بعد نحو 6 أيام من إغلاق قناة السويس بسبب تعثر السفينة “إيفر غيفن” في القناة، تمكنت الفرق العاملة هناك من تعويم السفينة اليابانية العملاقة بنسبة قٌدرت بنحو 80 %، ما يوحي بحلحلة قريبة لناحية استئناف الحركة الملاحية بشكلها الطبيعي في الأيام القليلة المقبلة.
وقد كشف رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، أنّ العمل كان منصّباً على توسيع نطاق التكريك “التجريف” والحفر، بمنطقة مقدمة السفينة الجانحة، وذلك عبر إزالة جوانب القناة، للوصول بها إلى عمق 18 متراً، لتسهيل عملية تعويم السفينة، في حين نشرت شركة “إنش كيب” لخدمات الشحن في تغريدة على تويتر، أنه تم إعادة تعويم السفينة الجانحة بقناة السويس “إيفر غيفن” وأنه يجري حاليا تأمينها.
ما الصعوبات الماثلة؟
وفي مقابلة حصرية مع “أخبار الآن“، قال هانس فان رووج، المستشار في عمليات الحلول البحرية العالمية، أنّ “الأمر كان صعباً للغاية، فالقناة تعتبر مكاناً دقيقاً، عرضها يقدّر بما بين 225 و240 متراً، أمّا السفينة فيبلغ عرضها عرضها 60 متراً، وتحتاج إلى سرعة معيّنة للمرور بالقناة، لذا وبسبب مسألة الإرتفاع والعرض والرياح، لذا فالأمر صعب للغاية من أجل المحافظة على مسار السفينة بشكل مستقيم في القناة، وهو أمر ليس متوقعاً أن يحصل للسفن الكبيرة”.
وقد قامت الفرق العاملة بعمليات الجرف، التي مازالت مستمرة، فيما من المتوقع أن يصل مستوى المياه إلى أعلى منسوب بحلول مساء الإثنين، الأمر الذي سيساعد بشكل كبير في الجهود المبذولة لإنجاح العملية.
هل من خطط بديلة؟
وعن الجهود المبذولة في تعويم السفينة اليابانية، قال رووج لـ”أخبار الآن“: “طبعاً، إنّهم يطوّرون خططاً بديلة عديدة، لكنّ الخطط البديلة وسحب حاويات بهذا الحجم من السفينة، التي يقدّر ارتفاعها بـ50 متراً على الأقل إلى منطقة بعيدة، من دون بنى تحتية ولا معدات متوفرة، تعتبر عملية ضخمة من الناحية اللوجستية.. ولجعل الصورة أوضح، فإنّه يتوجب تفريغ 180 طنناً من الحاويات لرفع السفينة سنتيمتراً واحداً في المياه، أي ما يقدر بـ8 أو 9 حاوية، لذا فالعملية ضخمة للغاية”.
وتابع حديثه لـ”أخبار الآن“: “إنّ أزمة الإزدحام تقع بشكل مستمر في قناة السويس، وهذا ليس بأمر غير اعتيادي، فالقناة مجهزة بمعدات وأدوات، لكن هذه السفينة ضخمة للغاية، وبالطبع، لأنّها عالقة في القناة وتسببت في تعطيل السفن الأخرى شمالًا وجنوباً، يركز الإعلام اهتمامه على هذه المسألة.. في الواقع هي ليست بقضية معقّدة من ناحية الحادثة نفسها، لكنّها قضية كبيرة من الناحية الإقتصادية، وأعتقد أنّ هذه هي الأزمة حالياً”.
الحل الأصعب.. “كابوس لوجستي”
وعن إمكانية اللجوء إلى طرق بديلة، قال رووج: “نعم، هناك طرق بديلة أخرى، ولكن في البداية ومع كل مشكلة تواجهنا، علينا أن نعرف ما إذا كان يمكن إعادة تعويم السفينة عن طريق الحفر وبمساعدة ارتفاع منسوب مياه البحر، إذا لم ينجح الأمر، فيجب عليهم تصريف المياه الموجودة على متن السفينة، ويمكنهم أيضاً تفريغ جزء من الوقود الموجود على متنها، ربما يساعد ذلك في إعادة تعويمها.. الحل الأخير وهو الأصعب، سيكون من خلال إنزال الحاويات الموجودة على متن السفينة، فهذا الأمر يعتبر كابوساً لوجستياً. لذلك هناك بدائل وطرق أخرى، ولكن ليس كل هذه البدائل محبذة في الوقت الحالي مقارنة مع الطرق التي يحاولون استخدامها الآن”.
وتابع: “ثمّة ظاهرة طبيعية تحصل، فكلّ بضع ساعات يرتفع منسوب مياه البحر وينخفض في عملية المد والجزر، هذا أمر متعلق بمكان الأرض بالنسبة للقمر، ويكون هناك ارتفاع في منسوب المياه. هذه أحد الظواهر الطبيعية والتي يمكنهم الاستفادة منها، وهذا ما يقومون به في الوقت الحالي.. ليس لدينا أيّ تأثير على منسوب المياه، فهو يتغير من المنسوب المرتفع إلى المنسوب المنخفض كل عدة ساعات، وهذه ظاهرة طبيعية. لنقل على سبيل المثال أنه عندما جنحت السفينة في 23 مارس، كان الفرق في منسوب المياه 1.5 متر، أي هذا الفرق بين مستوى المياه المنخفض ومنسوب المياه المرتفع. الآن في نهاية الشهر، وبحلول يوم الاثنين أو الثلاثاء، سيكون فرق منسوب المياه 2.10 متر. هذا يعني أن هناك ارتفاعاً في منسوب المياه ما يقارب 60 سم، أي أكثر مما كانت عليه في اليوم الذي جنحت فيه السفينة”.
حوادث مماثلة
ويشرح رووج أن ثمّة حوادث عديدة مماثلة، فقال: “كنا معنيّين بالأمر، فعلى سبيل المثال، غواصة كورسك النووية الروسية، وأيضاً سفينة كوستا كونكورديا شكلا تحدياً كبيراً قبل 10 سنوات، وكذلك ثمّة العديد من الحالات في نابولي وحاويات السفينة في البحر الإنجليزي.. من حيث المبدأ، إذا جرت الأمور بحسب الخطط الآن، فلن تكون المسألة معقّدة بل ضخمة فقط”.
الأزمة ليست معقّدة ولكن!
المسؤول الهولندي تحدّث عن الأثار الاقتصادية التي سببتها جنوح السفينة اليابانية في قناة السويس، وقال: “تعتبر هذه قضية كبيرة لكن ليست معقّدة، إلّا أنّها بسبب التأثير الاقتصادي، صوّرت بهذه الضخامة. في الحالات العادية عندما ترسو أي سفينة على الأرض، يمكنك إخراج بعض الماء وإخراج بعض البضائع، وبذلك يمكنك إعادة تعويم السفينة على سطح الماء. في هذه الحالة، نحن نعمل في قناة صغيرة جداً، ويبلغ طول السفينة 400 متر، بينما يبلغ عرض القناة 240 متراً ، هذا ما يجعل المسألة في غاية التعقيد هناك. لقد تأثر نقل البضائع بين الجزء الأعلى والجزء الأسفل من العالم بأسره، وهذا ما يجعل الأمر مهماً لهذه الدرجة، فقد أصبحت هذه السلسلة اللوجستية بين آسيا وأوروبا معطلة في الوقت الحالي، وتحتاج إلى وقت لكي تتعافى مرة أخرى”.
وأضاف: “على الرغم من أنّه تمت توسعة قناة السويس بالفعل منذ بضع سنوات لاستيعاب سفن بهذا الحجم، إلّا أنّ ما نراه الآن هو أن هذه السفن كبيرة جداً لقناة كهذه. لذلك قد يتسائل الناس الآن ما إذا كان استخدام هذه القناة هو الحل الأنسب لإبحار سفن كبيرة بهذا الحجم”.
وفي المحصلة، فقد أصبحت الخسائر الناجمة عن الحادث، هاجساً يقلق الجميع، خصوصاً تعويضات التأمين، وتعطيل خطوط ملاحية كاملة، وكذلك القيمة الإيجارية للقناة. وإلى جانب الغرامات والتعويضات المباشرة، هناك خسائر تطال حركة التجارة العالمية جرّاء توقف حركة الملاحة بالقناة، إذ قدرتها وكالة بلومبيرغ، بنحو 400 مليون دولار في الساعة ما يعادل نحو 6.66 مليون دولار في الدقيقة.