- قاعدة اليمن تتبع نفس الأسلوب الداعشي في التعامل مع مخالفيها وتعمد إلى التخلص منهم.
- النهدي ما زال ينتظر رد قيادة القاعدة عليه وتدخلها لحل الخلاف بعد أكثر من عام ونصف على دعوته للظواهري للتدخل.
- باطرفي يُحرض على التخلص من أبو عمر النهدي، بسبب حديثه عن المخالفات داخل التنظيم.
- القيادة العليا للقاعدة تنتهج سياسة الاغتيال المعنوي ضد مخالفيها، وتُحاول زرع الفتنة بينهم وبين القبائل.
- اللجنة الأمنية في القاعدة تتوسع في التخلص من أعضاء التنظيم بدعوى العمالة والجاسوسية.
- العديد من قيادات قاعدة اليمن عادوا إلى بيوتهم، والأجانب منهم سلموا أنفسهم للتحالف.
عبر 4 إصدارات دعائية متتابعة عُنونت بـ”هدم الجاسوسية”، روج تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية/ اليمن، لقدرات لجنته الأمنية في تعقب وقتل من وصفهم بالخونة والعملاء، الذين اخترقوا التنظيم وساهموا في تساقط قياداته البارزة منذ عام 2015، زاعمًا أن خلايا الجاسوسية تُشبه شباك العنكبوت الواهنة التي ما تلبث أن تنهار سريعًا.
واستُهلت السلسلة الدعائية بحديث لقاسم الريمي، زعيم التنظيم آنذاك، اعتبر فيه أن إخراج قصص الجاسوسية فيه ألم وجرح لكنه من الضروري أن يتم إخراجها لأن هذه المواجهة، أصبحت حربًا شاملة (معركة أمة كما يسميها) ولم تعد قاصرةً على التنظيم، وتبعه معلق الإصدار قائلًا: “إن هؤلاء العملاء/ الجواسيس إحدى خيوط بيت العنكبوت الضعيفة”.
كان التنظيم في تلك المرحلة، يحاول لملمة شتات نفسه بعد أن تعرض لأكبر حملة خلخلة قيادية، في تاريخه، قتل خلالها جل أمرائه البارزين بما فيهم زعيمه الكاريزمي ناصر الوحيشي/ أبو بصير الذي رُشح لخلافة أيمن الظواهري في إمارة القاعدة المركزية.
وسعى ” القاعدة في الجزيرة العربية” لإظهار أن مقاتليه استعادوا اليد العليا ونجحوا في التخلص من الجواسيس الذين زرعتهم أجهزة الأمن والاستخبارات المعادية له داخل صفوفه، وسيعود إلى سيرته الأولى، لكن تلك المحاولة سببت شرخًا غير مسبوق داخل التنظيم، وأضحت قياداته منقسمة إلى طرفي نقيض يتبادلان اتهامات الخيانة والعمالة وسفك الدماء.
الجاسوسية التي تنخر التنظيم
ففي خضم حالة الانتشاء التي أبداها تنظيم القاعدة في اليمن، وهو يصور عمليات إعدام عدد من قياداته وأعضاءه ويبثها عبر ذراعه الإعلامية (مؤسسة الملاحم)، راجت اتهامات لقيادة التنظيم العليا بأنها تتخلص من منافسيها بإرسالهم إلى ساحات المواجهة المشتعلة، والقبض على من نجا منهم من القتل وإعدامه بتهم العمالة والجاسوسية.
وتزايدت حدة الخلافات الداخلية في التنظيم، عقب نشر مؤسسة التقوى، إحدى المنصات الدعائية المحسوبة على تنظيم داعش في اليمن، مقالًا بعنوان “الاعتزال الكبير لتنظيم القاعدة في اليمن”، قالت فيه إن قاسم الريمي، (زعيم التنظيم- 2015: 2020)- الذي تصفه بـ”العميد الريمي” للإيحاء بأنه تابع لإحدى الأجهزة الأمنية- تخلص من منصور الحضرمي، القائد العسكري للقاعدة في منطقة قيفة اليمنية (محافظة البيضاء، جنوب شرقي البلاد)، بأسلوب استخباراتي بعد أكثر من عام من تكليفه بقيادة المعارك ضد تنظيم “داعش”، مضيفةً أن أتباع “الريمي” داخل التنظيم أشاعوا أن “الحضرمي” جاسوس في قلب التنظيم، ومسؤول عن الخسائر التي مني بها في المواجهات داخل قيفة، ومن ثم اعتقله وأعدمه لاحقًا بدعوى العمالة ومحاولة شق صف التنظيم.
يأتي اليوم الذي يضع العميد “قاسم الريمي” حذاءه “منصور الحضرمي” بقفص الاتهام والتهمة جاهزة “جاسوس” كغيره من القادة الذين تخلص منهم “الريمي”
تعليق مؤسسة التقوى الداعشية عن الخلافات داخل قاعدة اليمن
وبدا، في هذه الأثناء، أن قيادة التنظيم العليا وعلى رأسها قاسم الريمي، وخالد باطرفي الذي يُوصف بأنه القائد الفعلي للتنظيم منذ فترة طويلة، تحاول التخلص من القيادات المحلية التي تحظى بزخم وتأييد قبلي في بعض المناطق، بجانب إبعاد القيادات الأجنبية/ المهاجرة المرتبطة بالقيادة المركزية للقاعدة في خراسان، والتي لها صلات خارجية بأفرع التنظيم الأخرى.
وخلال وقت قليل، من قتل منصور الحضرمي، اندلعت خلافات بين القيادة العليا وبين مجموعة من القادة والأعضاء البارزين بالتنظيم، وأدت تلك الخلافات إلى اعتزال ثلة من القيادات الفاعلة أبرزهم: أبو عمر النهدي، القيادي الشرعي والميداني البارز بالتنظيم والذي شغل سابقًا منصب أمير المكلا إبان سيطرة التنظيم عليها في 2015، ورفيقه أبو داود الشروري المعروف أيضًا بـ”أبي داؤود الصعيري”، وأبو الوليد الحضرمي، أمير التنظيم في حضرموت سابقًا.
كما ألقت اللجنة الأمنية في التنظيم، والتي يقودها المصري إبراهيم أبو صالح، القبض على أثير النهدي، الشرعي البازر بالتنظيم، وسعيد شقرة، رئيس اللجنة المالية بالقاعدة سابقًا، وفياض الحضرمي، أمير التنظيم في حضرموت سابقًاـ ومسؤوله الأمني الميداني، وأبو مريم الأزدي الذي عُدّ واحدًا من أهم القيادات الشرعية في التنظيم، فضلًا عن ارتباطه بقيادة القاعدة المركزية، وفرع التنظيم في سوريا المسمى بـ”حراس الدين”، وأعدمتهم بتهم إفشاء أسرار التنظيم والتعامل مع التحالف العربي، والجاسوسية.
أمننة القاعدة
على أن توسع اللجنة الأمنية لقاعدة اليمن، في اعتقال وتصفية القيادات والعناصر المخالفة للقيادة العليا، لم يكن سلوكًا مرحليًا، بل مقاربة متعمدة ضمن إستراتيجية جديدة للتنظيم، لا سيما وأنها استمرت على مدار أكثر من عامين، بحسب ما تكشفه كلمة صوتية ورسالة مكتوبة نشرها أبو عمر النهدي ومجموعة من رفاقه بعنوان: “بيان المتظلمين”.
ووفقًا لـ”النهدي” فإن قيادة التنظيم العليا توسعت في انتهاج المقاربة الأمنية في التعامل مع أعضاءه وقياداته، وأفرطت في استخدام مصطلح التخوين والجاسوسية، ووظفت عناصر التنظيم في كتابة التقارير ضد رفاقهم، واعتمدت على الوساوس والخيالات في اتهامها لمقاتلي القاعدة، وبالتالي اتُهم كل الأفراد والقيادات الوسيطة بالعمالة من قيادة التنظيم العليا ومن الأفراد المحسوبين عليها.
كما وسعت اللجنة الأمنية من دائرة القبض والاعتقال، بناءً على الشبهات غير المؤكدة، وخاصةً في التعامل مع المقاتلين الأجانب/ المهاجرين، وسجنت أفرادًا بالتنظيم لمدد طويلة تتجاوز العام دون إجراء تحقيق رسمي من قبل مسؤولي القاعدة، فضلًا عن تعذيب المعتقلين حتى يعترفوا على أنفسهم بالعمل مع أجهزة الأمن والاستخبارات المعادية للتنظيم.
ويكشف التدقيق في إستراتيجية القيادة العليا لتنظيم القاعدة في اليمن، مدى تأثرها بتجربة تنظيم داعش الحركية، وتحديدًا على صعيد العمل الأمني والعسكري، إضافةً لتكتيكات الدعاية المضللة ومنهجية التعامل مع المخالفين والمعترضين داخل التنظيم، ولعل هذا يكشف السر وراء سعيها للتخلص منهم بدلًا من احتوائهم.
وأدت ممارسات القاعدة المذكورة، إلى اعتراف بعض الأعضاء بتهمة الجاسوسية لدفع التعذيب عن أنفسهم، كما فر عدد آخر من أعضاء وقيادات التنظيم السعوديين- أبرزهم عزام النجدي، وعمار القصيمي- وسلموا أنفسهم لقوات التحالف العربي في اليمن، هربًا من القتل بتهمة الجاسوسية، وصار جميع من في التنظيم يهربون من ملاحقة أفراد اللجنة الأمنية، تمامًا كما يهربون من قوات مكافحة الإرهاب.
النهدي ورفاقه في قلب العاصفة
بيد أن “أمننة القاعدة” فاقمت الخلاف الداخلي بين مكونات التنظيم في اليمن، وساهمت في ضرب التماسك التنظيمي في مقتل، فبعد سجالات ومداولات داخلية طويلة بين القيادة العليا ممثلة في: (قاسم الريمي وخالد باطرفي وسعد بن عاطف العولقي)، وبين مجموعة “النهديين” المعارضة لهم وعلى رأسهم أبو عمر النهدي، خرجت الخلافات إلى العلن ونُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وظهر التنظيم منقسمًا على ذاته ويواجه أزمة أكبر من أزمة “الجاسوسية” التي روج أنه قضى عليها.
وبحلول أواخر العام 2019، طلب “النهدي” ومجموعته من القيادة العليا للتنظيم، الفصل في ما يصفونه بـ”المظالم والانتهاكات” التي ارتكبتها اللجنة الأمنية- خصوصًا بعد إعدام مجموعة من القيادات البارزة فيه، منهم (أبو مريم الأزدي وسعيد شقرة وفياض الحضرمي)-، ورفع شكوى لأمير التنظيم المركزي “أيمن الظواهري” لحل الخلاف والانقسام داخل الفرع اليمني.
وبينما كانت القيادة العليا في اليمن، تُراوغ في حل الأزمة عبر رفضها الاحتكام إلى محكمة مستقلة أو رفع الأمر لأيمن الظواهري ليكلف مندوبًا عنه بالفصل في الخلافات، وتضغط على مجموعة “النهدي” للتراجع والخضوع لها، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في التوصل لمكان “قاسم الريمي” وتصفيته.
اغتيال معنوي
وفاقم اغتيال “الريمي” من الخلافات الداخلية بين طرفي الصراع في التنظيم، وتبين، في هذه الأثناء، أن التنظيم يعيش أضعف فتراته على الإطلاق، ويُعاني لكي يظل موجودًا على الساحة رغم الخسائر التي تلقها.
وبوصول خالد باطرفي المكنى بأبي المقداد الكندي إلى منصب أمير التنظيم، أخذ الخلاف منحنى جديدًا، واتبعت القيادة الحالية أسلوب التشويه والاغتيال المعنوي ضد معارضيها، فوجهت بمنع مشاركتهم من القتال ضد تنظيم داعش وجماعة الحوثي على جبهة قيفة بمحافظة البيضاء- التي خسرتها لاحقًا-، وأشاعت أنهم حرضوا مقاتلي القاعدة على عدم مناصرة القبائل اليمنية الداعمة للتنظيم في تلك المناطق، وذلك لزرع بذور الشقاق بين “النهدي” ورجال القبائل.
كما لفت بيان صادر عن القيادة العليا للتنظيم في اليمن، بعنوان: (ولا تكن للخائنين خصيمًا) إلى مشاركة أبو عمر النهدي، في القبض على القياديين البارزين في التنظيم (سعيد شقرة وفياض الحضرمي) تنفيذًا لأوامر اللجنة الأمنية وذلك لتصويره بمظهر المشارك في قتلهم بدلًا من المدافع عنهم، ملمحًا إلى أنه تورط في الإيقاع بقاسم الريمي، زعيم التنظيم السابق، وسهل عملية اغتياله، لأنه كان يعرف مكان إقامته حتى مقتله، على حد وصف البيان.
أبا عمر النهدي كان قادراً على لقاء الشيخ قاسم “الريمي” في أي وقت أراد فيه ذلك حتى أخر لحظة من حياة الشيخ
بيان للقاعدة يتهم أبو عمر النهدي بالتورط في اغتيال الريمي
وبنظرة تحليلية إلى المفردات التي استخدمتها قيادة التنظيم العليا في بيانها السابق، يتبين سعي خالد باطرفي ومجموعته إلى إسقاط رمزية أبوعمر النهدي لدى مقاتلي القاعدة، عبر وصفه بـ(الخائن، ورأس الفتنة، والكذاب، والمدافع عن الجواسيس، والعميل المتورط في قتل قيادات القاعدة)، فضلًا عن أن اختيار عنوان البيان نفسه يوحي، صراحةً، باتهامه بالدفاع بالباطل عن “الجواسيس والعملاء”.
وعلاوة على ما سبق، حاولت القيادة العليا للتنظيم، ضرب التآزر الموجود بين أبو عمر النهدي وبين بعض رجال القبائل اليمنية، وادعت أنه يحرض مقاتلي التنظيم، وأفراد القبائل الموجودة في مناطق نشاطه ضد القاعدة.
ومن الواضح أن حملة التحريض الدعائية ضد أبوعمر النهدي ورفاقه، تهدف للتمهيد لقتالهم والتخلص منهم بدعوى شق الصف وإثارة الخلافات والفتن داخل التنظيم، وذلك بعد فشل إجراءات الحصار المالي والقبلي الذي حاولت القيادة العليا فرضه ضد هذه المجموعة، وهو الأمر الذي تؤكد إحدى رسائل النهدي التي أرسلها لخالد باطرفي بعد مقتل زعيم القاعدة السابق.
شقاق جهادي جديد
في المقابل، تبدو مسيرة “النهدي” ورفاقه داخل القاعدة وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، فبعد أكثر من عامين على تمسكه باتباع المسارات التنظيمية لحل الخلاف سواء بالدعوة لتدخل أيمن الظواهري، أو التحاكم لمحكمة مستقلة، لا تزال قيادة الفرع اليمني مصرةً على موقفها المتصلب، بنفس الطريقة التي اتبعتها قيادة داعش أثناء الشقاق الجهادي مع جبهة النصرة في سوريا عام 2014.
غير أن قيادة القاعدة المركزية التي سارعت للتدخل في الخلافات بين داعش والنصرة من قبل، لا زالت بعيدة عن الواقع وغائبة عن التدخل في الشقاق الجهادي الحاصل بين أتباعها في اليمن، حتى بعد دعوة “النهدي” العلانية، في أبريل نيسان 2020، لأيمن الظواهري ورجال القبائل اليمنية وأفراد وقيادات التنظيم في اليمن بالتوسط لحل الخلاف مع خالد باطرفي والقيادة العليا الحالية للتنظيم في جزيرة العرب.
وتتوافق هذه المعلومات مع تدوينات سابقة بثها نشطاء يمنيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن وجود خلافات بين قبيلتي “نهد”- التي ينحدر منها أبو عمر النهدي- والسومحي، بسبب قتل أبو عمر النهدي لأحد أبناء القبيلة أثناء سيطرة التنظيم على المكلا في 2015.
وفي هذه الأثناء، يبقى مكان “النهدي” غير معلومًا على وجه التحديد بعد أن فارق التنظيم الذي قضى سنوات من عمره داخله، بعد أن فشل في “الإصلاح الجذري” كما يذكر في رسالته.
ورغم مرور أكثر من عام على دعوة “النهدي” لحل الخلافات وترتيب البيت الداخلي للتنظيم، تصر قيادة القاعدة في اليمن على المراوغة والهروب، بينما يبقى أبو عمر حائرًا في خطوته التالية بعد أن خانه رفاقه القدامى، واستنفذ كل الطرق لإصلاح الجماعة جذريًا- كما كان يقول في رسالته-، في حين يظل السؤال الأهم: هل يعود أبو عمر النهدي أخيرًا إلى منزله بعد سنوات الجفاء مع التنظيم؟