. وأثارت هذه التصريحات جدلًا، ما أدّى إلى تفنيد فوري ولكن غير مقنع من الحكومة.
وأثارت تعليقات الحكومة آنذاك التي تنتقد الإتفاقيات المتعلقة بالممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، غضب بكين، والتي بدأت في دفع القيادة العسكرية – التي تنتظر بالفعل في الأجنحة – لتولي السيطرة على الممر. ومع مرور الوقت، اندلع الجدل حول شروط الإتفاقيات، وبلغ ذورته في أمر رئاسي قسري في العام 2019، حيث أنشأت إدارة الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني (CPECA) وتحولت السيطرة على مشاريع الممر من البيروقراطية المدنية إلى لواء عسكري متقاعد. ولهذا، فقد تمّ ترشيح الجنرال عاصم سليم باجوا رئيساً لهيئة الممر الاقتصادي الباكستاني – الصيني في باكستان، وبالتالي سيطر الجيش الباكستاني بـ”سلاسة” على المشاريع التي تمولها بكين. وقد حلّ الجنرال باجوا مكان وزير التخطيط في لجنة التعاون الباكستانية – الصينية المشتركة (PCJCC) – وهي منتدى مشترك لصنع القرار للممر، والتي تقدم تقاريرها مباشرة إلى رئيس الوزراء.
ورأى معظم رجال الأعمال أنّ الحكومة قد فشلت في تقييم الاتفاقات طويلة الأجل المتعلقة بالممر الاقتصادي، والتي تميل بشدة نحو بكين، وتحتاج إلى إعادة التفكير في المصلحة الأكبر للبلاد.
وتتماشى سيطرة الجيش الباكستاني على الممر الاقتصادي مع خبرته التجارية، إذ أنّه يدير تكتلاً للأعمال في قطاعات مختلفة، ويشمل شركات مثلFauji Fertilizer : Askari Bank – Askari Cement – Askari General Insurance Co Ltd – Askari Aviation Services – Fauji Cereals – Army Welfare Sugar Mills – Fauji Security Services إضافة إلى مزارع الخيول والعقارات، وهي من بين 50 كياناً تجارياً يعمل تحت الرقابة الإدارية لمؤسسة “فوجي”، ومؤسسة “شاهين”، ومؤسسة “باهريا”، وصندوق رعاية الجيش (AWT)، وسلطات الإسكان الدفاعية (DHAs).
وتعتبر منظمة الأعمال الحدودية (FWO)، الذراع الإنشائية والهندسية للجيش الباكستاني، المستفيد الرئيسي من مشاريع الطرق والاتصالات في الممر. وقالت عائشة صديقة، وهي باحثة مساعدة في معهد جنوب آسيا SOAS التابع لجامعة لندن، إنّ لدى المعهد عقود لبناء الطرق كجزء من CPEC وأبدت اهتماماً بتعدين النحاس. وأكدت صديقة أنّ الجيش كان حريصاً على إنشاء هيئة الممر الاقتصادي الصيني – الباكستانية التي يهيمن عليها، وذلك للسيطرة فيها على المشاريع الممولة من قبل بكين في العام 2015 عندما تمّ إطلاق الخطة في البداية، لكن حكومة نواز شريف السابقة عارضتها.
العالم يكافح كورونا.. والصين منشغلة بنقص الغذاء
هل البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم يتجه نحو نقص الغذاء؟ تظهر الدراسات والإحصاءات الأخيرة، ارتفاع وتيرة تضخم الغذاء في الصين، فضلا عما تعانيه بكين من استمرار حروبها التجارية، والكوارث الطبيعية، إلى جانب الوباء، ليضاف إلى كل ذلك اتجاه البلاد نحو أزمة نقص في الغذاء.