أتى الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني بالويلات على الإقتصاد في باكستان، من خلال تضييق الخناق عليه وإلحاق ضرر كبير بالقطاع الصناعي، وذلك بسبب الإتفاقات غير المتوازنة مع الصين التي تأتي بالفائدة على الصناعة الصينية أكثر منه على الصناعة الباكستانية.
- الباكستانيون يحصدون سلبيات الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني الذي خنق صناعاتهم
- اتفاقات غير متوازنة مع الصين تأتي بالفائدة على الصناعة الصينية أكثر منه على الصناعة الباكستانية
- اتفاق التجارة الحرّة مع بكين يشوبه خلل كبير وقد فتح الباب مشرّعاً أمام البضائع الصينية المستوردة
- ضمان أمن الممر الإقتصادي يتخطّى حصّة باكستان من مداخيل غوادار وهي 9% فقط
- جمعية المصنّعين الباكستانيين: اتفاق التجارة الحرّة مع الصين تسبب بإقفال عدد كبير من المصانع
بحسب بعض الإقتصاديين وروّاد الصناعة، فإنّ اتفاق التجارة الحرّة مع بكين، والذي يشوبه خلل كبير، فتح الباب مشرّعاً أمام البضائع الصينية المستوردة التي أغرقت السوق في باكستان، ما أدّى إلى شلل كبير في الصناعة المحلية في وقت ألقت الكلفة الأمنية المتصاعدة الناجمة عن مشروع الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني بظلالها على حصة الـ9 % الهزيلة من مداخيل مرفأ غوادار البحري.
فقد أجمع الإقتصاديون على أنّ الربح المضمون، والبالغة قيمته 15 % الذي تجنيه مصانع توليد الكهرباء الصينية في البلاد، قد شجّع المستثمرين الصينيين في مجال الكهرباء على إطلاق تصريحات مغلوطة بشأن الرساميل والأصول المالية والكلفة التشغيلية التي تتكبدها مصانع توليد الكهرباء من أجل زيادة حصّتها في أرباح قطاع الكهرباء بنسبة ضعفين أو 3 أضعاف.
ما مشكلة اتفاق التجارة الحرّة مع بكين؟
الدكتور قيصر بنغالي، هو أحد أبرز الإقتصاديين في باكستان ومن المعروف أنّه أدار مؤسسات عديدة مثل مركز التنمية والسياسة الإجتماعية في كراتشي، ومعهد سياسة التنمية المستدامة في إسلام أباد، اعتبر في حديث لـ”أخبار الآن” أنّ الضرر الكبير يأتي من اتفاق التجارة الحرّة الذي وقّعت باكستان عليه مع الصين.
وأضاف: “لقد اقترح اتفاق التجارة رفع كلّ الضرائب والرسوم عن البضائع المستوردة من الصين أو المصدّرة من باكستان إلى الصين. ذلك اتفاق يفترض أنّه قد أبرم بشكل متساوٍ بين الطرفين، لكن المساواة طبّقت عندما كنّا بحاجة إلى بضائع مصنّعة في الصين وكانت الصين بحاجة إلى بضائع مصنّعة في باكستان… ليس لدينا ما نصدّره إلى الصين باستثناء المنسوجات والتي تشمل المناشف وشراشف الأسرّة. كما أنّ نظام السوق الحرّة قد أتى بالفائدة كلّياً على الصين لأنّ المصانع الباكستانية بالكاد قامت بتصنيع أيّ بضائع تطلبها السوق في الصين”.
وتابع بنغالي أنّ باكستان ما كان عليها أن توقّع على أيّ اتفاقات تجارية مع أيّ بلد لأنّ قطاع الصناعة في البلاد لا يصنّع أيّ بضائع عالية الجودة من شأنها أن تغذي قطاع التصدير، ونتيجة لذلك، بدلاً من أن تزيد اتفاقات التجارة حركة التصدير في البلاد، انتهى بها الأمر بإعطاء زخم لحركة الإستيراد من البلدان التي نرتبط باتفاقات معها.
وقال إنّ كلّ الإتفاقات التي تمّ التوصّل إليها مع الصين تأتي بالفائدة على الصين وتضرّ بالإقتصاد المحلي، مضيفاً: “يكفي النظر إلى اتفاق تقاسم المداخيل في مرفأ غوادار، والذي حدّد حصة شركة تشاينيز بورت هولدينغ كومباني بـ91%، وحصة باكستان بـ9% فقط”.
كما اعتبر في حديثه لـ”أخبار الآن” أنّ الحكومة كانت تصرف مبالغ طائلة على ضمان أمن الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني، وأنه كان على الجيش الباكستاني أن يزيد من عداده من أجل تأمين حماية أمنية على مدار الساعة للمواطنين الصينيين العاملين هناك. وأوضح أنّ “تلك المصاريف تتخطى حصة الحكومة البالغة 9 % في مداخيل مرفأ غوادار، وبالتالي فإنّ مشروع الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني كان مشروعاً خاسراً للبلاد، ولا بدّ من إعادة النظر به.
اتفاق تقاسم المداخيل في ميناء غوادار حدّد حصة شركة تشاينيز بورت هولدينغ كومباني بـ91%، وحصة باكستان بـ9% فقط، وكلفة أمن الممر الإقتصادي تفوق حصة إسلام أباد
كما صرّح أنّ تلك هي حال مصانع توليد الكهرباء التي بنيت بتمويل صيني. فالحكومة الصينية قد ضمنت ربحاً واضحاً قدره 15 % على كلفة تلك المصانع إلّا أنّ المستثمرين الصينيين سرعان ما بدأوا بنفخ كلفة الإستثمار بغية رفع النسبة المئوية من حصتهم في الأرباح، من 15 إلى 30 %.
وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ تحقيقاً قاده رئيس سابق للجنة الأمن والتبادل في باكستان، كشف وجود ممارسات خاطئة واسعة النطاق في قطاع الكهرباء. وبيّن التقرير أنّ 16 منتجاً مستقلّاً في قطاع الطاقة قد استثمروا ما يقارب 60 مليار روبي، وجنوا في المقابل أرباحاً تفوق 400 مليار روبي، وذلك خلال فترة تتراوح بين سنتين و4 سنوات.
كما كشف التقرير نفسه أنّ المنتجين المستقلين الـ 16 بمن فيهم 7 صينيين، قد جنوا أرباحاً “غير متوقعة” خلال تلك الفترة القصيرة. وبالرغم من أنّ الإتفاقات التي أبرموها تنص على أنّه يُسمح لهم بجني أرباح تتراوح بين 12 و15 % على استثماراتهم، فقد جنى البعض أرباحاً تتراوح بين 70 و90 % بحسب التقرير.
وقد ذكّر بنغالي أنّه خلال العقود الـ 4 الأخيرة، عانت الصناعات المحلية من تراجع هائل بعد إقفال مصانع شهيرة في البلاد لإنتاج أوانٍ بلاستيكية عالية الجودة، وأقفال للأبواب ودراجات هوائية ومنتجات كثيرة أخرى، بسبب حملة يقودها لوبي قوي في إسلام أباد كان يعمل خلال السنوات الـ 40 الأخيرة على إعطاء زخم للصناعة الموجهة نحو الإستيراد في البلاد.
وبحسب علماء الإقتصاد، فإنّ المصانع الخاصة بأيّ منطقة تتمتع بأفضلية مقارنة مع العالم بأسره، لأنّ البلدان التي تنتج المواد الخام، تساعد المصانع الحليفة على تسجيل نتائج أفضل. لسوء الحظ، ترتكز كلّ صناعاتنا بما فيها صناعة المنسوجات، يقول بنغالي، على منتجات مستوردة، وبالتالي إنْ قررت الحكومة تقليص الإستيراد، تنهار صناعاتنا.
ينغالي: السلع الصينية غير الخاضعة للضرائب قوّضت الصناعات المحلية، وبالتالي عدد من المصانع توقف عن الإنتاج وصرف مئات العمال والمياومين
ناهيك عن أنّ المنتجات الصينية التي تغرق الأسواق المحلية متوفّرة بأسعار تنافسية بالمقارنة مع المنتجات المحلية. فالسلع الصينية غير الخاضعة للضرائب قوّضت الصناعات المحلية، وبالتالي فإنّ عدداً من المصانع سبق أن توقف عن الإنتاج وصرف مئات العمال والمياومين الماهرين في أبرز المناطق الصناعية في باكستان.
كما أنّ قطاع الصلب في البلاد قد أرسل وفداً زار الحكومة الفدرالية وأطلعها على أنّ استيراد القضبان الحديدية الصينية غير الخاضع للضريبة قد تسبب بإقفال مصانع محلية لتصنيع الحديد، وقد طالب الوفد بالحصول على المحفّزات نفسها التي كانت متاحة أمام المصدّرين الصينيين.
ما حجم المنتجات الصينية التي تدخل باكستان من دون ضرائب؟
من ناحيته، وفي حديث مع “أخبار الآن“، صرّح محمد جواد بلواني، رئيس جمعية المصنّعين المصدّرين الباكستانيين، بأنّ اتفاق التجارة الحرّة مع الصين قد تسبب بإقفال عدد من المصانع في باكستان، ويعود السبب إلى أنّ الصناعات المحلية كانت تعاني من مشاكل كثيرة بما فيها إمدادات الغاز وتأمين التيار الكهربائي بشكل غير متقطع وتأمين تسهيلات للنقل، ما زاد من كلفة الإنتاج، وبالتالي جعل المنتجات المحليّة غير صالحة للإستيراد.
وأضاف: “كان هناك ما يزيد على 30 معمل نسيج لخيوط البوليستر ومصنعاً لتصنيع البطاريات الجافة والدراجات الهوائية، إلّا أنّها أقفلت كلّها بعد التوقيع على اتفاق التجارة الحرّة مع الصين. فنحو 3707 من المنتجات الصينية غير خاضعة للضريبة بموجب اتفاق التجارة الحرة، فيما 1275 منتجاً آخر سيحصل على إذن بالاتسيراد بمعدل صفر ضريبة ورسوم.
وقال: نحن نستورد منتجات مماثلة من الصين بينما هي تصنّع أيضاً في باكستان على غرار القضبان الحديدية والمراوح الكهربائية والملابس وأدوات المائدة والسلع البلاستيكية ومنتجات كثيرة أخرى”. ورداً على سؤال، كشف بلواني أنّ 50 % من الملابس الجاهزة، وما يزيد على 90 % من ملابس الأطفال، تستورد من الصين بموجب اتفاق التجارة الحرة معها.
دعوة لحماية مصالح الصناعات المحلية
أمّا محمد إدريس، وهو رئيس غرفة الصناعة والتجارة في كراتشي، فقد أوضح لـ”أخبار الآن” أنّ الصناعة الباكستانية كانت تخضع لضغوط كبيرة بسبب اتفاق التجارة الحرّة غير المتوازن مع الصين، قائلاً: لقد شدّدنا مراراً وتكراراً على الحاجة إلى نقل التكنولوجيا التي يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من اتفاق التجارة الحرة. وطالبنا الحكومة بأنّ تحرص على أن يسمح الإتفاق باستيراد سلع كتلك غير مصنعة في البلاد ومن دون رسوم وضرائب.
وقال إدريس إنّ الفائدة الرئيسية من اتفاق التجارة الحرة هي أن يسمح باستيراد تلك السلع والمنتجات التي لا تصنعها المصانع المحلية مع شرط أن يتمّ نقل التكنولوجيا للمستثمرين المحليين كي يتمكنوا من تطوير ذلك النوع من الصناعة في البلاد.
كما أضاف أنّه بعيْد الإتفاق على مشروع الممر الإقتصادي الصيني – الباكستاني وميناء غوادار البحري، قد ارتفع استيراد السلع الصينية غير الخاضعة للضريبة ما كان له أثر مدمّر على صناعاتنا المحلية”، رافعاً الصوّت مجدّداً للمطالبة بمنح الصناعيين والمصدّرين الباكستانيين الحوافز والتسهيلات الممنوحة لنظرائهم الصينيين، وذلك من أجل تأمين أرضية صلبة للصناعات المحلية.
وختم: لقد اقترحنا على الحكومة ألّا تستعجل في بتّ اتفاق التجارة كما فعلت في السابق، فالحكومة عليها أن تحمي مصالح الصناعات المحلية قبل منح المستثمرين من الصين نظاماً معفى من الضرائب”.