أسامة بن لادن، هذا الإسم الذي يعرفه القاصي والداني، والشخصية التي شغلت المجتمع الدولي كله سنوات طويلة، واحتلت وما تزال مساحات واسعة في وسائل الإعلام في مشرق الأرض ومغربها، يعود اليوم إلى الواجهة من جديد.
فمع الذكرى العشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي تأتي هذا العام وسط متغيرات كبيرة في المشهد الأفغاني تظهر فيه حركة طالبان وقد سيطرت على مفاصل الدولة عقب الانسحاب الأميركي من أفغانستان، تعود شخصية أسامة بن لادن لتكون محور اهتمامات الإعلام من زوايا عديدة ومختلفة.
فالزعيم السابق لتنظيم القاعدة، الذي مرّ كذلك عشر سنوات على قتله بعملية أميركية استهدفت منزلًا كان يتخفى فيه بمدنية آبوت آباد الباكستانية، كان حليفًا بارزًا لطالبان، ومع المشهد الجيوسياسي الجديد، يكثر الحديث عن الفرص التي قد تحظى بها القاعدة للعودة إلى أفغانستان والقدرات التي قد تتاح لها في حال حدث ذلك.
بن لادن والشاشات.. من عَشِق الثاني أكثر؟
وبالرغم من قتل أسامة بن لادن، فإن اسمه وشخصيته وتاريخه وما كشفته الوثائق التي وجدت في المنزل الذي قتل فيه والتي تعرف باسم وثائق أبوت آباد، محط اهتمام أجهزة الاستخبارات والباحثين والمحللين السياسيين والعسكريين ووسائل الإعلام.
حول شخصية بن لادن، الرجل الذي امتلك كاريزما خاصة بغض النظر عن قيادته لتنظيم متطرف استخدم العنف والتفجيرات والعمليات الانتحارية، تحدثت أخبار الآن إلى الباحث في شؤون الإرهاب محمد الشعافي، وهو ليبي عمل طويلًا على ملفات الليبيين المتطرفين المنضوين تحت لواء القاعدة أو الجماعات المتطرفة والإرهابية الأخرى.
قال الشعافي، “بحسب ما درست شخصية أسامة بن لادن، فإن شخصيته تشكلت على ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي مرحلة الجهاد في أفغانستان، والتي كانت موجهة ضد الاتحاد السوفياتي، بصفة خاصة أو فيما يسمى في عرف الجماعات الراديكالية بالشيوعيين والكفرة الملحدين”.
وأوضح، “طبعاً، ما سمي بالجهاد ضد الاتحاد السوفياتي استقطب أناساً مقاتلين من مختلف الدول الإسلامية وأنشئت له معسكرات في السودان وباكستان وأفغانستان، هذه المجموعات الراديكالية، شكلت في 1988 شكلت ما يسمى بتنظيم القاعدة عبر شخصيتين، عبدالله عزام وأسامة بن لادن”.
وتابع الشعافي، “بعد مقتل عبدالله عزام، أصبح الزعيم المطلق لتنظيم القاعدة هو أسامة بن لادن، نظراً لما كان يملكه من دعم دولي، حتى دعم دولي، يعني ما يسمى بالمجاهدين في أفغانستان كانوا مدعومين من الغرب والدليل أن أول فيديو حكى فيه أسامة بن لادن، لا يتحدث لا عن أمريكا ولا عن الدول العربية ولا يصفها بالكفر ولا غير ذلك، إذاً المرحلة الأولى هي مرحلة الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي، وكانت شخصية بن لادن فيها موجهة إلى الجهاد ضد ما يسمى بالشيوعية الدولية نظراً لعدة اعتبارات دولية كما يمكن القول”.
وأضاف، “الجزء الثاني الذي شكل شخصية بن لادن هو إرغامه على الخروج من أفغانستان إلى السودان، وهذا صار في 1993 إلى 1996، أُخرج بن لادن من أفغانستان هو ومجموعات كبيرة من الراديكاليين الإسلاميين إلى السودان حيث أنشأوا معسكرات، وهنا أصبح بن لادن كأنه ينظر للغرب أو الدول العربية التي تحالفت معه ضد الشيوعية أعداء، وتطورت كلماته وأدخل في مفهوم الجهاد الغرب والأنظمة العميلة والأنظمة العربية”.
أما المرحلة الثالثة التي كوّنت شخصية بن لادن، فيقول الخبير في شؤون الإرهاب إنها، “عودته لأفغانستان ولكن عودته كمطارد، يعني كعدو لكثير من الدول العربية وعدو للغرب، ما أدى إلى أن يقوم تنظيم القاعدة بعدة عمليات تستهدف الولايات المتحدة، وأصبح ما يسمى مفهوم الجهاد العالمي موجه ضد الأميركيين وحلفاءهم في المنطقة. شهدنا هجمات ضد السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، وشهدنا هجمات ضد قطع حربية مثل الهجوم الذي حصل على المدمرة كول في اليمن، وشهدنا تطور ذلك لتنفيذ أحداث سبتمبر”.
كما شغلَ بن لادن الإعلام الغربي والعربي، شغلَه الإعلاُم وأخذ حيزًا كبيرًا من اهتماماته كما أثبتت مراسلاته التي كشفتها وثائق أبوت آباد، بل إن بن لادن كما يرى بعض المحللين كان شغوفًا بحب الظهور وليس فقط بمتابعة وسائل الإعلام المختلفة، وذلك استنادًا على الرسائل المصورة التي كانت القاعدة تبثها، منذ تسجيله الأشهر عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر وفي السنوات التي تلت ذلك.
الخبير في شؤون الإرهاب محمد الشعافي ذهب إلى ما قبل ذلك التاريخ، خلال حديثه عن شغف بن لادن بالإعلام. وقال، إن أسامة بن لادن “لا بد أن يركز في خروجه الإعلامي لأنه واضح من مراسلاته في وثائق أبوت آباد أنه يملك شخصيتين، يملك شخصية حب الظهور الإعلامي ويملك شخصية المحلل، فهو لديه نوع من التحليل”.
وأوضح الشعافي، “عندما تنظر إلى وثائق أبوت آباد تجد أن معظمها تحليلات لمواقف، نذكر منها أنه هو في الصفحة 168، الفقرة 16 يتحدث عن بايدن قبل 2011، نحن الآن في 2021، ويطلب من مجموعات مكلفة باغتيال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والجنرال ديفيد بتريوس (المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات الأميركية) عدم اغتيال بايدن، وهو يسميه بالإسم، وكان بايدن في تلك الفترة هو نائب الرئيس”.
وتابع، “ويقول بن لادن في تبريره أن حكم بايدن للولايات المتحدة سيدخل الولايات المتحدة في أزمة معنا، أي مع تنظيم القاعدة)، وكأنه يدرك أن بايدن لا يفهم تركيبة تنظيم القاعدة وتركيبة التنظيمات الراديكالية، وسيدخل الولايات المتحدة في أزمة معها”.
وأضاف الشعافي، “أما حبه للظهور الإعلامي، فمن خلال مراسلات أبو آباد وجدت أنه يركز على قنوات الإعلامية ويذكر قنوات إعلامية دولية وعربية. حبه للظهور الإعلامي يظهر أيضًا من خلال أنه في كل مناسبة من بعد أحداث 11 سبتمر، لا بد أن يخرج في بيان أو رسالة ما يثبت وجود القاعدة ويدرسه بدقة مع معاونيه، وهو ما أثبتته وثائق أبوت آباد”.
اللغز.. أين ثروة بن لادن؟
ما لم تكشفه وثائق أبوت آباد بالكامل، أو على الأقل تلك التي نشرتها وكالة الاستخبارات الأميركية (سي أي إيه) هو مصير ثروة بن لادن، وهذه الثروة تبقى سرًا غير منكشف التفاصيل ومن الأسرار التي أخذها بن لادن معه عند قتله.
ووفق تقرير للجنة تحقيقات أميركية عام 2004، لم تكن ثروة بن لادن التي ورثها عن امبراطورية عائلته هي الممول للقاعدة، إذ خلصت اللجنة إلى امتلاك القاعدة لمصادر تمويل عديدة، وكانت كذلك قادرة على إيجاد قنوات تمويل جديدة بكل سهولة.
تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر الأميركية ذكر أن السي أي إيه قدّرت تكلفة استمرار القاعدة في أنشطتها قبيل الهجمات التي أصبحت علامة في صفحات التاريخ، يُؤرخ فيها قبلها وبعدها، قدرت بحوالى 30 مليون دولار كل عام، غالبيتها جمعت من التبرعات.
وكان الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي، في تصريح عقب هجمات سبتمبر، قد قدر ثروة بن لادن بحوالى 50 مليون دولار، مشيرًا حينها إلى أن الأموال قد تكون مودعة في حسابات مصرفية سرية أو تحت إسم آخر.
من المؤكد أن بن لادن استثمر كثيرًا في السودان، خصوصًا في السنوات التي عاشها هناك حيث كان ضيفًا على الحكومة السودانية مدة خمس سنوات قبل أن تطلب منه مغادرة البلاد في أيار/ مايو عام 1996، وعلى الرغم من أن حجم الثروة الخاصة ببن لادن وثروة القاعدة غير معروف بدقة وتفاصيل،
فإن وثيقة من وثائق أبوت آباد كشفت عما يشبه الوصية في أحد خطاباته الخاصة (التي يعتقد أنها كتبت أواخر التسعينيات)، إذ كتب بن لادن بخط يده عن رغبته في كيفية توزيع 29 مليون دولار كانت لديه في السودان.
يُعتقد أن الخطاب هذا كتبه أسامة بن الدن أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وفيه أوصى بأن تصرف الأموال النقدية في السودان على الجهاد، وتخصيص واحد في المئة من المبلغ لأبو حفص الموريتاني أو محفوظ ولد الوالد الذي كان في وقت ما مفتيًا للقاعدة.
وذكر أن أبو حفص حصل بالفعل على مبلغ يتراوح بين 20 إلى 30 ألف دولار من هذا المبلغ، وأنه وعده بمكافأة إذا ما حصل على المبلغ من الحكومة السودانية.
كما خصص بن لادن واحداً في المئة كذلك لمساعد آخر له هو المهندس أبو ابراهيم العراقي كمكافأة على أعماله في شركة وادي العقيق، وهي أول شركات أسامة بن لادن في السودان. كما حدد حصصاً بالريال السعودي والذهب لتوزع على والدته وأحد أبنائه وإحدى بناته وأحد أعمامه وأبناء عمته وخالاته.
طرحنا سؤالًا عن مصير ثروة بن لادن على خبير شؤون الإرهاب محمد الشعافي، الذي لفت إلى مساعدة كبيرة في تمويه مصادر تمويله وحركتها من قبل 31 ليبيًا كانوا منضمين إلى القاعدة بشكل مباشر أو عبر فرعها الليبي، الجماعة الليبية المقاتلة.
وأوضح الشعافي أن، “ما سمي بفترة الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وقيادة بن لادن لهذا الجهاد، جلبت الكثير من الأموال غير ثروة بن لادن إلى ما يسمى بالمجاهدين العرب، أنشأ بن لادن طبعاً المؤسسة الإسلامية للإنقاذ، كجهة استثمارية لعدة شركات، أقامت مشاريع زراعية في أفغانستان، ومهابط طائرات وطرق، خاصة في موقع سيطرة المجاهدين العرب في بيشاور، المعقل الرئيس لتنظيم القاعدة والمجاهدين العرب”.
وأضاف الخبير في شؤون الإرهاب، “في عام 1993 انتقل بن لادن إلى السودان، وأنشأ عدة شركات استثمارية، نحن في ليبيا لدينا أكثر من 31 إرهابي عملوا في أموال بن لادن أو في استثمارات بن لادن. من بينهم شخصية ما تزال موجودة حتى اليوم وتشتغل في الاستثمارات، وهذا قد يعطيك انطباعاً في الإرهاب والاستثمارات إلى الآن، وهو المتطرف عبد المنعم ماطوس، طبعاً هو أصبح ديبلوماسياً بعد عام 2011، وأصبح مسؤولًا عن ملف الجرحى في دولة تركيا، وكان من ضمن الذين عملوا في ثروة بن لادن في السودان”.
وتابع الشعافي، “أيضاً هناك سالم نور الدين الديبسكي، وهو من الذين عملوا في ثروة بن لادن في السودان حسب وثائق الأمن في ليبيا وقتل في 2017، وهو كان يكنى بأبو الورد، طبعاً ما يمكن قوله هو أن ثروة بن لادن في أوروبا توزعت في 3 عواصم، هي دبلن ولندن وأمستردام، طبعاً هذا بحسب وثائق أمنية، فما أقوله مستند على وثائق أمنية، في السودان الواضح أن حكم عمر حسن البشير، بعد طرد السودان لبن لادن عام 1996، استولت الحكومة السودانية على أملاك بن لادن وأصبح ملكًا لها وهذا واضح في أموال بن لادن”.
أسرار كثيرة قد تتكشف عن تنظيم القاعدة وزعيمه السابق الذي حتى بعد مقتله، ترك أسئلة كثيرة تحتاج لأجوبة، على الأقل لتكون دروساً مستفادة للعالم أجمع، لكن يبدو واضحًا أن ثروة بن لادن تبقى لغزاً من الألغاز التي تضم أسماء وجهات عديدة ليس من مصلحتها كشف التفاصيل وطرق تدوير المال ونقله.
كما تبقى شخصيته لغزاً آخر بالرغم من كثرة الدراسات والتحليلات التي طالتها، إذ ما يزال التساؤل الأبرز هو عما دفع بهذا المليونير السعودي الشاب إلى هجر حياة الرفاهية والثراء ليعيش في كهوف تورا بورا ويختبيء في منزل لا يخرج منه، وكأنه سجين.
من المؤكد أن بن لادن لم يحصل على الرفاهية المميزة في منزله في أبوت آباد، لكنه بالتأكيد كان يتحصل على وفرة من الأموال مكنته من بناء ذلك المجمع والعيش فيه مع بعض من أفراد عائلته.