يثير مشروع الحزام والطريق الذي تقوده الصين جدلاً كبيراً ومخاوف عارمة في كلّ أنحاء العالم. ما حصل في أوغندا مؤخراً وفق ما أوردت الصحافة العالمية لناحية أنّ الصين استولت على مطارها الدولي بسبب التخلف عن سداد القروض، أعاد إلى الأذهان غالبية التجارب الفاشلة التي شهدتها الدول في الفترة السابقة، لاسيما مونتينيغرو، كينيا، باكستان، سيرلانكا واليونان، مع سعيها لخنق تلك الدول والتحكم بقرارها السياسي والسيادي، إضافةً إلى ما تخطط له بكين لجهة سعيهها للسيطرة على موانىء البحر المتوسط خدمةً لتجارتها العالمية، خصوصاً في بيروت وطرابلس وصولأً حتى بنزرت في تونس.
- أوغندا أحدث مثال على أزمات الدول جرّاء فخ الديون الصينية وهي تسعى لإنقاذ مطارها من سيطرة بكين
- رئيس اتحاد مقاولي أحواض بناء السفن في اليونان: الصين باتت تسيطر على 67 % من اسهم ميناء بيرايوس
- الصين تنتهك القانون اليوناني وسلطات اليونان تتساهل معها لأنّ شركات الصين لا تخضع للضوابط اليونانية
- بعد ميناء بيرايوس الصينيون يحاولون تنفيذ عمليات إستراتيجية في اليونان لاسيما في الإتصالات والنقل
- الصينيون لا يبتاعون حتى لمبةً واحدة أو إبرة حتى من السوق المحلي وكلّ استهلاكهم يأتي من الصين
التطورات في أوغندا مؤخراً تُعتبر المثال الأحدث على سقوط الدول في فخّ الديون الصينية، وتسعى تلك الدولة لتعديل اتفاقية القرض التي وقعتها مع الصين في العام 2015، في محاولة منها لإنقاذ المطار الدولي الوحيد لديها، وهي كانت اقترضت الدولة الواقعة في شرق أفريقيا أكثر من 200 مليون دولار من بنك التصدير والاستيراد الصيني، لعمليات توسيع مطار عنتيبي.
في ذلك التقرير نثير بعض الجوانب من تجربة اليونان الفاشلة مع استثمارات الصين في ميناء بيرايوس، الذي فقد اليونان السيطرة عليه بنسبة كبيرة جدّّاً.
تجربة اليونان الفاشلة
في ذلك السياق، قال رئيس اتحاد مقاولي أحواض بناء السفن في اليونان، فاسيليس كاناكاكيس لـ “أخبار الآن“، إنّه “لسوء الحظ، خلال الأزمة التي ألمّت بالإقتصاد اليوناني، وضعت الصين يدها في العام 2016 على 51 % من أسهم المرفأ الأوّل في بلدنا… ومؤخراً في العام الجاري، وبوساطة وتسهيل من الحكومة اليونانية، سيطرت الصين على نسبة إضافية قدرها 16 % من الأسهم في الميناء، وهكذا تكون الصين قد بسطت سيطرتها أكثر على مرفأ بيرايوس”.
وعن كيفية انعكاس سيطرة الصينين على ميناء بيرايوس على المواطنين اليونايين، ردّ بالقول إنّ “الصينيين يحاولون الدخول على خط تنفيذ عمليات إستراتيجية في اليونان، على سبيل في حقل الإتصالات والنقل، علماً أنّ تجربتنا سلبية معهم بسبب تصرّفهم في مرفأ بيرايوس”، مشيراً إلى أنّ “أيّ محاولة صينية للدخول على خط تنفيذ نشاطات دقيقة أخرى في اليونان، سوف تعزّز من قلق المواطنين والشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم”.
كاناكاكيس: أيّ محاولة صينية للدخول على خط تنفيذ نشاطات دقيقة أخرى في اليونان سوف تعزّز من قلق المواطنين والشركات الصغيرة والمتوسّطة الحجم
وأضاف: “في هذا الاطار، في نوفمبر الماضي صرّح أحد أشهر مالكي السفن اليونانيين، وهو رئيس نادي أوليمبياكوس لكرة القدم بالتالي: لم ولن نرى الخير من الجانب الصيني أو من شركة كوسكو COSCO للشحن البحري التي تملكها الدولة الصينية. مع مرور الزمن، يبدو أنّني على حق ولكن بالرغم من تصاريح الصينيين الذين يقولون إنّ الإستثمار في مرفأ بيرايوس هو أفضل استثمار لهم في أوروبا، فإنّه لا يعود بالفائدة لا على بيرايوس ولا على أيّ بلدية ساحلية أخرى”.
وأكّد كاناكاكيس في حديثه لـ “أخبار الآن“، وجوب أن تلتزم شركة كوسكو COSCO باتفاق التلزيم الذي أبرم سابقاً، فتلزيم الميناء تمّ من أجل نشاطات معيّنة وبشروط محدّدة، إلّا أنّ الصينيين ينتهكون الإتفاق الذين وافقوا عليه… إضافةً إلى ذلك، فإنّهم ينتهكون القانون اليوناني، لكنّ السلطات اليونانية تتساهل معهم لأنّ الشركات الصينية لا تخضع للضوابط نفسها التي تخضع لها الشركات اليونانية”.
وتابع قائلاً إنّ “الصينيين لا يقدّمون أيّ قيمة مضافة لميناء بيرايوس، وكذلك لا يساهمون في خلق نمو محلي، وجلّ ما يفكّرون به، هو استغلال الموارد اليونانية المنتجة للثروات في البلاد، وذلك لمصلحة الصين”. وأضاف: “ليس لدينا علماً بأنّ الدولة اليونانية قد استحصلت على قرض من كوسكو COSCO أو من الصين بشكل عام”.
وأشار إلى أنّه “لا شك أنّ رفع حصة شركة COSCO Shipping إلى 67 % يشكل نقطة سلبية بالنسبة إلى ميناء بيرايوس في البلاد، وبالتالي لقد تقلّصت اليوم المشاركة اليونانية في مجلس إدارة سلطة مرفأ بيرايوس، ما يزيد من سيطرة الصين وتصرفاتها العشوائية. يبدو أنّ الصينيين استفادوا من الخدمة التي أسدتها لهم الحكومة اليونانية بمنحهم 16 % من الأسهم من دون أن يكونوا قد أكملوا المشروع بموجب اتفاق التلزيم”.
تزعم شركة كوسكو COSCO أنّ دخول الصين إلى ميناء بيرايوس ساعده على التطور، إلّا أنّ السكّان المحليين يتهمون الشركة بعدم الإلتزام بوعودها، وفي هذا السياق، قال كاناكاكيس لـ “أخبار الآن“، إنّ ازدياد عدد الحاويات المنقولة عبر مرفأ بيرايوس يعود بالفائدة على الصينيين، لكنّه لا يفيد كثيراً الإقتصاد المحلي، ولا يفيد بتاتاً المجتمعات المحلية والشركات اليونانية الناشطة في ميناء بيرايوس”.
وأردف: “كما تعمل الصين على تحقيق هدفها التالي بعد تملّكها 16 % إضافية من الأسهم في ميناء بيرايوس، وهو توسيع محطة الحاويات، لكن ذلك التوسيع سيؤدّي إلى خفض ملحوظ لنشاطات أخرى تقوم بها مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشغّل آلاف العمال… كما أنّه سيؤدّي إلى ارتفاع ملحوظ في معدّل البطالة وإفقار المجتمعات الساحلية المحليّة”.
وعمّا ّإذا كان يتخوف من استعمال الميناء لأغراض عسكرية محتملة، قال كاناكاكيس: “ليس هناك إمكانية لذلك حالياً، كما أنّني أعتقد أنّ حكومتنا بدعم من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بأمر من هذا القبيل في المستقبل”.
توطّد الصين سيطرتها على أبرز مشاريع البنى التحتية في الإتحاد الأوروبي، إلّا أنّ الأوروبيين يقولون إنّ الإستثمارات لم تكن على قدر توقعاتهم، فماذا يعني ذلك؟ هنا يؤكّد كاناكاكيس صحة الأمر، قائلاً: “في الحقيقة حتى اليوم ما زالت الإستثمارات الصينية في مرفأ بيرايوس منحصرة بمحطات الحاويات لأنّها على ما يبدو مهتمة في نقل المنتجات الصينية إلى الإتحاد الأوروبي. تصوّروا أنّ الصينيين لا يبتاعون حتى لمبةً واحدة أو إبرة حتى من سوق بيرايوس المحلي، لأنّ كلّ المنتجات التي يستهلكونها تأتي من الصين”.
مؤخّراً أوردت صحيفة “فايننشال تايمز” أنّ سكان بيرايوس تقدّموا بدعاوى قضائية يتهمون فيها شركة COSCO بالتقاعس عن الإلتزام بالبروتوكولات البيئية، وبالإضرار بالبيئة البحرية المحلية. وفي ذلك الصدد، قال كاناكاكيس إنّ “الصينيين لا يحترمون البيئة، فهناك ضرر هائل يلحق بالبيئة البحرية بسبب الجرّافات التي لا بدّ من إدارتها بطريقة مختلفة، بدلاً من طريقة معالجتها الحالية من قبل شركة COSCO التي تلقي بها في البحر. كما تسعى شركة COSCO أيضاً إلى تشييد رصيف جديد للحاويات من أجل توسيع محطة الحاويات القريبة جدّاً من المناطق السكنية في بيرايوس، وذلك الأمر من شأنه أن يؤدّي إلى تردّي البيئة في تلك المناطق، هذا عدا عن أنّ حياة سكان بيرايوس وصحتهم ليست موضع اهتمام للصينيين. لذلك من حق سكان بيرايوس والمجتمعات المحلية أن يحموا صحتهم وحياتهم ويقفوا بوجه تلك الأغراض والأهداف الصينية”.
كاناكاكيس: نريد استثمارات عادلة في بلدنا، فليجنوا الأرباح لكن في الوقت عينه نريد الإستفادة من ثرواتنا وتحقيق الإزدهار للسكان المحليين
وختم كاناكاكيس حديثه لـ”أخبار الآن” قائلاً: “في النهاية يمكننا القول إنّ تجربتنا بوجود شركة COSCO في مرفأ بيرايوس تجربة سلبية بامتياز، فنحن نريد استثمارات في بلدنا، لكننا نريدها مع مستثمرين لا ينتهكون اتفاقات التلزيم والقانون المحلي والأوروبي، ويحترمون البيئة الطبيعية في البلد المضيف… يجنون الأرباح لكن في الوقت عينه يحققون ثروات وازدهاراً للسكان المحليين. تلك الشروط يمكن أن تلبيها شركة COSCO إنْ احترم الصينيون اتفاق التلزيم بحذافيره”.
تجدر الإشارة إلى أنّ رافائيل جلوكسمان، عضو في الاتحاد الأوروبي، قال إنّ “تلك الصفقة مع كوسكو مثيرة للقلق”، مضيفاً: “ليس لدينا الآن فقط رؤية أوضح بكثير للمخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه الإستثمارات الصينية في البنية التحتية الإستراتيجية للإتحاد الأوروبي، لكننا نعلم أيضاً أنّ كوسكو لا تفي بالتزاماتها التعاقدية”.