تقارب صيني مع طالبان بهدف تعزيز أمن إقليم شينجيانغ المضطرب بعد الإنسحاب الأمريكي
بعدما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية انسحابها الكامل من أفغانستان بحلول الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من العام الجاري، تتزايد الإتصالات الديبلوماسية التي تقوم بها الصين مع طالبان.
فالسلطات في الصين، مستفيدةً من العلاقات الوثيقة بين باكستان وحركة طالبان، تحاول أن تعقد اتفاقاً ما، مع قيادة طالبان قبل مغادرة قوات منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
لم تخفِ طالبان أمر العلاقة، وقد قال الناطق السياسي باسمها سهيل شاهين لـ”أخبار الآن“، إنّ “الصين بلد جار عظيم.. وفقاً لسياستنا، فلن نسمح لأيّ شخص باستخدام أرضنا ضدّ أيّ دولة أخرى بما في ذلك الصين، ونتوقع أن يساهم هذا البلد في التنمية الإقتصادية والإزدهار لبلدنا بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان”.
يؤكّد محلّلون ومسؤولون حكوميون أنّ بكين عبّرت عن قلقها علناً بشأن إمكانية استلام طالبان السلطة في أفغانستان مع انتهاء الإنسحاب الأميركي في موعده المقرر. فبكين تعرف أنّه إنْ عززت حركة طالبان سلطتها السياسية في كابول، يمكن أن ينشط مجدّداً الإنفصاليون الإيغور و”حركة استقلال تركستان الشرقية” في إقليم شينجيانغ الصيني المضطرب.
لم تخفِ طالبان أمر العلاقة مع الصين، وقد قال الناطق باسمها سهيل شاهين لـ”أخبار الآن“، إنّ “الصين بلد جار جيّد، ووفقاً لسياستنا، لن نسمح لأي شخص باستخدام أرضنا ضدّ أيّ دولة أخرى بما في ذلك الصين.. ونتوقع أن تساهم الصين في التنمية الإقتصادية والإزدهار لبلدنا بعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان”.
تقارير تفيد بأنّ بكين تطلب تطمينات من قياديي طالبان بأنّهم لن يدعموا تمرّد الإيغور
وتشير التقارير إلى أنّ بكين تطلب تطمينات من قياديي طالبان بأنّهم لن يدعموا تمرّد المسلمين الإيغور مجدّداً إن كانوا يريدون أن تدعمهم الصين في آلية تشاطر السلطة التي أقرّت في عملية السلام في الدوحة. وتزعم الصين أن مقاتلي الإيغور و”حركة استقلال تركستان الشرقية” يسعون بكلّ قواهم لزعزعة سلامة الأراضي الصينية في منطقة شينجيانغ.
وصرحت وزارة الدفاع الصينية أنّها دعمت الجهود التي بذلتها في مجال الدفاع ومكافحة الإرهاب من خلال تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 70 مليون دولار بين العامين 2016 و2018.
وفي أوائل العام 2018، حاولت الصين أن تعزّز وجودها العسكري في إقليم باداخشان في رواق واخان. وخلال السنوات القليلة الماضية، ازداد خوف الصين من المقاتلين الإيغور لأنّ العديد منهم انتقل من سوريا للعيش في إقليم باداخشان الأفغاني الذي يقع على حدود إقليم شينجيانغ الصيني، حيث بنت الصين معسكرات اعتقال لسجن المسلمين الإيغور بداعي التلقين العقائدي.
وتشير تقارير إعلامية إلى أنّه منذ بضع سنوات، كانت الصين تسعى إلى بناء قاعدة عسكرية في باداخشان. وكشفت التقارير أنّ وزارة الدفاع الأفغانية كانت تتوقع مجيء وفد من الخبراء الصينيين من أجل مناقشة مسائل تقنية والمكان المناسب لإنشاء قاعدة كهذه.
وبالرغم من أنّ صفة القاعدة المقترحة غير واضحة المعالم، فيمكن للجهود المتجددة من الجانب الصيني لإقامة علاقات مع حركة طالبان من جديد، أن تدفع بهذا المشروع قدماً.
في حديث خاص مع “أخبار الآن“، قال مشاهد حسين السيد، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الباكستاني، إنّ الصين لديها حيّز استراتيجي مهم في أفغانستان بالنظر إلى البعد الأمني، لأنّ أفغانستان تقع على حدود إقليم شينجيانغ الصيني، وفي الماضي حصلت محاولات عديدة لطرح ورقة شينجيانغ من الخارج. وأضاف: في هذا السياق، تشعر الصين بقوّة أنّ أمن أفغانستان وسلامها واستقرارها سيؤثران عليها وعلى إقليم شينجيانغ التابع لها.
احتمال وجود مخطط كبير في أفغانستان سيزعزع استقرار المنطقة برمتها
ووصل إلى حدّ القول إنّ هذا الأمر لديه أيضاً بعدٌ إقليمي شامل، وصرّح قائلاً إنّ كان هناك من لعبة جديدة كبيرة في أفغانستان، فإنّ الولايات المتحدة ودولاً أخرى، سيكون لها دورها فيها ولن تكون أفغانستان الدولة الوحيدة التي سيتزعزع استقرارها بل المنطقة برمتها. وتابع أنّ أفغانستان مهمة بالنسبة إلى الصين بسبب آخر، وهو “مبادرة الحزام والطريق”، وفي هذا الإطار كان “الرواق الاقتصادي بين الصين وباكستان فائق الأهمية.
يؤمن الرواق الإقتصادي الصيني الباكستاني رابطاً حسّياً بين أفغانستان وباكستان، ويسمح للبلد المقفل على ذاته أن يكون له منفذاً على البحر. كما أنّ الرواق المذكور سيحيي العقود التجارية مع دول آسيا الوسطى.
واعتبرت الصين أنّ الحكومتين الأميركية والأفغانية لا يمكنهما أن تهزما طالبان، وأنّ الأخيرة ستصل إلى السلطة أو أنّها ستسيطر على أراضي أفغانية شاسعة. وبما أنّ الصين استذكرت إمكانية عودة التمرّد الطالباني في أفغانستان، فقد انكبّت منذ العام 1999 على المحافظة على روابطها الوثيقة بطالبان.
وفي ديسمبر/ كانون الأوّل من العام 2000، التقى لو شولين، السفير الصيني في باكستان، بزعيم طالبان الملاّ عمر في قندهار. وقد استغلت الصين علاقاتها بباكستان لتنشىء علاقات وثيقة مع تلك الجماعة أملاً منها بأنها لن تسمح لمقاتلي “حركة استقلال تركستان الشرقية” بأن يتغلغلوا إلى إقليم شينجيان، وطلبت طالبان من بكين أن تدعمها في الحصول على مساعدات وشرعية دولية.
باكستان تسهّل التقارب بين طالبان والصين!
وفي الماضي القريب، سهّلت باكستان العديد من اللقاءات بين قادة رفيعي المستوى من طالبان ومسؤولين من وزارة الخارجية الصينية. في تلك اللقاءات، شدّدت الصين على الحاجة إلى اتخاذ تدابير صارمة لمكافحة الإرهاب كشرط أولي لكي تدعم الصين حصول طالبان على دور سياسي جديد.
وبعد مرور بضعة أيّام على إلغاء الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب عملية سلمية سابقة مع طالبان في السابع من سبتمبر/أيلول من العام 2019، سافر وفد يضم 9 أعضاء من طالبان بقيادة الملاّ براداد إلى الصين للقاء ممثل الصين الخاص لأفغانستان دانغ شيجو[ن.
وكذلك في يونيو/حزيران من العام 2019، زار وفد آخر من طالبان الصين، ويقال إنّه أجرى مباحثات مفصّلة مع مسؤولين صينيين رفيعي المستوى حول إنشاء حوار أفغاني داخلي. آنذاك، أشارت التقارير إلى أنّ بكين حبّذت عملية السلام التي كانت بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وقد دخلت هذه الأخيرة في اتفاق مبدئي مع طالبان في فبراير/ شباط من العام الماضي، وعبّد الإتفاق الطريق لانسحاب القوات الأميركية.
وبعد لقائه ممثل الصين الخاص لأفغانستان في بكين، صرّح الملاّ برادار لوسائل الإعلام بأنّ “الإجتماع مع المسؤولين الصينيين كان مثمراً وبأنّهم حاولوا التوصّل إلى اتفاق شامل مع بكين. ويقال إنّ الملاّ برادار حذّر إدارة ترامب قائلاً إنْ كان الرئيس الأميركي غير قادر على الإلتزام بكلامه، وإنْ كان سيتراجع عن وعده فسيكون مسؤولاً عن تضييع الوقت وسفك الدماء في أفغانستان”.
ويزعم مشاهد أيضاً أنّ الصين لديها مخاوف أمنية في أفغانستان، وكانت تربطها علاقة جيدة بطالبان وقد استقبلت بعض قادة الحركة أحياناً في أورومتشي وأحياناً في بكين. كما صرّح مشاهد بأنّ “الصين أجرت محادثات مع طالبان في بلدان أخرى لأنّ تلك الجماعة قد حصلت على اعتراف من الولايات المتحدة الأمريكية بأنّها طرف أساسي، وذلك إثر توقيع اتفاق سلام مع طالبان في الدوحة. ويعتبر هذا الإتفاق أوّل وثيقة رسمية توقّعها الولايات المتحدة مع طرف أجنبي هو ليس بدولة”.
كذلك قال مشاهد إنّ باكستان قد طوّرت سياسة تسمح لها بالإتصال بكل الفصائل الأفغانية، بمن فيها الحكومة الأفغانية وحركة طالبان وغلبادين حكمتيار والدكتور عبدالله عبدالله وزعيم الهزاره كريم خليلي أو أحمد والي مسعود. وكشف مشاهد أنّهم قد تلقوا جميعاً دعوةً إلى باكستان واستُقبلوا بحفاوة كبيرة. كما تمّ التخلّي عن السياسة التي تعطي الأفضلية للبعض دون سواهم.
فقد اتفقت كلّ القوى في باكستان سواء كان الجيش أو الحكومة أو المعارضة على أنّ السلام في المنطقة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن والإستقرار في أفغانستان، ويعتبران ضروريين بشكل أكبر بالنظر إلى الجهود الباكستانية للبحث عن اتصال جيو – اقتصادي وإقليمي من خلال الرواق الإقتصادي الصيني – الباكستاني. وكشف مشاهد أنّ باكستان كانت قد طوّرت رواقاً تجارياً من غوادار إلى أفغانستان مروراً بأوزباكستان ودول أخرى من آسيا الوسطى، لذلك ستكون العلاقات الأفغانية – الباكستانية أقوى وأشدّ صلابة من قبل.
في حديث لـ”أخبار الآن“، قال شاهد رضا، وهو محلل شؤون استراتيجية يقيم في إسلام اباد، إنّ الصين تعتبر نفسها “ضامناً للأمن الإقتصادي البحت” في أفغانستان بالنظر إلى موقعها الجيوسياسي في المنطقة وفقاً لـ”منظمة تعاون شانغهاي”. وأضاف أنّ بكين تزعم أنها تريد أن تلعب دوراً في إعادة الإعمار الإقتصادي وكانت جاهزة للتعاون مع الأطراف الذين يمثلون السلطة والذين كانوا يتمنون حقاً أن يحصلوا على اعتراف دولي ودعم مالي من أجل تطوير أفغانستان، البلد المتخبّط في النزاع.
وخارج أفغانستان، لقد وقّعت الصين آلية ترانزيت تجاري مع باكستان وكيرغيزستان وأوزبكستان وكازاخستان في إطار “اتفاق الترانزيت ذات الملاحة الرباعية”، من أجل تسهيل حركة النقل العابر أو الترانزيت والتجارة من آسيا الوسطى مروراً بباكستان، وذلك في إطار السيطرة على مقدرات البلاد. وأفاد رضا أنّ الصين أعلنت مؤخراً أنّها ستربط دول المنطقة بالرواق الإقتصادي الصيني الباكستاني، وهنا سيلعب مرفأ غوادار دوراً مهماً في إعادة شحن البضائع المنقولة عبر الترانزيت من الدول الأعضاء في “اتفاق الترانزيت ذات الملاحة الرباعية”وأفغانستان الواقعة في قلب آسيا الوسطى والجنوبية.