تدخل الإحتجاجات الضخمة في إقليم بلوشستان المضطرب في باكستان الأسبوع الثالث. ففي الأيّام القليلة الماضية، خرج موكب ضخم يضم عشرات الآلاف من مجتمع الصيادين المحليين في شوارع غوادار، وسط ترتيبات أمنية غير مسبوقة لحماية الصينيين العاملين في ميناء غوادار البحري.
- الصيّادون المحليون في باكستان يتظاهرون تنديداً بتداعيات الإستثمارات الصينية في غوادار
- الباكستانيون يعيشون تداعيات الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني ويتمرّدون على السلطة والصين
- تقارير إعلامية كانت أوردت أنّ باكستان أصدرت تصاريح لسفن صينية للصيد في كراتشي وغوادار
- المتظاهرون يطالبون بخطوات عملية لإزالة الحرمان عن الصيّادين وتجمّع مليوني مرتقب في كويتا
- عقد الميناء المبرم عام 2013 مع الصين سمح لها بجني أكثر من 90 % من إجمالي إيرادات الميناء
تقوم بكين ببناء ميناء في غوادار كجزء من مبادرة الحزام والطريق، وقد ضخّت استثمارات بمليارات الدولارات في باكستان. ومع ذلك، فقد فشل الممر الإقتصادي بين الصين وباكستان في توفير فرص عمل بديلة لمجتمع الصيادين الأصليين الذين خسروا مقوّمات عيشهم، وتمّ خلعهم من أراضي أجدادهم الأصلية بعدما وعدوا بفرص عمل تبيّن لاحقاً أنّها وعود كاذبة.
تمّ نشر أكثر من 5500 عنصر من قوّة شرطة مكافحة الشغب من قبل حكومة المقاطعة في غوادار، حيث طالبت الصين بحماية موظفيها ومنشآتها في المنطقة. وكان أفراد الأمن يراقبون كل المناطق المحيطة تحسباً لأيّ من خطوة قد يقدم عليها المتظاهرون الذين توافدوا إلى غوادر من كلّ أنحاء مقاطعة بلوشستان.
حكومة بلوشستان نشرت قوّة في غوادار مهمّتها الحفاظ على القانون والنظام ومكافحة الشغب وسط احتجاجات استمرت أسابيع في المنطقة ومسيرة حاشدة حصلت مؤخراً. ويفيد إخطار صادر عن مكتب الشرطة المركزية في بلوشستان على أنّ قوة الشرطة الإضافية تتألف من نائب كبار المسؤولين عن الشرطة وضبّاط المركز وأفراد ذي مراتب ادنى في الشرطة.
مسيرة مليونية مرتقبة في وجه السلطات والصين
مولانا هدايت الرحمن بالوش، أحد دعاة حقوق غوادار، قال لـ”أخبار الآن” إنّ حركتهم كانت تنمو وتنتشر في أجزاء أخرى من المحافظة… “نحن الآن نكافح من أجل بلوشستان بأكملها، وفي الشهر المقبل نخطط لعقد تجمع حاشد لمليون شخص في كويتا إذا لم تتخذ السلطات بعض الخطوات العملية لإزالة الحرمان من مجتمع الصيادين المحليين، وإنهاء ذلك التعامل السيء مع السكان”. وقال بلوش: “سننظم مسيرة المليون شخص لدعم من يتعذّبون بسبب اختفاء أقرباء لهم وأعزّاء”، في إشارة إلى آلاف الأشخاص المفقودين في بلوشستان، والذين يشتبه في أنّهم قد اختطفوا من قبل الأجهزة الأمنية .
مولانا، هو زعيم جماعة إسلامية غير معروف، يتحدّر من قبيلة الصيادين المحليين، يقود حركة “غوادار كو حقوق دو”، (الحركة من أجل حقوق غوادار)، التي تكافح الآن من أجل حقوق محافظة بلوشستان بأكملها. وقد نظمت تلك الحركة مسيرات عديدة واعتصامات ضخمة في أجزاء مختلفة من مكران خلال الأسابيع القليلة الماضية، للضغط من أجل تحقيق مطالبهم، وربطوا بين ما آلت اليه أوضاعهم بطريقة أو بأخرى، بالإستثمارات الصينية والتواجد المادي في المناطق الساحلية لبلوشستان.
وتشمل المطالب الرئيسية للحركة فرض حظر كامل على الصيد بشباك الجر في بحر العرب، الوصول إلى المناطق الساحلية بالقرب من ميناء غوادار البحري، إعادة فتح الحدود الإيرانية، التي تعد مركزاً تجارياً رئيسياً للسكان المحليين. كما يطالب المتظاهرون بإزالة نقاط التفتيش الموجودة من أجل أمن المواطنين الصينيين، وتأمين الخدمات الأساسية مثل مياه الشرب، والصحة، والتعليم، وفرص العمل في غوادار ومناطق أخرى من منطقة مكران.
وقال مولانا بالوش أنّ شركة China Overseas Port Holding Company قد حدّدت مواعيد توظيف في ميناء غوادار البحري من خارج غوادار، ولم تعطِ الأولوية للسكان المحليّين الذين سُلبوا أرزاقهم. لم نطالب بالطرق السريعة، ولا بالأكواخ الفسيحة والذهب والزخارف. نريدهم فقط أن يعيدوا لنا وسائل الكسب حتى نتمكّن من كسب عيش محترم. نريد وظائف ومياه صالحة للشرب وتعليم ومرافق صحية. إذا استمروا في تجاهلنا، فلن نسمح لهم بإدارة الممر اللإقتصادي على حساب مستقبل شبابنا”، هدد بالوش.
كما انضم التجّار ورجال الأعمال في غوادار وأجزاء أخرى من مكران إلى الحركة من خلال الإضراب و الإغلاق الشامل. وقد أغلق المتظاهرون في مناطق غوادار وتوربات وبيشكان وزمران وبوليدا وأورمارا وباسني في بلوشستان، الطرق السريعة المحلية، إضافةً إلى أنّهم كانوا ينظمون اعتصاماً طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية.
وفي عرض نادر للتضامن مع المتظاهرين، خرجت آلاف النساء في مسيرة في شوارع مدينة غوادار الساحلية الأسبوع الماضي، للمطالبة بالحقوق الأساسية ووضع حدّ للصيد غير القانوني بشباك الجر في بحر العرب، والذي يقول المتظاهرون إنّه جعل الصيادين المحليين و غيرهم عاطلين عن العمل.
“كان تجمّع نهار الجمعة الفائت غير مسبوق في تاريخ غوادار، وأنا ممتن لأنّ أصدقائي من كلّ أنحاء البلاد انضموا إلى ذلك التجمع الضخم الذي سيتسبب في إحداث تغييرات ثورية في الحياة الإقتصادية والسياسية للبلد”، مولانا هدايت الرحمن بالوش قال إنّ حركتهم التي ركّزت في البداية على قضايا غوادار، تركّز الآن على القضايا الأساسية لإقليم بلوشستان بأكمله، وهم يناضلون حالياً من أجل حقوق بلوشستان أيضاً.
وأضاف بالوش أنّ “حكومة الإقليم أجرت جولتين من المحادثات معهم، وفي كلّ مرّة أعلنت قبول كل مطالبنا، مشيراً إلى أنّ “الحكومة وافقت على مطالبنا لكنّها لم تتخذ أيّ إجراءات لتنفيذها”.
في الأسبوع الماضي، أقرّت الجمعية التشريعية في البنجاب قراراً ضغط فيه المشرعون على الحكومة الفيدرالية لقبولها مطالب شعب غوادار من دون أيّ تأخير. ودعوا إلى وقف الاجراءات التعسفية التي مورست على المتظاهرين في الأسابيع القليلة الماضية. وقد أعرب المشرّعون عن أسفهم لأنّ النساء والأطفال اضطروا إلى التحرّك للحصول على مطالبهم العادلة. وجاء في القرار أنّ غوادار لعبت دوراً مهمّاً في تنمية البلاد وتجاهل مطالب سكانها من قبل الحكومة لن يكون أمراً حكيماً.
وكان رئيس وزراء باكستان عمران خان وصف مطالب صيادي غوادار بـ”المطالب المشروعة للغاية”، وذلك مع دخول احتجاجات السكّان المحليين في المدينة الساحلية يومها الثامن والعشرين. وفي تغريدة له، قال خان إنّه سيتخذ إجراءات قويّة ضدّ الصيد غير القانوني بواسطة سفن الصيد، وسيتحدث أيضاً إلى رئيس وزراء بلوشستان.
وأثارت الإضطرابات في غوادار قلق المسؤولين الصينيين أيضاً. فالصين تشعر بالقلق إزاء مشروع البنية التحتية الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات في غوادار. إنّهم يخشون من أن يؤدّي ذلك التمرّد ضدّ النزوح الجماعي وفقدان سبل العيش وندرة ضروريات الحياة في مقاطعة بلوشستان الجنوبية الغربية، إلى تعريض استثماراتهم للخطر.
تصدّر باكستان ما قيمته 600 مليون دولار من الأسماك سنوياً، ويكسب نحو 3 ملايين صياد رزقهم من الصيد على ساحل السند وبلوشستان البالغ طوله 1050 كيلومتراً.
وفي أوّل ردّ فعل علني لها على المظاهرات الحاشدة في غوادار، رفضت الصين بحزم “محاولات” تشويه سمعة الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني والعلاقات الصينية الباكستانية. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان قال في مؤتمر صحافي عقد أوائل ديسمبر، إنّ بعض وسائل الإعلام ذكرت أنّ الإحتجاجات في منطقة غوادار كانت ضدّ حقوق الصيد الكبيرة الممنوحة لسفن الصيد الصينية، والتي حرمت السكان المحليين من مصدر رزقهم.
وقال المتحدث: “هذا كلام غير صحيح على الإطلاق لأنّ بعض وسائل الإعلام نشرت أنّ الإحتجاجات في غوادار تستهدف الصين. وكشف تحقيقنا أنه لم تذهب أي سفينة صيد صينية إلى منطقة ميناء جوادار للصيد أو الإرساء. وقال إنّ ميناء غوادار كان المشروع الرائد في الممر، الذي يركّز على تنمية المنطقة بأكملها، مضيفاً أنّ الممر قدّم فرص عمل للسكان المحليين.
لم يصمد الردّ الصيني في مواجهة التقارير الإعلامية التي نشرت في يونيو من العام الجاري، والتي أشارت إلى أنّ باكستان أصدرت تصاريح لسفن صينية للصيد في كراتشي وغوادار. ونقلت وسائل الإعلام عن عبد البر رئيس الجمعية التعاونية للصيادين قوله، إنّ السفن الصينية ستساعد قطاع الصيد الباكستاني على تنويع صادراته من المنتجات السمكية وازدهار الصناعة على خطوط حديثة. ومع ذلك، فقد ادّعى أنّ الصينيين لن يستخدموا شباك الجر في أعماق البحار لتجنّب تهديد الحياة البحرية.
وتصدّر باكستان ما قيمته 600 مليون دولار من الأسماك سنوياً، ويكسب نحو ثلاثة ملايين صياد رزقهم من الصيد على ساحل السند وبلوشستان البالغ طوله 1050 كيلومتراً.
وفي فبراير من العام الجاري، رست العشرات من سفن الصيد الصينية التابعة لشركة فوجيان للأسماك في ميناء كراتشي بعد عودتها من غوادار، وذلك أثار موجة من الإستياء في مجتمع الصيادين المحليين، الذين كانوا قلقين من أنّ سفن الصيد التجارية وشباك الجر سوف تستنفد الأرصدة السمكية في المناطق البحرية في مقاطعتي السند وبلوشستان.
عقد الميناء المبرم عام 2013 للصين سمح لها بجني أكثر من 90 % من إجمالي إيرادات الميناء
وفي منتصف يونيو، نظّم مئات الصيادين والعاملين السياسيين وأعضاء المجتمع المدني مسيرة احتجاجية في غوادار ضدّ قرار الحكومة الفيدرالية بمنح سفن الصيد الصينية حقوقاً وتراخيصاً للصيد بشباك الجر في بحر العرب. وقال بالوش: “نضالنا ضدّ أولئك الذين قيّدوا حريتنا، وانتزعوا مصدر رزقنا، وحرمونا من وسائل الراحة في الحياة، وعاملونا على أنّنا دون البشر في أرضنا”، في إشارة مستترة إلى التجاوزات التي يمارسها الجيش على السكان المحليين.
تمّ دفع غوادر لتكون بمثابة “قاعدة بحرية خارجية” لبكين، وقناة تجارية فعّالة من شأنها أن تقلّل من اعتماد بكين على طرق بحر الصين الجنوبي عالية التكلفة لسدّ احتياجاتها من الطاقة.
وتستعد بكين لجني الفوائد الدفاعية والإقتصادية من ميناء غوادار كجزء من اتفاقية إيجار مدتها 40 عاماً أبرمتها السلطات الباكستانية مع شركة China Overseas Port Holding Company.
وسمح عقد الميناء الممنوح في العام 2013 للصين بجني أكثر من 90 % من إجمالي الإيرادات من الميناء، و 85 % من “المناطق الحرة” المحيطة على حساب مجتمع الصيادين المحليين الذين طردوا من أراضيهم الأصلية، وحرموا من مهنة أجدادهم.
شاهدوا أيضاً: ما الفرق بين عقود الصين المفخخة وعقود نادي باريس للدائنين؟