عائلات داعش في مدينة الطبقة السورية.. غادرت الهول وتواجه تحديات الحياة جديدة
في منزل متهالك في أحد الأحياء الشعبية بمدينة الطبقة شمالي سوريا، ينتظر أربعة أطفال والدتهم لعلها تعود ببعض ما يسد رمقهم.
وتعيش خديجة (27 عاماً)، مع أطفالها في المدينة منذ نحو أربعة أشهر بعد أن غادروا مخيم الهول بريف الحسكة، على خلفية قرار صدر عن الإدارة الذاتية قضى بخروج السوريين من المخيم الذي يوصف بـ”القنبلة الموقوتة.”
المرأة الملقبة بـ”أم النور”، هي أرملة أحد عناصر تنظيم داعش الإرهابي، لقي حتفه خلال معارك في ريف دير الزور، وتقول لأخبار الآن: “عائلتي رفضت استقبالي، لأن زوجي كان مع داعش، وأصبح عاراً يلاحقني باستمرار.”
وأضافت: “أنوي نسيان أفكار التنظيم، وأبدأ الحياة مجدداً.”
“عار داعش ” يلاحق الأطفال
تحاول “أم النور” جاهدة منذ وصولها للطبقة الحصول على فرصة عمل لتلبية احتياجات أطفالها، لكنها في كل مرة تعود “خائبة” بسبب رفض السكان وأرباب العمل لماضيها مع داعش.
وتعاني مع أطفالها ظروفاً معيشية صعبة للغاية، وتعيش بفضل مساعدات يقدمها “أهل الخير”، لكن خشيتها على مستقبل أطفالها يؤرقها على الدوام.
وتضيف: “أطفالي يخشون الخروج لأنهم يواجهون الرفض من قبل أطفال الحي. ينعتونهم بأنهم أطفال داعش ويتنمرون عليهم، ويعودون إلى المنزل وهم يبكون.”
وتتساءل عن ذنب الأطفال إن كان والدهم قد أختار الانخراط مع داعش؟ هل ستبقى هذه الوصمة تلاحقنا إلى الأبد؟
وتمر “أم النور” بحالة نفسية سيئة بسبب نظرة المجتمع ومراقبة الجيران لها “في كل لحظة.”
وتقول: “الجيران يتدخلون بكل تفاصيل حياتي. لا أستطيع الخروج لأن نظراتهم تلاحقني. أنا متعبة من هذا التعامل، ولا أريد شيئاً سوى العيش بسلام مع أطفالي والبدء بحياة جديدة بعيداً عن أفكار داعش.”
وتتذكر الفترة الأخيرة من حكم تنظيم داعش الإرهابي في ريف دير الزور، وتبدي عدم رضاها من التعامل الذي تلقته مع أطفالها بعد مقتل زوجها.
تقول: “كانت العائلات الأجانب لدى التنظيم تحتكر كل شيء من الطعام واللباس والطبابة، وكنا نعاني الجوع، وهم يعيشون بأفضل حال. كان السوريون يعانون ظروفاً صعبة، حتى المشافي كانت ترفض استقبالنا.”
وتضيف: “أدركت بأنني في المكان الخطأ، وندمت على وجودي في مناطق داعش. قرار زوجي دمر حياتي وحياة أطفالي.”
قصة وندم ورفض
في أحد الشوارع الرئيسية بمدينة الطبقة، بدأت “أم شيماء” (28 عاماً)، العمل في إحدى الصيدليات والانخراط في المجتمع، بعد أن غادرت مخيم الهول منذ نحو عام.
ولشيماء كما لغيرها من عائلات التنظيم قصة، فقد فقدت خمسة من أخوتها كانوا في صفوف داعش، كما فقدت زوجها من الجنسية المصرية بمعارك الباغوز آخر معاقل التنظيم.
وفقدت المرأة إلى جانب كل هؤلاء طفلتها في مخيم الهول، ولكنها مازالت تقاوم للعيش مع طفلها ذو الثلاثة أعوام.
وتقول لأخبار الآن: “في البداية واجهت عقداً نفسية استمرت لستة أشهر، لم أكن أستطيع خلالها الخروج إلى المجتمع والانخراط مع الناس، ولكن في النهاية قررت البدء بالحياة والاستمرار مجدداً.”
لكن ما زاد من معاناتها هو: ” رفض المجتمع وجودنا بينه. لم أكن أتخيل حياتي يوماً بهذا الشكل المأساوي، وأن يرفضني جيراني وأبناء بلدي.”
وتضيف: “كنت أحلم بأن تكون لدي عائلة، وأن أعيش بشكل طبيعي، وأكمل دراستي وأعيش بسلام. أتمنى لو أملك عصى سحرية أعيد حياتي إلى فترة ما قبل التنظيم والحرب.”
لكن ما تزال “أم شيماء” ترتدي نقاباً أسوداً، تقول إنه وسيلة لتخفي نفسها عن المجتمع والمحيط والانتقادات، بسبب زواجها من عنصر ضمن تنظيم داعش، بعد أن فضلت الالتحاق للعيش في مناطق التنظيم.
سارة ضحية أخرى
تقول سارة الحسين (45 عاماً)، التي غادرت الهول أيضاً منذ نحو عام، وتعيش في مدينة الطبقة لأخبار الآن: “هناك الكثير من العائلات ترفض استقبال بناتها ممن تزوجن من عناصر داعش، وهناك الكثيرات من الأرامل.”
وبسبب أفكار التنظيم التحق آلاف الأشخاص به، لكن “سارة” تقول إن “الكثير من الناس ماتوا بشكل مجاني، في وقت تركت هذه الأفكار آثاراً سلبية على حياة من تبقى من عائلات كانت ترتبط بداعش.”
وتقول أيضاً: “الأزمة في سوريا تسببت بتفكك المجتمع، إذ بات التعامل فيما بين الناس على أساس الانتماء الطائفي، وفي لحظات ضعف آمنا بفكر داعش، والآن نتحمل وندفع ضريبة القرارات الخاطئة.”
وتضيف: “لا أريد العودة إلى الوراء. أريد الاستمرار نحو الأمام، والعيش بسلام ونسيان الماضي المظلم.”