سيطرة الخلافات والتفرقة بين العراقيين والأجانب على داعش
- داعش يدار بواسطة مجموعة من القادة العراقيين المعروفين بـ”الحجاجي”.
- التنظيم يعيش على وقع خلاف داخلي بين المجموعات العراقية والأجنبية.
- قيادة داعش العليا تلجأ لإخضاع مقاتليه عبر قطع الرواتب وتشويه معارضيها.
- تعمل قيادة داعش على التخلص من القيادات الأجنبية عبر إرسالهم لجبهات القتال وتصفية المنشقين منهم بدعوى وأد فتنة الخوارج.
- منصات داعش الدعائية تركز بشكل أساسي على إبراز القادة العراقيين وتهميش غيرهم في ما يؤكد على التمييز الطبقي الذي تتبعه القيادة ضد المقاتلين الأجانب.
خلال مطاردة شرسة في غابات سامبيسا (شمال شرق نيجيريا)، أقدم أبوبكر شيكاو، زعيم جماعة بوكو حرام، على تفجير نفسه، بعد أن حاصره أتباعه السابقين الذين أصبحوا مقاتلين رسميين في صفوف داعش، منذ فترة طويلة، وفي غضون أيام قليلة بثت مؤسسة الفرقان الداعشية كلمة للمتحدث باسم التنظيم “أبوحمزة القرشي” استهلها بثناءٍ مطولٍ على مقاتلي التنظيم في غرب إفريقيا.
بدا “القرشي”، في خطابه- المعنون بـ”وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنون”- منتشيًا بالانتصارات التي حققها مقاتلي التنظيم في الغابات النيجيرية، والتي سماها بـ”استئصال ووأد فتنة الخوارج”، لكنه انتقى كلماته بعناية ليؤكد، مجددًا، على ضرورة التفاف مقاتلي التنظيم حول خليفة التنظيم الحالي “أبي إبراهيم القرشي” والذي يُرجح أنه حجي عبد الله قرداش (أمير عبد المولى الصلبي العراقي).
وعلى مدار الأسابيع التالية، واصلت آلة داعش الدعائية تكرار الرسائل التي تضمنتها كلمة “القرشي”، مركزةً بشكل أساسي على وصف الأحداث التي شهدتها منطقة غرب إفريقيا بأنها “أكبر دليل على صحة طريق/ منهج داعش وبرائته من انحراف وضلال المرجئة والغلاة”، على حد تعبير افتتاحية صحيفة النبأ (عدد 293).
إحياء الخلافات القيادية القديمة
أعادت المفردات والرسائل الدعائية التي استخدمها داعش في منصاته الإعلامية إحياء/ التذكير بالخلافات والصراعات الداخلية بين قادة التنظيم العراقيين وحلفائهم والمعروفين تنظيمًا بـ”تيار اللجنة المفوضة”/ تيار الفرقان، وبين مجموعة من القيادات الأجنبية الذين يُطلق عليهم “تيار مكتب البحوث والدراسات” والمعروف أيضًا بـ”تيار البنعلي”، لاسيما وأنها أتت ضمن حملة ممنهجة ومنسقة- على ما يبدو- استُهلت بتمجيد حجي فيصل العراقي، أمير اللجنة المفوضة الأسبق، والشهير بأبي محمد الفرقان (وائل حسين الفياض الطائي).
ففي الـ6 من مايو/ آيار الماضي (24 رمضان 1442 هـ)، نشرت أسبوعية النبأ الداعشية الجزء الأول من قصة/ “بروفايل” عن “الفرقان” ضمن تبويب “قصة شهيد” الذي تخصصه للحديث عن قادة وعناصر التنظيم المقتولين، وأتبعته بالجزء الثاني في الـ20 من نفس الشهر (8 شوال من نفس العام)، وتضمن التقرير بجزئيه حديثًا مطولًا عن الأدوار التي اضطلع بها القيادي العراقي المقتول في سبتمبر/ أيلول 2016.
وأكد تسليط الضوء على أبي محمد الفرقان أن قيادة التنظيم، لا زالت متركزة في قبضة المجموعة العراقية داخله، والتي تحرص على التخلص من أي قيادات أجنبية قد تشكل تهديدًا لمكانتها التنظيمية، وتعزيز سيطرتها على الأفرع الخارجية عن طريق إيفاد مبعوثين تابعين لها لقيادة تلك الأفرع والإشراف عليها، كما حدث في ليبيا التي قاد فرع التنظيم فيها، منذ عام 2015، أبو المغيرة القحطاني العراقي (قائد داعش في محافظة صلاح الدين العراقية سابقًا) ونائبه أبومعاذ التكريتي، وأفغانستان التي انتقل لها قادة عراقيون بالتنظيم للإشراف على قيادتها المحلية.
إلى ذلك، تبين التقارير التي تروجها صحيفة النبأ الانتقائية التي تتعامل بها المنصات الدعائية الداعشية التي تُبرز العمليات على الساحة العراقية، بشكل دوري، في مساحة أكبر مقارنة بغيرها من الساحات التي ينشط فيها داعش، كما تخصص مساحة كبيرة لتناول ونشر قصص القادة العراقيين في التنظيم.
“حجاجي داعش”.. حضور إعلامي وغياب ميداني
فعلى سبيل المثال تضمنت الأعداد المائتين الأولى من صحيفة النبأ- (إجمالي الأعداد حتى الآن 296)- قصص/ سير 65 عنصرًا وقياديًا بالتنظيم، من بينهم 13 عراقيًا (بمعدل 20%)، بينما كانت المرتبة الثانية من نصيب المقاتلين السوريين في التنظيم ( ذكرت الصحيفة 7 سوريين فقط بمعدل 10.7%)، وتوزعت النسبة المتبقية (69.3%) على 23 دولة أخرى دون أن تكون لأي من تلك الدول نسبة فارقة.
ويعطي الانحياز الإعلامي لـ”العراقيين” داخل داعش لمحة عن نهج التنظيم في التعامل مع عناصره وأتباعه، والذين تُصنفهم القيادة وفقًا لتقسيم طبقي يتضمن فئة مميزة/ عليا من الأمراء والقادة العراقيين والمعروفين داخليًا بـ”الحجاجي” (جمع حجي باللهجة العراقية والتي تعني حاج أو شيخ بالعربية)، وأخرى دنيا من بقية العناصر والمقاتلين الأجانب، كما يقول أبومسلم العراقي، القيادي السابق بديوان الأمن العام الداعشي، في شهادته على ممارسات التنظيم والتي نشرتها مؤسسة الوفاء الإعلامية (يديرها منشقون عن داعش) في يوليو/ تموز 2019.
كان ابن عواد وحاشيته يكيلون بمكيالين عند التعامل الذي كان بالمحسوبية وحسب الوساطة بين المجاهدين، وهو ما صنع من حيث يدري “الخليفة” المأفون أو لا يدري الطبقية في مفاصل “الدولة”، فكانت طبقة عُليا للأمراء وطبقة دنيا للجنود
شهادة أمني داعشي على التقسيم الطبقي داخل التنظيم
على أن تلك الدعاية المكثفة، استهدفت، بشكل أساسي، خلق هالة حول قادة داعش العراقيين/ الحجاجي، لإظهارهم كقادة أكفاء يقودون التنظيم بفاعلية ويقتلون خلال مشاركهم في المعارك على الجبهات المشتعلة، وذلك لإضفاء مصداقية على الشعار الذي رفعه داعش منذ تأسيسه “صدق دعوتنا باستشهاد/ مقتل قادتنا”.
في المقابل، تكشف الشهادات التي نشرها مقاتلو داعش السابقين/ المنشقين، أن قادة التنظيم العراقيين رفضوا المشاركة في المعارك والعمليات القتالية، بحجة “حفظ الكوادر الحركية”، وعندما هزم التنظيم وفقد معاقل سيطرته، هربوا وتركوا عناصره كما فعل أبوبكر البغدادي، خليفة داعش السابق، الذي هرب إلى قرية باريشا السورية التابعة لمحافظة إدلب (شمال غربي سوريا)، قبيل خسارة التنظيم لآخر معاقله في قرية الباغوز فوقاني السورية (محافظة دير الزور) عام 2019.
وانتقد أبو جندل الحائلي، القيادي السابق بالمكتب الشرعي التابع للجنة المفوضة الداعشية (أعلى هيئة قيادية وتنفيذية)، في رسالة سرية وجهها لأبي الوليد السيناوي، أحد قادة اللجنة المفوضة ووالي التنظيم على منطقة الحسكة السورية، “اختفاء خليفة التنظيم ونوابه”، وتحججهم بالوضع الأمني لتجنب لقاء قادة وعناصر التنظيم.
وذكر أبومسلم العراقي، القيادي السابق بديوان الأمن الداعشي، أن قادة التنظيم العراقيين كانوا يقيمون بعيدًا عن جبهات القتال بعشرات الكيلو مترات، ويكتفون بزيارتها بين الحين والآخر، مضيفًا أن الآلة الدعائية للتنظيم عملت على تجميل صورة التنظيم وقادته- على خلاف الواقع- لتحريض الشباب على الانضمام له.
لا يجوز للخليفة ولا لمن ينوب عنه أن يختفي هذا الاختفاء، ولا يُقابِل حتى مفوضيه، ولا يبرر هذا الاختفاء والغياب دعوى “خطورة الوضع الأمني”
رسالة أبو جندل الحائلي
اغتيال معنوي لـ “الأجانب”
وفي مقابل تلميع القادة العراقيين عبر المنصات الدعائية، لجأت القيادة العليا لداعش وخاصة “حجي عبد الله قرداش” إلى انتهاج سياسة التضييق المادي والاغتيال المعنوي للتخلص من القادة الأجانب وخاصةً المعروفين/ المشهورين منهم لدى عناصر التنظيم.
وبحسب أبومسلم العراقي، فإن قيادة داعش ضغطت على المهاجرين/ الأجانب في التنظيم عبر وقف صرف الرواتب الشهرية/ الكفالات المخصصة لهم، في نفس الوقت الذي كانت ترسل فيه الأموال دون انقطاع لخلاياها وعناصرها العراقيين.
في سياق متصل، أوضح أبوعيسى المصري، الشرعي السابق بداعش، في حوار أجرته معه مؤسسة التراث العلمي (يديرها منشقون عن التنظيم) أن حجي عبد الله قرداش العراقي / أمير عبد المولى، كان لديه تخوف من رموز تيار البنعلي داخل داعش، وشاركه هذا التخوف كل القادة العراقيين في التنظيم وعلى رأسهم أبومحمد الفرقان.
ولضمان السيطرة على المقاتلين والقادة الأجانب، أنشأت قيادة داعش العليا إدارتين متخصصتين ضمن هيكلها التنظيمي/ الهيراركي هما: إدارة أمن المجاهد التابعة لديوان الأمن العام، ولجنة الرقابة المنهجية التي ترأسها أبومحمد الفرقان، وتخصصت في التفتيش على عقائد وأفكار عناصر وقادة التنظيم- وبخاصة المخالفين للقيادة- واستبعادهم من أي منصب يشغلونه.
ووفقًا لـ”المصري” فإن المجموعة العراقية داخل داعش خططت لإسقاط المخالفين لها وتشويه صورتهم ورميهم بتهم شق الصف، في مقابل إبراز خليفة التنظيم والمتحدث باسمه فقط، كما قال أبومحمد الفرقان في إحدى الجلسات قبل مقتله: “نريد أن لا تكون هناك رموز داخل داعش إلا الخليفة (البغدادي آنذاك) والمتحدث الإعلامي (العدناني)”.
وفي هذا السياق، ألزمت اللجنة المفوضة، بناءً على توجيه من خليفة داعش السابق أبوبكر البغدادي، عادل الكبيسي الأردني المكنى بـ”أبي عبد الرحمن الزرقاوي”، بتغيير كنيته وعدم استعمال لقب “الزرقاوي”، حتى لا يتم الربط بينه وبين أبو مصعب الزرقاوي، أمير القاعدة في بلاد الرافدين والأب الروحي لداعش، مشددةً عليه بعدم انتقاد القيادات العراقية الذين تصفهم بـ”الأخوة الكبار”، كما تُظهر رسالة سرية أرسلتها اللجنة له في أغسطس/ آب 2018.
ومن الملاحظ أن القيادة الحالية لـ”داعش” تتبع نفس النهج، الذي يسميه أبوعيسى المصري بـ”سياسة طمس الرموز” منذ توليها إمارة التنظيم أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إذ يحرص المتحدث باسمه “أبوحمزة القرشي” ومن خلفه ديوان الإعلام المركزي الذي يديره محمد خضر موسى أبوبكر الغريب (نائب أبومحمد الفرقان سابقًا) على الترويج لخليفة التنظيم، حصرًا، دون الإشارة لأي قائد أو أمير آخر.
إبعاد وتصفية “المهاجرين”
وإلى جانب سياسة الاغتيال المعنوي، عمدت قيادة داعش العليا إلى التخلص من القيادات الأجنبية/ المهاجرة البارزة عبر تكليفهم بتنفيذ هجمات انتحارية، وإرسالهم إلى جبهات القتال المشتعلة في البادية السورية والعراقية ليلقوا حتفهم، خلال العمليات العسكرية الدائرة ضد خصوم التنظيم، كما حصل مع القيادي السعودي البارز بالتنظيم أبومالك التميمي/ أنس النشوان.
وسبق لحجي عبد الله قرداش أن أمر بحل المكاتب والهيئات الشرعية التابعة للتنظيم، بدعوى خسارة التنظيم لمعاقل سيطرته ودفع أعضائها إلى جبهات المواجهة مع القوات السورية النظامية وقوات سوريا الديمقراطية للتخلص منهم وتعيين آخرين على ولاء تام له، كما اعتقل أمنيو التنظيم، في مرات متفرقة، عددًا من قيادات داعش الأجنبية وأودعهم السجون التابعة لديوان الأمن العام التي قُصفت، لاحقًا، بينما راجت اتهامات لقيادة التنظيم بالتخلص منهم عبر زرع شرائح تحديد الموقع التي ترصدها طائرات التحالف الدولي.
وعلى ذات الصعيد، كلفت قيادة داعش أتباعها بتتبع وقتل العناصر المنشقة عن التنظيم داخل معاقله الرئيسية وأفرعه المحلية، بدعوى “وأد فتنة الخوارج”، ونتيجة لهذه التوجيهات اغتالت مفارز داعش الأمنية “أبوعبد الرحمن الزرقاوي” في مايو/ آيار 2019، وأقدم مقاتلوه في غرب إفريقيا على حصار وتصفية زعيمهم السابق “أبوبكر شيكاو” في يونيو/ حزيران 2021، فيما تستمر جولات الصراع الداخلي بين قادة التنظيم العراقيين والأجانب والتي يسميها منشقون عن التنظيم بـ”مسرحية داعش التي تمضي إلى فصولها الأخيرة”.