كل دولة تفكّر في تطوير بينتها التحتية وتنميتها، ومونتينيغرو واحدة من هذه الدول. أواخر العام 2014، أقرضت الصين دولة مونتينيغرو قرضاً ضخماً، بقيمة مليار يورو، وذلك لبناء طريق سريع يسمح بوصول أسرع إلى الأجزاء النائية من البلاد.
- أخبار الآن تعرض بنداً من اتفاقية الطريق السريع في الجبل الأسود يفيد بمصادرة أراض في عدم سداد القرض
- الصين قد تقدم على التحكم بالقرار السياسي لمونتينيغرو في حال لم تتمكن من دفع الديون المترتبة عليها
- الطريق السريع ألحق أضراراً بيئبة جسيمة كما أنّ الثرروة البحرية لن تتجدد على مدى 20 عاماً مقبلة أقلّه
ويجب أن يربط ذلك الطريق السريع ميناء بار في جنوب مونتينغرو بالحدود مع صربيا في الشمال. وكان من المقرر الإنتهاء من القسم الأوّل العام 2020، لكنّ ذلك لم يتم. اليوم وبعد 6 سنوات الطريق لم يُنجز، وقد تمّ بالفعل إنفاق الأموال.
فضيحة القرض الصيني الضخم جعلت من الطريق مساراً يؤدّي سريعاً بالبلاد إلى الجحيم، وذلك ليس مبالغة، وهو يعدّ من أغلى الطرق في العالم. الواقع اليوم، أنّ مونتينغرو غير قادرة على سداد الديون للصين، كما ليس بإمكانها تطوير بنيتها التحتية على مدار 14 عاماً على الأقل.
شركة China Road and Bridge التي تديرها الدولة الصينية، ترفض التعليق على المشروع ومساره. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ شركة سي آر بي سي تحصل على كلّ المزايا، مثل عدم دفع ضريبة القيمة المضافة، أو عدم وجود ضرائب على العمالة، أو عدم وجود جمارك على الواردات والبضائع، ما يخلق فرصاً كبيرة للفساد.
أجرت “أخبار الآن” لقاء خاصاً مع نائب رئيس الوزراء دريتان أبازوفيتس، الذي ينظر إليه مواطنو مونتينيغرو كمناضل من أجل الشفافية، وهو تحدّث عن صفقة سيئة الشروط مع الصين. لكنّ أبازوفيتس ليس مجرد نائب رئيس وزراء، بل هو أيضاً المسؤول عن الأمن القومي، ومن هنا فهو يتحدث عن تهديدٍ يمس سيادة البلاد.
وفي ما يتعلق بمن وكيف سيتم الانتهاء من الطريق السريع، يتطلع أبازوفيتش نحو بروكسل. ويضيف: أنا متأكّد من أننا سنجد بعض الحلول للتمويل من المؤسسات الأوروبية.
بنود غريبة في الإتفاقية
ما زاد الطين بلّة، أنّ في العقد مطبّات تطال الأمن القومي للبلاد، وسيادة هذا البلاد. أخبار الآن تمكّنت من الحصول على نسخة من ذلك العقد، وبعد التمحّص فيه، تبيّن أنّ هناك بعض البنود المفخخة والغريبة. أحد البنود التي أدرجت تحت عنوان في حال عدم القدرة على سداد الدين، ينص على أنّه في حال انتهى الأمر بمونتينيغرو بعدم القدرة على سداد القرض، فيتعيّن عليها التنازل عن بعض أراضيها للصين.
ففي ذلك البند، أنّ المقترض يتنازل بشكل نهائي عن سيادته أو حصانته على ممتلكات وأراض، مع الإشارة إلى أنّ تلك الممتلكات لا تشمل البعثات الديبلوماسية والقنصلية والممتلكات العسكرية.
أيضاً، تخضع هذه الإتفاقية وكذلك حقوق الأطراف التزاماتهم، للتفسير وفقاً لقوانين الصين، أي أنّ المحكمة المكلّفة بالقضية، مركزها بكين، وذلك يعيق التحقق من حجم المشكلة. وفي حال صدور أيّ حكم عن تلك المحكمة، يكون القرار نهائياً وملزماً للطرفين، فيما اللجوء إلى التحكيم الدولي أمر شكلي.
الأمر الآخر، تخضع هذه الإتفاقية لسرية تامة، إذ لا يجوز للمقترض الإفصاح عن أيّ معلومات بموجب هذه الإتفاقية، أو عمّا يتعلق بهذه الاتفاقية لأيّ طرف ثالث.
مطالب سياسية
أمر آخر مريب، يكمن في أنّ الصين يمكن أن تستغل الأمر سياسياً، وتطالب بسداد المبلغ بأكمله حالاً، وتلك مشكلة كبرى، وهذا ما يشير إليه خبير السياسة الخارجية الصربية ستيفان فلاديسفياف لـ أخبار الآن. وقال إنّه عندما يتعلق الأمر بالصين فلا يمكنك ان تفصل بين الإقتصاد والسياسة، وبالطبع هناك تداعيات لأنّه عندما يكون لديك عملية اقتصادية وثيقة كهذه عندما يكون لديك مثل هذا الاعتماد على بلد عندما يتعلق الأمر باستقرارك المادي، فذلك يعني أنّ الصين لديها مطالب من الناحية السياسية، ويمكن أن تضع ضغطاً على حكومة بودغوريتسا، وتطلب بعض الخدمات السياسية أيضاً.
وسأل: إذا كان هناك أمر تريده الصين والدول ليست مستعدة لتقديمه لها، هل هناك احتمال أن تمارس الصين ضغطاً عبر شركائها الإقتصاديين لأنّ هؤلاء الشركاء قريبون من الحزب الشيوعي المركزي؟ لذا لا يمكن أن تجزم بأنّ الإقتصاد لن يستغل لأهداف سياسية.
وسط كل هذه الصورة القاتمة في تلك البلاد، يمكن القول إنّ الإتحاد الأوروبي يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية في إفساح المجال للصين ليكون لها نفوذ بمحاذات دوله، فمع التفكير بذلك المشروع، لم يرغب مستثمرون آخرون في المشاركة.
وأوضح فلاديسفيان أنّه في شهر يونيو من هذه السنة، توصلت مونتينغرو إلى اتفاق مع عدد من المصارف الغربية من أجل إعادة جدولة ديونها مع بكين،لكن على المدى الطويل هي بحاجة إلى حلّ أكثر استدامة، و هناك حاجة إلى المزيد من المسؤولية عندما يتعلق الأمر بالترتيبات الإقتصادية لمونتينغرو، لأنّ هناك احتمالاً كبيراً أن تواجه مونتينغرو صعوبة كبيرة في سداد الدين على المدى الطويل.
خشية في مونتينيغرو من أن تضع الصين عينها على المرفأ
يخشى البعض من أن تضع الصين عينها على ميناء بار في المياه العميقة، لماذا؟ لأنّ مميزات المرفأ يتناسب بشكل جيّد مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي مشروع بنية تحتية عالمي للوصول إلى الأسواق.
سلطات الموانئ في بار تأمل بالفعل في حدوث انتعاش اقتصادي، ولديها خطط لبناء محطتين جديدتين. وتقول ديدا سيلوفيتش، نائبة المدير التنفيذي لميناء بار، إنّهم يستعدون بالفعل لإنشاء ميناء ذو أهمية إقليمية. لكن ما حصل في موضوع اطيق السريع، يجعل مونتينيغرو حذرة هذه المرّة، وهذا ما قاله أبازوفيتس لـ أخبار الآن.
عدم تعويض السكان
من الواضح أنّ سكان الجبل الأسود منزعجون جرّاء تلك الصفقة، وبويان هو واحد من المواطنين الذين تمّت مصادرة أجزاء من ممتلكاتهم من أجل مشروع الطريق السريع، لكن لم يتم تعويضه بالكامل. بويان يعمل كسائق شاحنة، وقد وعد السياسيون سائقي الشاحنات مثله، بأنّ الطريق السريع سيخلق آلاف الوظائف، لكن بويان لم يحصل على شيء، لماذا لأنّ المقاول الصيني أتى بعمّاله، من الصين إضافةً إلى عمّال غير شرعيين من البلدان المجاورة من دون إبرام عقود أو مساهمات في الضمان الإجتماعي. ومن هنا، يرى سكان مواكنو مونتينيغرو أنه كان يفضل أن تختار بلادهم أوروبا للحصول على هذا القرض بدلاً من الصين.
إذاً الطريق السريع الذي تديره الصين، لا يغرق بمزاعم المحسوبية فحسب، بل إنه متهم أيضاً بإلحاق الضرر بوادي نهر تارا المصنف محمية من قبل الاونيسكو، كما ذكرت مرتينوفيتش. وتقول المنظمات البئية إنّ النتائج كارثية، إذ أضر تسرّب الرواسب من موقع البناء إلى الماء، بالثروة البئية والبحرية، وتعتقد المنظمات البيئية أنّ الأسماك لن تعود خلال العشرين عاماً القادمة أو أكثر. وتقول المنظمات إن الطريق دمر الجزء الأكثر أهمية في نهر تارا، وقد غيرت الأنقاض مجرى نهر تارا، بشكل لا يمكن إصلاحه.
في هذا الإطار، تمّ اتهام المديرين الصينيين بتجاهل معايير الاتحاد الأوروبي الأساسية، كما أنّ مونتينيغرو تعرضت لانتقادات جراء فشلها في الإشراف على البناء بشكل صحيح.
وتقول مراسلة “أخبار الآن” في بودغوريتسا يلينا مرتينوفيتش، إنّ الطرق السريع هذا ليس فقط الطريق الأغلى في مونتينغرو، بل في كلّ أوروبا. هو الطريق السريع الذي وضع البلاد تحت دين كبير. إنّ ذلك الجزء من الطريق تقوم ببنائه شركة الطرق والجسور الصينية، وقد شكّل عبئاً ثقيلاً على اقتصاد مونتينغرو بسبب قرض المليار دولار من مصرف التصدير والإستيراد الصيني.
وأضافت أنّ الحكومة السابقة في مونتينغرو اعتبرت أنّ ذلك المشروع مهم جدّاً، بينما اعتبر الناشطون المدنيون وأحزاب المعارضة أنّ تكلفته غالية جدّاً، وحصلت فيه عمليات فساد كبيرة، لكن حتى الآن لم ترفع أيّ دعوى ولم يحاسب المسؤولون عن الفساد في ما خص هذا الدين الكبير.
وأوضحت أنّ إحدى المشكلات الكبرى أيضاً الضرر البيئي الذي يسببه هذا المشروع، نهر تارا الذي يعرف بأنّه واحد من أجمل الأنهار في أوروبا، والذي يعرف أيضاً باسم دمعة أوروبا، دُمّر خلال بناء الطريق السريع. العديد من المنظمات المحلية غير الحكومية نبّهت حكومة مونتينغرو إلى أنّ نهر تارا محمي من الأونيسكو. تحت ضغط الرأي العام، وعدت الشركة الصينية بإصلاح 500 متر من ضفاف النهر المتضررة. وقد أبلغنا الخبراء في المنظمات الحكومية أنّ ذلك الأمر لن يكون مفيداً لأنّ 6.7 كيلومتراً من النهر قد دمر. وقد فسر الخبراء البيئيون أنّ بعض أنواع الكائنات قد اختفت تماماً من ذلك الجزء من النهر.
في المحصّلة في كلّ أنحاء غرب البلقان، أدى الاستثمار الصيني إلى إبطاء الإصلاحات المتوافقة مع الاتحاد الأوروبي. لا تتماشى طموحات الصين على طريق الحرير دائمًا مع معايير الاتحاد الأوروبي للحكم الرشيد وحماية البيئة وسيادة القانون والشفافية. نفوذهم يخلق فجوة بين الاتحاد الأوروبي ودول البلقان.