تحرك روسي متسارع في أفريقيا الوسطى
- حرب باردة بين فرنسا وروسيا
- موسكو أصبحت لاعباً أساسياً لتواديرا
- توغل كبير للفاغنر في أفريقيا الوسطى
- ماكرون اتهم روسيا بالتحريض ضد فرنسا
في حين اندلعت حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين وبين الولايات المتحدة وروسيا في العامين الماضيين، تشن حرب أخرى تحظى باهتمام أقل في الوقت الحالي، بين فرنسا وروسيا. ساحة المعركة هي أفريقيا والنقطة المركزية هي جمهورية أفريقيا الوسطى.
وينتشر ما يصل إلى 2000 جندي ومرتزقة روسي من الشركة العسكرية الخاصة المرتبطة بالكرملين أي مجموعة فاغنر في البلاد للدفاع عن مصالح الرئيس. تتحرك روسيا بسرعة كبيرة في جمهورية أفريقيا الوسطى وتعتبر فرنسا ذلك محاولة استحواذ عدائية يتعين عليها مواجهتها.
من المثير للسخرية أن فرنسا سلمت طبقًا فضيًا من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى روسيا. في الواقع في العام 2018 أي منذ أن كانت موسكو تمنع تسليم أسلحة من فرنسا إلى بانغي، أخبر الرئيس الفرنسي ماكرون رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستين أرشانج تواديرا بالذهاب وإقناع روسيا بإلغاء حظر البيع.
إلا أن روسيا اقتنصت الفرصة وباعت أسلحتها إلى جمهورية أفريقيا الوسطى. الباقي أصبح من الماضي. بسرعة، أصبحت موسكو لاعباً أساسيًا لتواديرا الذي قرر إبعاد نفسه عن فرنسا.
اتفاقية دفاعية بين موسكو وأفريقيا الوسطى
وقعت روسيا وجمهورية أفريقيا الوسطى اتفاقية دفاعية سمحت لموسكو بإرسال مئات الجنود والأسلحة الثقيلة وعشرات المركبات المدرعة إلى بانغي على مدار العامين السابقين.
تقدم موسكو أيضًا من خلال مجموعة فاغنر خدمات الحماية لأعضاء الحكومة مقابل حصة في مناجم المعادن الثمينة. والجدير بالذكر أن هوائيًا لوزارة الدفاع الروسية فتح أيضًا في بانغي يديره أربعة جنرالات روس.
بعد أكثر من ثلاث سنوات بقليل من الاجتماع الحاسم بين بوتين وتواديرا، كانت الصحوة وحشية. ومؤخرًا قال أحد الدبلوماسيين: “انتقلنا من دولة فاشلة إلى دولة فاغنر “.
انتقلنا من دولة فاشلة إلى دولة فاغنر
تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة أجريت معه مؤخرًا عن الروابط بين رئيس أفريقيا الوسطى وفاغنر التي اتهمها بتأجيج المشاعر المعادية للفرنسيين في بانغي: “هذا الخطاب المناهض للفرنسيين يضيف الشرعية على وجود المرتزقة الروس المفترسون على رأس الدولة مع الرئيس تواديرا الذي أصبح رهينة لمجموعة فاغنر.”
وأضاف ماكرون، “هذه المجموعة تستولي على المناجم وعلى النظام السياسي في الوقت عينه.” للتوضيح، فإن الرئيس تواديرا ليس في الحقيقة رهينة لموسكو لأنه اختار بإرادته هذه العلاقة وروسيا أنقذته مرات عدة.
سرعان ما تدهورت العلاقة بين فرنسا ومستعمرتها السابقة في الأشهر القليلة الماضية. ففي 17 أبريل/نيسان، بعد أن ركز مجلس الدفاع الفرنسي على جمهورية أفريقيا الوسطى فقط، أجرى الرئيس ماكرون مكالمة متوترة مع نظيره في أفريقيا الوسطى حذره فيها من أن مساعدة ميزانية العام 2020 لن يتم صرفها وأن مساعدات ميزانية العام 2021 عُلقت.
يقدر العجز في خزانة أفريقيا الوسطى بأكثر من 20 مليون يورو، ويعتمد إلى حد كبير على المانحين الدوليين. ومارست فرنسا مؤخرًا ضغوطًا على المانحين الدوليين الرئيسيين لجمهورية أفريقيا الوسطى والذين يشكلون حوالي 50٪ من عائدات البلاد. الفكرة التي تدعمها الولايات المتحدة والتي تشعر بقلق بالغ إزاء توسع روسيا هي التأكد من عدم تحويل أي من المساعدات لدفع تكاليف العمليات العسكرية وفاغنر.
وفي 8 يونيو/حزيران، أعلنت فرنسا أن حوالي 160 جنديًا فرنسيًا كانوا يقدمون الدعم التشغيلي والتدريب لقوات وسط أفريقيا أوقفوا مهمتهم. لم يؤثر القرار على ما يقرب من 100 جندي فرنسي يشاركون في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وقوات تدريب الاتحاد الأوروبي في البلاد.
روسيا تشن حملة تحريض ضد فرنسا
اتهم المسؤولون الفرنسيون بانغي بالفشل في محاربة حملات التضليل المناهض للفرنسيين عبر الإنترنت، ولا سيما استهداف سفير البلاد والملحق الدفاعي. ليس غريبًا أن يتهم الرئيس الفرنسي ماكرون روسيا بالتحريض ضد فرنسا في أفريقيا.
في الواقع، ظهرت تقارير موثوقة تظهر كيفية قيام المسؤولين الروس بالدفع للصحفيين في بانغي لكتابة مقالات معادية لفرنسا وتغطية أحداث السفارة الروسية. طوال الفترة الممتدة حتى العام 2018، علمت أجهزة المخابرات الفرنسية أنه تم تجنيد عشرات من معلمي علوم الكمبيوتر من بانغي للتدريب لمدة شهرين في سانت بطرسبرغ في روسيا.
عند العودة إلى الموطن، بدأوا بإنشاء حسابات آلية لشن حملات معادية لباريس على الشبكات الاجتماعية. في حرب التواصل هذه، طوّرت باريس أيضًا منذ خريف العام 2020 حملات عدة بالمقابل، لا سيما في وسائل الإعلام المحلية وعلى الشبكات الاجتماعية. في 15 كانون الأول/ ديسمبرمن العام2020، أغلق فيسبوك مئات الحسابات الروسية والفرنسية بتهمة القيام بحملات تضليل منسقة.
وعلى الصعيد السياسي ، ألقت فرنسا باللوم على روسيا في تبنيها مبادرات “السلام” خارج إطار الاتحاد الأفريقي. وطرح وزير الدفاع الفرنسي الحجة القائلة بأن “أفريقيا ملك للأفارقة ولا أحد سواهم، ليست للروس أكثر من الفرنسيين”.
انتقلت هذه الحرب بالوكالة إلى السياسة الداخلية. على سبيل المثال، اتهمت فرنسا روسيا بالوقوف وراء عزل رئيس الجمعية الوطنية الموالي لفرنسا كريم ميكاساوا في نهاية العام 2018. في غضون ذلك، واضح أن العديد من أقرب مستشاري الرئيس تواديرا يشتبه في قيامهم بحملات “مناهضة للفرنسيين” نيابة عن موسكو.
يُنظر إلى حفنة من مستشاري الرئيس على أنهم مهندسو الحملات المناهضة لفرنسا. ومن المفارقات أن هؤلاء المستشارين قضوا جميعًا وقتًا طويلاً في فرنسا وبعضهم يحمل الجنسية الفرنسية. من ناحية أخرى ، طالبت بعض الجماعات المتمردة جميع مسؤولي الدولة والمرتزقة الروس بمغادرة جمهورية أفريقيا الوسطى تمامًا.
تحاول كل من روسيا وفرنسا كسب القلوب والعقول من خلال الرسائل الدعائية.
مثلًا، على جانب واحد من الطريق في بانغي توجد لافتة تعلن جنبًا إلى جنب مع صورة لطائرات هليكوبتر هجومية وجندي يؤدي التحية “جمهورية أفريقيا الوسطى جنبًا إلى جنب مع روسيا.”
وعلى الجانب الآخر من الطريق يوجد ملصق ضخم يُظهر فرنسا وجنود وسط أفريقيا يحيون بعضهم البعض: “مع جيشكم من أجل مستقبلكم.”
في بيئة معادية لفرنسا، من المقلق أنه في أقل من شهرين دمر حريقان هائلان كلاً من السفارة الفرنسية ومقر شركة الاتصالات الفرنسية العملاقة أورانج في بانغي. هل كانت هذه الأعمال الإجرامية؟ إضافة إلى ذلك، في 9 يونيو/حزيراناتهم مواطن فرنسي بالتجسس بعد أن تم القبض عليه واكتشاف مخبأ للأسلحة والذخيرة في منزله. وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان الشهر الماضي إن اعتقال هذا الرجل تم تسييسه في إطار حملة مناهضة لفرنسا.
في 10 يونيو /حزيران، استقال رئيس وزراء جمهورية أفريقيا الوسطى فيرمين نغريبادا بعد أن أعلن الجيش الفرنسي تعليق العمليات العسكرية مع جمهورية أفريقيا الوسطى. بسبب صلاته الوثيقة بموسكو ، كان النقاد يطالبون بالإطاحة به منذ مارس ، عندما أدى الرئيس فوستين تواديرا اليمين الدستورية لولاية أخرى مدتها خمس سنوات. هل كان هذا سبب إقالته؟
يصعب القول ولكن على أي حال، فإن الحرب بالوكالة الفرنسية الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى لم تنته بعد وتتوسع لتشمل دولًا أفريقية أخرى حيث وسعت موسكو نفوذها.