عملية أوبرا وتفجير مفاعل أوزيراك في العراق.. بعد 40 عاما من المهمة
- التاريخ قبل العملية أوبرا
- قصة مفاعل أوزيراك
- تغير منظور العالم مع الوقت لتفجير مفاعل أوزيراك
- ما الذي حققته الغارة لصالح إسرائيل؟
قبل 7 يونيو 1980 لم يكن هناك أي سلاح طيران لأي دولة قد قام بتفجير مفاعل نووي، قبل عملية أوبرا التي قامت بتفجير المفاعل النووي العراقي أوزيراك.. فما القصة وكيف عاد ذلك بالنفع على إسرائيل؟
التخطيط للعملية استمر لسنوات، إسرائيل كانت ستستخدم طائرات متقدمة لكنها ستتخلى عن الذخائر الدقيقة، من أجل الرغبة في تدمير هدفها بشكل كامل، كان من المقرر أن تطير طائرات إف -16 المقاتلة إلى العراق وفي غضون 90 ثانية فقط تقوم بتدمير المفاعل النووي الذي قد يهدد أمن إسرائيل والمنطقة، إذا نجحت العملية فستمنع العراق تحت زعامة صدام حسين في ذلك الوقت من إنتاج الأسلحة النووية، والسيطرة على المنطقة.. لكن ماذا إن فشلت؟
في حالة فشل العملية فإسرائيل كانت تعلم تمام العلم أن صدام قد يغدو أكثر قوة في حين أنها ستصبح أكثر عزلة، كما أنها ستمنح العراق سببا أكبر للرد.
عودة بالتاريخ إلى ما قبل العملية أوبرا
وفقا لصحيفة ”جيروزاليم بوست“، إسرائيل كانت مهددة من أكثر من جهة، لبنان والمجموعات الفلسطينية المسلحة بالصواريخ، معظم المنطقة كانت ضد الدولة اليهودية، من ضمنهم بالطبع العراق التي كانت قوية للغاية وناجحة اقتصاديا.
إيران بعد الثورة الإسلامية تحولت إلى خصم إلى إسرائيل، كما وقعت الأخيرة على اتفاقية السلام مع مصر، والتي كانت مناسبة بالغة الأهمية، إذ قامت بسحب قواتها من سيناء وصدر قرار الأمم المتحدة ليعلن أن الصهيونية عنصرية في عام 1975 وظل الأمر مدرجا في الكتب حتى تم إلغاؤه عام 1991.
في عام 1980 اختلف وضع الشرق الأوسط، وكان هناك عدد من الأنظمة القوية غير القائمة على نظام ديموقراطي، من ضمن تلك الأنظمة كان نظام صدام حسين في العراق، الذي تولى السلطة ووعد بتطور صناعي كبير في الدولة، والعراق كانت أحد أقوى المؤسسات بوجود جيش وصل عدده إلى مليون مجند في التسعينيات، وكان رابع أكبر جيش في العالم.
العراق بعد ذلك جلب 5700 دبابة من ضمنها نماذج T-72 المتطورة حينها، وآلاف من القطع الأخرى، كما اشترى أسحلة من دول مختلفة حول العالم من بينها الصين والاتحاد السوفياتي وإيطاليا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها، واستورد معدات عسكرية بقيمة 24 مليار دولار.
سعى العراق بعد ذلك وفقا للصحيفة، للحصول على أسلحة الدمار الشمال ما أدى بعد ذلك للغارة الإسرائيلية على مفاعل أوزيراك في عام 1981، ثم قام -العراق- بشراء أسلحة كيميائية تم استعمالها في الحرب العراقية الإيرانية.
كما عملت بغداد مع الجماعات الإرهابية، وبالتحديد مع قائد يدعى ”أبو نضال“، ليصبح دور العراق الرئيسي في الصراع مع إيران مرتبطا أكثر بالكويت ودول الخليج، ليصبح بمثابة حاجز بين الدول العربية والثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
كان ذلك مهما لأن الحرب العراقية الإيرانية بدا وكأنها استوعبت الكثير من النزعة العسكرية في الثمانينيات والنتيجة هي تمكين العراق وشن حرب على الكويت عام 1990.
كيف تغير المنظور للغارة على أوزيراك؟
توضح الصحيفة أن العملية الناجحة التي شهدت خروج 14 طائرة مقاتلة لتدمير المفاعل في دقائق معدودة، تسببت في إرساء إسرائيل عقيدة مفادها أنها ستعمل على منع أي تهديد لوجود أسلحة دمار شامل في المنطقة، وقال مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إن دولته لن تسمح بوجود الأسلحة النووية في المنطقة بتهديد إسرائيل.
واستمر صدى تلك العملية التي أثرت على البرنامج النووي الإيراني بسبب القواعد التي أرستها إسرائيل في السابع من يونيو عام 1981، كما تقول الصحيفة.
لم تكن هناك سعادة كبيرة بتلك الحادثة وقتها، فوفقا للصحيفة، كان المجتمع الدولي يبحث عن أسباب دوما لشن حروب ضد الدولة اليهودية منذ تأسيس إسرائيل.
القوى الغربية والكتلة السوفياتية كانت تعمل مع أنظمة قومية عربية في ستينيات القرن العشرين ليس لحملها على وقف حملتها الحربية ضد إسرائيل، ولكن لتمكين وجهات نظرها العدائية، إذ تم بيع أسلحة لمصر وسوريا ودول معادية لإسرائيل ما مكنهم من توسيع جيوشهم بشكل كبير، وفقا لتقرير ”جيروزاليم بوست“الإسرائيلية.
وأشار التقرير، إلى أن أن العلماء جاؤوا لمساعدة الدول في برامجهم الصاروخية، مثلها مثل إيران اليوم، واختارت البلدان استخدام كراهية إسرائيل كذريعة لبناء مجمعات عسكرية صناعية ضخمة مكرسة لتدمير الدولة اليهودية.
واستشهدت الصحيفة، بأن الإرهاب الدولي الموجه على نحو غير مسبوق تجاه إسرائيل، أدى لارتكاب فظائع مثل مذبحة الألعاب الأولمبية والتي تم تجاهلها أو تبريرها من العديد من الحكومات الغربية، في حين تلقى الإرهابيون أنفسهم دعما من دول الكتلة السوفياتية ونجحوا في دعم أنظمة مثل العراق تحت حكم صدام.
وقال التقرير: ”حتى في عام 1993 حينما كانت الشرور الكاملة لنظام صدام واضحة بالفعل، بعد ارتكابه هجمات إبادة جماعية ضد الأكراد في الثمانينيات باستخدام الغاز السام وغزا الكويت في 1990، كان لا يزال هناك خبراء يتجادلون ضد أعمال إسرائيل“.
وواصل ”وفي مقال نشر في المجلة الدولية للسلام العالمي في 1993، ناقش دونالد بوردو فكرة الحكمة التقليدية بأن إسرائيل قدمت مساهمة إيجابية للسلم والأمن العام، وأثبت أسفه لإثبات عدة سوابق مشؤومة“.
وأكمل ”بالطبع لا يوجد مقال آخر يتحدث عن سابقة صدام باستخدام الغازات السامة لمحاولة إبادة الأكراد في العراق، لسبب ما، لم يكن ذلك مشكلة للسلام الدولي، لكن قصف إسرائيل لمفاعل صدام كان كذلك“.
وأضاف ”غارة أوزيراك توضح أنه بغض النظر عما تفعله إسرائيل، فهي دوما المشكلة، لم يكن غزو صدام لإيران في بداية الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت لما يقرب من عقد من الزمان وقتلت عددا كبيرا من الناس سابقة سيئة مثل هذه، لكن إسرائيل تنفذ ضربة دقيقة جدا على مفاعل نووي؟ أمر مثير للجدل، وللسبب نفسه أدى الرد الدقيق لإسرائيل الشهر الماضي على إطلاق صواريخ حماس إلى احتجاج دولي ضد إسرائيل“.
التقرير اتجه بعد ذلك للحديث عن المعارضين، وأوضح أن لديهم منظور واحد فقط لأوزيراك، فهم لا يريدون لإسرائيل أن تدافع عن نفسها، بل وربما كانوا يفضلون حصول العراق تحت زعامة صدام على الأسلحة النووية، تماما كما يزعم الداعمون الهادئون لرغبة إيران في امتلاك الأسلحة النووية أنها تدعم السلام فحسب في حين أنها تمهد الطريق أمام إيران لإنتاج سلاح نووي، وإبقاء المنطقة رهينة لها، إذ إنها تحتل حاليا المنطقة بطائرات بدون طيار وصواريخ.
ما الذي حققته غارة أوزيراك لإسرائيل؟
اتجه التقرير للحديث حول تبعات غارة أوزيراك، واستند لأطروحة بيتر فورد في المدرسة البحرية للدراسات العليا في كاليفورنيا، واصفة الغارة بـ“الضربة الوقائية ذات قيمة في المقام الأول لهدفين، شراء الوقت واكتساب الاهتمام الدولي والثاني لأن الضربة قدمت منفعة لإسرائيل لمرة واحدة، إذ ستكون الضربات اللاحقة أقل فعالية بسبب الأهداف النووية المتفرقة المحصنة والمعلومات المحدودة“.
ما قصة مفاعل أوزيراك؟
نجحت العراق في الحصول على مفاعل أوزيراك من خلال علاقاتها مع فرنسا، وكانت العراق في تلك الفترة في حرب مع إسرائيل من الجانب التقني.
حزب البعث العراقي كان متطورا وقتها، إذ كان قادته على جودة عالية من التعليم، والعراق كانت دولة متحضرة بمدن جديدة تم التخطيط لها وحتى الريف كان يعاد بناؤه بواسطة تخطيط على طريقة ستالين، العراق كان موضع حسد للعالم العربي في بعض النواحي مع الرعاية الصحية وأنظمة التعليم التي كانت لها موقع جيد في المنطقة في ذلك الوقت، ليشير التقرير: ”نظام وحشي، نعم، لكنه كان ناجحا نسبيا أيضا“.
صدام حسين تقرب من الفرنسيين للحصول على مفاعل غاز – جرافيت لليورانيوم لتخصيبه بنسبة 93%.
يقول بيتر فورد في أطروحته: ”امتلكت العراق مفاعلا من نوع أوزوريس ذو فائدتين رئيسيتين للدولة وقتها، مصدر محتمل للمواد النووية المستخدمة في تصنيع الأسلحة، ووقود لتشغيل أوزوريس الذي كان من المواد التي تستخدم لتصنيع الأسلحة النووية أيضا، وقال صدام علنا إن الاتفاق مع فرنسا سيؤدي إلى أول قنبلة ذرية عربية“.
وسعى العراق للحصول على مفاعل على غرار مفاعل أوزوريس بقوة 70 ميغاواط، ومفاعل تدريب آخر، كما سعى للتعامل مع مصنع إيطالي لفصل البلوتونيوم، وبدأ مفاعل التدريب الذي أطلق عليه اسم تموز الثاني عملياته في فبراير 1980، ووصل اليورانيوم المخصب إلى العراق.
موعد إيقاف العملية كان يقترب بالنسبة لإسرائيل، إذ تم إتلاف قلب المفاعل في فرنسا ووصل، وفي حالة تشغيل المفاعل نفسه فأي ضربة جوية قد تتسبب في انتشار المواد المشعة في كافة أنحاء العراق، المنطقة التي احتوت على المفاعل كانت على ضفاف نهر دجلة، منشأة كبيرة بها مفاعل أوزيراك الرئيسي وبها قبة خرسانية بيضاء.
محاولة إيرانية لتدمير المفاعل ونجاح إسرائيل
كانت إيران هي أول من حاول تدمير المفاعل، باستخدام طائرات F-4s، ووفقا للصحيفة: ”رغم أن إيران كانت في خط مواجهة مباشر مع العراق، إلا أن العراقيين كانوا واضحين في أن السلاح النووي سيستخدم ضد إسرائيل“.
وكتب فورد في أطروحته: ”إسرائيل مارست الضغط الدبلوماسي لـ7 سنوات على الدول في جميع أنحاء العالم في محاولة لمنع العراق من الحصول على مفاعل أوزيراك“.
وواصل التقرير: ”إسرائيل فعلت كل ما بوسعها وتوسلت المجتمع الدولي للاستماع إليها وفعل شيء ما، لكن لم تأت أي مساعدة“.
وأشارت صحيفة ”جيروزاليم بوست“ إلى أن الضربة لم تكن من فراغ، كان على إسرائيل أن تزن ردود الأفعال الدولية والعواقب السياسية الداخلية، وكان هناك اعتقاد بأن الضربة نفعت المسؤولين المتواجدين في السلطة، لكن المخاطر الإيجابية تخطت السلبية المحتملة.
بمجرد اتخاذ قرار ضرب المفاعل، كان على إسرائيل أن تتأكد من أن الأدوات التي ستستخدمها كافية، عندما نظرت إسرائيل لأول مرة في كيفية وقف التهديد العراقي، لم يكن لديها سوى طائرات إف – 4 فانتوم وإيه -4 سكاي هوك، وهي ليست طائرات بعيدة المدى قادرة على تنفيذ المهمة بنجاح.
تغير كل شيء مع الثورة الإيرانية، إذ كانت إيران ستحصل على طائرات إف -16 إيغل لكن تم توجيهها إلى إسرائيل وشملت 75 طائرة، وجاءت الطائرات في 1980، ووقتها F-16 كانت فائقة الحداثة وبالطبع مثالية للمهمة.
بوجود طائرات F-16 وF-15s الحديثة امتلكت إسرائيل الطائرات اللازمة لإنهاء المهمة.
وكتب فورد: ”نوع الطائرات كان له نظم ملاحية متقدمة تعمل بالقصور الذاتي ما يسمح لها بالتحليق لمسافات طويلة دون الحاجة إلى معينات ملاحية أرضية، ما منح سلاح الطيران الإسرائيلي الأدوات اللازمة لإنهاء المهمة“.
قرار استخدام الأسلحة كان مهما، اختارت إسرائيل شن غارة أكثر خطورة باستخدام أسلحة غير دقيقة بدلا من التي تعطي قدرة على المواجهة، إذ يمكن للطائرات إسقاط قنابلها ثم تكون آمنة بما فيه الكفاية من النيران المضادة للطائرات، وتم إسقاط مجموع 16 قنبلة داخل المفاعل مع صمامات تأخير مصممة لتحقيق أقصى قدر من التدمير.
الطيارون بجانب قائد سلاح الجو ديفيد إيفري ورئيس قوات الدفاع الإسرائيلي رافايل إيتان تجمعوا في قاعدة عتصيون الجوية قبل الغارة، وأطلق عليهم عملية ”بابل“ وعرفت أيضا بـ عملية ”أوبرا“، تم إطلاع الطيارين على المهمة بشكل قصير، ثم طارت الطائرات فوق السعودية ودخلت العراق عبر أميال من الصحراء المفتوحة على الحدود بين الدولتين. اضطروا للطيران على ارتفاع منخفض على بعد 100-150 متر من الصحراء، واستخدمت مقاتلات F-16 إيغل الرادار والتدابير المضادة الإلكترونية وواصلت قصف المفاعل جنوب غرب بغداد.
كانت هناك بعض العقبات الأخرى، إذ أن مجلة سلاح الجو لعام 2012، أوضحت أن العاهل الأردني الملك حسين، شاهد طائرات إف 16 المقاتلة وأرسل تحذيرا إلى العراق وكان ذلك بعد السابعة مساء وقتها، وكان من المقرر ضرب المفاعل عند غروب الشمس.
كذلك كان من المهم الحفاظ على صمت الراديو؛ كما كان على الطيارين تجنب أنظمة الإنذار المبكر في السعودية وغيرها.
تبعات نجاح المهمة
قالت الصحيفة: ”نجاح المهمة لم يمنح إسرائيل احتراما عسكريا إضافيا في مختلف أنحاء العالم فحسب، بل ساعد أيضا في الردع، إذ أنها أثبتت قدرتها على استخدام أحدث الطائرات“.
وكتب فورد: ”سلاح الجو الإسرائيلي استخدم إف – 15 المصممة للكشف عن المدى البعيد والتفوق الجوي، في دورها الأمثل، وهو حماية الطائرات المهاجمة وهي تسقط الذخائر، وكانت إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك هذه الطائرات والمعرفة التكتيكية حول استخدامها الأمثل“.
اليوم إسرائيل تستخدم طائرات إف 35 بعد أن تلقت 24 طائرة في سربين مع خطة للحصول على ما يصل إلى 75 طائرة.
واختتم التقرير بـ“الغارة على أوزيراك كانت لحظة فاصلة غيرت المنطقة وأذنت بعهد جديد من الهيمنة الإسرائيلية، إذ كانت القرات العسكرية الإسرائيلية متنازع عليها من قبل الجيوش التقليدية مثل مصر وسوريا، بحلول الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، كانت إسرائيل تمتلك أقوى قوة عسكرية في المنطقة“.