بعد 20 من سقوط حكم طالبان في أفغانستان، لا تزال ذكريات العيش تحت حكم الحركة تثير صدمة لدى العديد من الأفغان ولا سيما النساء، خصوصاً أنّ طالبان اشُتهرت بقمع حقوقهن وحرمانهن من ممارسة حياتهن بشكل طبيعي أسوة بباقي نساء العالم.
“محبوبة إبراهيمي”، هو اسم وهمي لأستاذة جامعية تبلغ من العمر 45 عاماً وتقيم في العاصمة كابل، لم ترغب في ذكر اسمها الحقيقي خوفاً على حياتها، تسرد لـ”أخبار الآن“ كيف عاشت اللحظات الأولى لدخول حركة طالبان إلى كابل وسيطرتها على مناطق شاسعة من أفغانستان في العام 2006، وقالت: “حُبسنا بين ليلة وضحاها ومازلت لا أصدق كيف حدث كلّ هذا فجأة لنا”.
واليوم، بينما تُلهم الإبراهيمي العقول الأفغانية الشابة، من خلال تشجيع النساء على السعي للحصول على تعليم عالٍ، تذكرهم بالقيود التي فُرضت على النساء بعد سيطرة طالبان على كابل في العام 1996، وتقول: “كنت قد بدأت للتو الجامعة، وكان ذلك الفصل الدراسي الأوّل لي في عامي الأول. كانت لديّ خطط وأحلام كبيرة ولكن لم يكن هناك شيء يسير وفقاً لما خططت له”.
وأضافت وهي تحاول استذكار الأيّام التي سبقت دخول طالبان العاصمة الأفغانية: “لقد كان الأمر جميلاً للغاية، فقد اعتدنا أن نتسكع في الحرم الجامعي، وندرس تحت الأشجار جنباً إلى جنب مع زملائنا في الفصل من الأولاد والبنات، ونذهب إلى مقاصف الكلية أو نلتقي في مجموعات دراسية”.
وتابعت: “كنا نعلم جميعاً أنّهم سيدخلون كابل قريباً، لكن لم يعرف أحد ما يمكن توقعه. كنت قد توقفت عن الذهاب إلى الجامعة قبل أيّام قليلة خوفاً من وقوع حوادث أمنية.. كان من المفترض أن يكون الأمر موقتاً، لكن عندما استولوا على العاصمة، أصدروا مرسوماً يمنع النساء من الدراسة أو العمل في كلّ الأماكن العامة”.
سُجنت الإبراهيمي وجميع النساء في عائلتها داخل البيوت. والدتها وهي مديرة مدرسة أُجبرت كذلك على ترك وظيفتها، وقالت الأستاذة الجامعية لـ”أخبار الآن“: “كنا محبوسين في المنزل بلا أمل ولا خطة سوى انتظار معجزة من الله”. في يومنا هذا، تخلت النساء الأفغانيات عن طلب المعجزات لحماية حقوقهن، بل أصبحن يطالبن بمشاركة هادفة في كلّ مناحي الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
“نحتاج لأن تكون النساء جزءاً من المحادثات”
وقالت سميرة حميدي، وهي ناشطة في منظمة العفو الدولية لـ”أخبار الآن“: “النساء الأفغانيات لا يطلبن المعجزات، إنّهن يطالبن بأن يكون لهنّ رأي عادل في المحادثات السياسية الجارية”.
وشهدت المراحل الأولى من المحادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان، مشاركة ضئيلة للنساء الأفغانيات، حيث شاركت إمرأة واحدة من فريق مكوّن من 16 عضواً حضر الإجتماعات الأخيرة في موسكو، ما أثار استياء الكثيرين ممن يرون في ذلك تهميشاً لأصوات النساء.
وقالت حميدي: “حقوق المرأة هشّة بالفعل، بينما تدّعي الحكومة الأفغانية أنّها تؤيّد حقوق المرأة، إلّا أنّها فشلت في ذلك على صعد كثيرة، كما أنّ طالبان لا تؤمن بضرورة دمج النساء في العمل السياسي، لذلك نحتاج إلى أن تكون النساء جزءاً من المحادثات، وأن يتحدثن عن أنفسهن ويرسمن مطالبهن وخطوطهن الحمراء”.
وأثارت المحادثات الجارية بين الحكومة الأفغانية وطالبان بدعم من الإدارة الأمريكية وأصحاب المصلحة الدوليين الآخرين، مخاوف العديد من الأفغان، فضلاً عن تزايد أعمال العنف منذ أن وقعت الولايات المتحدة اتفاقاً مع طالبان العام الماضي، والذي ضغط على الحكومة الأفغانية للإفراج عن أكثر من 5000 من مقاتلي الحركة المحتجزين لديها”.
وفي حين تمّ الإحتفاظ بتفاصيل المفاوضات طي الكتمان، تكهّن العديد من المسؤولين والمحللين بأنّه يتمّ النظر في اتفاقية تقاسم السلطة التي ستسمح لطالبان بالعودة إلى السلطة السياسية في أفعانستان، في حين شكلت مسودّة مسربة لاتفاق السلام المقترح مصدر قلق لكثير من الأفغان، لا سيّما النساء اللواتي يخشين من إمكانية المراهنة على حرياتهن في مثل تلك الصفقة”.
ورداً على ذلك، شككت شبكة المرأة الأفغانية (AWN)، وهي منظمة مجتمع مدني تدافع عن حقوق المرأة، بالإتفاق السياسي، واعتبرت أنّه يهمش الشعب الأفغاني، وقالت إنّه “تمّ تسريب اقتراح آخر لتفكيك نظامنا الدستوري الحالي، الذي حارب الأفغان وماتوا من أجل تشكيله لصالح حكومة موقتة غير منتخبة تسلّم المناصب إلى طالبان، من دون اللجوء إلى صناديق الإقتراع”.
وقدمت الشبكة النسائية، وهي صوت جماعي للعديد من المنظمات البارزة والشعبية وكذلك الأكاديميات والناشطات، تحليلها لمسودّة الصفقة المسرّبة، وقدّمت مقترحات رئيسية لضمان الحفاظ على حقوق المرأة الأفغانية، وقالت الناشطة حميدي، وهي عضو بارز في الشبكة: “إذا تمّ استبعاد النساء أو لم يتم تمثيلهن أو استشارتهن بشكل كافٍ، فإنّ ذلك يعني تجاهلهن في أيّ مشاركة للسلطة أو في أيّ حكومة مستقبلية متفق عليها”.
في غضون ذلك، اتخذ العديد من الناشطات الأفغانيات الآخريات مثل الصحافية الشهيرة، فرحناز فروتان، مواقف متصلّبة من طالبان، ورفضن عودة الحركة إلى الحكم بأيّ شكل، وقالت فرحناز: “السلام لا يمكن من دون عدالة.. طالما أن طالبان ليست مسؤولة عن الجرائم التي ارتكبتها – جرائم الحرب والقتل المستهدف للمدنيين – فلن يكون لها دور مقبول في أيّ مرحلة مقبلة.. نحن الذين رسمنا دائماً خطوطنا الحمراء، ونعلم أنّ خطنا الأحمر هو ضمان لحقوقنا الأساسية وحقوق الإنسان”.
“طالبان لا يمكن الوثوق بها.. لم يتغيروا”
ويتقاطع رأي محبوبة إبراهيمي مع الرأي السابق، إذ تخشى الأستاذة الجامعية على طلابها اليوم من المصير نفسه، الذي عانته منذ عقود، وقالت: “لقد استغرق الأمر 10 سنوات لإنهاء شهادة تحتاج 4 سنوات.. على الرغم من تدمير كابل ومنزلنا في المعارك، احتفلنا لأنّنا لم نعد في أقفاص بعد الآن ولن أرجع إلى أيّ قفص في المستقبل”.
يقول الناس إنّ طالبان قد تغيّرت، لكن سؤالي ما هو الإختلاف الذي تراه فيهم؟ من هو الملا برادار والملا هيبة الله؟ ألم يكونوا جزءاً من طالبان في التسعينيات؟ ما هو الضمان بأنّهم لن يحبسوننا مرّة أخرى؟.. تساءلت وصوتها يرتفع غضباً: “طالبان لا يمكن الوثوق بها.. لم يتغيروا”، هم نفس الأشخاص ذوو اللحية الطويلة وكبار السن الذين يتقدمون في العمر ولديهم الأيديولوجية نفسها”.