“لعبة القط والفأر” صراع الجولاني وخصومه يشعل الفضاء الجهادي
- مقابلة الجولاني الأخيرة تخلط الأوراق الجهادية في شمال سوريا
- صراع المال والسيطرة يعمق خلافات جهاديي إدلب
- الجولاني يخطط لاستئصال خصومه
على مدار 3 أسابيع متواصلة، شهد الفضاء الجهادي الافتراضي صراعًا محتدمًا بين أنصار هيئة تحرير الشام التي يقودها أبو محمد الجولاني، وبين عدة فصائل جهادية محسوبة على تنظيم القاعدة في مقدمتها حراس الدين، فرع القاعدة الرسمي في إدلب، وجماعة أنصار الإسلام الكردية العاملة في الشمال السوري.
واندلعت موجة الخلافات الجديدة، عقب اعتقال جهاز هيئة تحرير الشام الأمني 4 قياديين من جماعة أنصار الإسلام في مدينة جسر الشغور بريف إدلب، تزامنًا مع بث محطة “بي بي إس” الأمريكية، في 5 يونيو/ حزيران الجاري، لوثائقي “الجهادي” حول سيرة أبو محمد الجولاني وتحولاته الفكرية والتنظيمية، والذي أثار عاصفة من الجدل في أوساط الجهاديين لم ينقشع غبارها حتى الآن.
وحاول “الجولاني” خلال لقاءه ضمن الوثائقي الأمريكي أن يُظهر “تحرير الشام” كحركة مسلحة محلية هدفها إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مشددًا على أنها قطعت الروابط والصلات التي جمعتها بالتنظيمات الجهادية المعولمة (تنظيم القاعدة)، لكن خصومه ردوا على تصريحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر، وتليغرام.. إلخ) بنشر تفاصيل مواقفه المتناقضة منذ بدايات عمله على الساحة السورية بتكليف من زعيم داعش السابق أبوبكر البغدادي.
وفي المقابل، عمد أنصار الجولاني لشن حملة دعائية مضادة، تحتفي بتصريحاته التي اعتبروها تجسيدًا طبيعيًا لمسيرة “تحرير الشام” القتالية، بجانب مهاجمة خصومه الذين اتهموه بمحاولة إجهاض مشروع الهيئة في إدلب.
أخوة وأعداء في نفس الوقت
وتُعطي التدوينات التي نشرها “الجهاديون” خلال الأسابيع الماضية لمحة عن “تقلبات الجولاني” الحادة من منظور خصومه، كما تكشف عن نهج زعيم هيئة تحرير الشام الطامح للعب دور “الشرطي” أو الوكيل عن بعض القوى الإقليمية، ضمن لعبة القط والفأر الجهادية التي تتم على الساحة السورية.
على أن اللافت هذه المرة، في خلافات “الأخوة الجهاديين” الذين صاروا أعداءً، هو بروز البعد المصلحي للصراع، وانزواء النزعة المنهاجية خلف ستار البحث عن النفوذ والسعي لحيازة وتعظيم المكاسب الميدانية، في إطار محاولات الفصائل المسلحة لإعادة التموضع في مناطق شمال سوريا.
وتشير الحملات الدعائية الأخيرة التي شنها أنصار وخصوم أبو محمد الجولاني، إلى أن أسباب الشقاق بين الفصائل الجهادية لا زالت كامنة في داخل عقلها الاستراتيجي/ الحركي، ومن ثم فإن احتمالية انخراطهم في قتال لتصفية بعضهم البعض لا زالت قائمة، بحسب ما توضحه تدوينات الجهاديين الأخيرة.
ففي الـ6 من الشهر الجاري، قال “مزمجر الشام“، والذي يصف نفسه بالكاتب “الجهادي” المناهض للجولاني، إن هيئة تحرير الشام خططت لحملة عسكرية منسقة تهدف لاعتقال عدد من قيادات تنظيم حراس الدين، وجماعة أنصار الإسلام وغيرهم من الجهاديين في إدلب، وذلك ضمن محاولاته لترويج نفسه كشريك لمكافحة الإرهاب العابر للحدود الوطنية، لدى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
وبعد أقل من يومين، نشرت قناة “رد عدوان البغاة”، المعارضة للجولاني، على تطبيق تليغرام للتواصل الاجتماعي تدوينات حول ما وصفته بـ”خطة الهيئة لاستئصال أنصار الإسلام”، موضحةً أن الخطة وضعت بناءً على طلب موجه لزيد العطار، مسؤول المكتب السياسي في تحرير الشام، وتضمنت 3 محاور أساسية (التعرض العسكري، والاستهداف الأمني، والاغتيال المعنوي/ التصفية الدعائية).
ونشرت قناة رد عدوان البغاة، عبر تليغرام، سبعة تدوينات منفصلة، حول أسباب المناوشات الأخيرة بين أنصار الإسلام وتحرير الشام نقلًا عن مصدر مقرب من “أبي حسن 600” القيادي بالجناح العسكري لهيئة تحرير الشام.
ونصت التدوينات التي حملت عنوان “سبب وخطة الهيئة للعمل على أنصار الإسلام” على أن أنصار الإسلام أثارت حنق أبو محمد الحولاني بسبب ترتيبها العسكري وبنيتها الهيراركية الداخلية وإغاراتها المستمرة ضد الجيش السوري، وانضباط عناصرها وعدم تورطها بأي نزاع داخلي أو قتال فصائلي وعلاقتها الجيدة مع كل فصائل الساحة.
خطة الجولاني لاستئصال “أنصار الإسلام”
وبحسب التدوينات فإن “الجولاني” فكر بطريقة لتفكيك أنصار الإسلام وغيرها من المجموعات المرتبطة بالقاعدة، بعد فشل محاولاته السابقة للقضاء على تلك المجموعات وتشويهها إعلاميا وقطع مصادر دعمها.
وربطت “رد عدوان البغاة” بين ازدياد وتيرة استهداف الأرتال التركية في إدلب، وبين حملة تحرير الشام على أنصار الإسلام، قائلة: (شكت الاستخبارات التركية في وقوف مجموعات من مقاتلي الهيئة وراء استهداف الجيش التركي، وهو الأمر الذي نفاه زعيم الهيئة بشدة أمام الاستخبارات التركية رغم أن قياديين بارزين بالهيئة (أبي محجن الحسكاوي وأبي أحمد حدود) أكدا في جلسة خاصة جمعتهما أن عددًا من عناصرهم منخرطون بالفعل في العمليات ضد دوريات المراقبة التركية في شمال سوريا.
ووفقا للتدوينات فإن الاستخبارات التركية هددت باقتحام المقرات التي تشتبه بأنها وراء استهداف الأرتال التركية وتدميرها بالطيران المسير “البيرقدار”، لكن زعيم هيئة تحرير الشام ألصق التهمة بعناصر أنصار الإسلام ليتسنى له التخلص منها وإثبات ولائه لتركيا، ووضع خطة مع أبي أحمد حدود (نائب الجولاني)، تشمل: (تكليف أبوبلال قدس، القيادي بالهيئة، بعمل كمين للعسكري العام/القائد العسكري لأنصار الإسلام، والاستيلاء على مقراتهم في جسر الشغور، واعتقال أكبر عدد منهم، وتكليف خطاب الألباني- القيادي العسكري بتحرير الشام- بالتجهز للاستيلاء على نقاط التماس/ الاشتباك بين الجماعة والجيش السوري، مع التغطية على تلك التحركات بحملة إعلامية تشترك فيها المنصات الدعائية شبه الرسمية والشخصيات المقربة من الهيئة كأبي محمود الفلسطيني.
وحسب قناة رد عدوان البغاة فإن هيئة تحرير الشام شرعت في تنفيذ الخطة، لكن قيادة أنصار الإسلام آثرت التزام الصبر وعدم الانجرار وراء الاستفزازات، مع تسليط الأضواء على عملياتها العسكرية المستمرة ضد الجيش السوري لتفويت الفرصة على “الجولاني” ورفاقه.
وجراء فشل خطة تصفية أنصار الإسلام، اتبع الجولاني أسلوب المراوغة المعتاد، فأدخل وسطاء جهاديين من المقاتلين الأجانب المواليين للهيئة (منهم عدد من قادة الحزب الإسلامي التركستاني الذي ينحدر مقاتلوه من عرقية الإيغور الصينية)، وأمر قادته العسكريين بتأجيل الحملة ضد الجماعة، بعد أن انكشفت خطته أمام الفصائل الأخرى، كما أطلق عدد من قادة أنصار الإسلام المعتقلين ليوهم خصومه أن الأزمة انتهت، ريثما يحضر لجولة جديدة ضد الفصائل المرتبطة بالقاعدة.
وتوضح التدوينات الأخيرة طبيعة العلاقة البراجماتية بين “تحرير الشام” وبين تركيا، والتي مرت بمنحنيات صعود وهبوط منذ الإعلان عن تأسيس جبهة النصرة (نواة الهيئة)، أواخر عام 2011، لاسيما وأن قيادات النصرة وعلى رأسهم أبو محمد الجولاني كانوا يتبنون موقفًا رسميًا بتكفير الدولة التركية وحرمة التعاون معها.
ويؤكد مزمجر الشام أن قادة النصرة أجهضوا مشروع اندماج محتمل بينها وبين الجبهة الإسلامية (تأسست في عام 2013) بسبب رفض ممثلي حركة أحرار الشام (إحدى فصائل الجبهة الإسلامية) تكفير الرئيس والحكومة التركية.
بيد أن نبرة العداء تجاه تركيا، خفتت بمرور الوقت وحلت محلها نبرة توددية تعتبر أنقرة حليفًا هامًا للفصائل السورية، كما أعاد أبو محمد الجولاني وقيادات تحرير الشام صياغة استراتيجيتهم بما يتوائم من التصورات التركية المرحلية، بحيث أصبحت الهيئة تدور بشكل واضح في الفلك التركي وتلتزم بالاتفاقات المبرمة معها، ويتقدم مقاتلوها/ عناصر جهازها الأمني دوريات المراقبة التركية الروسية في مناطق خفض التصعيد بالشمال السوري.
ويرى “خصوم الجولاني” أن التماهي مع الموقف التركي حول الهيئة لأداء وظيفية تُسخرها الاستخبارات التركية لتحقيق أهدافها، وتستخدمها في تفكيك أي جماعة تُشكل خطرًا على مصالح أنقرة، وكذلك تناور بها على الجبهات، كما فعلت مع الفصائل المنضوية ضمن ما يُعرف بـ”الجيش الوطني السوري” المشكل من فصائل مسلحة تتلقى دعمًا تركيا
“ولاء وبراء” وفقًا للمصالح
وأعاد الموقف من تركيا، إحياء الخلافات القديمة حول مفهوم الولاء والبراء- والذي يستخدمه الجهاديون لتحديد الأصدقاء الذين ينبغي موالاتهم، والأعداء الذين يجب المفاصلة معهم-، فكتب أبو محمد المقدسي مقالًا حول هذه الجزئية، شبه فيه دفاع أنصار الجولاني عنه بـأنه “طريقة فرعونية خبيثة”، متهمًا إياهم بأنه فصلوا معايير الولاء والبراء على مقاس رغبات هيئة تحرير الشام وزعيمها الذي أبرم صفقات تعاون مع الاستخبارات التركية، وبذلك خرجوا من دائرة المجاهدين الذين ينبغي موالاتهم/ الوقوف معهم، وصاروا في خندق الأعداء.
وعلى الجهة الأخرى، دعا نائل غازي، القيادي المحسوب على تحرير الشام، لمراجعة وتصحيح مفهوم الولاء والبراء، وفقًا للمتغيرات والسياقات التنظيمية التي تمر بها الجماعات الجهادية، لأن تطبيق القواعد التقليدية لهذا المفهوم قد تؤدي للحكم على أمنيي هيئة تحرير الشام، ومقاتلي مجلس شورى درنة (محسوب على القاعدة في ليبيا)، وكتائب القسام (ذراع حركة حماس العسكري الذي مدحته قيادة القاعدة خلال جولة المواجهات الأخيرة مع إسرائيل) بأنهم “طواغيت”- أي رؤوس للكفر من المفهوم الجهادي-، مشبه “خصوم الجولاني” بأنهم اخترعوا لنفسهم توحيدًا/ دينًا على طريقة المبتدعة (المخترعين في الدين) الذي سموا أنفسهم فقط بالموحدين.
وتؤكد تلك النقاشات أن الولاء والبراء الذي يعتبره الجهاديون أصلًا من أصول الدين المعتبرة، أصبح مفهومًا متغيرًا ونسبيًا يخضع لرؤية كل جماعة ومصالحها، وعلى هذا الأساس تتحدد مواقف التحالف والعداء.
صراع على النفوذ والمصالح
إلى ذلك، حاول “الجولاني” وخصومه، كلًا على حدة، إضفاء طابع منهجي على مواقفهم الراهنة، فلجأ الفريق الأول إلى وصف نفسه بالطائفة المنصورة، وفق تدوينة لأبي العبد أشداء القيادي السابق بتحرير الشام، الذي شبهها بـ”داعش” في الطريقة والأسلوب، في حين أعاد أبو محمد المقدسي نشر مقتطفات من كلمة قديمة لأبي فراس السوري حول وجود تيارين متمايزين داخل جبهة النصرة أحدهما تيار اعتدال مزعوم والآخر تيار التشدد، ملمحًا إلى أن التيار الأول “انزلق في طريق الغواية الأمريكي لقتال رفاقه السابقين”.
في ذات السياق، اعتبر مزمجر الشام أن زعيم هيئة تحرير الشام عمل على تفكيك الحركات المسلحة التي ارتبطت بالولايات المتحدة ليستأثر وحده بالعلاقة معها، منقلبًا بذلك على مواقفه السابقة المعادية لأمريكا.
الجولاني سابقاً: الغرب عدو قديم جديد ومشاريعنا متضادة ولا يمكن الالتقاء معه في أي نقطة. طيب ما دام كذلك.. لم تجهد نفسك أنت ومفتيك “عطون” اليوم في مغازلة أمريكا وفرنسا والتمليح بطلب المساعدةمزمجر الشام
بينما وصف نائل غازي، القيادي المحسوب على تحرير الشام، خصوم أبو محمد الجولاني بـ”الغلو المطبق والجهالة المحكمة” وأنهم لا يرون لأنفسهم مشروعًا إلا على أنقاض الهيئة لأن عقولهم مملوءة بعبارات التكفير والتخوين والتضليل، حسب تعبيره.
وأكد أبو محمود الفلسطيني- الذي تُشير التسريبات الجهادية إلى أن الهيئة تنقل له موقف معينة لترويجها نيابة عنها- على نفس المعاني السابقة، مردفًا أن الجماعات المناوئة لهيئة تحرير الشام تتسم بـ”العبث والصبيانية” وتصر على القيام بأعمال كيدية للإضرار بمشروع الهيئة، التي لن تسمح بمنهجية التخريب مهما كان صاحبها.
ويتبين من تحليل التدوينات السابقة أن الصراع المشتعل في الفضاء الجهادي، هو في الحقيقية، صراع على النفوذ والمصالح المكتسبة، ويعد امتدادًا لصدامات تحرير الشام مع الفصائل الأخرى، إذ حاولت الهيئة، سابقًا، تفكيك الفصائل والحركات المسلحة الأخرى وحرمانها من الموارد اللازمة لمواصلة العمل داخل إدلب، فضلًا عن حرصها على اكتساب الزخم على حساب تلك المجموعات.
واتبعت الهيئة مقاربة شبيهة، في التعامل مع خصومها، فأقدم أمنيوها على سرقة كامل محتويات مقر جماعة أنصار الإسلام، بعد سيطرتهم عليه بقوة السلاح ضمن خطة العمل على تفكيك الجماعة- وفقًا لتدوينة نشرتها قناة رد عدوان البغاة-، فيما ردت الأخيرة بنشر بيان عسكري حول استهداف تجمعات الجيش السوري في ريف حماة الشمالي الغربي، لتصور نفسها كحركة مقاومة- ضد النظام السوري- تحاول هيئة تحرير الشام القضاء عليها.
وعلى صعيد متصل، لعبت هيئة تحرير الشام على نفس الوتر فنشرت شبكة إباء الإخبارية (الذراع الإعلامي لجبهة الجولاني) صورًا لقصف مواقع الجيش السوري على محور حزارين بريف إدلب (جنوب غرب المدينة)، زاعمةً أنه من تنفيذ مقاتليها، قبل أن تُضطر لنفيه لاحقًا، بعد نشر قنوات تابعة لتنظيم أنصار التوحيد (مقرب من القاعدة) الصور الأصلية للقصف مرفقةً ببيان تكذيب لشبكة إباء.
بين التجربة الصومالية والأفغانية.. محاولات الجولاني لتصفية خصومه
في غضون ذلك، ألمح أبو محمود الفلسطيني، إلى أن الهيئة قد تتبع نفس الأسلوب الذي اتبعته حركتي الشباب الصومالية وطالبان الأفغانية في التعامل مع مخالفيها، ذاكرًا أن حركة الشباب قتلت المنشقين عنها دون اعتبار لتاريخهم الجهادي أو مرافقتهم لزعيم القاعدة المؤسس أسامة بن لادن لأنهم “شقوا الصف”، كما اعتقلت طالبان كل مخالفيها وقضت عليهم ومنعت إنشاء أي جماعة أخرى خارجها، وفرضت على حلفائها ومنهم القيادة العامة لتنظيم القاعدة عدم إخراج أي تصريح أو إصدار عن وجودهم داخل أفغانستان.
من يظن أنه معصوم يبيح لنفسه ما لا يبيحه لغيره
أبو محمود الفلسطيني
وغازل القيادي الفلسطيني، المحسوب على أنصار الجولاني، تنظيم حراس الدين والفصائل المحسوبة على القاعدة للعودة إلى حضن “تحرير الشام”، مضيفًا أنها بذلك ستكون موافقة لمنهج القاعدة التي اختارت بيعة حركة طالبان والبقاء في ظلها لتوحيد الجهود.
غير أن الدعوة الأخيرة، قُوبلت برفض واسع داخل معسكر خصوم الجولاني، الذين عقدوا مقارنة متعددة الأوجه بين حركة طالبان و”تحرير الشام”، مسبغين على الحركة الأفغانية أوصاف الصدق والثقة والثبات على العهد، فيما وصفوا الهيئة بأنها:
لا تُمثل إلا الشاذ من القيادات في الشام، وأن قيادتها العليا- الجولاني- رمز للغموض ونقض العهود، علاوة على فشلها العسكري المستمر وهزيمتها في المعارك التي خاضتها
وفي نفس الوقت، راجت اتهامات عديدة لقيادات “تحرير الشام” بالوقوف خلف اغتيال رموز القاعدة البارزين في سوريا لإضعاف الجبهة المناوئة لأبي محمد الجولاني، إذ ذكر “مزمجر الشام” أن رجال الهيئة لهم دور فاعل في محاولات اغتيال الفاروق السوري/ أبوهمام السوري، الأمير الحالي لحراس الدين، بسبب مراسلاته مع مسؤولين بالقيادة العامة للقاعدة (أيمن الظواهري ونائبه سيف العدل) وطلبه عزل “الجولاني” قبل إعلان فك ارتباط جبهة النصرة مع التنظيم في 2016.
وتابع: قام الجهاز الأمني باعتقال أبوعبد الله الفرنسي (مرافق الفاروق السوري خلال وجوده في أفغانستان)، بدعوى أنه جاسوس للتحالف الدولي/ عملية العزم الصلب، ثم أشاعوا أنهم أعدموه بعد اعترافه بالعمالة للتحالف، قبل أن يتبين لاحقًا أنه مسجون لديهم ولم يعترف بشيء حتى الآن.
ومن جانبه، اتهم أبوعبد الله الرقاوي، القيادي البارز بحراس الدين، في مقال له أبو مارية القحطاني (رفيق الجولاني) بالتورط في اغتيال أبو القسام الأردني، المسؤول العسكري لفرع القاعدة السوري وصهر أبو مصعب الزرقاوي، عبر مراقبته ورصد تحركاته، لافتًا إلى أن الأردني اكتشف المراقبة قبل محاولة اغتيال فاشلة له نُفذت بالعبوات الناسفة.
واسترسل: القحطاني حاول استمالة أبو القسام والتنصل من “الجولاني”، مبينًا أن الأول حاول إغراء قيادة القاعدة، في 2015، بعزل زعيم النصرة السابق، آنذاك، وتوليته إمارة الجبهة مكانه لاسيما وأنه كان يرى أن رفيقه (أبو محمد الجولاني) “ولد صغير” لا يصلح لشيء.
مراوغة مرحلية
وأمام حملة الضغط المتصاعدة، وفشل الجهاز الأمني لتحرير الشام في تحجيم نفوذ الفصائل المرتبطة بالقاعدة أو التوصل لقيادتها الفاعلة، وجد أبو محمد الجولاني نفسه مضطرًا للتراجع المرحلي والمراوغة من جديد فأمر بإطلاق سراح اثنين من القادة الميدانيين لأنصار الإسلام (أبوعمار، وأبوشهاب الكردي)، وعقد اجتماعًا مع عدد من قادة الجماعة لتوطيد العلاقات وتصفير المشكلات، بحسب ما نشره مسؤولي الإعلام العسكري في هيئة تحرير الشام.
وبالتوازي مع اجتماع “الجولاني” بأنصار الإسلام، استمر القادة الميدانيين لتحرير الشام في شحن مقاتليهم ضد أنصار الإسلام، استعدادًا لصدام مستقبلي متوقع بين الطرفين، كما يقول خصوم الهيئة، الذين طالب بعضهم بإعادة إنشاء وتفعيل الروابط والتجمعات المناطقية- التي نجحت سابقًا في مجابهة نفوذ أنصار الجولاني- وتوظيفها لتحدي سيطرة الهيئة على إدلب، بعدما أثبتت أن مشروعها للقضاء على مخالفيها باقٍ ويتمدد في الشمال السوري.
مقابلة الجولاني مع PBS كانت فقط أحدث مثال يظهر أن الاقتتال الجهادي الداخلي يتعلق بشكل أساسي بالمال والسلطة. ومع استمرار الجولاني في جمع المال والسلطة بين يديه، أصبح أيضًا هدفًا أكبر لخصومه الجهاديين. ورغم أن الجولاني أكثر قوة إلا أن أعداؤه الجهاديون لديهم القدرة على ضربه بالاغتيالات والقصف التكتيكي والهجمات الأخرى “.