من الرابح في العلاقة بين فنزويلا وإيران؟
- تبادل مصالح أم وسيلة لمد النفوذ
- مساعدة متبادلة في التهرب من العقوبات
- إيران تستغل فنزويلا كقاعدة عمليات متقدمة لجهودها الدعائية
- دعم ومساندة حزب الله اللبناني
أبحرت سفينتان حربيتان إيرانيتان الأسبوع الماضي، عبر رأس الرجاء الصالح (Cape of Good Hope) في جنوب إفريقيا، ودخلتا جنوب المحيط الأطلسي.
كانت هذه الرحلة الأولى من نوعها للأسطول البحري الإيراني وشكّلت مصدر تكهنات مكثفة. هل تتجّه السفن إلى فنزويلا؟ وهل سيجتازون رحلة المحيط الأطلسي الصعبة؟ وهل ستحاول الولايات المتحدة إيقافهم؟ وهل هم حقاً يحملون أسلحة كما ورد؟ سنعرف قريباً الإجابات على هذه الأسئلة، إذ تشق السفن الحربية طريقها عبر البحر المفتوح باتجاه سواحل أمريكا الجنوبية.
أمرٌ واحد واضح بالفعل، على خلفية المحادثات النووية الجارية في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران، سلّطت الأخبار الضوء على التحالف الوثيق بين إيران وفنزويلا، وبغض النظر عن النتيجة الديبلوماسية فالحقيقة تشير إلى أن إيران تظلّ ملتزمة بإحباط المصالح الأمريكية حول العالم من خلال الشراكة مع أي ديكتاتورية معادية سينكبّ اهتمامها على القضية.
وبالنسبة إلى طهران، تتجسّد أكثر الفوائد الملموسة لتحالفها مع كاراكاس في دور الأخيرة كقاعدة عمليات أمامية يمكن لإيران من خلالها نشر أيديولوجيتها وتأثيرها على الولايات المتحدة.
إيران وفنزويلا عضوتان في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وقامت علاقتهما على مصالحهما المشتركة كمنتجَيْ الطاقة التي سبقت كلّ من الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ووصول هوغو تشافيز إلى السلطة عام 1998 والحركة البوليفارية في فنزويلا عام 1998. لكنّ الثورتين قرّبت البلدين إيديولوجياً أكثر، وبدأ في الدعوة إلى نظام دولي بديل يتحدّى القواعد الغربية واقتصاد السوق الحرة وبروز الولايات المتحدة. كما كانا ينظران إلى الولايات المتحدة على أنها خصمها العنيد، وسعيا إلى لعب دور المظلومين ومناصرة قضايا العالم الثالث لكسب قيادة حركة عدم الانحياز.
أصبح التعاون بين طهران وكراكاس واضحًا لا سيّما في الفترة بين 2005 و2013، حين كان محمود أحمدي نجاد رئيسًا لإيران.
وأصبح نجاد وتشافيز مقربيَنْ للغاية وتزايدت زياراتهما الرسميّة، وصل عدد الاتفاقيات الثنائية إلى المئات، بالإضافة إلى زيارات متعددة لمسؤولين إيرانيين إلى كاراكاس ومسؤولين فنزويليين إلى طهران، ومشاريع تجارية مشتركة كبيرة في قطاعات الإسكان العام والمصارف والبتروكيماويات والتجارة.
لكنّ العلاقات تحسنت فعلًا إلى حدّ كبير في ظلّ رئاسة سلف أحمدي نجاد الإصلاحي، محمد خاتمي، وبقيت العلاقات جيّدة بعد أن حلّ حسن روحاني مكان أحمدي نجاد.
ومع ذلك، وعلى الرغم من كافة المشاريع التجارية والاتفاقيات الثنائية المثيرة للإعجاب، إلا أنّ التجارة بين البلدين بقيت ضعيفة.
وبدلاً من ذلك، يظلّ التوافق الإيديولوجي لهذين البلدين السّمة الأكثر بروزًا لعلاقتهما اليوم ويتجلّى بشكل رئيسي في مجالين: المساعدة المتبادلة في التهرب من العقوبات والدعم في انتشار الدعاية.
وفي ذروة حقبة العقوبات قبل أن تتفاوض إيران والقوى العالمية على الاتفاق النووي لعام 2015 المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، سمحت فنزويلا لإيران بإنشاء مصرفين في كاراكاس؛ ففازت شركات إيرانية بعقود إسكان في فنزويلا، وأنشأ البلدان شركات مشتركة مثل شركة تصنيع السيارات، “بينيروتو” (Venirauto)، ومصنع الأسمنت.
بينما لم تصل أيّمن هذه الأنشطة أبدًا إلى مستوى المشروعات التجارية، لكنّها مكّنت إيران من الاحتيال على العقوبات المالية والتجارية في وقت كانت فيه أزمة طهران المالية حادّة.
ضربت العقوبات فنزويلا بدأ النظام البوليفاري في الانهيار تحت حكم نيكولاس مادورو، ظهر دور إيران لإنقاذ حليفها.
ففي ربيع عام 2020، أطلقت إيران جسرًا جويًا إلى كاراكاس لتقديم الدعم الفني لقطاع تكرير النفط المنهار في فنزويلا.
استمرّ الجسر الجوي أسبوعين، لكنّ الرحلات الجوية الإيرانية استمرّت بشكل متقطع في المغادرة من طهران إلى كراكاس، وآخر رحلة كانت مؤخرًا في أيار/مايو 2021.
ليس من الواضح ما تحمله رحلات الشحن هذه، لكن من الواضح أنها مصدر قلق مستمر للولايات المتحدة التي يبدو أنها كانت تضغط على دول أخرى لحجب حقوق التوقف.
ورُفضت إحدى الرحلات القادمة من طهران للهبوط في كابو فيردي بينما كانت الطائرة تقترب من نهايتها، وبالمثل، بدأت الطائرات الإيرانية في تجنب تونس والجزائر، حيث هبطت الرحلات في البداية لتتزوّد بالوقود.
بادرت إيران أيضًا لمساعدة فنزويلا في التعامل مع أزمة الوقود، فأرسلت ناقلات نفط عبر المحيط لتوصيل البنزين مقابل وقود الطائرات أو – كما يُشاع – تلقي مدفوعات بالذهب الفنزويلي.
وأدّت كلّ من المقايضة ومدفوعات الذهب إلى تحسين وصول إيران المرهق إلى الأسواق الدولية والعملة الصعبة.
تجاوز التعاون الأزمات، واستخدمت إيران فنزويلا كنقطة انطلاق نحو الأمريكيتين، كما تبنّى النظامان خطاب الآخر لنشر علاماتهما التجارية الخاصة للمعاداة الثورة الأمريكية.
ويكمن المثال الكلاسيكي على هذا التآزر في إنشاء قناة “Hispan TV” التي أُعلن عنها في كاراكاس عام 2012، وهي شبكة باللغة الإسبانية تابعة للتلفزيون الإيراني الحكومي. استفاد “Hispan TV” من التعاون وتبادل الموار، بما في ذلك المراسلين والصحفيين والمحللين، مع نظيرتها الفنزويلية “Telesur”.
وإلى جانب روسيا اليوم باللغة الإسبانية و”الميادين” التابعة لحزب الله باللغة الإسبانية، تقدّم هذه المواقع مجموعة متطورة من المنتجات، بما في ذلك الأفلام الوثائقية والبرامج الحوارية، لجمهور من مئات الملايين من المشاهدين في أمريكا اللاتينية التي قد تكون منفتحة على عداءها المستمرّ للولايات المتحدة.
وإلى جانب البث، استخدمت إيران فنزويلا أيضًا كقاعدة عمليات متقدمة لجهودها الدعائية الإقليمية. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على جامعة المصطفى الدولية التي تمتلك حرمًا جامعيًا في كاراكاس.
وعلى مرّ السنوات، جنّد المصطفى المئات من المتحولين من أمريكا اللاتينية من المنطقة لبناء قاعدة ذات النفوذ في كلّ دولة من دول أمريكا اللاتينية.
وتنشط المساجد والمراكز الثقافية التي ترعاها إيران في كافة أنحاء أمريكا اللاتينية، ولا شكّ في أن عملياتها في البلدان الصديقة الأخرى مثل بوليفيا وكوبا ونيكاراغوا، تتمتّع بحماية السلطات المحلية. ومع ذلك، تبقى فنزويلا مقرّها الإقليمي، إذ ما من صديق أفضل لإيران في المنطقة. ومنحت فنزويلا الجنسية للعديد من الإيرانيين على مدى أكثر من عقدين منذ وصول هوغو تشافيز إلى السلطة، ما سمح للعملاء الإيرانيين بالاستفادة من وثائق السفر التي حصلوا عليها حديثًا للتنقل بحرية حول أمريكا اللاتينية.
واستغلت إيران التحريض الإقليمي لفنزويلا للترويج لرسالتها، وتعاونت مع الحركات الأصلية والثورية المحلية من خلال مؤتمرات القمة التي ترعاها فنزويلا وربطت تحالفاتها لتوسيع وجودها.
وبفضل الغطاء الفنزويلي، كان تغلغل إيران في المنطقة أكثر سلاسة واتساعًا وفعالية.
ثم يظهر موضوع حزب الله، إذ سمحت فنزويلا لممولي حزب الله بالعمل داخل حدودها لأكثر من عقد.
في حين عانى اقتصادها بشكل كبير، ما جعل التجارة من خلال الشركات الفنزويلية الواجهة أكثر صعوبة كغطاء لغسيل الأموال، فإن قربها الجغرافي من كولومبيا وبنما، وكلاهما مركزان لنشاط حزب الله في تهريب المخدرات والتمويل غير المشروع، ما جعلها قاعدة مثالية لحزب الله أيضًا.
ثمّة أهمية أيضًا لوجود جالية شيعية لبنانية كبيرة ذات روابط عائلية عبر أمريكا اللاتينية.
فبالنسبة إلى إيران، تعتبر حماية وكيلها أمرًا مهمًا في السياسة الخارجية، كما يوفّر تنمية العلاقات الوديّة مع نظام مماثل في أمريكا اللاتينية هذه الميزة الإضافية.
وكلّ هذا قد يفسر سبب اختيار إيران إرسال سفينتين حربيتين في المحيط الأطلسي المفتوح، وعلى الأرجح إلى فنزويلا، رغم المكاسب المحدودة التي تنطوي عليها الرحلة المليئة بالمخاطر.
ولا تشكّل الحسابات بالنسبة إلى طهران وكراكاس، مكاسب اقتصادية، لكنّها نقاط سُجّلت في حربهما الإيديولوجية ضدّ واشنطن. وسيكون ظهور السفن الحربية الإيرانية في البحر الكاريبي القريب من الولايات المتحدة، بعد عقود من إدانة الوجود الأمريكي في الخليج، بمثابة نصر رمزي كبير لطهران.
هذا هو المفتاح لفهم العلاقات بين إيران وفنزويلا، ومّما لا شكّ فيه أنّ إذا بقي النظامان ملتزمين بإيديولوجياتهما، ستنمو شراكتهما.
وبالنسبة إلى واشنطن وحلفائها، ينبغي إذًا أن يكون أمرًا حتميًّا بأن انهيار نظام ما من شأنه أن يضعف الآخر بشكل كبير، لأنّه سيحرمهم من الدعم المالي والدبلوماسي الذي يقدّمه كل منهما للآخر حاليًا، وكلاهما مرشحان مثاليان لهذه النتيجة.
ومنذ فترة طويلة حتى الآن، انقلب الإيرانيون والفنزويليون على نظاميهم، بعد سنوات من سوء المعاملة والفساد، كلّا النظامين أبقيا السخط الشعبي في مأزق من خلال القمع والسجن والتعذيب. ولا شك في أنّ قوة المعارضة تختلف في كلّ دولة.
وحاليًا، بايدن مصمم على تخفيف الضغط وعقد صفقة مع طهران، عوضًا عن الوقوف إلى جانب شعبه.
ومع ذلك، سحبت واشنطن والعديد من الشركاء الأوروبيين ونصف الكرة الغربي، الاعتراف بمادورو ويجب أن تستمرّ في عزله وتصعيد الضغط حتى يتمكن الشعب الفنزويلي من اختيار قادته بحرية، كما يريد ذلك بوضوح.
ولهذا السبب وحده، لا بدّ من الولايات المتحدة الاستمرار في عزل نظام مادورو والسعي إلى إزالته والانتقال السلمي إلى الديمقراطية في فنزويلا.
وستشكّل استعادة الديمقراطية في فنزويلا هدفاً نبيلاً، وستفيد في تقويض الحملة الصليبية الإيديولوجية لإيران في الأمريكتين.