قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين.. دموية ممنهجة
بمرور السنين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وسع تنظيم القاعدة رقعة شبكته الجغرافية بضم جماعات سلفية متطرفة تحت لوائه، بدورها سعت هذه الجماعات والحركات لمبايعة زعيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن، في مسعىً من الطرفين على حشد مزيد من القوة والانتشار والقدرة على تنفيذ مزيد من الهجمات.
ففي العراق، فتحت القاعدة لها فرعاً دموياً بعد أن بايعتها جماعة التوحيد والجهاد التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي، فغيرت جماعته اسمها في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2004 ليصبح قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين.
كانت جماعة الزرقاوي دموية منذ بدايتها، فعلى سبيل المثال تبنت تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد الذي نفذ بسيارة مفخخة، وراح ضحيته 22 شخصاً من بينهم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك سيرجيو دي ميللو، فضلاً عن إصابة ما لا يقل عن 100 آخرين.
ومع دخول جماعة الزرقاوي في تنظيم عالمي، لم يكن يمر شهر على مر السنين دون أن تنفذ هجوماً أو تفجيراً أو إعداماً، ولم تكتفِ باستهداف الأميركيين أو مصالحهم، بل شنت هجمات عديدة على المسلمين الشيعة ونفذت منهجية لقتل أفراد العشائر العراقية السنية التي لم تواليها، كاغتيال عبد الستار أبو ريشة وآخرين ممن كانوا جزءا من مجالس “صحوة الأنبار”.
من بين هذه العمليات، تفجير الحلة الذي نفذه انتحاري أردني بسيارة مفخخة في 28 شباط/ فبراير عام 2005، مستهدفاً تجمعاً للعراقيين عند مركز طبي وأسفر عنه 127 ضحية من المسلمين الشيعة.
وبين 15 و 17 تموز/ يوليو 2005 أيضاً، نفذت سلسلة هجمات انتحارية من بينها هجوم لانتحاري فجر نفسه بالقرب من صهريج غاز في سوق شعبي مكتظ قرب مسجد بمدينة المسيب وخلال خروج المصلين، خلف الانفجار هذا وحده أكثر من 100 قتيل، وما يزيد عن 150 جريحاً، وخلفت سلسلة الهجمات هذه أكثر من 150 ضحية غالبيتهم مدنيين، فضلاً عن جنود عراقيين وبضعة جنود بريطانيين وأميركيين، وما يزيد عن 260 جريحاً.
أعلنت القاعدة حينها أن الهجمات جزء من خطة للسيطرة على العاصمة العراقية بغداد، وذكرت مصادر إعلامية أن عدد القتلى في هذا الشهر وحده وصل 800 قتيل.
وفي 14 أيلول/ سبتمبر 2005 كذلك، أعلنت القاعدة في العراق مسؤوليتها عن سلسلة تفجيرات في مناطق مختلفة من بغداد، أسفرت عن 160 ضحية معظمهم مدنيون.
لم تكتف القاعدة في العراق باستهداف المدنيين بل اعتدت على مقدساتهم، ومن بين ذلك تفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في 22 شباط/ فبراير عام 2006، في عملية منظمة قام خلالها المهاجمون بتقييد شرطة حماية الضريح، ومن ثم زرع عبوتان ناسفتان قدرتا بمئة كيلوغرام من المتفجرات تحت القبة، ما أسفر عن انهيارها، وإشعال فتنة طائفية بين الشيعة والسنة، نجم عنها اعتداءات وهجمات على عراقيين سنة ومساجدهم، أدت إلى أكثر من 100 قتيل، من بينهم أئمة مساجد.
الواقع أن الهجمات الانتحارية والتفجيرات التي نفذتها القاعدة في عامي 2005 و 2006، تحتاج لوحدها مجلداً خاصاً ملوّناً بدماء، غالبيتها لمدنيين أبرياء وجنود عراقيين، وعدد قليل من الجنود البريطانيين والأميركيين.
من بين الهجمات الدموية كذلك، مجزرة تلعفر التي نفذت بتفجير شاحنتين مفخختين في أحياء تلعفر بمحافظة نينوى في 27 آذار/ مارس 2007، وبلغ عدد الضحايا القتلى 152 والجرحى 347، جلّهم مدنيون من التركمان.
في 9 تموز/ يوليو من العام نفسه (2007)، فجر انتحاري يقود شاحنة مفخخة نفسه في سوق شعبي بالحي العسكري لناحية آمرلي شرق بغداد، حيث سقط أكثر من 156 قتيلاً، وأصيب 255 آخرين من المدنيين التركمان.
في الأردن.. القاعدة تقتل مخرج فيلم الرسالة وتحول زفافاً لمأتم كبير
امتدت عمليات القاعدة في العراق لتطال الأردن، في هجمات عرفت باسم الأربعاء الأسود أو تفجيرات عمان، التي وقعت في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2005، ونفذها انتحاريون بأحزمة ناسفة في ثلاثة من فنادق العاصمة الأردنية عمّان، أحدها نفذ في حفل زفاف. أسفرت التفجيرات عن 57 قتيلاً و115 جريحاً، من بينهم المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد، الذي كان قد أدى للإسلام خدمة تنويرية بإخراجه فيلم الرسالة عن قصة نزول الرسالة المحمدية، باللغتين العربية والإنكليزية.
انتحاريو القاعدة يضربون الكنانة في شرم الشيخ
لم تسلم مصر من عبث القاعدة وجماعاتها، إذ ظهرت ذراع لها اسمها القاعدة في بلاد الشام وأرض الكنانة – كتائب عبدالله عزام نفذت عدة هجمات، منها في طابا ونويبع، لكن أبرزها وأكثرها دموية كانت تفجيرات شرم الشيخ في 23 تموز/ يوليو عام 2005 التي أسفرت عن 88 ضحية من المصريين والسياح الأجانب عدد كبير من الجرحى. ونفذت بسيارة مفخخة فجرت في منطة البازار، والثانية كانت قنبلة موضوعة بحقيبة ظهر عند فندق موفنبيك، أما الهجوم الثالث فكان بشاحنة مفخخة قادها انتحاري إلى بهو فندق غزالة.
القاعدة تعبث في بلاد المغرب
امتدت بصمات القاعدة إلى بلاد المغرب بعد أن أعلنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية انضمامها للقاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وتُغيّر اسمها في عام 2007 إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومنذ هذا التغيير، قامت القاعدة في المغرب بهجمات في كل من الجزائر وموريتانيا وتونس ومالي وبوركينا فاسو.
أبرز هذه الهجمات في الجزائر، انفجاران بسيارتين مفخختين في الجزائر العاصمة بتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2007، أحدهما استهدف مقر رئيس الحكومة وقُتل فيه 12 شخصاً وأصيب 118 آخرون، أما السيارة الثانية، فانفجرت مركز الشرطة ببلدية باب الزوار وراح ضحيتها 11 شخصاً وأصيب 44 آخرون.
من بين الهجمات كذلك، هجوم انتحاري نفذه اثنان بسيارة مفخخة بمدينة دلس، وقع في 8 أيلول/ سبتمبر من نفس العام (2007) واستهدف ثكنات للقوات البحرية، وأسفر عن أكثر من 30 قتيلاً وإصابة 47 آخرين.
هذا العام الدموي في الجزائر، أنهته القاعدة في 11 كانون الأول/ ديسمبر بهجومين انتحاريين، الأول أمام المحكمة الدستورية العليا وتزامن مع مرور حافلة تقل طلابًا جامعيين، والثاني بالقرب من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. أسفر الهجومان عن 50 قتيلاً و177 جريحاً، و14 شخصاً من موظفي المفوضية في عداد المفقودين.
أما أبرز الاعتداءات التي نفذتها القاعدة في المغرب بتونس، فهي التي تعرف بأحداث جبل الشعانبي حيث يتحصن مسلحون تابعون للقاعدة وكذلك مسلحون من أنصار الشريعة. في 29 تموز/ يوليو 2013، الذي كان يصادف 18 من شهر رمضان المبارك، قتل 8 جنود تونسيين بكمين، اثنان منهم ذُبحا، شن الجيش التونسي إثر حملة واسعة مستخدماً المدفعية والطيران الحربي.
ومن الواضح أن القاعدة لا تلتفت لحرمة القتل خصوصاً في شهر الصوم، فأعادت الكرة بعد سنة، في ذكرى العملية الأولى، في 18 رمضان، الذي صادف 16 تموز/ يوليو 2014، فقتلت 14 جندياً، 5 منهم بالرصاص و9 حرقِا بقذائف الأر بي جي.
امتداد جغرافيا الإرهاب
امتدت تفجيرات القاعدة في المغرب لتشمل دولة أفريقية غير عربية، هي بوركينا فاسو، فقد تبنت القاعدة في المغرب، الهجوم الذي نفذته مجموعة مسلحة من كتيبة المرابطين التي يتزعمها آنذاك مختار بلمختارو في 15 كانون الثاني/ يناير من عام 2016 على مطعم كابتشينو وفندق سبلنديد في قلب العاصمة واغادودو.
قتل خلال الهجوم 29 شخصاً على الأقل وأصيب 20 آخرون، واتخذ المهاجمون 126 رهينة، أفرج عنهم في اليوم التالي بعد عملية للقوات الحكومية أسفرت عن قتل 4 من المهاجمين.
بدورها، نفذت الحركات والجماعات المرتبطة بالقاعدة عدة هجمات في الدول حيث نشأت، بل وامتدت أيدي بعضها خارج حدود دولها، فعلى سبيل المثال، نفذت حركة الشباب الصومالية المرتبطة بالقاعدة اعتداءات عديدة في الصومال وخارج حدوده.
إذ امتدت هجماتها إلى كينيا حيث نفذت عدة هجمات واعتداءات، أبرزها قيام مجموعة مسلحة باقتحام مجمع ويستغيت للتسوق في العاصمة نيروبي بتاريخ 21 أيلول/ سبتمبر عام 2014، وإطلاقها النار، في عملية استمرت يومين قبل أن تسيطر القوات الكينية على المجمع، الحصيلة 71 قتيلاً، منهم 62 مدنيين بينهم أجانب و4 جنود كينيين و4 من المهاجمين، أما المصابين فتخطى عددهم 175.
وفي 2 من نيسان/ أبريل عام 2015، نفذت حركة الشباب ما اعتبر ثاني أسوأ اعتداء على كينيا بعد تفجير نيروبي، فقد حوصرت جامعة غاريسا بالعاصمة الكينية يوماً كاملاً أسفر عن مقتل 148 شخصاً بينهم 142 طالباً.
وفي كانون الثاني/ يناير من عام 2019، شنت حركة الشباب هجوماً على فندق دوست دي2 في حي راقٍ بنيروبي أسفر عن 22 قتيلاً مدنياً و5 من المهاجمين.
أما داخل الصومال، فعمليات حركة الشباب عديدة ودامية ومستمرة، في 4 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2011، تبنت الشباب أولى هجماتها بعد انسحابها من العاصمة مقديشو. الهجوم المنفذ بسيارة مفخخة استهدف مجمعاً وزارياً للحكومة الانتقالية وراح ضحيته 100 شخص، فيما أصيب أكثر من 110 أشخاص.
في 14 نيسان/ أبريل عم 2013، قضى 34 مدنياً بهجوم انتحاري وسيارة مفخخة استهدفا المحكمة الرئيسية في العاصمة، وتوالت هجمات حركة الشباب عاما، بعد الآخر معتمدة على السيارات المفخخة والانتحاريين.
الهجوم الأسوأ بتاريخ الصومال، هو تفجير مقديشو في 14 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017 الذي نفذ بشاحنة مفخخة قادها انتحاري، فجرها وسط تقاطع مزدحم بمقاطعة هودان، خلال محاولة قوات الأمن تفتيش الشاحنة بعد توقيفه. قيل إنها كانت محملة ب 350 كلغ من المتفجرات، عزز تأثيرها وجود ناقلة وقود متوقفة بالقرب، انهار تماماً فندق سفاري القريب.
أدى هذا الهجوم الذي تبعه بعد نصف ساعة انفجار سيارة مفخخة أخرى بمنطقة قريبة، إلى قتل 587 شخصاً على الأقل، اثنان منهم فقط في التفجير الثاني، وجرح ما لا يقل عن 400 آخرين في التفجيرين، وكانت هناك شاحنة مفخخة ثالثة استطاعت الشرطة توقيفها وسائقها، وعلى الرغم من عدم تبني حركة الشباب بشكل علني للتفجير، فإن مصادر حكومية قالت إن المعتقل وهو عنصر بارز في الشباب اعترف متفاخراً بما تم القيام به لأجل ما سماه الجهاد.
ومن عمليات حركة الشباب، هجوم كسمايو في 12 تموز/ يوليو 2019 الذي استهدف فندقاً بسيارة مفخخة تبعها مهاجمون يطلقون النار في كل مكان ما أدى إلى وقوع أكثر من 30 قتيلاً، من بينهم صحافية كندية صومالية بارزة هي هودان نالاياه، فضلاً عن 56 جريحاً.
تستمر حركة الشباب باعتداءاتها التي يذهب ضحيتها مدنيون في الغالب، وقد سجل لحركة الشباب منذ كانون الثاني/ يناير عام 2020 تنفيذ 106 عمليات مختلفة التأثير داخل الصومال، و7 هجمات في كينيا.