استعادت الناشطة الأفغانية سيما غاني لحظات سقوط كابول، في حديثها لـ”أخبار الآن“، متحدّثة عن حجم الصدمة التي أصيبت بها، وكذلك خيبة الأمل بسبب عدم دفاع الجيش الأفغاني عن كابول وتركها تسقط سريعاً بيد طالبان.
- سقوط كابول كان صدمة كبرى خصوصاً أنّ الأفغان اعتقدوا أنّ الحكومة ستدافع عن العاصمة
- الأفغان يريدون وقف تحول أفغانستان إلى أرض أو ملاذ آمن للإرهابيين
- الناشطة الأفغانية سيما غاني: لن نتغيّر وما كان يحصل قبل 20 عاماً لن يتكرر
- غاني: لا أريد التخلي عن بلدي ولا أريد أن أعطيه للآخرين وإنْ رحلنا جميعاً مَن يقف إلى جانب بلدنا
كانت غاني تركت أفغانستان في نهاية عام 2001، منذ خروج طالبان آنذاك، ثمّ عدت في عهد حكومة حامد كرزاي لتعمل مع الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص في مجالات مختلفة. وتقول غاني: “في عهد نظام الرئيس السابق أشرف غاني، قرّرت عدم التعاون مع حكومته لأنّني وجدت أنّ همّ الحكومة الأوّل هو مصلحتها، وهي فاسدة بعض الشيء، وقد ازداد فسادها للأسف. فركّزت على تقديم الإستشارات والأبحاث وتمكين النساء، وعلى عملي في المنظمة غير الحكومية الخاصة بي ومع المجتمع المدني”.
أوضحت الناشطة الأفغانية أنّ دخول طالبان كابول شكّل صدمة للجميع، “خصوصاً بالنسبة إلى شخص مثلي لأنّني كنت واثقة جدّاً أنّ الحكومة ستدافع عن كابول أو أنّ الجيش سيقف بوجه قوات طالبان لأنّ هذه الأخيرة كانت بدأت تسيطر على ولايات وأقاليم مختلفة، فرحت أخبر الجميع أنّ كابول لن تسقط، وأن الأمور ستكون على ما يرام… وفي ذلك اليوم كنت خارج المنزل”.
ليلة الإطباق على القصر الرئاسي
تابعت: “في الحقيقة كنت قد حجزت تذكرة للسفر في اليوم التالي لزيارة أهلي في المملكة المتحدة لأنّه قيل لي أن الوقت كان مناسباً للسفر لبضعة أسابيع، وكان الوقت قد حان لأخذ العطلة، فحجزت تذكرة للسفر وذهبت إلى المستشفى لإجراء فحص الكشف عن فيروس كورونا ولأودّع بعض الأصدقاء، لكنّني لاحظت أنّ الشوارع خالية حتى من حواجز الشرطة، ما شكل حالة غريبة بالنسبة لي، فلم يكن هناك أثر للشرطة الحكومية ولقوات طالبان. كان هناك فقط بعض المواطنين العاديين، لكن بعد الظهر بدأت تردنا أخبار عن احتمال دخول طالبان القصر الرئاسي، وبالطبع لم تكشف النشرات الإخبارية شيئاً ولم يكن أحد واثقاً ممّا يحدث. عدت إلى المنزل بعد زيارتي أصدقائي وأقاربي قرابة الساعة التاسعة مساءً، وحتى حينها لم نكن نعرف ماذا يحدث”.
وأضافت: “لقد فهم المواطنون أنّ طالبان دخلت القصر الرئاسي وتتحدث إلى الرئيس وفريقه من أجل المضي قدماً في خطة السلام المبنية على محادثات الدوحة. وعند الساعة 11:00 تقريباً أعلنت طالبان أنّه يتعين عليها دخول المدينة لأنّه لا شرطة فيها، فدخلوا المدينة عند الحادية عشرة مساءً، لكنّني أعتقد أنهم دخلوا القصر الرئاسي عند السادسة ربّما لأنه عند الظهيرة عندما كنا في الخارج ولم يكن يعترينا القلق لنعرف صحة ما يجري كان الرئيس وبعض مستشاريه قد غادروا البلاد وتركوها من دون سلطة، لذلك أظن أنه بين الظهر وساعة متأخرة من بعد العصر لم يكن هناك حكومة في البلاد، وقد صعقنا في الليل عندما عرفنا ما حصل”.
“العقلية العنيفة ما زالت تسيطر على جنود طالبان ومقاتليهم الموجودين في المدينة”
وقالت سيما: “كان هناك جو من البلبلة وكنّا قلقين من ردّة فعل طالبان، فكانت الأيام القليلة الأولى تدعو للقلق أكثر من اليوم، لكن في النهاية أصبحنا نتحلى بشجاعة أكبر، خصوصاً عندما رأينا عدداً كبيراً من النساء يخرجن ويتظاهرن في الشارع… وأنا أيضاً أذهب إلى المكتب لأقوم بعملي في المنظمة غير الحكومية التي أعمل فيها بالرغم من أنّ عملياتنا قد توقفت. فقد طلبوا منّا أن نتوقف عن عملنا مع النساء في الولايات حيث ننفذ مشاريع، لكن بالنسبة إلى العمل الإداري والخطط الانتقالية الخاصة بنا، فنحن نستكملها في المكتب. وبالنسبة إلى الملابس أخرج من المنزل بهذا الشكل لأذهب إلى المتاجر أو إلى المكتب، فردّة فعل طالبان مختلفة جداً اليوم عمّا كانت عليه منذ 20 عاماً، لكن في الوقت نفسه نرى بعض ردات الفعل، مثلاً تعرّضت الفتيات اللواتي تظاهرن في مناسبات معينة للضرب بالسوط أو بالأنابيب أو بأيّ آداة متوفّرة، وهذا يعني أنّ العقلية العنيفة ما زالت تسيطر على جنودهم ومقاتليهم الموجودين في المدينة، لكن يقول لنا دائماً الناطقون باسمهم ألّا نقلق، وأن الوضع سيتغير وأنّهم سيؤسسون قوة شرطة، وأنّ هذه الأعمال يقوم بها جنود أتوا من الجبال حيث قاتلوا لسنوات، وبالتالي لم يروا المدينة ولم يعيشوا فيها”.
وأردفت: “لكن بعيداً عن السطحية لديّ قلق شخصي يتعلق بالفترة المقبلة وبنوع الحكومة التي ستحكم والتي سيشكلونها لأن الجكومة الحالية موقتة وهي تتألف من حركة طالبان فحسب وليس هناك أشخاص أتوا من خارجها. كما هي ليست حكومة تحالف كما تم الاقتراح أو التوافق عليه في الدوحة لذلك كل ما نتمناه هو أن يساعدنا المجتمع الدولي لنتحدث إليهم بشكل نتأكد فيه من تشكيل حكومة تحالف ونتأكد فيه نحن النساء بأننا لن نخسر حقوقنا مهما كانت والتي حصلنا عليها منذ سنوات أو قرون فنحن نريد أن نستمر بذلك وعلى فتياتنا أن يحصلن على التعليم وتكنّ قادرات على العمل والمشاركة في السياسة كما من قبل. إذن كل هذه الحقوق البسيطة موجودة في قوانين الشريعة التي لا يكفّون عن تردادها ويقولون إنهم سيسمحون للمرأة بأن تعمل بحسب قوانين الشريعة، لكن من المؤكد أنّنا لم نفعل شيئاً يتعارض مع قوانين الشريعة حتى في عهد الحكومة السابقة التي ضمت أعضاءً فاسدين حقاً”.
وعن رأيها في إلغاء وزارة المرأة، قات سيما لـ”أخبار الآن“: “هذه صدمة اخرى ولكننا توقعنا حصول ذلك بعض الشيء في ما يتعلق بوقف العمل في الوزارة . على الأقل هذا ما توقعه البعض من معاونينا ولكنهم لم يتغيروا كثيراً. أعرف أن الجميع يتوقع أن تكون طالبان قد تغيرت ما عدا التغيير البسيط في بعض الأمور ولكنني لا أعتقد أنهم تغيروا كثيراً لدرجة تسمح للنساء بترأس وزارة. أظن أن استبدال الوزارات كان مصدر قلق وصدمة فلم يجدوا أحداً في أي مكان ولا أي مبنى لوزارة معينة أعتقد أنها ستتولى قمع الكثيرين على ما أظن إن أرادوا أن يعتمدوا النهج الذي ساد منذ 20 عاماً. وهذه صدمة كبيرة ولكن ليس هناك أحد نتحدث إليه ونحتكم إلى المنطق فهناك حالة رفض للقائنا. نحن نواصل اتصالاتنا مع مجموعات مختلفة وندعوها للحوار ولكنها لن تقبل حتى اليوم لقاءنا وتفسير ما يحصل.
ووجهت الناشطة الأفغانية رسالة إلى طالبان، فقالت: “نريد وقف سفك الدماء لذلك وافقنا على خطة سلام. لقد بدأت بعض النقاشات في الدوحة ولكنها لم تتكون جيداً ولم تتطرق للتفاصيل ولكننا نأمل أن تستمر على الأقل. أظن أنه يجب أن نستمر في هذه الخطة أي تشكيل حكومة تحالف، ووقف أفغانستان من التحول إلى أرض أو ملاذ آمن للإرهابيين لأن ما زال هناك داعش وتنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات أخرى ما زالت ناشطة بقوة في البلاد. ونريد تشكيل حكومة تحالف وهذا يعني أن يأتي أشخاص من كلّ المجالات وممن لديهم خبرات مختلفة وتكنوقراط ومجموعات إثنية مختلفة ونساء طبعاً، وكل مَنْ بوسعه أن يشارك في القيادة بشكل يحترم الدستور، وإنْ كان هناك أقسام يودون تغييرها لا بدّ أن يحصل ذلك في نقاشات ومحادثات، ولوضع حدّ للفساد والتطهير العرقي وبروز القومية الوطنية لدى بعض المجموعات الإثنية في عهد الحكومات السابقة”.
“لا أريد التخلي عن بلدي ولا أريد أن أعطيه للآخرين”.
وأشارت سيما إلى أنّها لا تفكّر حالياً بمغادرة أفغانستان، قالت: “لا أريد التخلي عن بلدي، ولا أريد أن أعطيه للآخرين، فإن رحلنا جميعاً مَن سيقف هنا إلى جانب أبناء هذا البلد. هناك أكثر من 35 مليون مواطن، لكن كل شيء يتوقف على احتمال أن أتمكن من معاودة عملي في المنظمة غير الحكومية التي أعمل فيها، وفي مجال المساعدات الإنسانية وفي كل النشاطات التي كنت أقوم بها. آمل أن يشكلوا حكومتهم ونتمكن من العمل معاً، لا أرى نفسي أعيش في الخارج. لا يمكنني فعل ذلك”.
وعمّا إذا كانت طالبا قادرة على فرض نمطاً معيناً بالقوة، ردّت بالقول: “لا أظن أنّهم يستطيعون لأنّ الامور قد تغيرت وهم يفهمون أنّ الزمن تغيّر، ولم يعد على ما كان عليه منذ 20 عاماً عندما أرغموا النساء على تغطية وجوههن وارتداء البرقع. لن يحصل ذلك من جديد ولا بد أن يتعلّموا التغيير إنْ لم يتغيروا. نحن لن نتغيّر. على بعض المستويات قد نقبل ببعض التضحيات التي لا تؤذينا ولا تسيء إلى أولادنا، لكن التضحية لديها مستويات. عليهم أن يقدموا تضحيات وعليهم أن يتعلموا أن يعيشوا معنا، وأننا سنسمع صوتنا وسنقيم حواراً لأنّ الحوار قادر على أن يوصلنا إلى نقطة إيجابية”.
وختمت أنّ “إسكات المواطنين لا يجدي نفعاً، فهم بحاجة إلى مساعدتنا نحن كشعب ومساعدة المجتمع الدولي لأنهم بحاجة إلى اعتراف، والأسرة الدولية لن تقبل بخلاف ذلك. العالم اليوم هو قرية عالمية وأفغانستان لا تفعل شيئاً يصب في مصلحتها دون سواها، فكلّ ما يحدث هنا يؤثر على العالم، وكلّ ما يحدث في دول العالم يؤثّر علينا. الأمر صحيح في الإتجاهين لذلك علينا أن نفهم أنّه علينا أن نكون جزءاً من هذه القرية العالمية، وهذا ما لا تفهمه طالبان”.