مصير مجهول لـ مخطوفي “داعش” في سوريا
رافق توسع تنظيم (داعش) الإرهابي في العراق وسوريا بعد العام 2014، حملات اعتقال طالت مدنيين ونشطاء في البلدين المجاورين، إذ خطف عناصر التنظيم المتشدد آلاف السكان من الطرقات والمنازل ونقاط التفتيش في قلب المدن والطرق المؤدية إليها.
وعلى الرغم من نيل البعض حريتهم بعد خسارة داعش العسكرية إلا أن الكثيرين منهم ما يزالون مجهولي المصير وحرمت عائلاتهم من رؤيتهم مجدداً.
وشكل سقوط آخر معاقل التنظيم الإرهابي في بلدة الباغوز على الحدود العراقية السورية في آذار/مارس 2019 بارقة أمل لدى ذوي المفقودين، لكن عدم عودة البعض حتى الآن قلب تلك البارقة إلى خيبة أمل كبيرة.
قبل سبع سنوات من الآن تم اختطاف فرهاد حمو، وهو صحفي كردي من القامشلي السورية، مع زميله مسعود عقيل، وهو مصور صحفي، وكانا يعملان لدى قناة كردية في تلك الفترة.
ولاحقاً حالف الحظ “عقيل” إذ تم إطلاق سراحه في صفقة تبادل أسرى، لكن مصير “حمو” الذي كان قد تزوج قبل اختطافه بشهرين، بقي مجهولاً حتى اللحظة.
وتضيف والدموع تملأ تجاعيد الحزن في وجهها: “آخر آمالنا كان سقوط الباغوز، حينها كنت أتابع كل الأخبار لعلي أسمع شيئاً عن مصيره، خلال السنوات الماضية سمعنا الكثير من الأخبار عنه دون نتيجة، لكن لم نفقد الأمل بعودته يوماً واحداً.”
مارس عناصر داعش القتل والخطف بكل الوسائل بحق كل من اعتبروه عقبة أمام توسعهم أو يشكل عائقاً لحكمهم في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في سوريا والعراق.
وتشير تقارير عديدة إلى أن التنظيم استهدف بشكل خاص الصحفيين، وكل من كان قادراً على انتقاد ممارساته أمام الرأي العام وعن طريق وسائل الإعلام.
تقول والدة فرهاد حمو، بعد أن أنهك غياب ابنها صحتها وأفقد العائلة بأكملها الفرحة: “أسعدني جداً سقوط داعش، لأنهم قتلوا الكثير من المخطوفين، ونهبوا المنازل وأحدثوا فوضى في المنطقة بأكملها، وتسببوا في تدمير حياة الكثير من العائلات، وأحرقوا أكباد الأمهات.”
في كل مرة تدخل الأم هذه الغرفة، تبادر صور فرهاد بالسؤال فيما إذا كان جائعاً أو يشعر بالبرد، وتقول: “أدعوه من خلال صوره ليأكل معي أو يشرب القهوة، أدعوه أن يشاركني بكل التفاصيل، وألا يغيب عني لحظة واحدة.”
ولا تنفك تذكر خصاله وطريقة تعامله مع المحيط: “كان ابني شخصاً هادئاً، كان حنوناً ويحترم والديه، فرهاد ابني البكر.”
ولا تملك المرأة الآن سوى مشاهدة فيديو حفلة زفاف ابنها، وتقول: “ليس لدي أمنية سوى أن أرى ابني مجدداً، وأن يخبرني أحد ما بأنه مازال على قيد الحياة.”
في منزل عائلتها بمدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، تجلس غادة شيخو (37 عاماً) وبجانبها ابنتها وابنها، ينتظرون معاً عودة رب الأسرة بالرغم من ضعف الأمل.
وغادة هي زوجة ريناس فيصل محمد (46 عاماً)، الذي احتجز في عام 2015 في طريق السفر إلى دمشق مع عائلته التي أفرج التنظيم عن أفرادها بعد اعتقال دام أربعة عشر يوماً، لكنها احتفظت بالأب بتهمة أنه “كردي”.
وتقول “شيخو” لأخبار الآن، وهي تقلب صور زوجها بواسطة هاتف محمول:
“زوجي ضحى بنفسه في سبيل إطلاق سراحنا، داعش دمر حياة عائلتي وأجبرني أن أتحمل دور الأم والأب، لقد حرمنا أن نعيش حياتنا كما كنا نخطط لها.”
خلال السنوات الماضية حاولت الزوجة البحث عن زوجها في كل المناطق بسوريا والعراق، لكن “دون جدوى.”
كما أثرت طريقة خطف الأب على حالة أطفاله النفسية. تقول الأم: “لأنهم لا يعرفون شيئاً عن مصير والدهم، ويتذكرون كل تفاصيل حادثة الخطف، يتحدثون دوماً عن اليوم الذي خطفنا فيه التنظيم.”
تتنهد المرأة وهي تعيد شريط الذكريات التي مازالت ترافقهم بعد سقوط داعش: “في كل لحظة أسمع فيها أخبار القتل والإعدام أشعر بالخوف، وأخشى أن أرى صورة زوجي، أعيش حالة انتظار مستمرة.”
وتقول والألم يعتصر قلبها: “مازال لدي الأمل أن التقي به مجدداً، ولكني أعيش دائماً في حالة تهرب من هذا الواقع ولا أريد تصديق غياب زوجي.”
في الحسكة ثمة مفقود آخر
يحمل شيندار عبد القادر (34 عاماً)، صور أخيه محمد علي (38 عاماً)، الذي ترك خلفه ثلاثة أولاد يعيشون الآن في مدينة الحسكة وانتقلوا للعيش مع عائلة والدهم بعد أن اختطفه تنظيم داعش قبل سبع سنوات.
وعلى الرغم من مرارتها تختزل قصة هذا الأب في أنه كان يعمل سائقاً لسيارة رافعة، وتم اختطافه في ريف الحسكة أثناء تنقله للعمل.
وكما معظم الأطفال الذين فقدوا والداهم يعاني أطفال “محمد علي” حالة نفسية “سيئة”.
ويقول عمهم: “إنهم يعيشون منذ سنوات دون حنان والدهم، لم يلفظوا كلمة بابا منذ اختطافه، إنه أمر صعب جداً، فمهما منحناهم الحنان يبقون في حاجة مستمرة لحنان والدهم.”
ومثله مثل باقي عائلات مجهولي المصير كان آخر آمال عائلة شيندار تتعلق بسقوط الباغوز “كنا نترقب عودة أخي بعد الباغوز، أن يدق الباب ونراه من جديد.”
ويقول: “كنا نعتقد أن الأسرى ما زالوا أحياء، وكنا ننتظر أن تفاوض قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية من أجل إنقاذهم.”
ويضيف: “على الرغم من سقوط داعش ولكن مازال تأثيره موجوداً على حياة السكان وربما يستمر هذا التأثير لسنوات قادمة، خاصة تلك العائلات التي تنتظر عودة أفرادها مجهولي المصير.”