في الثالث من فبراير من العام 2022 استيقظ العالم على نبأ استهداف غارة أمريكية لجهادي أجنبي في إدلب، قبل أن يعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أن الضربة “الناجحة” استهدفت زعيم داعش عبد الله قرداش.
موقع استهداف الزعيم الثاني للتنظيم، وتفاصيل العملية أعادت للواجهة الحديث عن الوشايات التي يعاني منها التنظيم والتي تتسبب في استهداف أو توقيف قادته، في مناطق متفرقة حول العالم، والتي كنا تحدثنا عنها في تقرير سابق في ديسمبر من العام الماضي.
من يكشف أسرار داعش؟
في عملية نوعية جديدة، نجحت قوات سوريا الديمقراطية في إلقاء القبض على القيادي الداعشي البارز محمد عبد العواد الملقب بـ”رشيد”، الذي خطط لاقتحام سجن الغويران في مدينة الحسكة، وإطلاق سراح أسرى داعش المتواجدين بداخله، لإعادة بناء وترميم شبكات داعش القتالية التي تضررت، بشدة، منذ سقوط خلافته المكانية في مارس/ آذار 2019.
شكل سقوط “العواد”، حلقة جديدة في سلسلة النزيف القيادي الذي تعرض له داعش، خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ أتى بعد فترة وجيزة من سقوط “حجي حامد العراقي”، نائب أبوبكر البغدادي ومسؤول الركاز (النفط والمعادن) في داعش، والذي ألقت الاستخبارات العراقية القبض عليه، بعد متابعته لمدة 6 أشهر، بحسب ما ذكرته في بيانها.
ومع أن سقوط قادة داعش يبقى أمرًا معتادًا، في سياق حملة مكافحة الإرهاب المستمرة إقليميًا ودوليًا، إلا أنه يُعقدّ حسابات التنظيم المأزوم ويباعد بينه وبين استعادة “الخلافة المكانية”، التي تعد أحد أخطر الفصول في سيرة التنظيم الإرهابي.
ففي يوليو/ تموز 2014، وقف أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش (السابق)، مرتديًا زيًا أسودًا مميزًا، على منبر الجامع النوري بمدينة الموصل العراقية، ليلقي “خُطبة الخلافة”، كما سماها التنظيم، بعد إعلانه رسميًا إقامة دولته في المناطق التي سيطر عليها داخل سوريا والعراق، وبعد سنوات معدودة، وتحديدًا في أبريل/ نيسان 2019، ظهر “الخليفة الداعشي”، بعد أن تغيرت هيئته وخضب لحيته بالحناء، معلنًا انتهاء الخلافة المكانية والعودة إلى مرحلة “ما قبل الخلافة”، داعيًا ما تبقى من جنوده لمواصلة حرب العصابات الاستنزافية ضد خصوم داعش.
وما بين التاريخين، شهد تنظيم داعش، رحلة صعود وهبوط دراماتيكية، فبعد أن أعلن، على لسان متحدثه (الأسبق) أبو محمد العدناني، أنه أقام خلافته بحد السيف وبالقوة، وأنه أدرك النصر النهائي وحقق الغاية التي كان يصبو إليها، منذ تأسيس نواته الأولى (جماعة التوحيد والجهاد- 2003)، تلقى التنظيم هزائم موجعة وخسر كل مناطق سيطرته وفقد جل قادته البازرين، الذين سقطوا واحدًا تلو الآخر، مؤكدين أن بريق “النصر الزائف” قد تبدد سريعًا.
ورغم القضاء على خلافته، حاولت آلة داعش الدعائية تصوير هزائمه الثقيلة كأنها مجرد “انتكاسة وقتية”، كما سعت لتوظيف الهجمات المحدودة التي نفذها مقاتلوه أو المتعاطفون معه لتدليل على أن “الخلافة الداعشية”، لازالت باقية وتتمدد في ساحات جديدة، على حد تعبير أبو الحسن المهاجر، المتحدث (السابق) باسم التنظيم، الذي قال استبق إعلان هزيمة داعش بكلمة صوتية، (مارس/ آذار 2019)، ادعى فيها أن “التنظيم لم ينهزم ولا يعدو الأمر أن انحاز من مدن وبلدات كان تحت سيطرته إلى ولايات مدن وبلدات أخرى، لأنه يخوض حربًا متعددة الجبهات، خطط قادته لأن تدوم سنينًا طويلة”.
الهروب إلى الأمام
وحاول داعش اتباع تكيك “الهروب للأمام”، في مواجهة الهزائم الثقيلة التي تلقها، فعمد إلى التأكيد على سرديته الخاصة بـ”البقاء والتمدد”، عبر تسليط الضوء على أفراده ومقاتليه في أكثر من دولة، للإيحاء بأنه لم ينهزم بشكل كامل وأنه انحاز إلى جبهات جديدة كما ذكر “المهاجر”.
ونشرت المكاتب الإعلامية للتنظيم (تابعة لما يُعرف بديوان الإعلام المركزي، المسؤول الأول عن الدعاية في داعش)، عقب كلمة أبوبكر البغدادي، في أبريل/ نيسان 2019، سلسلة من الإصدارات المرئية التي ظهر فيها مقاتلون تابعون له في غرب ووسط إفريقيا وجنوب شرق آسيا والهند وباكستان وأفغانستان والقوقاز، وكذلك في العراق وسوريا وسيناء المصرية، وهم يجددون البيعة لخليفة التنظيم ويتعهدون بمواصلة القتال.
وبالتوازي مع الحملة الدعائية، شنت خلايا داعش هجمات إرهابية منسقة في أكثر من دولة تحت عنوان: “غزوة الثأر لأهل الشام”، كما لجأ التنظيم إلى “حرق خلاياه” وشبكاته التي تكونت بالأساس من جهاديين محليين، عبر تحفيز عناصر هذه الخلايا على شن هجمات كبيرة لإحراز “انتصار معنوي” من خلالها، وإبراز نفسه باعتباره لا زال في طليعة “الجهاد المعولم”، وهو ما حدث في هجمات الفصح الدامي، أبريل 2014، التي نفذتها جماعة التوحيد الوطنية السيرلانكية بقيادة زهران هاشمي، بعد فترة وجيزة من بيعتها للتنظيم.
تفجيرات سيرلانكا
كما اعترف داعش ببيعة مجموعات محلية عديدة في وسط وجنوب إفريقيا منها جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونغو، وجماعة الشباب الموزمبيقية (بخلاف حركة الشباب الصومالية)، وضمهما تحت اسم وهيكل تنظيمي واحد معلنًا تشكيل ما بات يُعرف بـ”ولاية وسط إفريقيا”، وذلك رغم عدم وجود تنسيق بين الجماعتين المحلتين.
واستفاد تنظيم داعش من حالة الاضطراب وعدم الاستقرار في العديد من الدول الإفريقية والاضطرابات والاقتتالات الطائفية و العرقية والمظالم الإثنية، لترويج رواية “تمدد الخلافة”، وبدأت الجماعات المحلية في محاكاة تنظيم داعش في التكتيكات والأساليب القتالية وكذلك في الزي الرسمي واللهجة الخطابية والدعائية، وكذلك أبرزت نزعتها العابرة للوطنية عبر تنفيذ هجمات خارج الدول التي تنشط فيها، كما فعلت جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة التي نفذت هجمات انتحارية في العاصمة الأوغندية كمبالا، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وصور التنظيم “هجمات كمبالا” باعتبارها جزء من الحملة العسكرية المضادة التي يشنها ضد الدول المشاركة في التحالفات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، متحاشيًا بذلك الإشارة للجذور الأوغندية لـ“القوات الديمقراطية المتحالفة” التي أسسها “جميل موكولو” مع مجموعة من الضباط الأوغندين المنشقين، في تسعينيات القرن الماضي، وركزت على استهداف الحكومتين الكونغولية والأوغندية في آن واحد.
وعلى نفس المنوال، حرص التنظيم على استغلال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والذي انتهى أواخر أغسطس/ آب الماضي، لكسب الدعم والتأييد واستقطاب عناصر جديدة، فشن سلسلة من الهجمات المتواصلة ضد عناصر حركة طالبان، المسيطرة على البلاد حاليا، أبرزها هجوم مستشفى كابل العسكري (نوفمبر 2021)، بالتوازي مع تكثيف نشاطه الإعلامي في مهاجمة حركة طالبان وغيرها من المجموعات الجهادي المحلية واتهمامها بالتخلي عن “النهج الجهادي القويم”، وذلك لكسب ولاء المجموعات الأكثر تشددًا في الحركة الأفغانية وتحريضها للانشقاق عنها.
ومع تركيز التنظيم على التمدد في الأطراف، مطبقًا للنظرية الجهادية المعروفة بـ”التحرك عبر الذراعين“، بقي مركز الثقل الرئيس للتنظيم في العراق التي ظلت ساحة العمليات المركزية له، بحسب ما تُظهر إحصائيات العمليات- التي أوردتها أسبوعية النبأ، الناطقة بلسان داعش، نقلًا عن لجان الرصد والتوثيق داخل التنظيم-، بينما حلت سوريا في مراتب تالية، وأحيانًا متأخرة بفارق كبير، عن العراق، بالرغم من استمرار نشاط الخلايا الإرهابية في مناطق عدة أبرزها مناطق البادية السورية الشاسعة.
دليل ضعف لا قوة
على الجهة الأخرى، تكشف الهجمات الإرهابية التي يشنها تنظيم داعش عن حالة الضعف التنظيمي الذي يعتريه، حاليًا، فمع أنه يبقى تهديدًا أمنيًا طويل المدى نتيجةً لعدد من الظروف المتداخلة، إلا أن قدرات التنظيم العملياتية تراجعت بشكل واضح، خلال السنوات الماضية.
وتكشف إحصائيات العمليات المنشورة بصحيفة النبأ، (ديوان الإعلام المركزي الداعشي)، تراجعًا نسبيًا في معدلات الهجمات الإرهابية، خلال الفترة الأخيرة، فعلى سبيل المثال نفذ التنظيم 187 هجومًا إرهابيًا في الفترة من 24 نوفمبر/ تشرين الثاني: 23 ديسمبر/ كانون الأول 2021، بمتوسط 46 هجومًا أسبوعيًا، مقارنة بـ260 هجوم في الفترة نفسها خلال عام 2020، بمتوسط 65 هجومًا إرهابيًا في الأسبوع، و321 هجومًا إرهابيًا، في ذات المدة من عام 2019، بمتوسط 80 هجومًا إرهابيا خلال الأسبوع الواحد.
ونُفذت الهجمات المذكورة في أكثر من 10 مناطق جغرافية متفرقة تشمل: (العراق، وسوريا، وغرب إفريقيا، ووسط إفريقيا، والصومال، وشبه جزيرة سيناء، وجنوب شرق آسيا، وأفغانستان، وباكستان، والهند)، واحتلت العراق صدارة قائمة العمليات الإرهابية التي نفذها داعش، في غالبية الوقت، لكنها تراجعت، في مرات معدودة، لتتبوء الساحة السورية صدارة الهجمات، وذلك خلال عامي 2019، و2020، كما تراجعت العراق أيضًا في الربع الرابع من عام 2021، لتتصدر أفغانستان، عدة مرات، قائمة أكثر البلدان التي شهدت هجمات إرهابية، فيما حافظ فرع غرب إفريقيا على معدل شبه ثابت ونشط للهجمات خصوصًا في محيط دول بحيرة تشاد: (تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا).
Map by Sania
وتعني الإحصائيات السابقة أن النشاط العملياتي للتنظيم لا زال منخفضًا، مقارنة بمعدل النشاط والهجمات التي شنها التنظيم، في أوج قوته خلال أعوام 2014، و2015، كما تكشف عن وجود “تشتت جغرافي”، في تنفيذ الهجمات، فعلى سبيل المثال يُنفذ ما بين 45: 50% من إجمالي هجمات داعش في العراق، بينما تتشارك بقية أفرع التنظيم مجتمعة (نحو 12 فرع نشط) في 50% من الهجمات، وفي كثير من الأحيان تُسجل مناطق هامة للتنظيم هجمات ضئيلة جدًا (سجلت ساحات سوريا والصومال وسيناء، طوال الشهر الماضي، هجومًا واحدًا أو اثنين في الأسبوع، على أقصى تقدير)، منذ أواخر نوفمبر الماضي.
العراق.. ساحة العمليات المركزية
ويرجع التركز الجغرافي لعمليات داعش، في ساحة العراق، لعدد من الأسباب، منها تركز العدد الأكبر من عناصره الذين يُقدرهم فلاديمير فورونكوف، مسؤول مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، بـ10 آلاف مقاتل، في العراق، بجانب وجود مناطق رخوة (ضعيفة الضبط الأمني) يستغلها المقاتلون في شن الهجمات، كما تُنفذ غالبية هذه الهجمات في مناطق النشاط المعتادة للتنظيم: (كركوك، وديالى، والأنبار، نينوى.. إلخ).
ومن الملاحظ أن التنظيم، في العراق وغيره، يلجأ إلى الأهداف السهلة نسبيًا في الهجمات الإرهابية وينفذها بالطرق التقليدية التي تشمل استهداف المدنيين (بزعم التعاون مع الأجهزة الأمنية)، وزرع العبوات الناسفة، وإطلاق قذائف الهاون أو صواريخ الكاتيوشا، وعمليات القنص، وحرق المحاصيل والأراضي الزراعية، وتفجير أبراج الكهرباء وغيرها من الأهداف ذات الطبيعة المدنية، ولا يلجأ مقاتلو داعش إلى هجمات “الكمين والإغارة”، إلى في حالات محددة (باستثناء فرع غرب إفريقيا الذي يخوض تمردًا مسلحًا محتدمًا)، بينما تبقى الهجمات المعقدة “نادرة الحدوث”، حتى الآن، وتعتمد- إن حدثت- على استهداف أهداف مدنية بالمقام الأول داخل مناطق الضبط الأمني العالي، ثم الأهداف العسكرية، وهو ما حدث في مدينة الصدر العراقية (شرق بغداد) التي شهدت تفجيرًا دمويًا داخل أحد الأسواق عشية عيد الأضحى، منتصف يوليو/ تموز المنصرم.
وعلاوة على الهجمات التي ينفذها مقاتلوه، يعمد داعش إلى تبني هجمات الذئاب المنفردة التي ينفذها “جهاديون محليون” غير مرتبطين بالشبكة العالمية للتنظيم، وترويج أنها جاءت استجابة لدعواته الدعائية المتكررة لاستهداف المدنيين في الدول الغربية الذين يسميهم بـ”رعايا دول التحالف”، وهو ما فعله التنظيم، أكثر من مرة، منها حادثة الطعن التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن في فبراير/ شباط 2020.
ويعلل اللواء الركن المتقاعد عماد العلو، الخبير العراقي في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، إن تنظيم داعش كغيره من التنظيمات المسلحة، لازال يحاول الترويج والادعاء أنه تنظيم قوي ومتماسك، لكي يكسب المزيد من العناصر ويجند المقاتلين في صفوفه لتزداد قدراته وموارده البشرية التي ضعفت بشكل واضح خلال الفترة الماضية.
وأضاف الخبير العراقي في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، أن داعش، لم يعد قويا كما كان خلال 2014، بل هُزم في العراق وسوريا كما فقد قدراته القتالية، وخسر الكثير من قياداته وعناصره، وبالتالي انهارت قدراته التنظيمية والبشرية، مشيرًا إلى أنه اعترف بالهزيمة ضمنيًا عندما أجرى عملية إعادة هيكلة داخلية وألغى الدواوين الداعشية التي اعتمدها لإدارة وتسيير شؤونه، في إطار تكييف بنيته الهيراركية للعمل بأسلوب حرب العصابات وخوض معارك طويلة.
وألمح محمد يسري، الباحث المصري في الحركات الإسلامية، إلى داعش لا يعترف صراحةً بهزائمه المتتالية، ويحاول إثبات أنه لازال قويًا وفاعلًا، حتى في أسوأ حالته، لكن الواقع يدلل على أن عنفوان التنظيم انتهى، وصار تأثيره محدودًا للغاية في غالبية مناطق وجود، فضلًا عن انعدام تأثيره الفعلي في مناطق كثيرة.
وأوضح الباحث المصري في الحركات الإسلامية أن التنظيم يوهم أعضاءه والمنخدعين به أن ما يتلقه من هزائم ما هو إلا صورة من صور الكر والفر، والذي لا يعدو كونه تراجع مرحلي استعدادًا لمرحلة تالية يكون فيها أكثر قوة من ذي قبل، كما يواصل “مغازلة مموليه” بأنه لا يزال يمتلك من القوة ما يجعله فاعلًا ومؤثرًا، على خلاف الحقيقة.
الخلافات الداخلية.. واستمرار السقوط
وعلى صعيد متصل، يرتبط تآكل وتقويض قدرات داعش العملياتية والتنظيمية بحالات التنافر والتدافع الداخلي بين تياراته، إذ عاش التنظيم، طوال السنوات الماضية، وسط صراع بين المجموعات الفاعلة داخله، لاعتبارات مصالحية وأيدولوجية وإثنية.
ولعب هذا الصراع، بجانب عوامل أخرى، دورًا في سقوط معاقل سيطرة التنظيم وكذلك الوصول إلى مخابئ قادته البارزين ومن ثم اعتقالهم أو تصفيتهم، وهو ما حدث مع أمراء من الصف الأول لداعش على رأسهم خليفته السابق أبوبكر البغدادي، الذي سقط نتيجة معلومات أدلى به مساعدوه، وخيانة أمراء بارزين من التنظيم.
ولعل أبرز المتهمين بـ”الخيانة والوشاية” في تنظيم حاليًا، هو خليفته “حجي عبد الله قرداش” (أمير عبد المولى الصلبي التركماني)، الذي سبق له أن أرشد عن قيادات “القاعدة في بلاد الرافدين” (نواة داعش)، خلال استجوابه من قبل القوات الأمريكية، في عام 2008، وفق ما كشفته تقارير الاستجواب التكتيكي التي كشفها مركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية.
وأعاد القبض على عدد من أمراء داعش البارزين منهم حجي حامد الجبوري، أحد أبرز المسؤولين الماليين بالتنظيم، تسليط الأضواء على خيانات ووشيات أفراد وقادة التنظيم، لا سيما وأن البيان الإعلامي الصادر عن جهاز الاستخبارات الوطني العراقي، أشار إلى أن سقوط القيادي البارز بداعش تم بعد استدراجه عبر دول أوروبية إلى الموقع الذي قُبض عليه فيه.
ومن المرجح أن تكون عملية استدراج “حجي حامد”، تمت عبر رفاق له أو عناصر قيادية أخرى بالتنظيم، خصوصًا أن هناك عدد من القادة البارزين (من بينهم أمراء أمنيين)، أُلقي القبض عليهم، بصورة سرية، واختاروا التعاون مع الأجهزة الأمنية للكشف عن شبكات داعش وإسقاط قادته البارزين، والذين كان آخرهم أحد أبرز قادة داعش المشاركين في الهجوم على مدينة عين العرب “كوباني” السورية، عام 2014، وفق ما أعلنته قوات سوريا الديمقراطية.
ويبدو أن المعلومات التي حصلت عليها أجهزة الأمن والاستخبارات من قادة داعش وغيرها من المصادر الاستخبارية، ساعدت تلك الأجهزة على الوصول إلى خلايا وشبكات داعشية تنشط على المستوى المحلي والإقليمي، إذ جرى تفكيك 7 خلايا إرهابية نشطة من بينها خلية اغتيالات في مناطق الإدارة الذاتية الكردية (شرق سوريا)، وخلية المغرب الإرهابية التي خططت لهجمات بالعبوات الناسفة بالتنسيق مع التنظيم، قبل أن تُلقي المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (الاستخبارات الداخلية) القبض عليها بالتنسيق مع الاستخبارات الأمريكية، وكذلك خلية أربيل الإرهابية التي ضبطها جهاز الأمن الداخلي في إقليم كردستان (الأسايش)، مؤخرًا.
كما ضبطت الأجهزة الأمنية السودانية، خلية إرهابية عملت على تقديم الدعم اللوجيستي لخلايا داعش انطلاقًا من العاصمة الخرطوم، وضبطت السلطات الكوسوفوية (النيابة الخاصة) خلية إرهابية تابعة لداعش ضمت بين صفوفها عائدين من تنظيم داعش، وحالت عملية القبض دون تنفيذ الخلية لسلسلة هجمات خططت لها، وكذلك ضبطت أجهزة الأمن الأسبانية، “خلية داعشية خطيرة”– من بين أفرادها قيادات داعشية عائدة من سوريا- خططت لإنشاء خلايا داعشية في أوروبا واستخدامها في تنفيذ الهجمات الإرهابية، مستغلةً شبكات الهجرة غير الشرعية.
وبسقوط الخلايا السابقة، بلغ إجمالي عدد قادة داعش، الذين سقطوا، منذ القبض على حجي حامد العراقي، 12 قياديًا في العراق (8 قادة من بينهم المسؤول الشرعي لكتيبة الفاروق الداعشية، ومسؤول الإمداد اللوجيستي في جنوب الأنبار، فضلًا عن قيادي عسكري بارز، ومسؤول المفارز الداعشية في جنوب بغداد، وقيادي بارز في محافظة نينوى العراقية)، وسوريا (قياديين أحدهما محمد عبد العواد، القيادي البارز بالتنظيم، إضافةً لقيادي آخر قُتل في غارة جوية بريطانية، وليبيا (قياديين أحدهما مسؤول عن الانتحاريين، وآخر عاد من سوريا إلى البلاد)، وشبه جزيرة سيناء المصرية (قياديين أحدهما فلسطيني الجنسية)، بجانب عدد آخر “غير محدد”، من عناصر داعش الذين أُلقي القبض عليهم خلال نفس العمليات.
تكتيك الحرق والتصفية
ومن الملاحظ أن العمليات الإرهابية التي يشنها تنظيم داعش، تراجعت بصورة نسبية، في أعقاب عمليات اعتقال قادته البارزين، خلال الفترة الماضية، وهو ما يعزى إلى أكثر من سبب، في مقدمتها تجفيف منابع تمويل التنظيم، ولجوء خلاياه النشطة إلى الكمون والترقب في انتظار معرفة حجم التفاصيل والمعلومات التي كشفها قادته المقبوض عليهم لأجهزة الأمن.
وشايات انتقامية داخل تنظيم داعش
وفي هذا الإطار، لفت محمد يسري، الباحث المصري في الحركات الإسلامية، إلى حدوث “وشايات انتقامية” داخل تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، مضيفًا أن هناك بعض الأفراد الأدنى في المرتبة التنظيمية ينتقمون من قادتهم بالإبلاغ عنهم لأسباب عديدة منها الخلافات الداخلية بين عناصر التنظيمات الإرهابية.
وأكد “يسري” أن قادة التنظيمات الإرهابية قد يلجأون لإحراق “الأفراد والخلايا المتمردة”، أو الأمراء الذين يمثلون خطرًا على قيادة التنظيم أو الذين فقدوا فاعليتهم وفائدتهم الحركية، عن طريق إرسالهم لمناطق “محروقة أمنيًا” بالنسبة للتنظيمات، ليتم الإيقاع بهم وإسقاطهم في قبضة الأجهزة الأمنية، وفي أوقات أخرى يتم التخلص من العنصر بسجنه أو قتله.
وأردف اللواء الركن المتقاعد عماد العلو، الخبير العراقي في الشؤون العسكرية والإستراتيجية، أن الخلافات مستمرة داخل داعش، منذ إعلانه إقامة الخلافة المكانية، في 2014، مضيفًا أن هذه الخلافات شملت المستوى الفكري والتنظيمي، على حد سواء، وتعاملت معها قيادة التنظيم بأسلوب التصفية الجسدية عبر سجن وقتل مخالفيها.
استمرار عمليات مكافحة الإرهاب
ورغم حالة الضعف والتدافع الداخلي التي عاشها تنظيم داعش، يواصل تنظيم داعش التكيف والسعي لتعزيز قدراته، مستغلًا المناطق الرخوة والفضاء الافتراضي والتداعيات التي خلفتها جائحة كورونا، على حد تعبير رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب “فلاديمير فورونكوف”.
وفي مقابل، طموح داعش للعودة إلى حالة القوة والنشاط من جديد، تستمر عمليات مكافحة الإرهاب التي يقودها التحالف الدولي لحرب داعش (عملية العزم الصلب)، بالتعاون مع الدول الإقليمية، في إسقاط قادة داعش واستهداف عناصره وتجفيف منابع تمويله، ليظل حلم “عودة الخلافة” الداعشية، بعيدًا على التنظيم الذي يعيش ضعفًا ومعاناة سبق له أن عاشها، في سنوات سابقة.