تجارة الجنس أو كما تُعرف اصطلاحاً بتجارة الرقيق الأبيض، ربّما لم تعد في عصرنا الحالي تتصدر مشاهد الإجرام وانتهاكات حقوق الإنسان كما كانت قبل بضع مئات من السنين، واقتصر وجودها على مافيات تنشط في بعض بقاع العالم، ومع ذلك يبدو أنّ الصين لم تكتفِ بالهيمنة الإقتصادية على كثير من الدول، بل عمدت إلى إحياء تلك التجارة بمفهومها الواسع، أي عبر تنظيمها بأعلى المستويات، وعلى أراض تابعة لها، ضحاياها بأغلبهن نساء وفتيات كوريات شماليات، هربن من جحيم العيش تحت نظام كيم جونغ أون، ليجدوا جحيماً آخر لا يقل فظاعة عن سابقه، جحيم الاسترقاق والعبودية الجنسية.
وعبر بحث مطوّّل نشرته مجلة “الاتجار والاستغلال البشري” في باريس، تسلّط الباحثة في مبادرة المستقبل، “يون هيي سون” الضوء على جحيم تجارة الجنس، التي نشطت في مناطق في الصين، يقطنها كوريون شماليون أغلبهم من النساء والفتيات، هربن من نظام الاستبداد في بيونغ يانغ، وعاشوا كلاجئات في ذلك البلد، قبل أن تبدأ الحكومة بترحيل بعض منهن، والباقيات أجبرن على الانخراط في تجارة الجنس، وفي أحسن الأحوال، الإجبار على الزواج القسري من صينيين.
وتقدّر الباحثة أعداد اللاجئين بنحو 200 ألف شخص غير مسجلين ولا يتمتعون بأيّ حماية قانونية، ويختبئون خوفاً من ترحيلهم إلى بلدهم كوريا الشمالية، وما ينتظرهم هناك من مصير أسود، الإعدام أبرز معالمه.
البحث يبدأ بسرد لمحة عن انتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية، وكيف أسهمت الفترة ما بين انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحرب فيتنام (1955-1975) في نسيان الحرب الكورية (1950-1953) وما خلفته من أزمة إنسانية ابتليت بها بيونغ يانغ، لتتصدر قائمة أكثر الدول في العالم انتهاكاً لحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من تقديم الآلاف من الشهادات إلى لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة التي أنشأت في العام 2014، فإنّ العالم إلى يومنا هذا، بقي معرضاً عن إدراج أزمة كوريا الشمالية الحقوقية، كأكبر أزمة في العالم وإن صدرت تقارير أو تصريحات هنا أو هناك، تدين الانتهاكات في ذلك البلد.
وفي مواجهة التراخي العالمي وانتهاكات حقوق الإنسان التي لا تعد ولا تحصى في ذلك البلد، بما في ذلك الإبادة والقتل والاسترقاق والتعذيب والسجن والاغتصاب والإجهاض القسري وغيره من أشكال العنف الجنسي والاضطهاد السياسي، والتهجير القسري للسكان، والاختفاء القسري للأشخاص، والعمل اللاإنساني المتمثل في التسبب عن عمد بمجاعة مطولة، فر ما يصل إلى 200000 كوري شمالي من بلادهم إلى البر الرئيسي للصين.
إحصائيات
وقدر البحث الحقوقي أنّ 60 % من اللاجئات الكوريات الشماليات، يتم الاتجار بهن في الصين، في مجال الجنس.
ومن النسبة السابقة، تم إجبار ما يقرب من 50 % من الفتيات والنساء الكوريات على الانخراط في الدعارة، وتمّ بيع أكثر من 30 % منهن بغرض الزواج القسري، و 15 % تم الضغط عليهن لممارسة الجنس عبر الإنترنت. كما أن نحو 50 % من ضحايا تجارة الجنس، وقعوا بها في غضون 12 شهراً من دخولهم الصين، و 25 % في أقل من شهر واحد.
ومن دون أدنى شك، فقد ساهم استبداد نظام الحكم الوراثي في بيونغ يانغ، في إجبار الكثيرين على التنازل عن أبسط مقوّمات حياتهم، وفضّلوا الفرار من جحيم العيش في كوريا الشمالية، وهو الأمر الذي استغله عرّابو تجارة الجنس في الصين، ليجدوا في النساء الكوريات الشماليات ضالتهم، ويجعلوا منهم سلعة أساسية في تجارتهم.
الاتجار بالجنس لنساء كوريا الشمالية في الصين، بقي محدوداً بعد انتهاء الحرب الفيتنامية، واكتشف لأوّل مرة في ثمانينيات القرن الماضي، لينقلب خلال السنوات الماضية، إلى تجارة مربحة، تدر ملايين الدولارات.
في تلك السنوات، عبرت نساء كوريات شماليات الحدود إلى الصين لشراء البضائع، وبيعها لاحقاً في السوق السوداء، لتستغل شبكات إجرامية صينية أولئك النساء وتجبرهن على الزواج القسري والدعارة، وتسجيل شرائط فيديو إباحية بنظام الدفع مقابل المشاهدة.
لاحقاً تضخمت تجارة الجنس، بالتزامن مع تدفق عشرات الآلاف من الكوريين الشماليين إلى الحدود بين 1994-1999 للهروب من المجاعة في بلدهم الأصلي، وتم إجبار الرجال والفتيان على العمل في مواقع البناء والمزارع بأجور بخسة في ظلّ تهديدهم بالترحيل إلى وطنهم، فيما بيعت النساء والفتيات إلى عائلات صينية، وتمّ استخدامهن في الأعمال المنزلية ولاحقاً في الجنس.
ومع زيادة المعروض من الكوريين الشماليين في الصين، زاد الطلب أيضاً. ففي البلدات والقرى الريفية، أنشأت أسواق للعرائس الأجنبيات وعلى رأسهن الكوريات الشماليات، وفي المدن والبلدات الكبرى، أدّت الأجور المرتفعة إلى زيادة الطلب على الدعارة بين الذكور الصينيين.
ومن اللافت أنّ النساء الكوريات الشماليات لم يكن الضحايا الوحيدين في تجارة الجنس في الصين، بل تمّ الإتجار بنساء كمبوديات وفيتناميات ومن ميانمار. وقد أوردت صحف ومواقع إخبارية عشرات القصص تفضح هول تلك التجارة. فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة الغارديان تقريراً عنونته بـ”حفلات زفاف في الجحيم: تهريب العرائس الكمبوديات إلى الصين” ، كما كشف موقع “آسيا نيوز” عن بيع آلاف الفيتناميات “كعبيد جنس” في الصين، في حين أورد “صوت آسيا الحرة” تقريراً تحدث عن “طلبات الزواج التي أصبحت لاحقاً كوابيس دعارة لبعض فتيات لاو”، إضافة إلى الاتجار بنساء من ميانمار في الصين وفق موقع “صوت أمريكا”.
أثمان بخسة
الضحايا من فيتنام ولاوس وكمبوديا، لبّوا تزايد الطلب في مقاطعات الصين الجنوبية، وووثّق التقرير البحثي أسعار تجارة الجنس التي تديرها منظمات إجرامية بما يلي:
عمل الفتاة الكورية الشمالية في الدعارة مقابل 30 يوان صيني أي ما يقارب الأربعة دولارات ونصف الدولار.
بيع الكورية الشمالية كزوجة مقابل 1000 يوان صيني أي ما يقارب من (150 دولارًا أمريكياً).
يدر الاستغلال الجنسي للاجئات الكوريات الشماليات في الصين أرباح سنوية لا تقل عن 105.000.000 دولار أمريكي.
عادة بعد شراء الكوريات الشماليات، يتمّ استغلالهن بالجنس حتى استنفاد أجسادهن، ليتخصلوا منهن بعد ذلك. ويشير التقرير البحثي استناداً إلى شهادات ضحايا كوريات تمّ توثيقها، إلى أنّ الكثير من الفتيات الكوريات الشماليات لقين حتفهن في الصين بسبب الأمراض المنقولة عبر الجنس، وكذلك بسبب الإعتداء الجنسي والجسدي.
توثيق
وذكرت المجلة في تقريرها، أنّها أجرت الأبحاث والمقابلات على مدار عامين، وتمّ ربط تجارب أكثر من 45 من الناجين وضحايا العنف الجنسي في أنماط واضحة للإتجار بالجنس والإستغلال. وتمّ الكشف في المقابلات عن تفاصيل جديدة عن تجارة الجنس في الصين، أبرزها أنّها تجارة معقدة ومترابطة تحقق أرباحاً طائلة من النساء والفتيات اللائي تمت المتاجرة بهن.
ولفتت إلى أنّه بناء على رغبة العديد من الضحايا، تمّ استخدام مصطلحات “العمل بالدعارة”، بدلاً من مصطلح العمل بالجنس، اعتمادا على معايير أساسية منها أن تلك التجارة يسيطر عليها بأغلبهم ذكور يقومون بتسليع جسد الأنثى، ويعتمدون على إكراه الفتيات على الدعارة، بمعنى أدق، الإجبار على العبودية الجنسية، وهي تختلف عن العمل في تجارة الجنس بهدف القصد المادي وسعياً وراء المال بالنسبة للضحايا.
ويعتمد الإكراه الجنسي، على القوّة الجسدية وغيرها من العوامل التي تجبر الفتيات على الانخراط بهذا المستنقع، مثل الفقر، وغياب المساعدة القانونية، والجوع، وكثير من الفتيات أجبرن على الجنس مقابل حصولهن على الطعام فقط.
العبودية الجنسية
ويشير مصطلح “العبودية الجنسية” إلى جميع الممارسات التي تُعرض النساء والفتيات لخطر حقيقي أو وشيك عبر التعرض لعنف جنسي.
كما يعرف الإتجار بالبشر واستغلالهم وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، بأنّه “تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم، عن طريق التهديد بالقوة أو استخدامها أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف، والإحتيال أو الخداع أو إساءة استخدام السلطة أو موقع الضعف أو إعطاء أو تلقي مدفوعات أو مزايا لتحقيق موافقة شخص يتحكم في شخص آخر بغرض الاستغلال”.
ويشمل الاستغلال على الأقل، “الاستغلال بالدعارة أو غيره من أشكال الاستغلال الجنسي أو العمل الجبري أو الخدمات أو العبودية أو ممارسات شبيهة بالعبودية أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”.
أمّا العنف الجنسي فقد عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه، “أي فعل جنسي، أو محاولة الحصول على فعل جنسي، أو تعليقات جنسية غير مرغوب فيها، والمتاجرة بالنشاط الجنسي للأشخاص، باستخدام الإكراه من قبل أيّ شخص بغض النظر عن علاقته بالضحية، وفي أيّ مكان، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر المنزل والعمل”.
ويقدر التقرير بأن نحو 84 % من النساء والفتيات الكوريات الشماليات اللواتي يتمّ الاتجار بهن في تجارة الجنس في الصين، هن ضحايا الإكراه أو الاختطاف أو البيع.
طريق الموت
من أجل الوصول إلى الصين، يتوجّب على الكوريين عبور الحدود مع الصين عبر نهري “يالو” أو “تومن”، أو العبور سيراً على الأقدام في الأخاديد الضيقة في الصيف وتجنب الأنهار المتجمدة في الشتاء.
التقرير البحثي نوّه إلى أنّ الكثير من الكوريين الشماليين لقوا حتفهم أثناء فرارهم إلى الصين، مع الإِشارة إلى أنهم لا يتمتعون في الصين بالحماية بموجب قانون عام 1951.
ويسافر اللاجئون الكوريون الشماليون كأفراد أو في مجموعات صغيرة حيث يتم التعرف عليهم من خلال ملابسهم ومظهرهم الجسدي والذي يمكن أن يُظهر سوء التغذية، إضافة إلى عدم القدرة على التحدث أو فهم لغة الماندرين.
هذه المجموعات تشكل هدفاً ثميناً للمتاجرين بالبشر ويتم عادة استدراجهم عبر تقديم عروض الطعام أو الملبس أو الدعم أو الخداع بتنظيم رحلات متابعة إلى كوريا الجنوبية.
وذكرت إحدى الضحايا كيف تمّ الاتصال بها من قبل تجار متعددين ومتنافسين في فترة 4 أيّام فقط بعد العبور إلى الصين. وبدافع اليأس والخوف من الاعتقال، يقبل الكثير من الضحايا عن غير قصد عروض غير شريفة من المتاجرين.
وفي الحالات التي يفشل فيها الإكراه، يمكن للمتاجرين بالبشر اللجوء إلى الاختطاف. ولفت البحث إلى أن نحو 18 بالمائة ممن تمت مقابلتهم قد تعرضوا إما للاختطاف أو محاولات الاختطاف في الصين. وفي معظم الحالات، يتم الاتصال بين الخاطف والضحية قبل عملية الاختطاف، مما يشير إلى أنه يمكن استخدام هذه الممارسة باعتبارها الملاذ الأخير إذا فشل الإكراه.
ومن أبرز وسائل الاختطاف، استخدام الخاطفين القوة أو عنصر المفاجأة ومحاولات الاختطاف في مدن وبلدات وأماكن تجمع العمالة وفي وسائل النقل العام.
سماسرة الجنس
لم تقتصر تجارة الجنس على بيع الكوريات الشماليات داخل الصين، بل تعدت ذلك إلى بيعهن في بلد ثالث، الأمر الذي أكسبها بعداً دولياً، ويتمّ ذلك عادة عن طريق ما يعرف بـ”سماسرة من الباطن” وهي تجارة وإن لم تتصدر مشهد الإتجار بالجنس في الصين، إلّا أنّها نشاط وصفته المجلة البحثية بالأكثر خبثاً، ويعمل السماسرة عادة على توظيف وسيط خاص أساسي، يتم البيع والشراء عبرهم.
ولا يمكن إغفال صعوبة الهروب من كوريا الشمالية إلى الصين خصوصاً في السنوات الأخيرة، ويتمّ القبض على ما يقدر بنحو 6000 لاجئ كوري شمالي في العام، حيث يواجهون احتمالين أحلاهما مر، إمّا ترحيلهم إلى بلدهم وما ينطوي على ذلك من خطورة تهدّد وجودهم، أو الإنصياع إلى تجار البشر.
ويلجأ الكوريون عادةً إلى الوسطاء الخاصين، بمساعدة شبكات الوسطاء الفرعيين عبر شرق وجنوب شرق آسيا من ذوي الخبرة في إرشاد الهاربين إلى الحرية. وفي الآونة الأخيرة، زادت مخاطر تجارة البشر والتهريب، وبناء على ذلك ارتفعت كلفة الاتجار بالجنس، وهو الأمر الذي دفع العديد من الوسطاء الفرعيين إلى طلب مدفوعات مسبقة ورسومًا أعلى لقاء مخاطر عملهم. وعادة تكلّف الرحلة ما بين 5000 إلى 14000 دولار أمريكي للشخص الواحد.
ولتغطية زيادة الطلب “الشره” على الدعارة في الصين، أنشأ السماسرة الصينيون عدداً متزايداً من شبكات التهريب التي تمتد إلى أراضي كوريا الشمالية، يشرف عليها سماسرة متخصصون لتحديد واستهداف الشابات والفتيات ذوات القيمة العالية، ويسعون إلى تأمينهم في غضون أيّام أو أسابيع.
ومن العوامل اللافتة التي تحدّثت عنها المجلة الحقوقية في ما يتعلق بزيادة الطلب على النساء الكوريات الشماليات في الصين، اعتقال أو موت الضحايا أثناء عملهن، وحتى الاختطاف من قبل المنظمات الإجرامية المتنافسة.
ولتجنّب انتظار وصول النساء الكوريات عبر الحدود وما ينطوي عليه من مخاطر، يقوم الوسطاء في الصين بتوظيف وسطاء فرعيين موثوق بهم أو أقارب في كوريا الشمالية للوفاء بأوامر القوادين الصينيين والمشترين الآخرين، وبرزت تلك الظاهرة بشكل كبير في المقاطعات الشمالية من كوريا الشمالية، حيث يبحث الوسطاء الفرعيون عن الفتيات والنساء الذين تقل أعمارهم عن 27 عاماً والذين يبدون معدمين و “مناسبين” لتجارة الجنس، ويتم إيهامهم عادة بعروض عمل كاذبة، ليتم نقلهم لاحقاً عبر الحدود بواسطة سيارات الخدمة والقطارات وصولاً إلى الصين، ومن ثم يتم تسليمهم إلى وسطاء آخرين، لينقلونهم سيرا على الأقدام واصطحابهم مباشرة إلى بيوت الدعارة أو إلى مشترين آخرين.
وتبدأ مراحل العنف الجسدي والجنسي، فور وصول الفتيات إلى الصين، وحتى قبل تسليمهن إلى بيوت الدعارة أو المشترين المحتملين، فيتعرضن لعنف جنسي ويجبرن على تعاطي المخدرات، ويتمّ اغتصابهن، أمّا الضحايا الذين لا يتم بيعهم على الفور، فعادة يتم حبسهن في منازل آمنة، ويتعرضن لاغتصاب جماعي، وهي مرحلة تٌعرف باسم التدريب، يُضاف إليها التجويع والضرب الجسدي والتهديدات اللفظية بالعودة إلى الوطن.
ضباط الشرطة.. تجار جنس بارزون
الأدهى ما ذكره التقرير استناداً إلى شهادات الضحايا، بأنّ نحو ربع الكوريين الشماليين الذين تمّ بيعهم أو الاتجار بهم في الجنس، انخرطوا بذلك تحت إشراف ضباط شرطة صينيين. فعلى سبيل المثال، باع أحد الضباط الصينيين فتاة كورية شمالية مقابل 11600 يوان صيني، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى الحد الأدنى من الأجور في الصين والبالغ 1000 يوان، وهو ما يشكل دافعاً مغرياً للغاية لانخراط الضباط الصينيين بهذه التجارة القذرة.
ويعمل جهاز الأمن الصيني على تفتيش المقاطعات الحدودية مع كوريا الشمالية بشكل يومي، وفحص تسجيل الأسرة في البلدات، والقيام بدهم بيوت الدعارة في المناطق الحضرية. وينص القانون الصيني، على أنّه بمجرد القبض على أي كوري شمالي، فإنّه يتوجب استجوابه وتحديد هويته وإعادته إلى بلده، إلّا أنّ مكاتب الأمن وخصوصاً في مقاطعات “شنيانغ” و”يانجي” تقوم ببيع كل من تقبض عليه مقابل عوائد مادية.
ولا يوجد دليل يشير إلى وجود روابط منهجية بين ضباط الشرطة الصينيين وتجار الجنس، إلّا أنّ الروابط بين ضباط الشرطة المحليين ذوي الأجور المنخفضة والمنظمات الإجرامية في الصين تعتبر قوية للغاية وتشكل محور تجارة البشر في المقاطعات الحدودية.
المافيا الحمراء
تؤكّد المجلة الحقوقية أنّ الإتجار بالنساء والفتيات الكوريات الشماليات في الجنس في الصين أمر منظم، فهي صناعة مربحة للغاية تُدار من قبل شبكات منظمة تتكون من كوادر متعددة مثل السماسرة والتجّار والموظفين العموميين، والعملاء الذين يدفعون مقابل الشراء، وبالتالي فإنّ تلك الصناعة في جوهرها “صناعة ذات غرض واحد فقط: التجارة بأجساد النساء من أجل الربح”.
ومن الملاحظ أنّ تنظيم تجارة الجنس من قبل المنظمات الإجرامية، عادت للظهور في الصين بعد وفاة “ماو تسي تونغ” في العام 1976، إذ نمت تلك المنظمات من خلال الاستفادة من الإصلاحات الاقتصادية في البلاد، خصوصاً في ما يتعلق بتطبيق النظام اللامركزي في البلاد، و اتخاذ القرارات في المدن والبلدات والقرى، استناداً إلى البيئة المحلية والسكان بدعم من الجمهور المحلي الفاسد والأهم من ذلك دعم المسؤولين الفاسدين الذين يعرفون باسم “المافيا الحمراء”.
وعلى ضوء ما سبق، فقد أصبحت المنظمات الإجرامية تدريجياً متورّطة في مجموعة من الأنشطة غير المشروعة، من تهريب المخدرات وابتزاز الحماية إلى الإتجار بالبشر والدعارة، ويعمل اليوم الكثير الكثير في المنظمات الإجرامية في الصين، ضمن مجموعات صغيرة تضم أقل من عشرين شخصاً، ومجموعات كبيرة تضم أكثر من 200 فرداً، ويتركزون بشكل كبير في المقاطعات والمناطق الجنوبية حيث تخضع الأقليات العرقية للتمييز الاجتماعي والاقتصادي.
وعلى الرغم من تجريم الدعارة بموجب القانون الصيني، فإن تلك المهنة القذرة بقيت مكوناً هاماً ومرئياً في الحياة اليومية، فكثير من بيوت الدعارة تعرض صور الفتيات الكوريات الشماليات علناً على جدران الشوارع والملصقات.
وفي المدن والبلدات الحضرية والبلدات الريفية في المقاطعات الشمالية الشرقية، زار دور الدعارة أكثر من 10 % من الرجال الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 20-24 و 17 % من الرجال الصينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 -63 ويُقدر أن الدعارة تساهم بنسبة 6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين.
ولا يقتصر عمل الضحايا الكوريين الذين يطلق عليهم اسم “xiaojie” في بيوت الدعارة، بل ينظمون في أماكن ظاهرها قانوني وباطنها لا أخلاقي، مثل الحمامات والساونا، وبارات الكاريوكي والمقاهي وصالونات التدليك وصالونات التجميل وصالونات الحلاقة وصالونات تصفيف الشعر، والفنادق والمطاعم.
الإخضاع إلى ممارسات قذرة
تقوم بيوت الدعارة عادة بتوفير الطعام والمأوى والسجائر للكوريات الشماليات، ويتم إعطائهن المخدرات لابقائهن بحالة تبعية “للقوادين”، ولضمان عدم هروبهن يتمّ وسمهن بوشوم مثل الأسود والفراشات للدلالة على الملكية وثني المنافسين الآخرين عن عمليات الاختطاف.
وتنتقي المنظمات الإجرامية الفتيات الكوريات الشماليات الصغيرات في السن والذين تتراوح أعمارهن بين 15-25 للعمل في أماكن الترفيه مثل “بارات الكاريوكي”.
والأدهى ممّا سبق، أنّ أولئك الفتيات على الأغلب يتمّ تقيدهن في البارات من قبل القوادين، ويخضعن للممارسة القسرية للجنس 4 مرّات في اليوم أو أكثر، حيث يتعرضن لاغتصاب مهبلي، وملامسة، والاستمناء القسري والاغتصاب الجماعي.
وتلفت المجلة البحثية إلى أنّها تمكّنت من إحصاء بيوت الدعارة التي تضم كوريات شماليات في بعض المناطق. وعلى سبيل المثال، فقد تم تحديد ما مجموعه 16 بيت دعارة تحتوي جميعها على فتيات ونساء كوريات شماليات، في بلدة واحدة فقط قريبة من مدينة شبه إقليمية في مقاطعة “جيلين”. ولوحظ أنّ بيوت الدعارة تلك، منظمّة من قبل قوادين وسيدات مرتبطين بمنظمات إجرامية ويكونون مسؤولين عن تجنيد النساء، و تسويقهم، وتحصيل الرسوم التي يدفعها العملاء.
شهادات ناجيات من الجحيم
وأوردت مجلة “الاتجار والاستغلال البشري” بعض الأمثلة والنماذج عن شهادات حصلت عليها من ناجين من تجارة الجنس في الصين، نورد عدداً منها:
-“كوون” إمرأة كورية شمالية من مدينة “تشونغجين”، بعد وصولها إلى الصين عملت بالتنظيف وطهي الطعام لكسب المال في منزل رجل كوري شمالي. وبعد فقدان الأخير وظيفته في أحد المصانع حاول إقناع المرأة الكورية بالزواج من صديقه، إلّا أنّ امتناعها عن قبول عرضه، دفعه إلى بيعها في سوق تجارة الجنس.
-“بايك” إمرأة كورية شمالية من مقاطعة “شاغانغ” قالت في شهادتها: “بعد وصولي إلى الصين، استوقفتني الشرطة وطلبت وثائقي الرسمية، وعندما أخبرتهم أنّني لا أحمل وثائق، اعتقلونني رغم بكائي وتوسلي إليهم بالسماح لي بالسفر إلى تايلاند – إذ يمكن للكوريين الشماليين طلب اللجوء في ذلك البلد – مكثت في مكتب الأمن نحو 10 ساعات ولم يسألني أحد أي أسئلة، ولاحقاً وضعوني في سيارتهم واقتادوني إلى الريف وتمّ بيعي هناك إلى سمسار زواج”.
-“ها” إمرأة كورية شمالية تقول في شهادتها: “رتّبت والدتنا التي تمكّنت من الهروب إلى كوريا الجنوبية لي ولأختي طريقة للهروب من كوريا الشمالية، دفعنا مبلغاً نقدياً في البداية إلى أحد الوسطاء الذي قام بدوره بتسليمنا إلى وسيط آخر. الوسيط الجديد اصطحبنا إلى مدينة “شنيانغ” الصينية. لاحقاً أوصلنا إلى شقة وأخبرنا أنّنا سنستأنف رحلتنا في الليل. لم أتصور أنني كنت مجرد سلعة سيتمّ بيعها، وقد أجبرنا على ممارسة الدعارة.
-“سيو” إمرأة كورية من مقاطعة “يونسا” تروي شهادتها: “قابلت إمرأة تمّ بيع أختها من قبل سماسرة من الباطن، قامت عائلة تلك الفتاة ببيع العديد من الممتلكات، مثل السيارات وأجهزة التلفزيون، بهدف دفع المال للوسطاء، لكن السماسرة ظلّوا يطالبون بالمزيد من المال. عندما أخبرتهم الأسرة أنّ النقود نفذت منهم هدّد السماسرة ببيعها مرة أخرى، وفعلاً تمّت عملية البيع لصالح أحد بيوت الدعارة في “تشنغدو”، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخبار الفتاة”.
-السيدة “سونغ” إمرأة كورية شمالية ذكرت في شهادتها: “تؤخذ النساء قبل بيعهن إلى منزل مخصّص.. عندما وصلت إلى ذلك المنزل، كان هناك العديد من النساء والفتيات الكوريات الشماليات. شاهدت فتاة تعرّضت لاغتصاب عنيف جدّاً، تمزقت أعضاؤها التناسلية، صُدمت عندما شاهدتها تزحف على أرض الغرفة، حاولت أن تقف وتتكئ على الحائط، كانت تنزف، وكانت تبكي أيضاً.
-السيدة “تشانغ” من مقاطعة “موسان” في كوريا الشمالية تقول: “عرض عليّ أحد السماسرة العمل في مطعم في الصين، وقد وافق زوجي على ذهابي إلى هناك وقال لي يمكنك العمل مدّة عام… اكتشفت لاحقاً أنّ الوسيط يكذب، مكثت في أحد المنزل في قرية نائية لمدّة 5 أيام، ثمّ تمّ بيعي إلى شبكة دعارة في الصين.
-“كو” إمرأة من كوريا الشمالية تقول في شهادتها: “قيل لنا إنّ أشخاصاً معينين سيأخذوننا إلى مصنع للعمل، قاموا بوضعنا في شاحنة، وطلبوا منّا أموالاً لم نكن نملكها، سألونا عمّا إذا كانت لدينا عائلات في كوريا الجنوبية، لم يقل أحد شيئاً، الأمر الذي أثار غضبهم، وقد بدأوا بجرونا من الشاحنة، كنت أحاول إيقاف الرجل الأول عندما لكمني الرجل الثاني في مؤخرة رأسي مرتين. أخذني إلى الغابة واغتصبني، لم أستطع فعل أي شيء.. أغمضت عينيّ وبكيت.
-“كوون” من مدينة “كيمشايك” في كوريا الشمالية، تسرد شهادتها وفق ما يلي: “في أحد مراكز الاحتجاز في الصين، شاهدت الكثير من الكوريين الشماليين الذين تمّ القبض عليهم.. لن أنسى شقيقتين تبلغان من العمر 12 عاماً و14 عاماً، انتشر على لباس الفتاة الأكبر سناً بقع دماء. قيل لي إنّ الأختين تعرضتا للاغتصاب من قبل رجل في الصين تظاهر بمساعدتهم. لم تعطِ الشرطة الصينية ملابس جديدة للفتاة”.
-“وون” إمرأة كورية شمالية تقول: “كان هناك 4 نساء كوريات شماليات يعملن في المطعم الذي أعمل به، مكثت في الصين مدة 9 أشهر. هذه هي المرة الثانية لي. أنا محظوظة لأنّ عملي اقتصر على الطبخ. تقوم النساء الأخريات بالعديد من الوظائف ويتمرن أيضاً على ممارسة الجنس من قبل رجال يأتون إلى زيارة المطعم، إنّه أمر فظيع بالنسبة لهم”.
-“تشوي” من مقاطعة “هايسان” في كوريا الشمالية: “جاءت المشرفة علينا إلى الغرفة وأخبرتنا عند وصول العميل. طلبت منّا أن نعيد وضع مساحيق التجميل أو أن نبدو أكثر سعادة وأجمل، يجب أن ترحب المرأة بالعميل في الحمام، ونحن بدورنا نقدم أنفسنا بأسمائنا المزيفة ونذكر أسعارنا. العملاء يعرفون أنّنا كوريات شماليات من خلال لهجاتنا وقد يسأل البعض حتى عن حياتنا في كوريا الشمالية”.
-“بيون” من مقاطعة “تشونغجين” في كوريا الشمالية: “تمّ بيعي إلى بيت دعارة مع 6 نساء كوريات شماليات أخريات في أحد الفنادق. أعطونا القليل من الطعام وعاملونا معاملة سيئة، بعد 8 أشهر، تمّ بيعي مع فتاتين كانتا معي في الفندق. قام السمسار بأشياء سيئة بالنسبة لي. عندما وصلت إلى بيت الدعارة الجديد، أصبت بكدمات على جسدي. تعرض السمسار للضرب ثم طعن في الساقين من قبل عصابة منافسة”.
الزواج القسري
الزواج القسري أو الزواج بالإكراه، ويقصد به بيع النساء للتعايش مع الرجال، وهو أمر غير قانوني لكنّه شائع في المناطق الريفية في الصين وفي المناطق الاقتصادية الاجتماعية، التي ترتفع فيها نسب الأنشطة الجنسية المنحرفة والتي تعاني أيضاً من ارتفاع هجرة الإناث إلى الخارج، وتسمى اصطلاحاً بـ”قرى العزاب”. ويمكن شراء الزوجات مقابل أقل من 50000 يوان صيني، أي بتكلفة أقل بكثير من الزواج التقليدي.
وتورد المجلة البحثية شهادة إحدى الناجيات وهي كورية شمالية وتقول: “القرية التي تمّ بيعي إليها تقع في ريف وجبال “ولياونينغ”.. عادة ما يتمّ بيع الضحايا الكوريين الشماليين لأزواج محتملين من قبل سماسرة الزواج وهم معروفون في كثير من الأحيان في المناطق المحلية والمجاورة ومرتبطين بمسؤولين عموميين”. واللافت أنّ بعض سماسرة الزواج يعملون بمفردهم، لكن العديد منهم يعملون جنباً إلى جنب مع العائلة ولا سيما زوجاتهم، اللواتي يقمن بأدوار مختلفة.
ويسوق سماسرة الزواج، الفتيات الكوريات الشماليات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مع صور وتفاصيل الضحايا. وبمجرد الاتفاق على ثمن الزوجة بين سمسار الزواج والزوج المحتمل، يتم تسليم الضحية إلى منزل زوجها.
وخوفاً من هروب الضحية، تحاصر عائلة الزوج الزوجة المشتراة حديثاً في منزلهم لأسابيع أو شهور، ونادراً ما يمنحها حق الوصول إلى الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر أو السماح لها بالتحرك دون مرافقة. وتقوم الزوجات الكوريات بواجبات متعدّدة غير مدفوعة الأجر، مثل العمالة المنزلية والزراعة وغيرها من أشكال العمل اليدوي.
كما أنّ أقل من 10 % من الناجيات الكوريات تحدثن عن استخدام أزواجهن وسائل لمنع الحمل، وبالتالي فإنّ أكثر من نصف الكوريات الشماليات اللواتي تمّ تزوجهن قسراً يحملن خلال سنتين من الزواج. وعند وصول الزوجة الكورية الشمالية إلى أيّ قرية، فإنّ المجتمع المحلي هناك يدرك أنّه تمّ إجبارها على الزواج قسراً، ونادراً ما يتم الإبلاغ عن ذلك على الرغم من عدم شرعيته. وفي الحالات التي يتمّ فيها اعتقال زوجة كورية، يتمّ عادة دفع الرشاوى إلى السلطات للإفراج عنها وإعادتها إلى زوجها.
وتذكر المجلة الحقوقية قصة روتها إحدى الناجيات، “كيف اعتقلت السلطات في إحدى القرى التابعة لمقاطعة “هيلونغجيانغ” زوجة كورية شمالية، وعندما عجز زوجها الذي كان يفتقر إلى المال، عن دفع رشوة للسلطات، وافق على قيام أفراد الأمن الصيني بممارسة الجنس مع زوجته مقابل إطلاق سراحها”.
وضمن السياق السابق، نشرت مجلة “الاتجار والاستغلال البشري” عدداً من شهادات ضحايا زواج قسري و شهادة أقربائهن نورد منها:
-السيدة “لي” ذكرت في شهادتها: “قدمت إلى الصين قبل 3 سنوات للعمل في مصنع ملابس. أبي كان مريضاً وكنت بحاجة إلى المال لمساعدة عائلتي على دفع تكاليف رعايته الطبية.. بعد 5 أشهر باعني مسؤول المصنع إلى سمسار زواج، لدي ابن الآن، لذا لا يمكنني الهروب وتركه. لا أعلم ما سيحدث له إذا هربت”.
-“بارك” من مقاطعة “موسان” في كوريا الشمالية تقول في شهادتها: “ذهبت إحدى بنات أخي إلى الصين عندما كانت تبلغ من العمر 24 عاماً. تمّ بيعها هناك، تزوجت بالإكراه وأنجبت طفلاً.. هربت بعد ذلك إلى كوريا الجنوبية، أودع طفلها دار الأيتام.. لقد كانت مصدومة من التجربة وما زالت تعاني منها”.
-“آن” من مقاطعة “سينويجو” في كوريا الشمالية، تقول: “أُجبرت صديقتي بعد هروبها إلى الصين على الزواج بالإكراه من أسرة مكونة من 3 رجال، أب وابناه.. أجبرت قسراً على ممارسة الجنس معهم بالتناوب، ولم تتمكن من الهرب. لا أستطيع حتى أن أتخيل كيف تعيش أيامها”.
-“كانغ” من “هامهونغ” في كوريا الشمالية: “هربت عمتي من كوريا الشمالية عام 2004.. تم بيعها لرجل صيني من ذوي الاحتياجات الخاصة، هربت بعد ذلك إلى أحد المصانع ووجدت عملاً هناك، أخبرها المالك أنّه سيساعدها، لكنه باعها لرجل في الريف”.
-“بايون” من كوريا الشمالية تقول: “بعد بيعي إلى رجل صيني كزوجة، أجبرت على زراعة المحاصيل والعمل بمفردي.. زوجي يشرب الكحول كل يوم وأحياناً يغادر لمدة 2-3 أيام.. الجميع هنا يراقبونني لكي لا أتمكن من الهرب”.
-“هوانج” امرأة كورية شمالية من مدينة “موسان” تذكر في شهادتها: “كان عمري 14 عاماً عندما رتب لي ابن عم أمي المقيم في الصين عملاً في مصنع ملابس، عبرت النهر ليلاً مع وسيط، بعد وصولي إلى أحد الأماكن، تمّ اقتيادي إلى منزل مجهول، أدركت أنّ كلّ شيء كان كذبة، اشتراني رجل يبلغ من العمر 36 عاماً مقابل 24000 يوان صيني. لاحقاً تمكنت من الهرب”.
المجلة الحقوقية تلفت في تقريرها، إلى أنّ بيع النساء الكوريات الشماليات كزوجات لا يقتصر على الصينيين، بل يتخطى ذلك خارج حدود الصين، لا سيّما الرجال الكوريون الجنوبيون، الذين يعيشون في المقاطعات الجنوبية من البلاد، وعادةً يشترون الزوجات الكوريات الشماليات منذ فترة طويلة.
ويتمّ الاتجار بالضحايا وتهريبهم من الصين إلى كوريا الجنوبية على متن الرحلات الجوية التجارية والعبّارات. وبمجرد وصولهم إلى ذلك البلد يتعرضون لمزيد من الاستغلال والعنف الجنسي وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى.
وتورد المجلة الحقوقية شهادة امرأة كورية شمالية تحدثت عن إمرأة أخرى كيف تمّ بيعها لرجل في كوريا الجنوبية، تقول في شهادتها: “قابلت امرأة كورية شمالية بيعت مرتين لنفس الرجل في كوريا الجنوبية، المرة الأولى حصل زوجها على زواج سفر مزور من أجل تهريبها، ولأن الصورة لم تكن واضحة اضطر لإعادة شرائها مرة أخرى من ذات المصدر بعد تحسين جودة الصورة.. لم تكن تلك الفتاة قادرة على إنجاب الأطفال.. أخبرها زوجها أنّه أهدر الكثير من المال وضربها. عاشت في 3 دول شكلت جميعها لها تجارب سيئة للغاية”.
خلاصة المأساة
التقرير المطوّل الذي أوردته مجلة “الاتجار والاستغلال البشري” حاول تسليط الضوء على كل هذه الممارسات التي تتعرض له هؤلاء السيدات، من الاغتصاب المنهجي والجماعي والاتجار والاستعباد الجنسي، وصولاً إلى الدعارة، والزواج القسري، والحمل القسري. هنّ نساء وفتيات كوريات شماليات في الصين، هربن من الوطن بسبب ظلم واستبداد النظام الحاكم هناك، لتتلقفهم أياد السماسرة والتجار والمنظمات الإجرامية، فيتم استغلالهن حتى تنضب أجسادهن، ناهيك عمّا يتعرضن له من إدمان المخدرات وأمراض جنسية عديدة، وعنف جسدي، في الوقت الذي يتم فيه استثمار رأس مال عالمي كبير في الصين عبر تجارة الجنس. وقد يتساءل البعض، كيف لأبرز حليف للنظام الكوري الشمالي أي الصين، أن يسمح بهذا النوع القذر من التجارة، سلعتها فتيات ونساء خرجن من رحم الحليف الأقرب؟!!