معارك شبوة تكشف طبيعة التحالف بين القاعدة والحوثي
- في وقت قياسي، تمكنت قوات لواء العمالقة القادمة من جنوب اليمن الحضرمي من تحرير منطقة بيحان الاستراتيجية
- من تتبع ”نشاط“ القاعدة، نرى أنهم حيث يكونون يأتي الحوثيون ويسيطرون
- يتسلل عناصر القاعدة إلى منطقة ما بأوامر من الحوثيين ويبدأون القتال
في وقت قياسي، تمكنت قوات لواء العمالقة القادمة من جنوب اليمن الحضرمي من تحرير منطقة بيحان الاستراتيجية والغنية بالنفط في الزاوية الشمالية الغربية من شبوة على حدود محافظة البيضاء. تقدم العمالقة في شبوة، وتغيير التركيبة الإدارية والسياسية فيها أفشل مخططاً حوثياً لشقّ صدع في الجنوب يعزل حضرموت عن أبين وعدن. وفي كل هذا كان الحوثيون يستغلون عناصر القاعدة كأدوات للتمهيد للاجتياح.
نقطة الصفر
تقدمُ القوات الجنوبية باتجاه شبوة لطرد الحوثيين من هناك كان حتمياً وإن كان متأخراً – فإن سقطت شبوة، سقطت حضرموت وضاع الجنوب. لم تكن وحدها سيطرة الحوثيين على مناطق استراتيجية في شمال غرب شبوة ما دقّ ناقوس الخطر وإنما أيضاً الطريقة التي سقطت فيها تلك المناطق.
“الأفغان العرب في شبوة”
في سبتمبر الماضي، سيطر الحوثيون فجأة وبشكل مذهل على ثلاث مديريات في شمال غرب شبوة التي تبدأ من الساحل على بحر العرب وتنتهي على أطراف مأرب والبيضاء متوسطة الجنوب اليمني: حضرموت وأبين وعدن. مراقبون وصفوا سيطرة الحوثيين على بيحان وعسيلان والعين بأنه ”خلل عسكري فادح“، كما جاء في تحليل نشرته independentarabia.
يقابل هذا الترهلَ العسكري في المحافظة استراتيجيةٌ محكمة من جانب الحوثيين. فقد تحولوا عن شمال وغرب مأرب إلى جنوبها مسيطرين على حريب القريبة من شبوة. وفي كل هذا كانوا يستعينون بعناصر القاعدة الذين على ما يبدو كان لهم دور مهم في تمهيد الطريق أمام الحوثيين كل مرة. يمنيون قريبون من الملف تحدثنا إليهم يطلقون على هؤلاء لقب ” الأفغان العرب في شبوة.“
في سبتمبر الماضي، سيطر الحوثيون على الصومعة في محافظة البيضاء المحاذية لشبوة. لكن مصدرين مختلفين قريبين من مكافحة الإرهاب في المكلا، حضرموت، قالا لنا إن خلايا القاعدة ومعسكراتهم لا تزال موجودة في الصومعة، بل إنها أصدرت أوامر لتفعيل خلايا نائمة في عدن وأبين للالتفاف على المد الحضرمي.
ولنذكر أن زعيم القاعدة في اليمن خالد باطرفي وفي ”لقاء خاص“ نشرته الملاحم الذراع الإعلامية للتنظيم في نوفمبر الماضي، أوحى بأن التنظيم انحاز عن قتال الحوثيين في مأرب لما قال إنه ”طعنة في الظهر“ تلقاها التنظيم. لكن مصادر مكافحة الإرهاب في اليمن تقول إن باطرفي والقيادي في التنظيم خبيب السوداني يسكنان في المنطقة الممتدة من وادي شبوة إلى مأرب؛ بل إن كثيرين شاهدوا السوداني في مسجد معروف في المنطقة.
من تتبع ”نشاط“ القاعدة، نرى أنهم حيث يكونون يأتي الحوثيون ويسيطرون. في أغسطس ٢٠٢٠، خرج التنظيم من قيفة في محافظة البيضاء ووقتها اتهمهم داعش بالانحياز وتسليم المنطقة و“خذلانهم“.
مصدر انشق عن القاعدة ويعمل حالياً مع الحوثيين قال لنا إن الحوثيين يعتبرون كل منطقة فيها القاعدة ”قدها (وكأنها) صارت في حضن صنعا.” ويتحدث عن الصومعة تحديداً فيقول إن القاعدة “سلموها من دون أن يطلقوا رصاصة واحدة” وذلك بموجب ”اتفاق“ بينهم والحوثيين يتضمن تبادلاً للأسرى ودفع الحوثي مبالغ لرجالات القاعدة. يشير هذا المصدر إلى حادثة قتل اللواء موسى المشدلي من جبهة الحازمية القريبة من الصومعة في مطلع سبتمبر الماضي. يقول إن الحوثيين أوعزوا إلى خلايا القاعدة بقتل الرجل وكان في مهمة رسمية في عدن. ”الرجل كان يرفض تسليم جبهة الحازمية“ وخروجه من المعادلة مهد الطريق أمام سيطرة الحوثيين.
إعلام حسب الطلب
في الربع الأخير من العام الماضي، أعلن تنظيم القاعدة عبر قناته الرسمية عن هجمات ضد الحوثيين في البيضاء. كان ذلك مستغرباً بالنظر إلى الانحسار في تبني هجمات العام الماضي بحسب رصد الخبيرة في شؤون اليمن الدكتورة إليزابيث كيندال من جامعة أكسفورد. لكن بالنظر إلى اللقاء الخاص بزعيم التنظيم باطرفي والمنشور في نوفمبر، بدا منطقياً أن يقدم إعلام التنظيم للقاء بهجمات ضد الحوثيين. فالرجل حاول أن يضع التنظيم في مواجهة الحوثيين أولاً.
الدكتورة كيندال ترى أن إعلان مسؤولية التنظيم عن هذه الهجمات هو دليل ضعف. تقول: ”معدل الهجمات التي تبناها تنظيم القاعدة هو أقل من عُشر ما كان يتبناه التنظيم في ذروة هجماته في ٢٠١٧. … إذا كان لدينا جماعة تحظى باهتمام عالمي مثل جماعة القاعدة في اليمن تتمكن من تنفيذ ٣ هجمات فقط باستخدام عبوات ناسفة في فترة ٤ أو ٥ أسابيع.؛ فعلى الأرجح أن هذه الجماعة لا تشكل خطراً حقيقياً.“
وتذهب الدكتورة كيندال إلى أبعد من ذلك. تقول: ”تفسير آخر هو أن ثمة من يتلاعب بإعلام القاعدة نفسه؛ فأياً كان من يديره فلا شك أنه يريد أن يصوّر القاعدة على أنها قوة تقاتل الحوثيين وحسب وهذا أمر يخدم الحوثيين – أن يكون الحوثيون هم العدو الأول والوحيد للقاعدة في اليمن.“
فرّق تسد
بحسب زعيم قبلي من البيضاء يفضل عدم ذكر اسمه، يتسلل عناصر القاعدة إلى منطقة ما بأوامر من الحوثيين ويبدأون القتال. لكن القبائل السنية في تلك المنطقة يدركون أنهم قاعدة ”فيتجنبونهم“ ولا يختلطون بهم الأمر الذي يشتت قواهم: فهم مشغولون بقتال الحوثيين من ناحية ويتجنبون مناطق القاعدة من ناحية أخرى. الأمر الآخر الذي يخدم به القاعدةُ الحوثيين هو أن وجودهم يعطي دائماً مسوغاً على الأقل معنوياً وللتاريخ بأنهم يقاتلون الإرهابيين.
يروي هذا الشيخ أن أحد قادة القاعدة الميدانيين في منطقة الزاهر جنوب محافظة البيضاء كان على علاقة بالحوثيين. ”وفي كل مرة كان يلتقيهم كان يرجع وينفذ عمليات ضد الحوثيين أنفسهم بهدف تشويه القبائل والمنطقة … وبعد سقوط الزاهر، أعدموه في ظروف غامضة.“
العلاقة الإيرانية
دخل لواء العمالقة الحضرمي مدينة عتق مركز محافظة شبوة في ٢٨ ديسمبر الماضي. وخلال ساعات أطلق الحوثيون صواريخ مستهدفين مطار عتق الدولي. الجنوبيون على وسائل التواصل الاجتماعي أشاروا إلى أن الحوثيين طوال الفترة الماضية لم يضطروا إلى إجراء عسكري كهذا نظراً للترهل العسكري في المحافظة وانتشار أعوان الحوثيين من القاعدة فيها.
لا تنتهي القصة هنا. مع تحرك الحضرميين تجاه شبوة، تناقل ضباط يمنيون معلومات استخباراتية ”على الخاص“ تشير إلى أن أوامر بالتحرك وصلت إلى خلايا القاعدة النائمة في عدن وأبين – حيث سعد العولقي على ما يبدو – وأنهم يتوقعون هجمات هناك للالتفاف على المد الحضرمي.
لماذا قد تكون القاعدة أقرب إلى الحوثيين في اليمن؟ قد يبدو الجواب بسيطاً: إيران. الحوثيون تدعمهم إيران؛ وباطرفي يريد أن يرضي قيادته الفعلية الموجودة في إيران: سيف العدل. وجود قيادات القاعدة في إيران لم يعد أمراً يخضع لجدل إلا في تفصيل واحد. بعض العارفين في الملف يختلفون حول حجم “الحرية” التي يتمتع بها هؤلاء القياديون في طهران. لكن لنذكر أن نائب الظواهري أبا محمد المصري، صهر أسامة بن لادن، قتل وابنته مريم زوجة حمزة بن أسامة بن لادن في شارع راق شمال العاصمة الإيرانية وكان في سيارته الخاصة. ولنذكر أن حما سيف العدل، مصطفى حامد أبو الوليد المصري، يعيش وعائلته في إيران ويعمل هناك ويكتب في موقع إلكتروني. إذاً، قيادة القاعدة الفعلية تعيش في إيران وبحرية.