بدأت حكاية محمد شكيب مع حركة طالبان في منطقة موكور بولاية غزني الأفغانية، حين كان في طريقه من هيرات إلى العاصمة كابول من أجل دراسته الجامعية، لكنّ بسبب إجراءات العزل وتدابير كورونا، أضطر للعودة برّاً، وكان ذلك في العاشر من يوينو العام الماضي.
- عام قضاها محمد شكيب في سجون طالبان عاش فيه حالة نفسية صعبة للغاية
- اعتقالي من قبل طالبان جعلني أشيخ وفي كل لحظة كنت أظن أنّ نهايتي اقتربت
- وضعت في سجن تحت الأرض تتصل أقسامه بواسطة أنفاق
محمد شكيب موظف في شركة إمدادات المياه والصرف الصحي في أفغانستان، يقول لـ”أخبار الآن“: لقد أتيت إلى هرات من كابول قبل الوقوع في فخ طالبان، ولكن مرة أخرى بعد أيام قليلة اتصلت بجامعة دنيا في كابول وطلبت مني العودة إلى كابول أكمل دراستي.
نظراً لعدم وجود رحلات جوية بسبب الحجر الصحي، اضطررت للسفر إلى كابول برا في 10 يونيو 2020. كنت في طريقي من هرات إلى كابول عندما أخرجتني طالبان من السيارة في منطقة مقور بإقليم غزنة. عندما رأيت مقاتلي طالبان شعرت بفزع شديد. كانت هذه هي المرة الأولى التي أتعرض فيها للعنف ولم أشاهد مثل هذا المشهد طوال حياتي”.
لم يهتم مقاتلو طالبان حينها إلى الوثائق التي أبرزها محمد شكيب، وقد أمضى 47 يوماً، في مسجد كان يقع على بعد خمسَ عشرةَ دقيقةً فقط، من وسط ولاية غزني. بعد قيادة بالسيارة لمدّةِ 8 ساعات، المحطة التالية كانت في سجنٍ لطالبان تحت الأرض، على عمق أحدَ عشرَ متراً.
وقال: “وضعوا عصبةً على عينيّ ورموني في سيارة واصطحبوني بعيداً. كنت مذعوراً حينها. اصطحبوني في البداية إلى جامع حيث كبّلوا يديّ وقدميّ بينما كنت أقول لهم مراراً وتكراراً، إنّني كنت تلميذاً وكنت أريد أن أحضر الصفوف في جامعتي، إلّا أنّهم رفضوا وقالوا ما قالوه فحسب، ولم يستمعوا إلى أعذاري.
كان قائد المجموعة رجل يدعى عمر، لكن كان مقاتلو طالبان الآخرون ينادونه باسم الملّلا صاحب. قال لي إنّ أقول الحقيقة جواباً على سؤاله: أين تعمل؟ نحن نعرف أنك نائب وزير الطاقة والمياه. ثمّ أبرحوني ضرباً وحتى أنّني فقدت وعي”.
وتابع محمد شكيب قائلاً لـ”أخبار الآن“: “أثناء تواجدي في السجن الثاني الذي كان يقع على عمق 11 متراً عن سطح الأرض حيث لم يكن هناك من ماء أو أوكسيجين، كانوا يقدّمون لي الطعام مرّة في اليوم. لم أرَ الشمس قط في ذلك الحين لأنني كنت دائماً أعيش في الظلام. يمكنك أن تتخيّل سوء الوضع بما أنني كنت أتناول الطعام مرة في اليوم. لقد مكثت في سجن طالبان لمدة 76 يوماً لم أخرج فيها إلا 3 مرات لمدة ساعة واحدة.
وضعت بسجن على عمق 11 متراً وقلّما كان يُسمح لنا بالخروج إلى الشمس
كنّا 35 سجيناً في حفرة بعرض 6 أمتار وطول 6 أمتار أيضاً من دون وجود صرف صحيّ أو عناية ملائمة. كنا نتعرّض للضرب يومياً، وكنت أعجز عن النوم في أيّام كثيرة بسبب الضرب الذي كنت أتلقاه. كان مقاتلو طالبان عنيفين ومتوحشين ولا يعرفون الرحمة البتة. كانوا يخرجوننا مرّة في الأسبوع لنغسل ثيابنا وكانوا قد زرعوا الألغام في كافة أنحاء الحقل حولنا، وقالوا لنا إنْ حاولنا أن نهرب ستقتلنا هذه الألغام، وإنْ هاجمتنا القوات الحكومية سنواجه كذلك هذه الحقول المليئة بالألغام. كنت مذعوراً حقاً وكنت أخاف من أن أموت”.
تهمةُ محمد شكيب أنّه كان يتعامل مع الخونة وفق طالبان، والعقوبة الموت. كلّ ما كان يحيط به، جعله هذا الشاب الأفغاني يعيش حالة نفسية سيئة للغاية، فهو أمضى عاماً في سجن طالبان، يقول إنّه كان أكثر شباباً، لكن هذه التجربة أرجعته عشرين سنة إلى الوراء.
لقد قابلت يوماً أحد القادة في طالبان وسألته لماذا قاموا بتوقيفي. فقال لي إنّ السبب هو أنّني خائن، وعندما سألته عن الإسلام لم يكن يعرف شيئاً عن الدين الإسلامي، ولا حتى كلمة الشهادة. يسيء تنظيم طالبان استغلال الإسلام، فهم يستخدمون المساجد كخطوط أمامية ويعذّبون الشعب بوحشية، وهم أشبه بالحيوانات وليسوا أشبه بالمسلمين. كما أنّهم يقتلون المدنيين.
كان ينتابني الخوف كل ليلة وكنت أرى كوابيساً. خلال فترة سجني لقد صادفت عدداً كبيراً من الأصدقاء والرفاق الذين ما زالوا مسجونين بغالبيتهم وما زالوا يتعرضون للتعذيب علماً أنهم أبرياء. لقد بذلت قصارى جهدي لإخراجهم من السجن. تخيّل، هناك معلّمين وطلاب ومهندسين ومثقفين كثر مرميون في تلك السجون بتهمة التجديف أو التجسس أو بتهم أخرى بينما هم أبرياء.
تعرّض محمد شكيب للتعذيب بوحشية في سبعة سجون مختلفة تنقل بينها خلال هذا العام، هذه السجون يقول محمد شكيب، متصلة أقسامها بعضها ببعض بواسطة أنفاق، وفي كل لحظة كان يظنّ أن لحظة قتله أو قطع رأسه اقتربت.
كانت كل سجونهم تحت الأرض ولا يدخلها نور الشمس، وكانت على عمق ما لا يقل عن 6 أو 7 أمتار عن سطح الأرض. كانت سجونهم تتصل أقسامها ببعضها بواسطة أنفاق. أنظر إلى يديّ وإلى جسمي. لقد أصبت بجروح في تلك الأنفاق. لمدة أسبوع كامل، كنت إلى جانب سجناء آخرين نتوسّل التنظيم أن يسمحوا لنا بالخروج لنتنعّم بالشمس لبعض الوقت لكنهم أجابونا أننا خونة ولا يفترض بنا أن نستفيد من الهواء العليل أو من نور الشمس.
في كل لحظة كنت أظنّ أن نهايتي اقتربت
بينما كانت تزداد مخاوفي، كان يتقدّم العد العكسي أكثر نحو موتي وفي أحد الأيام لاحظت أنّ هذا السجن هو المكان الذي كانوا يصنعون فيه الألغام وينقلونها إلى أماكن أخرى ويستعملونها لتدمير الجسور والمدارس وأماكن أخرى.
لم تتمكن طالبان من إثبات أي من مزاعهما بشأن هذا الرجل، فقررت تركه. وكأنّها الولادة من جديد. ففي أيّار الماضي من العام الجاري، ولحسن حظّه، انتهت مأساته محمد شكيب.
في 18 مايو/ أيار من العام 2021، عصبوا عينيّ فظننت أنّهم يقتادونني لكي يقوموا بقطع رأسي، ومهما طرحت عليهم من أسئلة لم يعطوني أي جواب. اقتادوني إلى سيارة واصطحبوني إلى مكان ما بعينين معصوبتين ويدين مكبّلتين.
بعد 3 ساعات، رموني خارج السيارة وعندما فتحت عينيّ وجدت أنّهم أخلوا سبيلي على طريق كابول هيرات السريع، وأنني أصبحت حراً.
هي تجربة مريرة عاشها محمد شكيب طوال هذا العام، انتهت نعم، لكنّه خرج منها حاملاً انطباعاتٍ وذكرياتٍ قاسية، ستبقى معه طيلة حياته، وسيبقى اسمُ طالبان بالنسبة كابوساً، يراوده من وقت إلى آخر. تجربة محمد شكيب نستعرضها اليوم، كي نرسم من خلالها بعضاً من معالم الحياة في ظل سيطرة طالبان، فيما يسعى شعب أفغانستان، إلى حياة أفضل خصوصاً الشباب الذين يحاربون من أجل حرياتهم وعيشهم بسلام.
شاهدوا أيضاً: