بوكو حرام، عنوانٌ عريضٌ للإرهاب في غرب أفريقيا، شأنه شأن باقي التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط أيضاً، والتي تعمل على تدمير حياة البشر، وبالتالي المجتمعات بعد غسل أدمغة الشباب فيها. كثيرون انخرطوا في بوكو حرام في شمال نيجيريا، لكنّهم وبعد اختبار دموية التنظيم، ندموا فقرّروا العودة إلى حياتهم الطبيعية.. فما الآلية لذلك، وما هي البرامج التي تشجع هؤلاء على الإنشقاق؟
- شهادات حية لمقاتلين منشقين عن بوكوحرام يتحدّثون عن دموية الجماعة
- بوكو حرام استخدم الترهيب والقتل لإجبار المدنيين على الالتحاق بصفوفها
- غسيل أدمغة الشباب من أبرز وسائل الجماعة لاستقطاب مقاتلين جدد
- أخبار الآن تدخل مخيم باكاسي في ولاية بورنو شمال نيجيريا
نيجيريا التي تقع غرب أفريقيا، هي أكبر بلد أفريقي من حيث عدد السكان. في أقصى الشمال الشرقي للبلاد، تقع ولاية بورنو، التي تشترك بحدودها مع النيجر من الشمال، تشاد والكاميرون من الشرق، وهنا نشطت بوكو حرام، وهي تسمية بلغة الهوسا، وتعني اسمها التعليم الغربي حرام.
منذ تأسيس جماعة بوكو حرام المتشددة في نيجيريا بين العامين 2002 و2004 وإلى يومنا هذا، تتواتر الأخبار والتقارير عن تلك الجماعة الراديكالية ذات المرجعية الأصولية، والتي ضمّت آلاف المقاتلين الناشطين في البلد الأفريقي وما يحيطه من دول أفريقية أخرى، كان لها نصيب من نشاط الجماعة الموصوفة بالتشدّد والإرهاب.
مؤسس بوكوحرام محمد يوسف، عمل قبل إعدامه في العام 2009، على ترسيخ العقيدة الأصولية لدى اتباعه، مستقطباً إيّاهم بالعاطفة تارةً، وبالإكراه تارةً أخرى وفق شهادات أوردتها منصّات إعلامية عديدة حول العالم. وبعد نحو عشرين عاماً على التأسيس، لعبت الجماعة دوراً مهمّاً في رسم الخارطة العسكرية في بقاع أفريقية عدة، لا سيّما بعد مبايعتها لتنظيم داعش في العام 2015 وتغيير اسمها إلى ولاية غرب أفريقيا، وانخراطها بقتال دام مع الحكومة النيجيرية وارتكابها أعمال قتل وخطف بحق الجيش النيجيري والمدنيين.
ورغم ورود عشرات التقارير عن نشاط الجماعة، إلّا أنّ الكثير من التفاصيل عن تلك الأنشطة بقي طي الكتمان بسبب طبيعتها السرية، وأعمال القتل والتهديد التي تستهدف أيّ منشق أو شاهد على تحرّكات بوكو حرام.
هاربون من بوكو حرام
ومع ذلك تمكّنت “أخبار الآن” من إجراء لقاءات مع منشقين عن الجماعة، ومع من كانت تربطهم بمقاتليها علاقة شخصية، وقد تصاعدت وتيرة الانشقاقات والاقتتال بين صفوفها، وتشرذمها إلى فصيلين على الأقل، أحدهما مازال مبايعا لداعش تحت قيادة البرناوي، والآخر عمل تحت قيادة زعيم بوكو حرام السابق أبي بكر شيكاو قبل أن يعلن تنظيم داعش في شهر يونيو الماضي، مقتله بعدما فجر نفسه رافضا الاستسلام للتنظيم.
إجبار على الانضمام وإلّا فإنّ المصير سيكون القتل
ففي مخيم “باكاسي” في ولاية “بورنو” شمال شرق نيجيريا، التقت “أخبار الآن” بمقاتلين سابقين في بوكو حرام، أحدهم يدعى “موسى” الذي تمكّن من الانشقاق والفرار بعد أن أثقل كاهله ما رآه من أفعال وحشية ارتكبتها الجماعة بحق عشرات المدنيين والعسكريين.
المقاتل السابق، بدء بسرد أسباب انضمامه إلى بوكو حرام، معلّلاً ذلك بأنّ أبرزها كان إجباره من قبل الجماعة على الإنضمام لها، وقال: “كنا محاصرين في المدينة عندما أطبقت بوكو حرام سيطرتها على بلدتي، ولم يكن هناك أيّ مخرج؛ لقد أُجبرنا على أن ننفّذ كلّ ما كانوا يطلبونه.. كنا نحضر الماء وقد مُنعت نساؤنا من الذهاب إلى المزارع قبل أن أتمكن من الهروب”.
وأضاف: “إلّا أنّه بعد فراري من بوكو حرام، وشى بي أحدهم للجيش النيجيري فأوقفوني على الفور واقتادوني إلى ثكنة عسكرية واعتُقلت هناك لمدّة 4 سنوات ونصف قبل أن يخلى سبيلي نهائياً”.
موسى بعد رفضه الإفصاح عن الدور الذي أُسند إليه أثناء تواجده مع بوكو حرام، قال: “قبل أن أُجبر على الإنضمام إليهم، كنا نجلس أحياناً خارج بلدتي، كان مقاتلو بوكو حرام يأتون ويختارون أشخاصاً بيننا فكنا نهرب ونختبىء خوفاً من وحشيتهم في التعامل معنا.. كنا ننام أحياناً في الأدغال من دون ماء أو طعام. كنا نأكل فقط بعض الفاكهة الجافة”.
“أدركت أنّ يوماً سيأتي سيقوم فيه تنظيم بوكوحرام بقتلي”
موسى أدرك في خضّم الأحداث التي عايشها، أنّ مصيره لن يختلف عن مصير باقي زملائه الذين تمّ قتلهم على يد بوكوحرام، وهو الأمر الذي دفعه للفرار خصوصاً بعد معرفته أنّ الجماعة قتلت والدته، وقال: “كنت أرى مقاتلين يُقتلون وفي كلّ مرة أسمع أخباراً عنهم.. أيقنت أن دوري سيأتي في أحد الأيام؛ فقرّرت أن ألوذ بالفرار كي أنقذ حياتي وكي أتمكن من العيش بسلام مع أهلي”.
وأضاف: “لاحقاً علمت أنّ أمي قُتلت على يد قادة بوكو حرام لأنّها خرجت من البلدة ثم عادت إليها.. تمسكت بالصبر قبل أن أتمكن من الفرار”. وتابع: “تمكّنت من الفرار عندما جمعنا قادة الجماعة للذهاب إلى القتال.. حينها رجعت إلى منزلي واصطحبت زوجتي وتمكنا من الهرب تحت جنح الظلام”.
وأردف: “هذه المنظمات تستقطب أشخاصاً عاطلين عن العمل ولا يملكون وظيفة، ما يجعل معيشتهم صعبة فيقعون بسهولة في فخ قوى الشر. إن كان لدينا وظيفة أو عمل معين، لما كنا انضممنا إلى المنظمة بل كنا ركّزنا جهودنا على بناء حياة أفضل لنفسنا، حتى أنّ الذين انضموا إلى المنظمة يُقتلون في غالبيتهم وبعضهم يسلّم نفسه طوعاً للحكومة بسبب المصاعب والجرائم اللامتناهية. من الأفضل أن يجد المرء وظيفة أفضل ليعيش حياته”.
بعد استسلام مقاتلين من بوكو حرام: داعش بغرب أفريقيا يستجيب لأوامر القيادة المركزية فما التغيّرات؟ للمزيد إضغط هنا
موسى اختتم قصته بقوله: “أريد أن أنعم بالسلام. فأنا لم أعش قط بسلام عندما كنت في صفوفهم. أريد أن أعيش بسلام مع الجميع. أشتاق لرؤية أقربائي الذين نادراً ما كنت أراهم عندما كنت في صفوف بوكو حرام”.
قصة انضمام وانشقاق أخرى فيها الكثير من العناصر المشوقة
لم تختلف قصة إبراهيم دوغجي، وهو مقاتل سابق أيضاً في بوكو حرام تمكّن من الانشقاق عن الجماعة، عن قصة زميله موسى كثيراً، فبدأ بإخبارنا عن أسباب التحاقه بالجماعة، وقال: “قبل انضمامي إلى بوكو حرام، كنت مزارعاً وراعياً أيضاً، وكنت أبيع أدوية طبية تقليدية. كنت أعمل في ذلك المجال قبل أن تبدأ قصتي مع بوكو حرام”.
وأضاف: “في صباح أحد الأيام، اقتحم مقاتلون من بوكو حرام بلدتي، كانوا أقوى من الجنود النيجيريين الذين فرّ بعضهم مستعينين بالإختفاء بين الصخور.. كنت أعيش بالقرب من جبل يطل على بلدتي. في البداية رفضت الهرب وبقيت مع أفراد عائلتي منتظراً ما ستؤول إليه الأمور”.
وأردف: “في صباح اليوم التالي، هزمت قوات الجيش بالكامل وبدأوا يقتلون السكان في البلدة.. ذُعرنا عندما سمعنا بما كان يحصل فهربنا إلى الجبل واختبأنا هناك. كان هناك أشخاص آخرون يختبئون أيضاً. لقد اختبأ البعض في المنازل بينما اختبأ البعض الآخر بين الصخور. تمكن البعض من الفرار من البلدة وأخبروا القوات الحكومية بأنه لا يزال هناك مواطنين محاصرين في البلدة ويختبئون في سقوف المنازل والحمّامات كي تهرع الحكومة لإنقاذنا”.
وتابع: “عندما سمعت الجماعة بأنّ هناك مدنيين يختبئون في سقوف المنازل والحمّامات، بدأوا يفتشون عنا، وبدأوا كذلك بإطلاق النار على السقوف وقتل الكثير من المدنيين. تمكنا من الهروب إلى الجبل مرة أخرى وبقي 15 شخصاً منا فقط”.
وأضاف: “لاحقاً، قُتل من المجموعة التي كانت تتحصن معي بين الصخور 8 أشخاص، وبقينا نحن أي 7 أشخاص مختبئين. بعد ذلك تركنا شخص من مجموعتنا، وقام بإخبار قادة بوكو حرام عن مكان تواجدنا، وعندما استيقظنا في الصباح الباكر، وجدناهم يضربون حزاماً حولنا وقالوا لنا إنّه لا يجدر بنا أن نهرب فهم لن يقتلوننا فبقينا.. لاحقا اقتادونا إلى أحد المنازل وقاموا بتوجيه الأسلحة النارية صوبنا، عندها سأل مقاتل من بوكو حرام زميله قائلاً: هل هم لي أم لك؟.. بمعنى هل سنُقتل أم لا؟ ليكون جواب زميله بعدم التعرض لنا.. لولا ذلك لكنا قد قُتلنا على الفور”.
“أنذرنا القادة ان كل من يرفض اللحاق بهم سيُقتل حتى لو كان طفلاً”
واصل إبراهيم سرد قصته مع بوكو حرام، وكيف تعرض لابتزاز الجماعة مقابل الحفاظ على حياته، وقال: “بعد نجاتنا من عملية القتل على يد الجماعة، اقتادونا للقاء القادة الكبار، والذين بدورهم وجهوا إلينا السؤال التالي: هل تنضمون إلى دين الله أم لا؟ وعندها أجبنا نحن نمارس أصلاً دين الله وبالطبع سنقوم بذلك، سألونا أين تقع منازلنا فأشرنا إليهم بمكانها. ثم سجنونا لمدة 20 يوماً في منزل آخر حيث كانوا يعتقلون مدنيين”.
وأضاف: “بعدها أطلقوا سراحنا واصطحبونا إلى منازلنا وسألني أحدهم أهذا منزلك؟ فقلت نعم. عندئذ قالوا لي، لم يعد منزلك بعد اليوم لأنه اصبح ملك شيكاو ولكنك محظوظ لأنه يمكنك العيش فيه، ومكثنا في المنزل لكن القادة كانوا يأتون كل يوم ليخيفونا ويهددونا. بعد انقضاء بعض الوقت، جمعنا القادة في مكان واحد وقالوا من اليوم فصاعداً، لن يحصل مكروه لكل من وافق على الانضمام إلينا وهكذا بقيت معهم”.
وأردف: “لاحقاً نفذ الجيش هجوماً على لإنقاذ بلدتنا، وقال لنا القادة في بوكو حرام إن كنا نريد أن نبقى على قيد الحياة علينا أن نذهب إلى الأدغال برفقتهم وهكذا التجأنا إلى الأدغال معهم، ثم بدأنا بالسير على أقدامنا عند المغرب تقريباً ولم نرتاح إلا في صباح اليوم التالي عندما وصلنا إلى بلدة اخرى في الأدغال. فأمر القادة سكان البلدة بالذهاب إلى غووزا بينما بقينا نحن في البلدة من دون طعام أو ماء. وبما أن بعضنا كان على معرفة ببعض سكان البلدة، أحضروا لنا بعض الطعام والماء”.
وقال: “علمنا بعد ذلك أنّ الجيش النيجيري ألحق الهزيمة بفصيل بوكو حرام فغادرنا غووزا وقُتل عدد من مقاتلين، ومن ثم توغّلنا أكثر في الأدغال وأنذرنا القادة ان كل من يرفض اللحاق بهم سيُقتل حتى لو كان طفلاً، فتوغلنا أكثر في محيط شيا داواي وهي بلدة صغيرة أخرى، ثم اختاروا البعض منا خصوصاً الشباب وبعد ذلك قالوا إنهم سيُقتادون إلى ماركاس حيث يقع المقر وإن كل الذين لن يتمكنوا من الذهاب إلى القتال فسيكون لهم مهمّة أخرى. شخصياً وكّلت بالاهتمام بالمزارع ونقل المحاصيل إلى خطوط المواجهة، ومهما كان المحصول في المزرعة فإنه يتوجب عليك إعطاؤهم أغلبه، فمثلاً إنْ كان 10 أكياس، تأخذ القيادة 9 منه ويبقى لك كيس واحد”.
ترويع
وتابع المنشق عن بوكو حرام قائلاً: “كان أفراد بوكو حرام الذين يحرسون مدخل قريتنا يطلقون النار على الجنود الذين يهاجمونهم ثم يهربون من دون إبلاغنا لنحضّر نفسنا فهم يفعلون ذلك دوماً ويهربون فننضم إليهم ونهرب نحو الأدغال أيضاً. في النهاية تمكن جنود من الجيش النيجيري من التفوق على وحدتنا وانسحبنا نحو الأدغال. لقد وقع الكثير من الضحايا في ذلك اليوم بمن فيهم نساء وأطفال”.
وأردف: “بعد سقوط الكثير من القتلى في مجموعتنا، اجتمعنا لعقد لقاء في الأدغال وجاء الأمير وقال إن ثمة خائن بيننا خان الأمّة وتواصل مع الجيش النيجيري. فأمر القادة بأن يصطحبونا إلى مكان الذبح حيث يقتلون المواطنين. وعندما وصلنا إلى هناك، نادى الأمير أحد أفراد بوكو حرام وقال أن يصطف المقاتلون المسلحون من جهة وقال لنا إن مَن لم يعد قادراً على القتال وأصبح ضعيفاً لم يعد ينفعهم بعد ذلك اليوم. صُوّبت الشاحنة المحمّلة بالسلاح نحونا ولكن الأمير طلب منها الابتعاد بعد ذلك. ثم خاطبنا الأمير مجدداً وقال لنا إنه بدءاً من ذلك اليوم سنغادر ذلك المكان وننتقل إلى سامبيسا ولن يبقى أحد سواء كان شاباً أو عجوزاً. قال إننا سنذهب إلى سامبيسا في غضون 10 أيام. فبدأنا بحزم أمتعتنا واستغرق ذلك نحو 7 أيّام”.
وأضاف: “عندما تبقى لدينا 3 أيام للانتقال إلى سامبيسا، كان لديّ اجتماع مع بعض الأفراد الذين يودّون الهروب فقلنا ما الغاية من الذهاب إلى سامبيسا فحتى لو ذهبنا إلى هناك، سنلقى حتفنا وسنُقتل، فقلت لهم أنني أفضّل أن أبقى في البلدة وحتى لو قتلني الجنود ستعرف أمي وعائلتي أنني قُتلت ويمكنهم أن يروا جثتي فهذا أفضل من الاستمرار في العيش ببؤس في سامبيسا”.
وتابع: “في منتصف الليل عبرنا الأدغال وواصلنا السير على الأقدام حتى بزوغ الفجر. في اليوم الثالث هرب نحو 52 شخصاً منا ووصلنا إلى بلدة بالقرب من غووزا حيث اعترضنا جنود من الجيش النيجيري أثناء هروبنا، وقالوا لنا إننا أفراد في بوكو حرام وأمرونا بأن نرفع أيدينا ولكننا قلنا لهم أننا لسنا من بوكو حرام وأننا هربنا منهم. فأطفالنا يُقتلون إن رفضوا القتال مع بوكو حرام، وأخبرتهم أنني قبل انضمامي إلى بوكو حرام، اصطحبوني 3 مرات إلى مركز الذبح ليقتلونني، وكيف بقيت متمسكا بأمل الهروب يوماً ما”.
الحكومات تأخّرت في تطبيق برامج تستوعب المنشقين وغالياً لم تعرف كيف تتصرف معهم
لم يشفع لابراهيم دوغجي عند وقوعه بقبضة الجيش النيجيري تفاصيل حكايته، فتعرض للتعذيب والضرب على يد أفراد الجيش، وقال: “تعرّضنا للضرب المبرّح لدرجة أنني كنت أعجز عن السير وأزحف كالطفل لأذهب إلى الحمّام. لقد أمضينا 4 أيام معهم لم يتوقفوا فيها عن ضربنا واستجوابنا، وعادة يخلون سبيل من يعترف بأنه فرد في بوكو حرام، ومع ذلك بقيت متمسكا بروايتي أني لست فردا من الجماعة، وعندها استجوب الجنود أحد أفراد بوكو حرام الذي كان قد اعتُقل في بلدة أخرى وسألوه عن دوري في تنظيمهم فقال لهم إنني كنت مسؤولاً عن المزرعة، فقال لي الجنود إنني قلت بعضاً من الحقيقة وأمروني بان أقف على رجليّ لكنني لم أكن أستطيع فعل ذلك من شدّة الضرب. فحملوني لاحقاً وأودعوني في زنزانة. وفي اليوم التالي اصطحبوني إلى مايدوغوري معصوب العينين ومكبّل اليدين في باص أصفر اللون. أمضينا 4 أيام في مايدوغوري قبل أن ينقلونا إلى مركز إعادة التأهيل في غومبي حيث أمضينا سنتين قبل أن تفرج عنا الحكومة عندما تأكدت من براءتنا”.
قتل بالجملة
روى لنا ابراهيم دوغجي كيف شهد عشرات الإعدامات وأعمال القتل أمام عينيه وقال: “وحده الله يعلم كم مات شخصاً في هذا النزاع. أطلق المقاتلون النار على 8 أشخاص تقريباً أمامي، كان عدد الموتى لا يحصى. فقد رأيتم كيف كانوا يوقفون 10 او حتى 20 شخصاً في الصف ويقتلونهم مثل الماعز، كانوا يقولون إن هؤلاء يقاتلون الله بما أن بعضهم كان قد انضم إلى القوة الضاربة المدنية المشتركة”.
وأضاف: “سوف تتفاجأ إن قلت لك إن بوكو حرام تأثرت كثيراً بداعش وأنهما يتبعان العقيدة نفسها ويستعملونها كدرع يختبئون وراءها. أحياناً كانوا يرسلوننا إلى مركز الذبح لقتلنا بينما كان أكبر القادة يتواجدون في سامبيسا”.
دوغجي لفت إلى أن بوكو حرام تأوي عددا من المقاتلين الأجانب في صفوفها وقال: “هناك افراد غير نيجيريين في صفوف بوكو حرام وهناك بيض أيضاً. كان هناك 3 فئات مختلفة، بعضهم لديهم شعر طويل بينما البعض الآخر لديه تسريحات شعر جانبية. نعم لقد رأيتهم كلهم. شخصياً لم أتعامل معهم ولكنهم يعملون مع كبار القادة في بوكو حرام وداعش وعندما كان يتمّ اختيار المقاتلين للمشاركة في الحرب، كان المقاتلون الآخرون الذين لا يقع الاختيار عليهم يجهشون في البكاء”.
وأضاف: “كان بعضهم يتحدث الفرنسية حتى لو لم يكونوا يمضون الكثير من الوقت معنا. فأحياناً كانوا بالكاد يمضون 5 دقائق. هم بالكاد يتكلمون بالعادة وكان بعضهم يبقى في السيارة من دون التكلم مع أحد وبعدها يرحلون على الفور”.
ما هو عدد المنشقين عن بوكو حرام في نيجيريا؟ إضغط هنا
دوغجي وصف لنا تجربته مع بوكو حرام، وقال لنا بحرقة: “لقد أثروا كثيراً فيّ فكنت أرى الكوابيس دائماً في نومي حول ما كانوا يفعلونه بي أو بغيري. كلما كنت اتذكر كيف كانوا يعاملونني كنت أفقد عقلي لبضعة أيام قبل أن يعود السلام إلى قلبي من جديد. وكلما كنت أتذكر كيف كانت حياتي معهم وأرى كيف أعيش بسلام اليوم، أشكر الله فحسب على أنني ما زلت على قيد الحياة”.
واختتم حديثه قائلا: “إن الرسالة التي أبعثها للعالم بأسره هي أنه إن كنت في بوكو حرام، عُد إلى رشدك وإلى شعبك بما أن الحكومة صرّحت بأنه إن ندمت ورميت سلاحك، لن تُقتل وسيبقى الماضي في يد الله وإن كانت لديك النية في الانضمام إلى بوكو حرام فعليك أن تعلم أنك ستدمّر حياة شعبك من خلال اقحامهم في عدم الاستقرار.. لذلك من فضلك لا تفعل ذلك”.
برامج الإنشقاق
الباحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية الدكتور فنسن فوشيه، شرح لـ “أخبار الآن“، أهمية البرامج التي تقوم بها دول محيط بحيرة تشاد، فقال: نلاحظ أنّ كلّ بلد من البلدان الأربعة المحيطة ببحيرة تشاد وضعت آلية لتشجيع مواطنيها على الإنشقاق عن الجماعات المتشدّدة. هذه الآليات ليست متطوّرة على نحو متساوٍ، إلّا أنّ الآلية الأولى وربّما الأكثر تنظيماً، الآلية النيجيرية، والتي تضمّ نظام ترانزيت عبر مواقع مختلفة يصار فيها إلى تقييم وضع المواطنين، وهكذا يُرسل الأشخاص الذين يُقيّمون كمنشقّين فعليين لمدّة 6 أشهر إلى مركز يتلقون فيه تدريباً محترفاً وتعليماً على القراءة والكتابة، وكذلك جلسات محادثة دينية وتربية مدنية، ثم يُعادون إلى موطنهم.
وتابع: “حالياً ثمّة برنامج يساعدهم على تأمين مدخول لهم، وهكذا يكون البرنامج النيجيري المدعوم من عدد من المانحين الإقليميين الأكثر تنظيماً. إنّ بعض البرامج الأخرى على غرار برنامج تشاد هي أقل تنظيماً بكثير بحيث تتمّ إعادة المنشقين إلى موطنهم تحت إشراف السلطات المحلية، وتتم إعادة دمجهم أيضاً في الجماعات المحلية كما هم، إلّا أنّ هذا النظام ليس متماسكاً ومنظماً كالنظام المتّبع في نيجيريا“.
بوكو حرام “حصان يُحتضر”.. ودول بحيرة تشاد تطوّر البرامج لتشجيع الهروب .. للمزيد إضغط هنا
مالام بوبا، هو صديق أحد المنشقين عن بوكو حرام، فقد أكّد لـ”أخبار الآن“، أنّ “بوكو حرام يستخدم كلّ أساليب غسل الأدمغة خصوصاً للشباب بهدف استقطابهم للقتال”، وقال: “في البداية لم يكن أحد يريد الإنضمام إلى صفوف بوكوحرام، فلم نكن نتخيّل أنّ ذلك قد يحدث في نيجيريا”.
وتابع: “إلّا أنّ الشباب بدأوا بالخضوع لعملية غسيل أدمغة، فبوكو حرام تنظيم منظّم جداً ولديهم فرق تتوجه إلى البلدات وترغم الناس على اعتناق عقيدتهم وإنْ رفضوا يقتلونهم. وبّما أنّ الروح غالية الثمن، ينضم الناس إليهم وعندما يفعلون ذلك يتحوّلون على يد بوكوحرام إلى مجرمين بلا شفقة من دون أيّ امتعاض. إنّ الله أدرى بالسبب الحقيقي وراء تأسيس هذا التنظيم. لقد أسّسوه للقضاء على شبابنا”.
وأردف: “أريد أن أوضح أنّ شبابنا يُرغمون بمعظمهم على اعتناق عقيدة بوكو حرام.. نحن نجتمع كلنا اليوم في مخيم كان قد بُني أصلاً للعمال لكنّه اليوم يأوي آلاف النازحين مثلي من أنحاء كثيرة من ولاية بورنو. لم يعد بوسعنا أن نذهب إلى المزرعة وإن جئت إلى هنا في الصباح ترى في الشارع آلاف الرجال والنساء الذين يخرجون من المخيم ليستعطوا حفنة من المال تمكنهم من إطعام عائلاتهم.. بكل صراحة لا يمكن قياس البؤس والشدّة التي اقحمتا فيها بوكوحرام. أنا أتوسّل حكومتنا أن تعزز جهودها كي ننعم بالراحة. ونحن نصلّي كي يرتدّ شبابنا الذين انضموا إلى بوكوحرام لأن الحكومة ستقبل بهم إن استسلموا”.
مالام بوبا اختتم حديثه قائلاً: “هناك شباب لديهم شهادات لكنّهم عاطلون عن العمل.. أريد أن أحثّ حكومتنا على أن تبادر إلى تعليم شبابنا روح المبادرة والمهارات، لأنّ ذلك من شأنه التخفيف من حدّة الأزمة. كما أريد أن أنصح شبابنا بأن يخافوا الله ويتّعظوا من تدهور أحوالنا. عليهم أن ينشقوا ويعودوا إلينا كي نبني معاً أمّتنا. وعلى الأهل أن يرحّبوا بهم كذلك ويحتضنونهم لأنهم أعلنوا توبتهم وأوبتهم”.
شاهدوا أيضاً: داعش ضد داعش.. هل تواصل القيادة المركزية تصفية القيادات الأجانب؟