خلال مؤتمر العمل الإقتصادي المركزي الذي عُقد في العاصمة الصينية بكين (CEWC)، كان هناك شعور بأنّ تحديات جديدة قد نشأت لأنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يواصل سياسات أسلافه فحسب، بل اتخذ أيضاً موقفاً أكثر تشدّداً مع حلفائه تجاه الصين.
- قلق في الصين بشأن تباطؤ النمو الإقتصادي في 2022 وتوقعات بسعي شي جين بينغ لفترة رئاسية ثالثة
- انخفاض معدل النمو الحاد دفع المخططين الإقتصاديين في الصين لإعادة التفكير باتجاه السياسة
- شي جين بينغ شدّد على وجوب أن يقتصد الشعب الصيني بنفسه بوعاء الأرز بحزم في كلّ الأوقات
- مخاوف من ارتفاع مستوى البطالة وهروب العملات الأجنبية وإشارات متشائمة البنك المركزي الصيني
وقد بدا القادة الصينيون قلقين بشأن تباطؤ النمو الإقتصادي في العام 2022، حيث من المتوقع أن يسعى الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى فترة ثالثة غير مسبوقة كرئيس. وقد نُصح بأنّ الأولوية يجب أن تتحول للحفاظ على النمو والإستقرار حتى يتمكن الإقتصاد من عكس صورة القوّة.
المؤتمر الذي عقد في بكين في الفترة الممتدة من 8 إلى 10 ديسمبر العام 2021، قرّر أنّه يجب على جميع أصحاب المصالح العمل بنشاط للحفاظ على الإستقرار في الإقتصاد الكلّي في ضوء التحدّيات الجديدة، إذ تستضيف الصين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في 4 فبراير وحتى 20 منه العام الجاري، وكذلك المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في وقت لاحق من العام نفسه.
ما دفع المخططين الإقتصاديين في الصين إلى إعادة التفكير في اتجاه السياسة، هو الإنخفاض الحاد في معدّل نمو في الناتج المحلي الإجمالي للصين، من 18.3 % في الربع الأوّل من العام 2021 إلى 7.9 % في الربع الثاني، و 4.9 % في الربع الثالث و 4 % في الربع الرابع.
لقد لعبت التغييرات الهيكلية التي أمر بها الرئيس الصيني شي جين بينغ، مثل تقليل القروض لقطاع العقارات، وأهداف الإنبعاثات المنخفضة التي أدّت إلى انقطاع التيار الكهربائي وعدم التسامح مع Covid-19، دوراً مهماً في إبطاء النمو الإقتصادي، مع الإشارة إلى أنّ شي جين بينغ يشارك شخصياً في توجيه السياسات العقارية لأنّه يعتبر أنّ النمو غير المنضبط لذلك القطاع يمثل تهديداً للإستقرار الإقتصادي في الصين.
وتضمّنت الإجراءات الجديدة التي اتخذها نظام شي جين بينغ قيوداً صارمة على منح القروض المصرفية، والسماح للمطوّرين المثقلين بالديون بالتخلّف عن السداد لكبح جماح النفقات الكبيرة غير المنتجة، والإعلان عن ضريبة الممتلكات على أساس تجريبي في بعض المقاطعات لتثبيت شراء عقارات متعدّدة للحد من المضاربة.
وبالنظر إلى أنّ قطاع العقارات يمثل 29 % من الإقتصاد الصيني، فإنّ تلك الإجراءات، وفقاً لبعض الإقتصاديين في الصين، ربّما تقلّل من نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنحو 0.5 % في العام 2022 وما بعده. وقد أدّت تلك القيود إلى إجهاد الموارد المالية للحكومة المحلية، حيث يعدّ بيع الأراضي مصدراً مهمّاً للدخل. كما أنّ عدة حكومات محلية خفّضت رواتب موظفيها، ما أدى إلى تراجع الإستهلاك.
شي جين بينغ شدّد على وجوب الإقتصاد في وعاء أرز الشعب الصيني بحزم في كلّ الأوقات، وعلى الحاجة لإنشاء احتياطي مواد استراتيجية
في العامين الماضيين، اتخذت الصين العديد من الإجراءات للحدّ من انبعاثات غازات الإحتباس الحراري، بما في ذلك التحكّم في محطّات الطاقة التي تعمل بالفحم لتحقيق أهدافها المتمثلة في زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2030، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكلّ وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 65 % (من مستوى 2005) بحلول عام 2030، زيادة حصة الوقود غير الأحفوري ومخزون الغابات.
وأدّى الإنخفاض في توليد الطاقة من خلال المحطّات التي تعمل بالفحم والتقنين منذ سبتمبر 2021 إلى تعطيل الإنتاج الصناعي في العديد من المقاطعات حيث اضطرت العديد من الصناعات إلى خفض الإنتاج وتقليل الوظائف.
كما أنّ تفشي فيروس كوفيد-19 المتكرر في بعض المناطق، ونهج الصين لعدم التسامح مطلقاً مرّة أخرى، أدّيا إلى إجبار العديد من الشركات على الإغلاق وإبقاء نحو 20 مليون شخص في المنزل، وبالتالي تأثّر عمل العديد من الشركات في قطاعات التكنولوجيا والتعليم والألعاب سلباً بسبب تلك الإجراءات التنظيمية، ما أدّى إلى انخفاض الأرباح وفقدان الوظائف.
في مؤتمر العمل الإقتصادي المركزي كان هناك شعور بأنّ تحديات خارجية جديدة قد نشأت لأنّ الرئيس جو بايدن لم يواصل سياسات سلفه فحسب، بل اتخذ أيضاً موقفاً أكثر تشدّداً مع حلفائه تجاه الصين. وظلت اتفاقية الإستثمار الشاملة مع الإتحاد الأوروبي مجمّدة، وقد تدهورت العلاقات بين الصين وأستراليا واليابان.
وسط تدهور البيئة الخارجية للصين، حدّد مؤتمر العمل الإقتصادي المركزيتأمين الإمدادات من المنتجات الأوّلية مثل الغذاء وفول الصويا والمعادن والطاقة كأولوية، للتحضير لعالم ما بعد كوفيد -19.
وأصبحت تلك الدول أكثر صخباً في انتقاد سجل الصين في مجال حقوق الإنسان، ففرضت عدداً من العقوبات ضدّ الشركات والأفراد الصينيين بسبب الإستثمارات والصادرات. وبدا العديد من القادة الصينيين قلقين بشأن تباطؤ النمو الإقتصادي في العام 2022 حيث من المتوقع أن يسعى شي جين بينغ إلى فترة ثالثة غير مسبوقة كرئيس. وقد نصحوه بأنّ الأولوية يجب أن تتحوّل إلى الحفاظ على النمو والإستقرار حتى يتمكن الإقتصاد الصيني من عكس صورة القوة.
وسط تدهور البيئة الخارجية للصين، حدّد المؤتمر تأمين الإمدادات من المنتجات الأوّلية مثل الغذاء وفول الصويا والمعادن والطاقة كأولوية، للتحضير لعالم ما بعد كوفيد -19.
وشدّد شي جين بينغ على أنّه “يجب الإقتصاد في وعاء أرز الشعب الصيني بحزم في كلّ الأوقات”، مشدّداً كذلك على الحاجة لإنشاء احتياطي مواد استراتيجية لتأمين الحد الأدنى من الإحتياجات في اللحظات الحرجة والعمل على استراتيجية صيانة شاملة.
وتمّ الإتفاق على 4 أولويات أخرى هي: “الإزدهار المشترك، تنظيم رأس المال، نزع فتيل المخاطر المالية الكبرى وحياد الكربون” (carbon neutrality).
كما تمّ الإعراب عن مخاوف من ارتفاع مستوى البطالة بين المهاجرين والشباب واحتمال هروب العملات الأجنبية مع تعزيز الدولار الأمريكي بعد ارتفاع أسعار الفائدة.
في ضوء تلك الأسباب، تمّ الإتفاق على أنّه يتعيّن على الحكومة تقديم دعم سياسي أكبر للإقتصاد. كما نقل البنك المركزي الصيني إشارات متشائمة، حيث خفّض نسبة متطلبات الإحتياطي للبنوك في خروج عن البنوك المركزية في البلدان المتقدمة.
وعلى الرغم من أنّ صانعي السياسات ظلّوا ملتزمين بالإصلاحات الهيكلية، فقد تمّ الإتفاق على إبطاء الإجراءات الصارمة التنظيمية وتقديم الدعم اللازم للشركات الصغيرة والمتوسطة، ومشتري المنازل لأوّل مرّة، إضافةً إلى المزيد من التمويل للإبتكار التكنولوجي والإستثمارات الخضراء.
يشعر القادة الصينيون بالقلق من أنّ الطلب الخارجي قد لا يستمر مع خروج الإقتصادات الرئيسية الأخرى من كوفيد-19 ويبدأ التصدير هذا العام.
لقد حقّقت التجارة الخارجية للصين مكاسب كبيرة في العام 2021، حيث وصلت إلى 6.05 تريليون دولار وكانت بمثابة بيت إمداد لبقية العالم المنكوبة بكوفيد-19. وارتفعت التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 28.7 % (755.6 مليار دولار) والهند بنسبة 43.3 % (إجمالي 125.66 مليار دولار، والصادرات الهندية 28.14 مليار دولار، والواردات 97.52 مليار دولار). وكان الطلب العالمي المتزايد مسؤولاً بشكل رئيسي عن نمو الإقتصاد الصيني بنسبة 8.1 % في العام 2021.
ويشعر القادة الصينيون بالقلق من أنّ الطلب الخارجي قد لا يستمر مع خروج الإقتصادات الرئيسية الأخرى من كوفيد-19 ويبدأ التصدير هذا العام.
لم يتجاوز الإستهلاك في الصين 55 % من الناتج المحلي الإجمالي (54.3 % في 2020) في السنوات الأخيرة بسبب عادات الإدخار لدى الصينيين للإنفاق على الصحة والتعليم والشيخوخة. لذلك، تضطر الحكومة مراراً وتكراراً إلى اللجوء إلى استثمارات كبيرة لرفع معدلات النمو.
وهي تحاول الآن زيادة الإستثمارات في البحث والإبتكار (بلغت نفقات البحث والتطوير 2.4 % من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020)، واعتماد التقنيات الذكية والإقتصاد الرقمي، في حين أنّ تلك التقنيات ستحقق كفاءات وتخفف إلى حد ما التأثير السلبي لانخفاض القوى العاملة، فإنّ ذلك لن يقلل من التأثير السلبي للأخيرة على خفض الإستهلاك. لذلك ستضطر الصين إلى قبول نمو اقتصادي يقل عن 5 % في السنوات القادمة لأنّها تعيد توازن اقتصادها بعيداً عن النفقات غير الإنتاجية وتبدأ في مواجهة الآثار السلبية لانخفاض عدد السكان.