لا طريق أمام الظواهري إلا تصفية القاعدة
يقول أحدهم إنه سيذهب للقتال مع طالبان في أفغانستان، ويرد آخر إن طالبان ستكون سنداً لفلول القاعدة. في المجموعات التي تأتي وتروح على تليغرام لا نزال نقرأ تعليقات كهذه. باستثناء داعش، الجهاديون جميعاً يعتبرون ما فعلته طالبان في أفغانستان ”نصراً“ يكاد يكون شخصياً لهم هم ولا سواهم لاعتبار ما يرتبط في خيالهم من إيواء طالبان لأسامة بن لادن، وأملهم في أن تعيد طالبان الكرة تأويهم الآن وقد وصلوا إلى سدة الحكم.
حتى إنهم يغضّون الطرف عمّا يُعتبر في أدبيات الجهاديين مخالفات ”شرعية“ ويقولون إنها ”حيلة حرب.“ ولا يقتصر التبرير هذا على الأفراد في المجموعات المجهولة على تليغرام، وإنما يتعداه ويُروّج له في صفحات منظرين لهم شأنهم مثل أبي محمد المقدسي وهاني السباعي وطارق عبد الحليم وتلامذة أبي قتادة – أبا محمود الفلسطيني ونائل الغزي.
القاعدة إلى زوال
هذا الأمل والافتخار يتعدى الكلمات إلى ظهور دعوات تماثل ما حققته طالبان – اتفاق مع جهة دولية للسيطرة على المكان مقابل نبذ العنف ضد تلك الجهة.
منذ وقعت طالبان اتفاق الدوحة في فبراير ٢٠٢٠، والسؤال المطروح هو ليس ”هل“ تحذو جماعات جهادية أخرى حذو طالبان وإنما ”متى“ تفعل؛ هل تتخلى جماعات قاعدية عن إرث بن لادن وتتبع هبة الله أخوند زاده؟
يجيب مروان شحادة الخبير في الجماعات المتطرفة:
المرحلة الزمنية التي انطلق فيها تنظيم القاعدة وحقق أهداف نكاية وأطلق شرارة ما يسمى الجهاد العالمي، مرحلة وقعت (ومضت) … القاعدة تراجعت ويمكن أن نقول إنها إلى زوال
من يعرف شحادة شخصياً وأكاديمياً يعرف أنه يتحدث من موقع العارف؛ فكان من أوائل الباحثين العرب الذين بدأوا البحث والتقصي في المسائل الجهادية، والتقى بمنظري الجهادية في وقت مبكر جداً.
لا يرى شحادة أن جماعة ”إسلامية مسلحة“ قادرة على تكرار نموذج طالبان؛ ناهيك عن جماعة موالية للقاعدة. بحسبه، ”القاعدة أصبحت لعنة تطارد من يقترب منها،“ و“تنظيم القاعدة فشل فشلاً ذريعاً في الحفاظ على وجوده وفعاليته التي أصبحت من الضعف بمكان بحيث لا يمكن اعتبارها في المشهد السياسي والأمني العالمي.“
ويعتبر أن القاعدة اليوم هي مجرد ”أفكار (أسامة بن لادن) تصول في الفضاء الإلكتروني والإعلامي، ولكن في الواقع لن تكون للأفكار فعالية تحيي إرث أسمة بن لادن.“
القاعدة في إفريقيا واليمن
في مارس ٢٠٢٠ نشرت الزلاقة الذراع الإعلامية لتحالف نصرة الإسلام والمسلمين البيان رقم ١٥٢ بعنوان ”بشأن دعوات التفاوض.“ التحالف يضم جماعات موالية للقاعدة على رأسها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. خلاصة البيان أن التحالف، الذي يتزعمه الجهادي المالي إياد أغ غالي، يوافق على مقترحات عُرضت على حكومة باماكو للتفاوض مع الجهاديين. وكما طالبان تقول إن ما تفعله في أفغانستان هو نزول عند رغبة شعبية، كذلك قال تحالف نصرة إن الموافقة على المفاوضات ستكون نزولاً عند رغبة الشارع من أجل ”تحسين ظروف عيشه في جميع مناحي الحياة.“
واليوم، توجه حكومة مالي مؤسساتها الدينية العليا رسمياً لمخاطبة إياد أغ غالي وأمادو كوفا، زعيم كتائب ماسينا إحدى مكونات التحالف، بهدف بدء المفاوضات.
لكن تصريحات المجلس الإسلامي الأعلى المفوض بهذه المهمة تؤكد أنهم لن يتحدثوا مع ”جهاديين أجانب؛“ تقتصر الدعوة على الجهاديين المحليين. حتى تاريخ كتابة هذا المقال، لم يصدر بعد رد رسمي من الزلاقة. فهل ينبذ أغ غالي القاعدة كما نبذتها طالبان؟
يقول شحادة إنه لو كان محلّ الظواهري لأعلن حلّ التنظيم. يقول: “الأجدر بقيادة القاعدة أن تعلن عن فك التنظيم … بعد الفشل المتلاحق وتحديدا (فشل) الدكتور ايمن الظواهري في إدارة التنظيم.“ يجزم شحادة أن الظواهري وغيره من الشخصيات القيادية التي خلفت أسامة بن لادن، بمن فيهم سيف العدل، مسؤولون عن فشل القاعدة وتفكك الجماعات الموالية لها مثل القاعدة في اليمن. يقول شحادة: ”الفرع الوحيد الذي ربما يحافظ على الالتزام الأخلاقي في بيعته لتنظيم القاعدة هو حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وربما فرع القاعدة في الساحل ومالي.“ وهنا يستدرك شحادة أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ”ذاب“ في تحالف نصرة بحيث يبدو ” أن القاعدة لم تعد موجودة في تلك المنطقة.“
قادة حراس الدين لا يجيدون إلا الفتوى الشرعية
يعتبر شحادة أن قيادة القاعدة في الخارج – الظواهري وسيف العدل – مسؤولة عن فشل فرع التنظيم في سوريا. يقول: ”هناك خلل وفجوة في موضوع الاتصال والقيادات المحلية في سوريا – أقصد حراس الدين – والقيادة الموجودة خارج سوريا – سيف العدل أو ما يسمى مكتب حطين الذي يترأسه سيف العدل … سيف العدل مختفي. أيمن الظواهري مختفي. إذاً، مسألة الفجوة في عملية الاتصال والحصول على معلومات أو قرارات بخصوص مجريات الأحداث سبب عرقلة للعمل بإلإضافة إلى نقل الصورة بطريقة خاطئة من عناصر حراس الدين إلى القاعدة سبب فجوة أخرى وخللا آخر.“
بحسب شحادة، فإن ما يحدث في تنظيم حراس الدين هو صورة مصغرة لما يحدث في تنظيم القاعدة الأم: قيادة تفتقر إلى الكفاءة والتنظيم. سامي العريدي مثلاً، شرعي الحراس وأحد أبرز قادتهم ممن بقي طليقاً أو على قيد الحياة، كان سبباً فيما آلت إليه الأمور في الحراس. يقول عنه شحادة: ”كشخصية هو متزمت ولكن هل يملك القدرة على إدارة التنظيم؟ هل يستطيع أن يكون مؤثراً؟ أعتقد أن هناك فرقاً بين الإدارة التنظيمية والفتوى الشرعية. هو لا يجيد إلا الفتوى الشرعية.“
في يناير ٢٠٢٠ وفي الحلقة رقم ١٧ من المرصد، وصف شحادة حراس الدين بأنهم “أقزام يفتقرون إلى القدرة،“ واعتبر أن “القيادات الأردنية (في التنظيم) شكلت عامل فوضى وتصدع سواء لجبهة تحرير الشام أو تنظيم القاعدة نفسه.” هذا قبل ستة أشهر من انقضاض الجولاني الأخير على الحراس صيف ٢٠٢٠. يُعقّب شحادة: ”كنت أدرك تماماً أن مشروع القاعدة بدأ يتفكك على مستوى العالم.“
فيما يلي نص المقابلة الكاملة التي أجراها برنامج المرصد مع مروان شحادة في منزله في العاصمة الأردنية عمّان.
إلى أي درجة ما فعلته طالبان وسلوكها هو يمثل فشلاً لنهج القاعدة؟
شحادة: هذا سؤال مهم. رغم أن هناك اختلافاً جوهرياً في طريقة ومنهجية طالبان وايديولوجيتها. طالبان حركة وطنية تستند إلى العقيدة الماتريدية والمذهب الحنفي في أيديولوجيتها وتحمل رؤية إسلامية وطنية، بمعنى أنها تقتصر في مقاومتها وعملها العسكري داخل حدود أفغانستان؛ فيما تنظيم القاعدة ينتمي لما يُعرف بالتيار الجهادي العالمي الذي يقارب قتال العدو القريب والعدو البعيد بمعنى النظم السياسية المحلية والمجتمع الغربي وعلى رأسها أمريكا. لذلك، ثمة اختلاف كبير بين طالبان والقاعدة في طريقة العمل وفي أن القاعدة لم تسع غلى حكم إسلامي بمعنى سيطرة مكانية وتطبيق الشريعة إلا في حدود مناطق ضيقة في اليمن والصومال ضمن تجارب ضئيلة. اما طالبان فكانت في الحكم وخسرت مشروعها السياسي كإمارة إسلامية ثم عادت لمقاومة الاحتلال الأمريكي وحلفائه ثم عادت للسيطرة مرة ثانية والحكم وهي تسعى إلى تحكيم الشريعة.
ربما كانت الكلمة المفتاح هي ”الوطنية.“ تميز نشاط القاعدة بتشتيت الجهود والأموال بينما طالبان استطاعت أن تحكم. هل ترى أن جماعات تابعة للقاعدة قد تفكر في أن تتبنى نموذج طالبان وتهجر نموذج القاعدة؟
شحادة: إذا كانت تستطيع، طبعاً يمكنها تطبيق نموذج طالبان. ولكن في تقديري، أنه لا توجد جماعة الارض تمتلك الفاعلية والقدرات الذاتية للقيادة والعناصر والقتال داخل أرض كلها أو غالبيتها تؤيد طالبان … لا يمكن مقارنة ذات الظروف مع أي جماعة أخرى … المشاريع الإسلامية للحركات الإسلامية المسلحة قاطبة فشلت فشلاً ذريعاً في الحكم في أي بلد وصلت فيه إلى السلطة. لذلك أستبعد وجود نموذج طالبان في المناطق الإسلامية الأخرى؛ خاصة أن حركة طالبان تواجه تحديات بحيث أنها لا تستطيع مساعدة أي جماعة كبيرة أو صغيرة أو حتى دولة لأن أفغانستان ذاتها تعاني مشكلات اقتصادية وبنية تحتية وافتقار موارد كبيرة، وبالتالي أمامها تحديات كبيرة سياسية وثقافية واقتصادية ناهيك عن أنها تحاول الحصول على الشرعية الدولية.
إذاً، أين القاعدة؟ أنصار القاعدة يبتهجون ما حققته طالبان ويعتبرون ”نجاحها“ سنداً لهم؛ ولكن مسؤولي طالبان يغضبون لمجرد سؤالهم عن بيعة القاعدة ويقولون إن ذلك ماضٍ وانتهى. أين القاعدة من كل هذا؟
شحادة: في تقديري، الأجدر بقيادة القاعدة أن تعلن عن فك التنظيم؛ لأن المرحلة الزمنية التي انطلق فيها تنظيم القاعدة وحقق أهداف نكاية وأطلق شرارة ما يسمى الجهاد العالمي، مرحلة وقعت (ومضت). الآن، الأجدى بالقاعدة بعد الفشل المتلاحق وتحديداً فشل الدكتور أيمن الظواهري -والشخصيات الأخرى- في إدارة التنظيم. بعد مقتل أسامة بن لادن، في تقديري أن القاعدة تراجعت ويمكن أن نقول إنها إلى زوال. تنظيم القاعدة، حتى في اليمن، بدأ بالتفكك والضعف والانحسار بشكل ملحوظ. الفرع الوحيد الذي ربما يحافظ على الالتزام الأخلاقي في بيعته لتنظيم القاعدة هو حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وربما فرع القاعدة في الساحل ومالي – تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي رغم أنها يعاني من مشاكل قبل وبعد قتل أبي مصعب (درودكال) واندماجه وذوبانه في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في الساحل يدلل على أن القاعدة لم تعد موجودة في تلك المنطقة. يمكن القول إن تنظيم القاعدة فشل فشلاً ذريعاً في الحفاظ على وجوده وفعاليته التي أصبحت من الضعف بمكان بحيث لا يمكن اعتبارها في المشهد السياسي والأمني العالمي.
أظن أن الأسباب الذاتية والموضوعية في قيادات وعناصر القاعدة الملاحقة والمطاردة أمنياً والحرب على الإرهاب … كلها ساهمت في إضعاف القاعدة ولكن السبب الرئيس (في الضعف) هو أن من تولى زمام أمور القاعدة لا يمتلكون الخبرة الكافية في القيادة ولا التمويل الكافي ولذلك أصبح العنصر الخليجي في جزيرة العرب واليمن بعيداً عن قيادة القاعدة؛ واستلم المصريون إدارة القاعدة وهو ما زعزع شرعية القيادة وأضعفها بحيث أصبحت القاعدة قواعد وربما دفع هذا الكثير من عناصر القاعدة إلى الانضواء تحت جماعات أخرى سواء في إفريقيا، أفغانستان، سوريا والعراق؛ وعلى سبيل المثال جماعة تنظيم الدولة الإسلامية داعش.
هذا كلام مهم خاصة عندما يصدر من شخص مثلك – أن تقول أنك لو كنت مكان الظواهري لاعلنت حلّ القاعدة …
شحادة: لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن القاعدة أصبحت لعنة تطارد من يقترب منها. على مستوى الأفراد .. كثيرون لا تزال وصمة الانتماء إلى التنظيم تطاردهم. شبان في أوروبا وأمريكا وشرق آسيا اتُهموا بأن لهم علاقة بالقاعدة. ومثال ذلك محمد صلاحي الموريتاني الذي مكث في غوانتانامو ٢٠ عاماً ولم يكن له صلة بالقاعدة سوى أن ابن خالته أبا حفص الموريتاني اتصل به ليوصل مالاً إلى خالته المريضة. وتسبب ذلك في أنه عانى ولا يزال يعاني … وخاض معركة قانونية امتدت ١٤ عاماً وفي النهاية حصل على البراءة.
أما الجماعة؛ فكثير منها غير اسمه. ولا بد من الإشارة إلى أن بن لادن أعلن مبكراً أن لعنة القاعدة كتسمية ستصيب جماعات وجهاديين ولذلك طلب منهم عدم الارتباط بتسمية تنظيم القاعدة في كذا وكذا وقال اذهبوا إلى تسميات أخرى. وذكرت وثائق أبوت أباد أسماء مثل أنصار الشريعة وغيرهم … رغم أن أنصار الشريعة في تونس وليبيا واليمن فشلت أيضاً في الحفاظ على هويتها وتفاعلها ووجودها.
عندما تقول إن القاعدة كإسمٍ أصبحت لعنة. عدا عن الأفراد؛ كيف يمكن للجماعات أن تدرك أن الاسم مسموم ولعنة بحيث تغير مسارها وطريقها؟
شحادة: في تقديري، كان زعيم هيئة تحرير الشام قد أدرك هذه المسألة مبكراً وكذلك زعامة تنظيم جبهة النصرة أدركوا المسألة ولم يعلنوا في البداية عن انتمائهم للقاعدة. حراس الدين في المقابل أعلنوا عن انتمائهم للقاعدة ولا تزال لعنة التسمية تطاردهم لهذه اللحظة – معظم قيادات الصف الأول قتلوا في قصف طائرات التحالف أو في اغتيالات … الجولاني فك الارتباط مع القاعدة وأعلن صراحة أنه لا يريد وصمة القاعدة أن تبقى تطاردهم لأنه لن يقبل بهم لا المجتمع المحلي ولا الإقليمي ولا الدولي.
لكن الجولاني اليوم منبوذ من الجماعات الجهادية؟
شحادة: من يملك القوة؟ ليكن منبوذا، من يملك القوة؟ من يسيطر على إدلب؟ وأين حال حراس الدين اليوم؟
في يناير ٢٠٢٠ يعني قبل سنة و١٠ أشهر، قلت حضرتك في برنامج (مرصد الجهادية) الحلقة ١٧، إن حراس الدين “أقزام يفتقرون إلى القدرة.” وإن “القيادات الأردنية شكلت عامل فوضى وتصدع سواء لجبهة تحرير الشام أو تنظيم القاعدة نفسه.” هذا قبل ٦ أشهر من انقضاض الجولاني الأخير على الحراس. ولم نلتفت كثيراً إلى ذلك الكلام. ماذا تعني بقايا الحراس في الشام خاصة مع الجدل الأخير حول تحكيم أبي قتادة؟
شحادة: في الواقع، تنظيم حراس الدين لم يلتزم بأي اتفاق وقعوه مع هيئة تحرير الشام. هذا من ناحية. من ناحية أخرى، هناك خلل وفجوة في موضوع الاتصال والقيادات المحلية في سوريا – أقصد حراس الدين – والقيادة الموجودة خارج سوريا – سيف العدل أو ما يسمى مكتب حطين الذي يترأسه سيف العدل وأبو محمد المصري الذي قُتل في طهران في أغسطس العام الماضي. سيف العدل مختفي. أيمن الظواهري مختفي. إذاً، مسألة الفجوة في عملية الاتصال والحصول على معلومات أو قرارات بخصوص مجريات الأحداث سبب عرقلة للعمل بالإضافة إلى نقل الصورة بطريقة خاطئة من عناصر حراس الدين إلى القاعدة سبب فجوة أخرى وخللا آخر. في تقديري، فيما قلته، كنت أدرك تماماً أن مشروع القاعدة بدأ يتفكك على مستوى العالم وربما تكون الضربة القاصمة هي فك الارتباط بين تنظيم دولة العراق الإسلامية والقاعدة لأن كل طرف منهما كان يعطي الشرعية للآخر ويعزز الشرعية للآخر – شرعية العمل الجهادي في تلك المنطقة. لكن الشرعية تزعزت بعد فك الارتباط من هيئة تحرير الشام ورفض توالي أو بواقي حراس الدين العمل تحت لواء جبهة فتح الشام وهيئة تحرير الشام الآن وبالتالي هذا الرفض ووجه بمطاردة وملاحقة غربية – الطائرات الغربية قتلت قيادات الصف الأول والثاني والثالث؛ بالإضافة إلى ملاحقة أمنية ومواجهة عسكرية بين الهيئة وحراس الدين. هناك إشكالية شرحتها رسالة كتبها الجولاني لبعض القيادات …
من هم؟
شحادة: قيادات حراس الدين وغيرهم من المشايخ والمنظرين على مستوى العالم.
هذه الرسالة علنية؟
شحادة: رسالة سرية ولكن اطلعت على بعض بنودها. يبين فيها (الجولاني) أسباب الاختلاف والقتال الذي وقع بين الهيئة وحراس الدين. وفي تقديري أن حراس الدين خالفوا الاتفاق بوضع نقاط التفتيش في مناطقهم وتنفيذ عمليات عسكرية دون تنسيق مع الهيئة وفرضوا في بعض المناطق ضرائب ورسوم، ونافسوا هيئة تحرير الشام في الإدارة المحلية، ناهيك عن وضع محاكم شرعية خاصة بهم دون الرضا بالقضاء من هيئة تحرير الشام. كل هذا دعا الهيئة إلى حسم الأمر عسكرياً. وما زالت قيادات حراس الدين في السجون … وأعتقد الآن أن سامي العريدي وأبا همام الشام لا يجرؤان على إصدار بيان باسم حراس الدين.
أنت التقيت بسامي العريدي؟ ماذا تعرف عنه؟
شحادة: هو دكتور شريعة. درس في الجامعة الأردنية … كشخصية هو متزمت ولكن هل يملك القدرة على إدارة التنظيم؟ هل يستطيع أن يكون مؤثراً؟ أعتقد أن هناك فرق بين الإدارة التنظيمية والفتوى الشرعية. هو لا يجيد إلا الفتوى الشرعية. أما التنظيم والإدارة التنظيمية أو الحركية لجماعة مسلحة .. فأعتقد أن الدكتور سامي العريدي بالرغم من أنه معروف بأنه حازم وشديد إلا أنه يفتقر غلى القيادة الحركية والتنظيمية.
بالعودة إلى الظواهري والقيادة. أين ترى الظواهري اليوم؟ وهل إذا أعلن عن موته أو تنحيه لأي سبب، فمن يتولى القيادة بعده وهل يستطيع أن يحيى إرث بن لادن؟
شحادة: في تقديري، لن يقوم أي شخص بإحياء تنظيم القاعدة وإرث أسامة بن لادن. قد يبقى (الإرث) أفكاراً تصول في الفضاء الإلكتروني والإعلامي، ولكن في الواقع لن تكون للأفكار فعالية تحيي إرث أسمة بن لادن مع وجود تنظيم قوي مثل داعش الذي اختطف البريق وبدا بالصعود والتنامي في كثير من المناطق وتوسع وتمدد وانتشر بفروع مختلفة وصلت إلى الفلبين وإفريقيا وأفغانستان وليبيا وغيرها من البلدان.
لكنه فشل في العراق وسوريا.
شحادة: طبعاً، خسر مشروعه السياسي ولكن لا يزال يشكل تهديداً. ربما الظروف الذاتية والموضوعية في تلك البلدان تساهم في عودته ولكن لن يصل إلى مرحلة ٢٠١٤-٢٠١٧.
ما الذي يفعله الظواهري؟
شحادة: واضح أنه يعاني من مرض شديد. لا يزال حيّاً لأنه لو مات ميتة طبيعية لأعلن التنظيم عن ذلك. هو مريض مرضاً يقعده وربما يكون تحت إقامة جبرية.
مسألة أن يكون على قيد الحياة أو ميتاً لم تعد مهمة. المهم ماذا يفعل؟
شحادة: كان مشغولاً في إصدار كتاب (الكتاب والسلطان). في تقديري هناك مسائل أهم للتنظيم من تأليف كتاب. ربما يكون لإرثه الشخصي، لكن ماذا قدّم للتنظيم الآن في ظل التحديات التي تعصف بالتنظيم؟ لا شيئ ولن يستطيع تقديم شيئ. الظواهري فشل فشلاً ذريعاً. وربما يكون هذا الكلام موجه للظواهري وعناصر تنظيم القاعدة أنه لم يتمكن حركياً وتنظيمياً من إدارة التنظيم بكفاءة وهذا سبب تراجع فاعلية التنظيم وخسران الكثير من أنصاره ولم ينجح في استقطاب أو القيام بعمليات بحسب ما رسم من خطط.
في فرع اليمن تحديداً، تواصلت أمريكا عبر قنوات وعرضت عليهم الكف عن الإعلان عن العداوة لأمريكا وعدم ضرب المصالح الأمريكية مقابل توقف الطائرات الأمريكية عن استهدافهم وملاحقة القيادات؛ لكن فرع اليمن رفضوا العرض وكانت النتيجة اصطياد كل قيادات التنظيم وتراجع فعاليته ومن المرجح أن يتفكك التنظيم بسبب الخلافات الداخلية التي عصفت به.
وبسبب غياب القيادة، لأن المثال الذي ضربته يتطلب قراراً من القيادة العليا.
شحادة: بالتأكيد. ربما ضعف القيادة في سوريا جاء بسبب انتظارهم الأوامر والتعليمات (من الخارج)، ولكن القيادة في اليمن لديها استقلالية بحيث عندها القدرة على القيادة والفاعلية لفترة محدد. هل خالد باطرفي قادر على إعادة تنظيم صفوف القاعدة في جزيرة العرب وإعادة هيكلة ما فقده بسبب الاختلافات الداخلية؟ برأيي، لغاية اللحظة، وبحسب ما ظهر في الأشهر الماضية، ما زال غير قادر على لملمة هذه الصفوف.
والتنظيم يعاني من مشكلة مالية فيذهب العناصر حيث يذهب المال.
شحادة: بالتأكيد. حين يفقد التنظيم فعاليته، يبحث الأشخاص الذين يعتاشون من التنظيم عن أعمال أخرى وإلا ما حصل اختراقات كبيرة في التنظيم على مستوى الرجال والنساء.
تقدم القاعدة نفسها دائماً على أنها أكثراً سلاماً من داعش وأقل عنفاً، ولكنهما في الحقيقة من رحم واحدة. ما رأيك دكتور؟
شحادة: القاعدة وداعش وجهان لعملة واحدة. الفرق يتعلق بالولاية العامة والسيطرة المكانية. المراجع الفكرية للتنظيمين واحدة والقيادات التي خرجت من رحم القاعدة أصبحت قيادات في داعش. لذلك الخلاف الجوهري بين القاعدة وداعش هو أن تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يُعرف أمنياً وإعلامياً داعش أعلن عن سيطرة مكانية وخلافة واعتبر نفسه يمتلك الولاية العامة على كل المسلمين أفراداً ودولاً، ولذلك هو يعادي القاعدة وطالبان لأنه يعتبر أن على طالبان إعلان البيعة للخلافة الموهومة وهذا جوهر الخلاف الذي دبّ بين القاعدة وداعش وهو أن القاعدة بايعت طالبان ورفضت مبايعة البغدادي.
خلاصة ما قاله الدكتور مروان شحادة:
- القاعدة تراجعت ويمكن أن نقول إنها إلى زوال.“.
- “الأجدر بقيادة القاعدة أن تعلن عن فك التنظيم … بعد الفشل المتلاحق وتحديدا (فشل) الدكتور ايمن الظواهري في إدارة التنظيم”.
- المشاريع الإسلامية للحركات الإسلامية المسلحة قاطبة فشلت فشلاً ذريعاً في الحكم في أي بلد وصلت فيه إلى السلطة.
- الظواهري خسر مشروعه السياسي في العراق وسوريا ولكن لا يزال يشكل تهديداً.
- الظواهري حي.. واضح أنه يعاني من مرض شديد يقعده وربما يكون تحت إقامة جبرية.
- القاعدة وداعش وجهان لعملة واحدة. الفرق يتعلق بالولاية العامة والسيطرة المكانية.