سانيا رحمان
كان ذلك يوم خميس، العشرون من يناير 2022، سيارة مفخخة تنفجر عند البوابة الشمالية لسجن غويران في مدينة الحسكة، الواقعة شمال شرق سوريا. ذلك التفجير أعقبته اشتباكات عنيفة بين عناصر تابعة لتنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية، التي أعلنت استعادة سيطرتها الكاملة على السجن بعد 6 ايّام من المعارك. ويعتبر الهجوم على سجن غويران، الذي يكتظ بآلاف السجناء بينهم مئات الأطفال، الأعنف لتنظيم داعش منذ 3 سنوات، وقد أسفر عن سقوط نحو 200 قتيل.
أدّى الهجوم إلى اندلاع أعمال شغب في السجن حيث تمكّن السجناء من الحصول على أسلحة من مستودع الأسلحة، ثمّ بدأوا هجوماً شاملاً على موظفي السجن، لتتم بعد ذلك السيطرة على السجن من قبل سجناء مسلّحين، فيما تمكّن العديد من السجناء من الفرار. وكانت الإشتباكات تركّزت في حي الزهور القريب من السجن، كما شنّ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضربات جوية استهدفت تجمعاً لنزلاء داعش في ذلك الحي.
وكانت القيادة العامة للأسايش أعلنت عن حظر تجوّل لمدّة أسبوع يطال مدينة الحسكة بأكملها، وذلك لمنع خلايا تنظيم داعش من إرسال تعزيزات، وبالتالي مُنعت كل عمليات الدخول والخروج من وإلى المدينة، فيما أقامت السلطات نقاط تفتيش أمنية في أنحاء المدينة. وأوقعت الإشتباكات داخل السجن وفي محيطه 181 قتيلاً، وفق آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنشان، 130 منهم من عناصر التنظيم و50 من القوات الكردية، إضافة الى 7 مدنيين.
في الرسم البياني التالي نُظهر حصيلة الإشتباكات، فما هو عدد الذين قتلوا من تنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية، إضافةً إلى الضحايا من المدنيين، خلال الأيّام الـ6 الماضية؟
على الصعيد الإنساني، قد دفع الهجوم الذي تلته اشتباكات داخل السجن وفي محيطه مع فرار سجناء من التنظيم إلى الأحياء المجاورة والاحتماء داخل منازل المدنيين، نحو 45 ألف شخص للهروب من منازلهم، وفق ما أحصت الأمم المتحدة. ولجأ غالبيتهم إلى منازل ذوويهم في أحياء آمنة، فيما لجأ آخرون إلى قاعة مسجد في المدينة وصالة أفراح، وفق ما نقل مراسل “أخبار الآن” في الحسكة بدرخان أحمد. وكانت الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة دولية عبرت عن خوفها على مصير 850 طفلاً وقاصراً، حوصروا في تبادل إطلاق النار، يعيشون إلى جانب نحو 5 آلاف سجين بالسجن المكتظ.
منظمة الأمم المتحدة أعلنت أنّ هجوم الحسكة دفع نحو 45 ألف شخص للهروب من منازلهم باتجاه أحياء مجاورة أكثر أماناً. وكان مراسل “أخبار الآن” بدرخان أحمد، أفاد في إحدى رسائله المباشرة من الحسكة، بأنّه مع تواصل الإشتباكات تتفاقم تفاقم أزمة النازحين الذين خرجوا من بيوتهم خوفاً من التعرّض للقتل، ووسط نقص في تقديم الخدمات الصحية والأولية.
يضمّ سجن غويران أو سجن الصناعة أكثر من 3000 عنصر تابع لتنظيم داعش، من 52 جنسية مختلفة على الأقل، ويبدو أنّ الهدف من الهجوم هو إنقاذ عناصر داعش المسجونين. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّه في العام 2020، أفاد البنتاغون بأنّ غالبية مقاتلي تنظيم داعش، نحو 85 %، محتجزون في أحد السجنين في سوريا، الحسكة والشدادي. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إنّ كلّ منشأة تضمّ ما بين 3000 و 5000 مقاتل. وذلك يجعل الحسكة مهمّة للغاية بالنسبة إلى عناصر داعش للهجوم، إذ تأمل من خلالها أحياء خلافتها.
هجوم يناير 2022 ليس الأول
قبل المحاولة الأخيرة لتنظيم داعش على سجن غويران وهي الأكبر منذ 3 سنوات، كان سجناء في الحسكة قاموا بأعمال شغب في فترات سابقة؛ فأشهر مارس العام 2020، ومايو 2020، ويونيو 2020، شهدت محاولات مشابهة تمّ إحباطها في مهدها وقبل أن تستفحل الأمور. كما أفادت وكالة “نورث برس” في سوريا بأنّه في سبتمبر العام 2021، شنّ سجناء داعش في نفس السجن أعمال شغب وقامت قوات الإنتشار السريع التابعة لقوات سوريا الديمقراطية بتطويق محيط السجن.
في هجومه الأخير الذي كان في نوفمبر الماضي، شنّت خلايا داعش النائمة سلسلة من الهجمات ضدّ قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا. جاءت تلك الهجمات كردّ إنتقامي بعد ساعات فقط من إعلان مسؤولي قوّات سوريا الديمقراطية أنّهم أحبطوا مؤامرة لتحرير نحو 5000 من أعضاء داعش الأسرى من سجن الصناعة في الحسكة. وكانت تلك الهجمات شُنّت على منطقة ذيبان التي تبعد نحو 60 كيلومتراً عن دير الزور.
وفي 13 أكتوبر العام 2019، فرّ المئات من معتقلي داعش من معسكر في عين عيسى شمال شرق سوريا، وذلك بعد مهاجمة الحرّاس واقتحام بواباته.
في وقت سابق من العام 2020، قام السجناء في الحسكة بأعمال شغب مرّات عديدة في مارس ومايو ويونيو 2020، وذلك بداعي “الخوف من الإصابة بفيروس كوفيد -19”.
في 29 و 30 آذار / مارس 2020 ، بحسب قسد ، أثناء أعمال الشغب ، أزال معتقلو داعش أبواب الممرات والممرات وسيطروا على الجزء الداخلي من المنشأة. كما أحدث السجناء ثقوبًا في الجدران بين الزنزانات وتمزيقوا الأبواب الداخلية. ثم استعادت العمليات الخاصة لقوات سوريا الديمقراطية (SDF) وقوات مكافحة الإرهاب السيطرة. سمحت أعمال الشغب التي استمرت يومين لأربعة متطرفين بالفرار ، على الرغم من القبض عليهم في اليوم التالي. وقالت قوات سوريا الديمقراطية ، في بيان ، إنها قادرة على الرد على الهجمات الخارجية وقمع أعمال الشغب الداخلية.
قام أعضاء معتقلون من تنظيم الدولة الإسلامية بأعمال شغب وسيطروا على سجن في شمال شرق سوريا لعدة ساعات يومي 2 و 3 مايو / أيار 2020. وسيطرت المجموعة على السجن الذي استمر عدة ساعات ، حتى تفاوضت السلطات الكردية على إنهاء الاضطرابات في نفس اليوم. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ، حلقت مروحيات عسكرية أمريكية فوق السجن في 3 مايو ، باستثناء القوات الخاصة الكردية ووحدات مكافحة الإرهاب التي شاركت في عمليات السيطرة على الهجوم.
في حزيران 2020 ، عاد معتقلو داعش في منشأة الحسكة إلى الشغب مجددًا وطالبوا بمحاكماتهم ورؤية عائلاتهم. كما في المحاولات السابقة ، قالت السلطات الكردية إنه لم ترد أنباء عن فرار أي محتجزين خلال هذا الحدث. قالوا إنه على غرار أعمال الشغب السابقة ، تضرر الجزء الداخلي للمنشأة بينما ظل المحيط الخارجي سليمًا تمامًا. قال المرصد السوري لحقوق الإنسان ، إن أعمال الشغب في الحسكة بدأت بمحاولة السجناء كسر الأبواب المعدنية داخل السجن.
ما بين 11 ألفاً و 12 ألفاً من مقاتلي تنيظم داعش، يُحتجزون في سجون ومعتقلات في شمال سوريا تديرها قوات سوريا الديمقراطية
عمليات تمشيط
وأكّد المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية أنّه بعد السيطرة على سجن الصناعة في الحسكة من قبل قواته وفرض الإستسلام على نحو 3500 من المرتزقة المعتقلين الذين شاركوا في الاستعصاء الأخير، وانضمام المئات منهم إلى المرتزقة الذين هاجموا السجن من الخارج، بدأت قوات الأمنية حملة تمشيط دقيقة ومسح أمني وعسكري في مهاجع السجن التي تحصن فيها المرتزقة الذين هاجموا السجن ونفذوا عمليات إرهابية ضدّ القوات السورية.
وخلال عملية التمشيط وجمع المعلومات، كشفت قوات سوريا الديمقراطية عن جيوب إرهابية مموّهة ضمن المهاجع الشمالية للسجن، حيث لا يزال عدد من المرتزقة يتوقع عددهم ما بين 60-90 مرتزق يتحصنون فيه.
شاهدوا أيضاً: اللقطات الأولى لسجن غويران بعد تحريره من قبضة داعش الإرهابي