فشلت مبادرة الحزام وطريق الحرير (BRI)
على عكس الضجيج الذي أحدثته بكين وإسلام أباد، فشلت مبادرة الحزام وطريق الحرير (BRI) التي تمّ الترويج لها كثيراً، في توليد أنشطةٍ إقتصادية كافية في باكستان، حيث يطالب سكان الأجزاء الأقل حظاً من البلاد، بالوظائف وتوفّر المياه الصالحة للشرب، كما بوضع حدٍّ لقمع الدولة.
- الصناعيون الباكستانيون غاضبون بسبب دخول البضائع الصينية من دون رسوم
- اتفاقية ميناء غوادار.. 91 % من إيرادات الميناء للصين وتذهب 9 % لباكستان
- بين 44 شركة مسجلة في المنطقة الحرة بغوادار هناك 5 شركات صينية تعمل فقط
- بكين صدّرت لباكستان مئات آلاف الأطنان من مواد البناء من دون أيّ رسوم
- وزير: من غير المبرر منع المصنّعين المحليين من المشاركة بالمشاريع أو تقييدهم
- الرحمن: ظننا أنّ الممر سيغيّر وضع غوادار ومكران وبلوشستان لكن كنّا مخطئين
بدأت الصناعة الباكستانية تشعر بالعبء الأكبر من واردات مبادرة الحزام وطريق الحرير الجامحة، والتي قالوا إنّها دفعت الصناعة المحلية إلى “حافة الكارثة”، من خلال منافسة منتجات الصين الأرخص ثمناً.
وقد استنكر الصناعيون الباكستانيون الغاضبون ذلك، واتصلوا بسلطات باكستان لحظر استيراد السلع المصنّعة في البلاد، وشجبوا كذلك استبعاد المقاولين المحليين من الدخول في مناقصات للمشاريع التي تدخل ضمن إطار الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني.
والممر الاقتصادي – الصيني الباكستاني هو برنامج لتطوير البنية التحتية، تمّ إطلاقه في العام 2015 بقيمة 62 مليار دولار، وذلك في إطار مبادرة إطلاق طريق الحرير الصينية بمليارات الدولارات لصالح بكين، التي تركّز بشكل أكبر على تحقيق أهدافها الخفيّة، من تطوير قاعدة صناعية في البلاد وتغيير الوضع الإجتماعي – الإقتصادي للشعب.
وفي حين تمّ وضع مجموعة كبيرة من مشاريع تطوير البنية التحتية والنقل والطاقة من قبل بكين، إلّا أنّها بدأت في تسوية الأرض لمشروع بقيمة 15 مليار دولار في قطاع البتروكيماويات في غوادار، لمدّ خط أنابيب للطاقة من غوادار إلى كاشغار، وذلك لتلبية احتياجاتها المحلية من الوقود. وبالتالي، فإنّ تحوّل الأولويات أفسد تطوير البنية التحتية في المنطقة، وأدّى كذلك إلى إبطاء وتيرة عمليات التصنيع في مناطق غوادار الساحلية.
وتشارك منظمة الأعمال الحدودية (FWO)، وهي قسم الإنشاء والهندسة في الجيش الباكستاني، بشكل كامل مع المستثمرين الصينيين في مدّ خط أنابيب النفط الخام من غوادار إلى كاشغار، والذي سيتمكن من نقل مليون برميل يومياً.
وكان مجلس الوزراء الإتحادي قد وافق بالفعل على المشروع في العام 2018، وطلب من قسم الشؤون النفطية التوقيع على مذكّرة اتفاق من شأنها أن تطمئن المستثمرين إلى أنّ الحكومة الباكستانية لن تتولى الإستثمار المخطط له.
وأشار تقرير تحقيق رسمي، تجاهله مكتب رئيس الوزراء بسبب آثاره “غير المقصودة” على العلاقات بين الصين وباكستان، إلى أنّ اتفاقية امتياز الموانئ التي تمّ التوصل إليها مع شركة الصين لما وراء البحار القابضة المحدودة China Overseas Port Holdings Company Limited (COPHCL)، تتطلب إعادة تقييم لإزالة بعض من أهم المعوّقات، ودفع العمل بالميناء البحري.
وبموجب اتفاقية ميناء غوادار الموقّعة في نوفمبر 2015، يحقّ لـ COPHCL الحصول على 91 % من إيرادات الميناء، بينما تذهب النسبة المتبقية 9 %، إلى باكستان. ذلك الأمر كان أثار استياء مجلس الشيوخ الباكستاني في وقت سابق، جرّاء السرية التي تحيط بخطة الإتفاقية الطويلة الأجل للممر، والتي لاحظ العديد من أعضاء مجلس الشيوخ أنّها تميل بشدّة لصالح الصين.
وأكّد تقرير التحقيق على عدم اهتمام الشركات الصينية بالمشاركة في تطوير ميناء غوادار. وكشف أنّه من بين 44 شركة مسجلة في المنطقة الحرة بغوادار، تم العثور على 5 شركات صينية فقط تعمل، في حين أنّ باقي الشركات لم تحضر لاستكمال الإجراءات الشكلية.
كما كشفت النتائج أنّه لم يتم إجراء دراسة واحدة لتطوير غوادار ضمن سياق تطوير ميناء تشابهار الإيراني، على الرغم من أنّ غوادر كانت قيد التطوير منذ العام 2013. ويضيف التقرير أنّه لا يوجد أيّ بوادر تشير إلى بدء العمل لتطوير غوادار والمنطقة الحرة التابعة لها بعد، للوصول الى المركز الصناعي الموعود.
وتستخدم باكستان المنتجات الصينية المستوردة في مشاريع الممر الإقتصادي الباكستاني. وقد صدّرت بكين مئات الآلاف من الأطنان من قضبان الحديد والإسمنت ومواد البناء، والمواد التي تستخدم في إنشاء البيوت الجاهزة للسكن، إلى باكستان، وذلك من دون أيّ رسوم استيراد. وتمّ استخدام هذه السلع في بناء مطار غوادر الدولي، ومناطق تجهيز الصادرات، والمناطق الإقتصادية الخاصة، والمنطقة الإقتصادية الحرّة في غوادار، وبناء محطات الطاقة ومخططات الإسكان للحكومة الباكستانية.
في الشهر الماضي، طلبت وزارة الموانئ والشحن الباكستانية رسمياً من الصين تسويق ميناء غوادار، أو على الأقل استخدامه في إعادة شحن البضائع الخاصة بهم، حيث كانوا يمتلكون 91 % من الميناء ويتحمّلون مسؤولية تسويقه وتطويره.
حظر استيراد الصلب المعفى من الرسوم الجمركية من الصين
أثار استيراد مواد البناء الصينية المعفاة من الضرائب غضب الصناعيين المحليين. وقبل بضعة أسابيع، أرسلت الرابطة الباكستانية لكبار منتجي الصلب (PALSP) رسالة استغاثة إلى رئيس الوزراء عمران خان، مطالبةً إيّاه بالمساعدة على حظر استيراد الصلب المعفى من الرسوم الجمركية من الصين، والذي برأيهم، أنّ جودته ليس أفضل من جودة الفولاذ المحلي، والذي يتوافق تماماً مع المعايير البريطانية والأمريكية.
وكشفت رسالة الرابطة الباكستانية لكبار منتجي الصلب إلى خان، أنّ استيراد الصلب الصيني المُعفي من الرسوم الجمركية قد أصاب الصناعة المحلية، والتي تعدّ العمود الفقري لاقتصاد البلاد، وإذا استمرت الحكومة في الإعتماد على الواردات، فذلك سيؤدّي إلى الإستيلاء على السوق بأكمله من قبل الوافدين الأجانب. وعلاوةً على ذلك، فإنّ ذلك من شانه أن يزيد العبء بشكل كبير على ميزان المدفوعات.
وفي حديثه لـ “أخبار الآن“، قال عضو مجلس الشيوخ الباكستاني وأكبر قطب في صناعة الصلب في البلاد نعمان وزير، إنّه أطلع المساعد الخاص لرئيس الوزراء خالد منصور المشرف على مشروع الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني حول مشكلة الإستيراد من الصين، وأكّد له أنّه سينظر في الأمر ويحاول معالجته للوصول إلى نتائج مرضية.
وقال نعمان إنّه في السابق كان الإسمنت يستورد من الصين، لكن بناءً على قول أصحاب معامل الإسمنت، فإنّ لديهم فائض في الإنتاج، سمحت الحكومة باستخدام الإسمنت المصنّع محلياً في مشروعات التنمية التي تموّلها الصين. وقال نعمان: “من غير المبرر منع المصنّعين المحليين من المشاركة في المشاريع، أو وضع قيود عليهم ليصبحوا جزءاً من الإتحاد الدولي للتأهل للمناقصة”.
أمّا في ما يتعلق بالإعفاء الخاص للشركات الصينية من الرسوم الإتحادية وضريبة المبيعات ورسوم الإستيراد على مواد البناء والسلع، قال نعمان إنّ المصنّعين الباكستانيين كانوا مستعدّين حتى لاستيراد المواد الخام الفولاذية بموجب قواعد الرسوم والإعفاء الضريبي للمصدرين (DTRE)، وتقديم المنتجات النهائية لمشاريع الممر. وسأل نعمان: “لماذا لا يسمحون بالإعفاءات الضريبية للمصنّعين المحليين الذين يمكنهم توفير نفس المواد، وبذلك تزدهر الصناعة المحلية أيضاً”.
نعمان: لماذا لا يسمحون بالإعفاءات الضريبية للمصنّعين المحليين الذين يمكنهم توفير المواد نفسها؟
الشركات الصينية أخّرت العمل على تطوير الموانئ في غوادار، بما في ذلك تطوير المنطقة الحرّة، ما أثّر على تأخير خلق فرص عمل للسكان المحليين في المنطقة، فولّد شعوراً بالحرمان بين السكان.
في أوائل تشرين الأوّل 2021، تجمع آلاف الأشخاص من كلّ أنحاء مناطق غوادار تحت قيادة الأمين العام لفرع بلوشستان التابع للجماعة الإسلامية مولانا هدايت الرحمن بالوش، وذلك للإحتجاج على نقص الخدمات الأساسية، بما في ذلك مياه الشرب والصحة والتعليم وفرص العمل.
وردّد المشاركون هتافات ضدّ قوات الأمن والمواطنين الصينيين لعرقلة حركتهم وشلّ روتين حياتهم اليومية. وقد اشتكوا من أنّ السلطات فرضت قيوداً على قوارب الصيد الخاصة بهم، ولم تسمح لهم بالوصول إلى الساحل إلّا لفترة محدودة.
على العكس من ذلك، قالوا إنّهم أطلقوا العنان لسفن الصيد الصينية الكبيرة التي تطفو على شاطئ البحر في مكران. ويعتبر صيد الأسماك أحد المكوّنات الرئيسية للدخل بالنسبة لمعظم السكان على طول شاطئ البحر في غوادار ومكران.
ومن المنتظر أن يتمّ تنظيم اعتصام ضخم في غوادار الشهر المقبل ضدّ التجاوزات التي يتعرض لها شعب مكران، الذين يقولون إنّهم سيواصلون الإحتجاج ورفع أصواتهم حتى قبول مطالبهم.
وقال مولانا هدايت الرحمن بلوش لـ”أخبار الآن“، إنّ شباب بلوشستان الذين لم يستفيدوا من الممر الإقتصادي، مستعدون لتقديم التضحيات من أجل مستقبلهم ومن اجل أهل غوادار.
الرحمن: إذا لم يتم حلّ هذه المشاكل، فلن يكون أمام الناس خيار سوى انتزاع حقوقهم بالقوة
وأضاف أنّ مكران بأكملها تحوّلت إلى منطقة محظورة، ونصبت نقاط تفتيش في عدة مناطق حيث تقوم قوات الأمن بإهانة السكان المحليين. وتابع مولانا: “تمّ حظر التجارة الحدودية من شامان إلى غوادار، ما زاد الوضع سوءاً بالنسبة للسكان”.
وقال: “كنّا نظن أنّ الممر سيغيّر وضع غوادار ومكران وبلوشستان، لكنّنا كنّا مخطئين. ذلك المشروع لم يمنح بلوشستان شيئاً، لكنّه قضى على سبل عيش آلاف من الصيّادين المحليين. كما عرّض أهالي غوادار إلى الإذلال. وإذا لم يتم حلّ هذه المشاكل، فلن يكون أمام الناس خيار سوى انتزاع حقوقهم بالقوة”.