وفق أرقام نشرها الموقع الإلكتروني الرسمي للأمم المتحدة فإنّ أكثر من 80 ألف أفغاني لجأوا إلى البلدان المجاورة، خلال الفترة الممتدة من بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر نوفمبر الماضي، وقد وصل 60 % منهم إلى باكستان، ونحو 30 % آخرين إلى إيران.
- رحلة الهروب من طالبان في أفغانستان محفوفة بأعلى درجات المخاطر وسط أمل بحياة أفضل
- شيخ مهربين الأفغان مسؤول عن 153 مهرباً يتوزعون على الحدود الباكستانية والإيرانية
- رغم وعود طالبان بالأمان إلّا أنّ الأفغان لم يصدقوا ومازالو يفرّون إلى دول مجاورو بأعداد كبيرة
- مشاهد قاسية وثّقتها “أخبار الآن” خلال رحلة الهروب التي رافقت فيها عدداً من الأفغان الهاربين
فلماذا يفرّ هؤلاء الأفغان من وطنهم تاركين خلفهم أهلم وقد باعوا كلّ ما يملكون؟ وهل ستوصلهم تلك الرحلة إلى برّ الأمان الذي يبحثون عنه؟ وأيّ طريق سلكوها ومع مَنْ؟
أسئلة عديدة طرحناها على عدد من هؤلاء الأفغان الذين رافقناهم في رحلتهم المحفوفة بالمخاطر، التي تبدأ من المكاتب السياحية الموجودة في قلب العاصمة كابول، وتنتهي بهم لاجئين في دول الجوار. لكنّنا لم نتمكن سوى من مرافقتهم حتى بلدة زرنج الحدودية في إقليم هلمند. وبذلك استطاع فريقنا أن يصوّر، إستثنائياً، واحدة من تلك الرحلات التي ينتهي بها المطاف في بلدة زرنج على الحدود الإيرانية.
داخل أحد تلك المكاتب السياحية ينتظر المئات ممن يبحثون عن حياة أفضل، أسوة بأترابهم الذين سبقوهم في اللجوء إلى باكستان وإيران وغيرهما من دول الجوار، كما أخبرنا أحدهم ويدعى جاويد أصغري الذي قال لنا: “أتمنى أن أجد عملًا جيداً كي أتمكن من تحمّل نفقاتي. ففي الماضي، أيّام الحكومة السابقة، كان لديّ عمل جيد، لكن في عهد طالبان، الوضع الإقتصادي صعب ولا أجد عملًا. أصدقائي ذهبوا إلى باكستان وإيران وقالوا لي إنّ العمل هناك جيد، فلهذا السبب أريد أن أذهب أيضاً إلى هناك كي أعمل”.
وفي المساء، حين عدنا إلى أحد تلك المكاتب السياحية، كانت مجموعة من الشبان والرجال تنتظر موعد السفر الذي يقترب، أمّا وجهتهم فهي إيران.
السبب الذي دفع سميع الله سميع للإقدام على اللجوء والهجرة غير الشرعية، هو أنّ “الناس يقولون إنّ داعش انتشرت هنا، والإقتصاد في وضع سيء جدّاً. البلدان الأخرى لم تعترف بحكومة طالبان بشكل رسمي، لهذا السبب نريد الذهاب الى إيران”.
أمّا نعمة الله الذي ينتظر بفارغ الصبر اكتمال عدد المسافرين لديه كي تبدأ رحلة الهروب بالحافلة، فيبحث عن عمل يرتزق منه خارج بلاده بعدما خسر تجارته مع سيطرة حركة طالبان على مقاليد الحكم، “بسبب الوضع المزري الذي تسببت به حركة طالبان”.
كما يقول نعمة الله، إنّه حتى وصوله إلى مبتغاه، سيبقى تحت رحمة المهرّبين الذين ربّما سيقدمون له ولغيره من المسافرين بعض الماء والطعام، أمّا أيّ مساعدة أخرى فهي غير واردة على الإطلاق.
وقد علمنا من نعمة الله، أنّه دفع ثمن بطاقة السفر بالحافلة أمّا المصاريف الأخرى فيسددها لاحقاً بعدما يجد عملًا في إيران، لكن هذه العلاقة مع المهرب لا تقوم على الثقة بتاتاً، إذ يقضي الإتفاق على التهريب تقديم ضمانة مالية قيّمة للمهرب يتمّ الإفراج عنها بعد تسديد المبلغ بأكمله، وبالنسبة لنعمة الله فقد قدّم منزله وأرضه الذي يملكهما في قريته كضمانة ليعبر الحدود.
المهرّب ودوره في البحث عن الأمل
بعد 20 ساعة من السير، وصلت الحافلة التي تكدّس المسافرون فيها فوق بعضهم البعض إلى أحد فنادق هلمند، تلك المحطة هامة بالنسبة إلى هؤلاء الذي يسيرون بالرحلة وسط ظروف قاسية طغى عليها البرد القارس والإرهاق.. محطة هامة ليس فقط للراحة، وإنّما للتحضير للمحطة ما قبل الأخيرة، وهي مدينة كارودي في إقليم نمروز.
عند الصباح، أقلتهم الحافلة باتجاه تلك المدينة المحاذية للحدود الباكستانية والإيرانية، وقد أضحت نقطة تجمّع الأفغان الفارين من جحيم بلادهم، ومنها يتفرقون، منهم مَنْ يُكمل طريقه باتجاه إيران، ومنهم مَنْ يتوجه إلى باكستان.
مدينة كارودي تعجُ بالمهرّبين أيضاً، فالمهرّب مسؤول عن نقل الساعين إلى حياة أفضل إلى نقطة التهريب الحدودية، بعد تحديد المكان الذي سيصله كلٌّ منهم، ولتنفيذ كلّ ذلك، عليه أولاً أن يدقق بأوراقهم وإمكانياتهم المالية والجسدية، بعدها يقرّر مَنْ يسلك طريق باكستان أو طريق إيران.
في سوق مدينة كارودي التقينا شيخ المهربين، وهو مسؤول عن 153 مهرباً يتوزعون على الحدود الباكستانية والإيرانية، وتلك هي المرّة الأولى التي يتحدّث فيها أمام الكاميرا، ويخبرنا أنّه يرسل اليوم إلى الحدود ما بين 300 و 400 شخص في الشهر. أعداد طالبي اللجوء اليوم تزيد كثيراً عمّا كان يسجله في الماضي، إضافةً إلى أنّ نسبة العائلات بينهم تصل إلى 20 %.
شيخ المهرّبين يُدعى سردار محمد، إنّه من ولاية مزار شريف ويسكن حالياً في ولاية نمروز، إنّها المرّة الأولى الذي يسمح فيها بتصويره. لقد أخبرنا الرجل أنّ تكلفة التهريب تتفاوت بحسب الطريق التي يتمّ سلوكها “إلى طهران سعر، إلى مشهد سعر آخر، ويوجد أسعار إلى تركيا واليونان وبلغاريا، يوجد أسعار مختلفة، بعض الناس يذهب من كابول إلى الحدود، والبعض يريد أن يذهب إلى تركيا أو إيران أو اليونان أو فرنسا أو ألمانيا لهذا يختلف السعر حسب الطلب”.
أمّا إلى أين يوصلهم المهرّبون وهل يتعامل هؤلاء مع مهرّبين أمثالهم خارج الحدود الأفغانية، فأجابنا شيخ المهربين أنّه يتمّ التعامل مع مهرّبين إيرانيين وباكستانيين عند الحدود مع هذين البلدين المجاورين، ومن هناك يكملون طريقهم مع مهرّبين آخرين.
وأضاف: “يتصل المهرّبون الأفغان بنا، فنستلم المسافرين منهم ونؤمن لهم مكاناً للإستراحة من أجل تناول الطعام”.
ثمّ يتمّ وضع 13 أو 14 شخصاً في سيّارة واحدة من السيارات المتوقفة في السوق، وكما علمنا من هذا الرجل وغيره من المهربين، فإنّ عمليات التهريب موجهة إمّا إلى دكا أو ماشكيل في إقليم بلوشستان الباكستاني وإما إلى قرى صيروان أو إيراني هاش أو خاريشان الإيرانية، فانطلاقًا من هذه المدن والقرى يستلمهم مهرّبون آخرون لنقلهم إلى مكان آخر، وهكذا دواليك حتى الوصول إلى البلد المستهدف.
كارودي سوق سوداء لتبادل العملات
سوق مدينة كارودي، هي أيضاً سوق سوداء لتبادل العملات، فيها تنشط عمليات بيع وشراء العملات وطبعًا ليس دون ربح إضافي لمن يشترى العملة الأفغانية التي فقدت قيمتها مقابل العملات الأخرى، والعملتان الإيرانية والباكستانية هما أكثر ما يحتاجه هؤلاء الباحثون عن الأمل، وبسبب صعوبة تأمين المبلغ المحدد لتهريبهم اضطروا لبيع ما بقي لديهم من ممتلكات قبل بدء رحلة اللجوء.
وعند شيخ المهرّبين يتم التأكد من أن المبلغ مؤمن وإلا لن يتمكن المهاجر من بدء رحلة عبور الحدود. وإذا كان المهرّبون يتحدثون عن مليون تومان (عملة إيرانية) ما يساوي 3500 روبية أفغانية، فإنّ الهاربين يؤكّدون أنّهم دفعوا أكثر من 3 أضعاف ذلك المبلغ، خاصة أولئك الذين كرروا محاولة عبور الحدود.
وقد قال لنا أحدهم ويدعى عصمت الله الذي كان يعمل سائقًا قبل سيطرة طالبان على البلاد “قبل طالبان كان حياتي جيدة وعملي جيد، كان أولادي يذهبون إلى المدارس لكن المدارس أقفلت ولم نعد نرى فيها معلمين، وأبنائي الشبان كانوا يعملون ويجنون المال، لكن اليوم لا مال لدينا، الناس يبيعون مفروشات منازلهم لكي يعيشوا، لكن نحن ليس لدينا شيء لبيعه ولا نستطيع أن نشتري شيئًا، حتى الطعام لا نستطيع شراءه، الفقراء لا عمل لديهم فكل ما يستطيعون القيام به هو الهروب من هذا البلد من أجل الطعام وتأمين تكاليف الحياة”.
عصمت الله البالغ من العمر 58 عامًا وصف لنا حالته وحالة عائلته «نحن تائهون، كبارنا ونساؤنا وأطفالنا جميعنا تائهون لهذا نحن مضطرون لأن نهرب إلى إيران”.
زرنج ومشاهدات محطة العبور الأخيرة
استطاعنا وبشكل استثنائي، مرافقة مجموعة من الأفغان في طريقهم نحو عبور الحدود الإيرانية، فمن مدينة كارودي انطلقنا متجهين نحو قرية زرنج الحدودية، وقد فوجئنا بكم هائل من السيارات على تلك الطريق غير المعبدة، إنها سيارات تحمل داخلها هاربين آخرين أتوا من شتى أنحاء أفغانستان.
وكلما تقدمنا في سيرنا كلما ظهرت أمامنا وبوضوح الأراضي الإيرانية حتى وصلنا إلى تلة صغيرة تبعد مسافة كيلومتر واحد عن الجدار الفاصل بين البلدين، حينها ترجل المسافرون ونحن معهم، وقد حاولوا الاختباء عن أعين حرس الحدود الإيراني بانتظار حلول الظلام ليبدأوا مغامرتهم الخطيرة.
وفق تعليمات مساعد المهرّب، واسمه شيرزاد، بدأ الفارون من بلادهم دخول الجدار الحدودي، فإن نجحت خطوتهم الأخيرة هنا في أفغانستان فإن مهرّبًا آخر ينتظرهم عند الطرف الآخر لتبدأ معه محطتهم الجديدة على الأراضي الإيرانية، لكن الأمر ليس بديهيًا ولا يخلو من الخطورة كما أخبرنا أحدهم ويدعى حجي محمد، والذي نجا، غير مرة، من الرصاص الذي أطلقه حرس الحدود الإيراني عليهم، فقتل بعض الذين كانوا معه، ومن نجا من الرصاص فإن عصي هؤلاء الحرس كانت بانتظارهم.
لم نتمكن من عبور الجدار الذي يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار وأفادنا شيرزاد “نحن نرسل المهاجرين، باتجاه هذا الجدار، وهناك العسكر الإيراني الذين يأخذون المال 12 ألف روبية. هذا المال يعتبر رشوة للجنود، حين يحصل الجنود عليه يتركوا الناس يعبرون إلى داخل البلاد، العسكر يريد المال فقط، وفي حالة عدم الدفع، يتم إعادة الفرد إلى الأراضي الأفغانية، ومرة أخرى، سنطلب منه أن يدفع 12 ألف روبية افغانية المبلغ الذي يجب أن يدفعه من أجل العبور، وإذا رفض الدفع مرة أخرى، سوف يضربه الجنود الإيرانيون بالرصاص”.
المال ودومًا المال من أجل الوصول إلى البلد المراد الوصول إليه، إضافة إلى تكلفة النقل بالسيارة وهي حسب مساعد المهرّب “3500 روبية أفغانية، وحين يصل المسافرون إلى هدفهم، نأخذ منهم المال مرة أخرى، فإن لم يكن معهم المال نضعهم في الحجز، هناك سجن في إيران، ونتصل بعائلاتهم ونطلب منهم دفع فدية من أجل إطلاق سراحهم، المهرّبون الإيرانيون يعلموننا بالمبلغ الذي يريدونه من كل شخص، فنستلم المال من أهله ونأخذ حصتنا منه ونعطي الباقي للمهرّبين الإيرانيين، أما إذا لم تدفع عائلته المبلغ المطلوب فسيبقى الرجل داخل السجن”.
حكومة طالبان تطمئن الفارين وتنشر دعايتها
يبدو أن التطمينات التي عبّر عنها خليل الرحمن حقاني، وزير المهاجرين في حكومة طالبان، لم تقنع بعد مواطنيه اليوم، إذ أعلن لنا خلال لقاء معها أنه تم إصدار عفو عن كل الجميع “وأعطيناهم فرصة للعيش هنا. لكن الحكومة السابقة والمسؤولين السابقين الذي تعاملوا مع الأميركيين وحاربوا طالبان هم الذين تسببوا بالفساد الاقتصادي ويعملون على ضرب اقتصاد البلد، لماذا يخاف منا الناس ولماذا يهربون، لقد أصدرنا العفو العام عن كل الناس وعليهم ألّا يخافوا، لم نقل لهم أننا سنعاقبكم، لا أفهم ما هي مشكلتهم ولماذا يهربون”.
كما حاول هذا الوزير أن يبث دعاية حركته السياسة وهي أن دول الغرب تحاول استغلال العمال الأفغان وتشغيلهم مقابل رواتب أقل من غيرهم “يدفعون للأفغاني عشرة دولارات فقط، لهذا السبب الأفغان مجبرون على العمل هناك ولذلك يغادرون البلاد وهذه هي خطة الغرب”.
ومن جهة ثانية، أفادنا محمد أرسلاح خروتي، معاون وزير الهجرة أن حكومته تسعى لإعادة الفارين إلى بلادهم وقال لنا إن المسؤولين يتواصلون مع المسؤولين في البلدان الأخرى لاقناع المهاجرين الأفغان بالعودة إلى بلادهم.
الترحيل وموقف مفوضية اللاجئين
عدم الترحيب باللاجئين في إيران وغيرها من الدول وسؤ المعاملة التي يتعرضون لها أثارت قلق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وأضافت أن عمليات ترحيل اللاجئين الأفغان إلى وطنهم ازدادت وتيرتها منذ شهر أغسطس الماضي. وبين اغسطس ونوفمبر أنّ 3 آلاف منهم تعيدهم السلطات الإيرانية إلى بلادهم، كما أشارت المفوضية إلى أن السلطات الباكستانية أعادت حوالي 1800 أفغاني إلى بلادهم.
أما الحدود البرية من أوزباكستان وطاجكستان فمقفلة كلياً في وجه الأفغان، أمّا باكستان التي لا تسمح سوى للمهاجرين الذين يملكون جوازات سفر وإجازات بدخول أراضيها باستثناء بعض الحالات التي تتطلب عناية صحية، وهؤلاء قلة قليلة كما أفادت المفوضية الأممية.