بعد عشرين عاما على هجمات الحاي عشر من سبتمبر، يبرز التساؤل الذي لطالما تناوله مراقبون لملف التنظيم، عن الوقت الذي ستختفي فيه القاعدة بشكل تام.
- مرحلة هجمات القاعدة بدأت من تسعينيات القرن الماضي وحتى قتل بن لادن عام 2011
- دراسة: الأدلّة العلمية تشير إلى أنّ الجماعات لا يمكنها التعافي بعد القضاء على زعيمها
- مرحلة انحدار تنظيم القاعدة وضعفه بدأت مع تصفية زعيمها أسامة بن لادن
- أيمن الظاهري لم يتمكّن فعلياً من توحيد صفوف القاعدة واستقطاب أنصار جدد
- وثائق أبوت آباد تكشف عن نقاش بين الظواهري وبن لادن حول الحاجة لاسم جديد للقاعدة
- الناطق السياسي باسم طالبان ينفي لـ”أخبار الآن” وجود أي بيعة بين جماعته والقاعدة
وإنْ كانت السنوات الأخيرة شاهدةً على تآكل القاعدة إثر المتغيّرات الجيوسياسية التي تمرّ بها أفغانستان معقل التنظيم الرئيس، إضافةً إلى الضربات التي لحقت به، خصوصاً بعد قتل زعيمه وعرّابه أسامة بن لادن في الثاني من أيار / مايو عام 2011، عبر عملية خاصة نفذتها قوات المارينز الأمريكي في باكستان، وكذلك قتل قيادات كبيرة للتنظيم، والأهم ربّما تمرّد الكثير من فروع القاعدة على القيادة الأم، وأبرز أمثلتها الصراع بين داعش والقاعدة، وتملّص جبهة تحرير الشام في سوريا، (جبهة النصرة سابقاً) من تبعيتها للتنظيم، والمهاترات التي نشأت بعد ذلك بين زعيم الأخيرة أبو محمد الجولاني وأيمن الظواهري.
ولكي نرى الصورة بشكل أوضح، نستعرض هنا أبرز المراحل التي عاشها تنظيم القاعدة منذ التأسيس وحتى اليوم، والتي يمكن اختصارها بما يلي:
مرحلة التأسيس
عقب غزو الإتحاد السوفييتي سابقاً لأفغانستان في العام 1979، سافر أسامة بن لادن إلى باكستان، وعمل على تأسيس القاعدة في الفترة التي كانت القوات السوفييتية تئن تحت ضربات المقاتلين الأفغان، لتبدأ نواة القاعدة بالظهور في ثمانينات القرن الماضي داخل أفغانستان، إذ عمل بن لادن على ترسيخ نفوذه مستخدماً قوته المالية، وكذلك علاقاته مع فصائل أفغانية ليعقد تحالفاً بعد ذلك مع حركة طالبان.
وبعيداً عن تفاصيل تلك المرحلة، فإنّه يمكن تلخيصها بأنّها تميّزت بأنّها فترة استقطاب وتأسيس ونشر فكر أكثر من كونها قوة ضاربة تنفذ عملياتها في العالم كما يظهر لاحقاً.
مرحلة التخطيط والتنفيذ:
تبدأ هذه المرحلة من تسعينيات القرن الماضي وحتى قتل أسامة بن لادن في العام 2011، ويصف خبراء هذه المرحلة، بأنّها “المرحلة الذهبية” لتنظيم القاعدة، وفيها عمل التنظيم على التخطيط لهجمات في دول عديدة حول العالم وتنفيذها بالتزامن مع محاولة نشر فكره وتأسيس جماعات وجيوب له في أكثر من مكان حول العالم. ومن أبرز الهجمات التي نُسبت في تلك الفترة إلى القاعدة:
- في صيف العام 1996 قتل 20 أمريكياً في تفجير استهدف قاعدة الخبر العسكرية قرب مدينة الظهران بالسعودية.
- تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في كينيا وتنزانيا في شهر أغسطس العام 1998، وأسفر الهجومان عن قتل نحو 200 شخص.
- استهدف المدمّرة الأمريكية (كول) في مرفأ عدن باليمن قتل على إثرها 17 بحاراً.
- هجمات 11 أيلول الشهيرة في العام 2001 والتي ضربت فيها 4 طائرات مدنية مختطفة برجي مركز التجارة العالمي في نيويوك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وتسببت بمقتل آلاف الأشخاص.
- في العام 2003 تمّ استهداف مجمّع سكني في العاصمة السعودية الرياض، أسفر عن مقتل 35 شخصاً بينهم 9 أمريكيين.
- في العام 2003 استهدفت تفجيرات متزامنة مواقع عديدة يرتادها أجانب في مدينة الدار البيضاء بالمغرب، وأسفرت عن سقوط نحو 45 قتيلاً.
- في العام 2004، تفجيرات استهدفت محطات قطار عدة في العاصمة الإسبانية مدريد قتل على اثرها نحو 190 شخصاً وأصيب الآلاف.
- في السابع من شهر تموز يوليو العام 2005، استهدف انتحاريون محطات لقطارات الأنفاق في العاصمة البريطانية لندن، قتل فيها نحو 56 شخصاً، وفي الشهر ذاته، تعرض منتجع شرم الشيخ في مصر إلى سلسلة تفجيرات قتل على إثرها نحو 70 شخصاً.
- في العام 2005 تعرّضت مجموعة من الفنادق في العاصمة الأردنية عمان، إلى سلسلة من التفجيرات قتل على إثرها نحو 60 شخصاً.
- أواخر العام 2009، تمّ إحباط محاولة نفّذها منتسب للقاعدة يدعى عمر فاروق عبد المطلب، لتفجير طائرة خلال رحلة بين مدينتي أمستردام وديترويت الأمريكية.
مرحلة الانحدار والضعف
يمكن تلخيص هذه المرحلة ضمن معطيات كثيرة وعلى رأسها مقتل أسامة بن لادن. ففي الثاني من شهر مايو العام 2011، تمّت تصفية أسامة بن لادن الذي كان يقطن على بعد 50 كيلومتراً من العاصمة الباكستانية، إسلام أباد، في منطقة تدعى أبوت أباد، على يد قوات خاصة أمريكية.
ويمكن أن تُصنف هذه الواقعة على أنّها المرحلة الفاصلة بين قوّة التنظيم وبداية انهياره، لتشهد السنوات التي تليها، مرحلة تآكلٍ في التنظيم على مستوى ولاء بعض الفروع للقاعدة الأم، وقتل أبرز قادته.
ولعلّ من أبرز التصريحات التي تؤكّد مدى أهمية خسارة التنظيم بمقتل بن لادن، ما أدلى به ريتشارد كلارك، الذي شغل منصب مسؤول شؤون مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش حتى العام 2003، وهو كان قال إنّ “موت بن لادن مثل لحظة فاصلة للقاعدة”، مضيفاً: “طالما كان بن لادن حياً، بدا الأمريكيون عاجزين، لكن تأثير موت بن لادن على المدى الطويل هو أنّ قيادة القاعدة لم تتعافَ على الإطلاق. فالقاعدة باعتبارها منظمة متعددة الجنسيات ليس لها وجود فعلي كما كان سابقاً”.
شخصية الظواهري الرتيبة
يتفق ربّما أغلب المراقبين لتنظيم القاعدة على أنّ زعيمه الحالي أيمن الظواهري يفتقد إلى الكاريزما التي كان يمتلكها سلفه أسامة بن لادن، فهو لم يتمكّن فعلياً من توحيد صفوف القاعدة واستقطاب أنصار جدد كما كان حال بن لادن، ناهيك عن كثرة الخطابات من دون أفعال على أرض الواقع، ما دفع محللين إلى وصف هذه المرحلة بمرحلة “الخطابات والأقوال من دون أفعال”، وقد عمد الظواهري خلالها إلى بثّ خطب وتهديدات بمعظمها لم تترجم عملياً على الأرض، ويمكن أن نلخص عدد خطابات الظواهري في هذه المرحلة بالرسم البياني التالي:
وبعيداً من الخوض في تفاصيل تذبذب عدد بيانات الظواهري، وتراجعها في السنوات الأخيرة كما دلّ الرسم البياني، إلّا أنّ أغلب المراقبين أجمعوا على أنّ هذا التراجع مردّه إلى تخبّط يعيشه الظواهري واتباعه، ربّما سيفضي في نهاية المآل إلى انهيار القاعدة أو تنظيمها تحت كيان ومسمّى جديد.
تغيرات استراتيجية
تشير بيانات الظواهري خصوصاً الأخيرة منها، كبيان “صفقة القرن أم حملات القرون” الذي صدر عن مؤسسة سحاب التابعة للقاعدة في سبتمبر العام 2020، وكذلك بيان “جرح الروهينغا هو جرح الأمة” الذي صدر في مارس الماضي، إلى تحول استراتيجية القاعدة من محاولة تنفيذ هجمات ضدّ أهداف غربية إلى محاولة التركيز على ما يعتبرونه العدو القريب أي الأنظمة العربية والإسلامية التي تعقد تحالفات مع أمريكا ودول غربية أخرى.
محاولة استقلال الفروع عبر ضرب الصورة النمطية للقاعدة الأم من أبرز الأدلّة على الإنقسام حول الإرث العقائدي
ومن أبرز الأدلّة على الإنقسام حول الإرث العقائدي الذي تركه بن لادن، ومحاولة استقلال الفروع عبر ضرب الصورة النمطية للقاعدة الأم، والتي حاول الظواهري مؤخّراً كما ذكرنا إفهام أنصاره أنّها قيد التغيير، انتقاد مهاجمة الولايات المتحدة على أرضها، أي مهاجمة (العدو البعيد)، فقد انتقد أبرز منظّري القاعدة في سوريا، أبو مصعب السوري، الهجمات ضدّ أمريكا معتبراً أنّها أتت بنتائج عكسية لما أرادته القاعدة. وأورد ذلك في مقال نشر على عدد من الحسابات عبر الإنترنت، واصفاً تلك الخطوة بأنّها “حماقة استراتيجية”، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
ولا يمكن أن نغفل أنّ استراتيجية بن لادن اعتمدت في الأساس على استراتيجية متأنية وطويلة المدى وعابرة للأجيال، إذ كان يأمل في أن تؤدّي هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول إلى إضعاف الولايات المتحدة والغرب، وبالتالي يتخليان عن دعمهما للأنظمة العربية في الشرق الأوسط، ما يمهّد الطريق في النهاية أمام سيطرة تنظيمه على دول ومناطق في تلك البقعة من العالم.
وبالعودة إلى بيان الظواهري الأخير، فإنّ مراقبين أكّدوا أنّه لم يأتِ ضمن توقّعات وطموحات مؤيّدي التنظيم، بل على العكس، تعمّد الظواهري إرسال رسائل مبطّنة تفيد بقرب نهاية التنظيم، وربّما محاولة خلق كيان آخر تحت مسمّى جديد، يدلّ على ذلك تعاطف أبداه الإصدار الأخير تجاه تنظيم الإخوان المسلمين، رغم الإختلافات الإيديولوجية الكبيرة بين الفريقين.
خبراء رجّحوا أن تجبر طالبان القاعدة، على حلّ نفسها أو إعادة تشكيل نفسها تحت مسمى جديد والتخلّي عن إيديولوجيتها التي تشدّد على الهجمات الخارجية ضدّ القوى الغربية، وتوجيه الظواهري في الإنفتاح على العمل مع سلالات إيديولوجية مختلفة توفّر غطاءً لطالبان للعمل مع الغرب.
يدل على ما سبق، ما كشفته وثائق “أبوت آباد” عن نقاش دار بين الظواهري والزعيم السابق للقاعدة أسامة بن لادن قبل مقتله، حول الحاجة إلى إطلاق اسم جديد للقاعدة بعدما أصبح اسمها مرادفًا لأعمال العنف.
ضربات الدرون
شكّلت الضربات الأمريكية التي شنّتها طائرات من دون طيّار على المناطق القبلية في باكستان، والتي تأوي من بقي من أنصار القاعدة، معضلة كبيرة لمقاتلي التنظيم، الأمر الذي دفعهم إلى الإختباء والتواري عن الأنظار، وأضعف معها قدرة القاعدة على التخطيط لشنّ هجمات كبيرة كهجمات 11 أيلول وتفجيرات لندن ومدريد.
استقلال الفروع
من أبرز المعطيات التي تدلّل على ضعف وتآكل القاعدة، استقلال فروع التنظيم في كثير من المناطق حول العالم، وتفاقم الخلافات بين قيادات الصف الأوّل في التنظيم، وأبرز أمثلتها، استقلالية حركة الشباب في الصومال، وفرع (القاعدة في جزيرة العرب) في اليمن، وانشقاق فرع الرافدين في العراق الذي شكل لاحقاً نواة داعش، العدو اللدود للقاعدة، وتمرّد أنصار التنظيم الإقليميين، كتمرد أبو محمد الجولاني زعيم جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على أوامر الظواهري، والدخول في مهاترات مع الظواهري، وأصبحت اليوم بعض فروع القاعدة تقاتل في منطقة الساحل والصومال وبعض دول الشرق الأوسط بشكل مستقل، وابتعدت عن تنفيذ أحد أهم الأسس التي تقوم عليها القاعدة، وهي تنفيذ هجمات ضدّ دول الغرب.
رفقاء الأمس أعداء اليوم
يرى مراقبون أنّ توقيع طالبان -الحديقة الخلفية للقاعدة -اتفاق سلام مع واشنطن والحكومة الأفغانية، إنّما يشكل الفصل الأخير من عمر تنظيم القاعدة، ويبدو أنّ التنظيم وزعيمه أيمن الظواهري، باتوا يعيشون فصولهم الأخيرة، على ضوء اتفاق السلام ذاك، وتعهّد طالبان بعدم السماح للقاعدة أو أيّ تنظيم آخر بالتواجد والعمل في أفغانستان.
ما سبق أكّده المتحدث السياسي باسم طالبان، سهيل شاهين، في لقاء مع “أخبار الآن“، فالرجل نفى نفياً قاطعاً وجود بيعة بين جماعته والقاعدة، فالبيعة التي تعتبر أساس العلاقة بين الجماعتين، شكّلت رأس هرم مشاكل القاعدة المتلاحقة والمتراكمة، وبدأت كأنّها الطامة الكبرى للظواهري، فمحاولة زعيم القاعدة إضفاء شرعية لوجود تنظيمه في أفغانستان عبر تقديم البيعة لزعيم طالبان هيبة الله أخوند زاده في مايو 2016، لم تؤتِ ثمارها، وأصبح التنظيم مكشوفاً الآن، على الرغم من تقرير أممي أخير، كشف عن استمرار العلاقة بين طالبان والقاعدة.
دراسة: الأدلّة العلمية تشير إلى أنّ معظم الجماعات لا يمكنها التعافي بعد القضاء على زعيمها
تناول الكثير من الدراسات الجماعات المتشددة ونشأتها واستمرارها واندثارها، ولعل أبرزها الدراسة التي أوردها الباحث “برايان سي برايس” والتي تتناول إمكانية استمرار الجماعات الراديكالية بعد مقتل قادتها البارزين، إذ يرى الباحث أنّ الأدلّة العلمية تشير إلى أنّ معظم تلك الجماعات في الواقع لا يمكنها التعافي بعد القضاء على زعيمها. وفي المتوسط ، تنتهي هذه المجموعات في غضون 14 عاماً من القضاء على زعيمها.
ولو أسقطنا الدراسة البحثية على تنظيم القاعدة، لوجدنا أنّ التنظيم لم يتبقَ له الكثير من الوقت حتى ينتهي فعلياً، خصوصاً أنّ زعيمه ومؤسسه أسامة بن لادن مضى على مقتله أكثر من 10 سنوات، إضافةً إلى ضعف قيادة زعيمه الحالي أيمن الظواهري، وتمرّد الكثير من الفروع على القيادة الأم كما أسلفنا سابقاً، وبالتالي فإنّ القاعدة تواجه خيارين أحلاهما مر، فإمّا أن تبقى على وضعها الحالي الذي يضعف يوماً بعد يوم نتيجة المتغيّرات التي ذكرنا آنفاً، أو أن ينعي قائدها الظواهري بنفسه القاعدة وربّما يسعى إلى إنشاء كيان آخر تحت مسمى جديد قد يختلف ببعض توجهاته عن القاعدة التقليدية، وفي كلّ الأحوال تبقى الخيارات السابقة مرفوضة من قبل أنصار القاعدة ومقاتلي الصف الثاني في التنظيم.