سد النهضة وطموح الصين في إفريقيا
- حجم استثمارات الصين المباشرة في إثيوبيا يقارب 3 مليارات دولار
- الصين منحت إثيوبيا قروضا ومنحا مالية تصل إلى 15 مليار دولار
- إثيوبيا تمنح عقود الإنشاءات والبنية التحتية وغيرها للشركات الصينية
- جيبوتي تضم أكبر قاعدة عسكرية بحرية للصين في الخارج
أظهر اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن سد النهضة الإثيوبي أن موقف روسيا والصين فيما يتعلق بالمصالح المائية لمصر والسودان أسوأ بكثير حتى من الموقف الأمريكي.
فالمندوبة الأمريكية دعت إلى الامتناع عن القيام بأي إجراءات تعقد مفاوضات سد النهضة، وشددت على ضرورة منع التصرفات الأحادية، أي التعنت والاستفزاز الإثيوبي.
لكن وبالنظر إلى كلمة المندوب الروسي، نجد أن الرجل حذر من مخاطر التهديد باستخدام القوة، وهو ما بدا متسقا تماما مع الموقف الإثيوبي الذي يدّعي أن مصر يمكن أن تلجأ لعمل عسكري ضد السد.
ليس بعيدا عن موقف موسكو، وقفت الصين كذلك، فبدت بكين وكأنها غير معنية سوى بالمصلحة الإثيوبية بسبب العلاقات القوية بين بكين وأديس أبابا.
لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تخسر الفرص المهمة في الدول العربية، خاصة مصر والسودان.
من مصلحة الصين إذا، أن يستمر مشروع السد الإثيوبي حتى بما يمثله من مخاطر على السودان ومصر وفي الوقت نفسه ألا يصل موضوع السد إلى صراع تضطر فيه لاتخاذ موقف – سيكون بالطبع لصالح إثيوبيا – لأن مصالحها فيها أهم وأكبر وأكثر فائدة على المدى الطويل.
لذا نجد موقف الصين هو “حل النزاع عبر التفاوض تحت مظلة الاتحاد الإفريقي”.
ولأن القوى الرئيسية الراعية لتلك المفاوضات تتخذ موقفا ضمنيا من مصر وتميل لصالح إثيوبيا، مثل جنوب إفريقيا والكونغو وكينيا، فإن ذلك يفيد استراتيجية الصين الإفريقية. فالصين من أكبر المقرضين للكونغو والمستثمرين فيها، كما هو الوضع مع أغلب الدول الإفريقية التي أصبحت الصين من أكبر الناشطين فيها في العقدين الأخيرين.
وتستهدف الصين الوصول إلى ثروات القارة السمراء من المواد الخام التي تحتاجها لقطاعها التصنيعي المتوسع باضطراد، وأيضا لضمان مناطق نفوذ استراتيجي في العالم يرفد تطلعاتها للعب دور أكبر في العالم منافسة للقوى الرئيسية التقليدية في أميركا الشمالية وأوروبا.
المصالح الصينية في إثيوبيا
تعتبر الصين إثيوبيا من أهم حلفائها في إفريقيا، ليس لأسباب اقتصادية فحسب، بل استراتيجية ايضا. فالشركات الصينية تبني الآن خطا للسكك الحديدية يربط أديس ابابا بجيبوتي؛ وتضم جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية بحرية للصين في الخارج انتهت من إنشائها عام 2017 بكلفة تزيد على نصف مليار دولار.
وفي عام 2005 وقعت الصين اتفاقية للتعاون العسكري مع إثيوبيا، وتعد أديس أبابا سوقا مهمة لصادرات السلاح الصيني، إذ تستورد إثيوبيا منها المدفعية والعربات المدرعة الخفيفة ومركبات نقل القوات وكلها عتاد عسكري مفيد في الحروب الداخلية التي لا تخلو منها إثيوبيا.
بالطبع يظل الاقتصاد مهما جدا للصين، التي أصبحت صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
فإثيوبيا التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة تمثل سوقا هائلة للمنتجات الصينية، ومن كثرة الإعلانات الصينية في شوارع أديس أبابا يسميها البعض “الصين الإفريقية”.
وفي السنوات الأخيرة زاد حجم التجارة بين البلدين بشكل سريع وقوي، طبعا كلها تقريبا صادرات صينية لإثيوبيا بما يزيد عن أربعة مليارات دولار بينما واردات بكين من إثيوبيا تزيد قليلا عن مئة مليون دولار. وبلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في إثيوبيا ما يقارب ثلاثة مليارات دولار بينما منحت الصين إثيوبيا قروضا ومنحا مالية تصل إلى 15 مليار دولار في العقدين الأخيرين.
في المقابل تمنح إثيوبيا عقود الإنشاءات والبنية التحتية وغيرها للشركات الصينية.
ويقدر بعض المتابعين للعلاقات الصينية-الإثيوبية أنه في السنوات العشرين الأخيرة بلغ حجم العقود التي منحت للشركات الصينية في إثيوبيا ما يزيد عن 40 مليار دولار.
من بين تلك العقود بناء ستة سدود في إثيوبيا غير السد محل النزاع.
أما هذا السد، فشركتا البناء فيه صينيتان تملكهما الحكومة الصينية. كما تتولى شركات صينية إنشاء خطوط نقل الكهرباء من السد إلى أنحاء إثيوبيا.
يوجد نحو ألف مشروع صيني في إثيوبيا، لكن الإثيوبيين العاديين يشتكون من أنها لا تفيدهم.
فرغم أن تلك المشروعات توظف نحو 100 ألف اثيوبي، إلا أن هؤلاء لا يمثلون سوى نسبة بسيطة من العاملين في تلك المشروعات.
أما القدر الأكبر فهو من الصينيين الذين ترسلهم بكين للعمل في مشروعاتها في إثيوبيا، كل ذلك فضلا عن أن أديس أبابا هي مقر كثير من المنظمات الإفريقية، مثل منظمة الوحدة الإفريقية التي بنى الصينيون مقرها، بما يسهل على الصينيين التواصل مع دول إفريقية كثيرة عبر العاصمة الإثيوبية؛ لذا تجد السفارة الصينية هناك ربما الأكبر عددا والأكثر أهمية.
وما يميز الاستثمارات الصينية في إثيوبيا وإفريقيا عموما أن بكين غير معنية بقضايا كالتي يثيرها الغرب مثل الديموقراطية وحقوق الإنسان وغيرها.
للصين إذا مصلحة في بناء السد وتشغيله، فشركاتها مستفيدة منه أكثر من غيرها.
كما أن ذلك يفتح فرصا لبناء سدود أخرى توفر فرصا للشركات الصينية، لكن بكين لا تريد أيضا خسارة مصر وسوقها الواسع ومشروعاتها المستقبلية.
لذا، فهي تساعد إثيوبيا لكنها لا تتصرف علنا بالشكل الذي يثير الغضب المصري، ذلك على العكس من موقف روسيا، التي تسعى لأن يكون لها نفوذ في منطقة القرن الإفريقي، لكنها لم تصل إليه حتى الآن. لذا ترى مواقفها أقرب إلى “ضجيج بلا طحن”.
كما أن روسيا كانت حليفة لحكومة الائتلاف الذي تزعمه قادة التيغراي قبل أن يزيحهم الأمهرة من الحكم، وربما تزايد على نفسها للتقرب لنظام الحكم الحالي في أديس أبابا متبرئة من علاقاتها السابقة.
من غير المتوقع أن يكون للصين أي دور فاعل في أزمة السد الاثيوبي مع السودان ومصر، وإن كان هدفها ألا يتحول إلى صراع تخسر فيه شركاتها واستثماراتها ويضيع عليها فرص بناء سدود أخرى في اثيوبيا.
والحديث عن قيامها بدور وساطة يستند غلى علاقتها بالعواصم الثلاث في الأزمة مجرد “تفكير بالتمني” أكثر منه احتمال واقعي.