أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ٢٤ إلى ٣٠ يناير ٢٠٢٢. إلى العناوين:
- داعش استخدم سجناء غويران وقوداً لإخراج حفنة من القياديين
- طالبان تقيل محافظ هيرات الذي شارك في تابين سليماني. أنصار القاعدة يبتهجون، لكن ماذا يعني هذا بالنسبة للعلاقة مع إيران؟
- هيئة تحرير الشام تحتفل بمرور خمسة أعوام على إعلان نظامها التأسيسي.
ضيف الأسبوع، الأستاذ عباس شريفة الباحث والكاتب السوري المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية من مركز جسور. يتحدث عن تحوّل الهيئة وتحوّرها خلال الأعوام الخمسة الماضية؛ وعن العلاقة مع العالم.
فضيحة غويران
مساء الأربعاء ٢٦ يناير، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية السيطرة على سجن الصناعة بالحسكة واستسلام معظم عناصر داعش منهية أسبوعاً من القتال للسيطرة على السجن في حي غويران جنوب المدينة الواقعة شمال سوريا.
قبل هذا بيومين، بدأت قوات التحالف بقيادة أمريكا بشن غارات جوية على السجن الأمر الذي ما من شك كان له دور كبير في حسم الموقف.
نذكر أن يوم الخميس ٢٠ يناير بدأ داعش هجوماً على السجن باستخدام مفخخات وانتحاريين وانغماسيين أحدثوا فجوة في جدار السجن، ممكنين بعض السجناء من الفرار وآخرين من مهاجمة الحراس والسيطرة على مخزن الأسلحة في السجن. الفارّون التحقوا بخلايا التنظيم في داخل الحي. وهكذا كان داعش يقاتل في داخل السجن وخارجه.
حتى لو لم نتابع الأحداث التي امتدت أسبوعاً، فلا شك سندرك ما حدث بمجرد الاطلاع على حسابات داعش الذين كثفوا وجودهم على السوشيال ميديا وخاصة التلغرام.
في البداية كانوا مبتهجين ومعتبرين ما يحدث شيئاً من قبيل التمكين سيعيد مجدهم الغابر، ممهداً لإعادة إحياء خلافتهم المزعومة في الرقة والموصل. لكن مع اشتداد القتال وقصف التحالف السجن٬ ظهر الإحباط في منشوراتهم.
أحد الحسابات كتب ما يختزل حالهم الذي تحول من ابتهاج وسخرية إلى إحباط وقنوط. يوم ٢٥ يناير، خاطب أقرانه وقال: ” ليس تثبيطاً للمعنويات؛ لكنها عملية … اسمها .. هدم الأسوار .. ولا داعي لتهويل الأمر وتصويره على أنه تمكين حتى لا نواجه ردة فعل سلبية عند انتهاء العملية، ممّن تأمّل غير ذلك.“ قبل ثلاثة أيام فقط، كان الحساب نفسه ينهي إرساله اليومي بعبارة: ”تصبحون ع مسامع الحسكة ساقطة ودولة الخلافة في كل مكان … قد أضاء الشامَ نور.“
الآن، واضح أن ثمة إخفاقاً أمنياً شديداً من جانب قسد ومن ورائهم التحالف. فما كان داعش ليكون لولا التراخي والإهمال. وبالفعل، أعلن جون بيرنان، قائد القوات المشتركة – عملية العزم الصلب – التي هي جزء من التحالف، أعلن في بيان على موقع Centcom أنهم ”سيفتحون تحقيقاً في الظروف التي أدّت إلى هذا الحدث.“
لكن في المقابل، ما حدث كان هزيمة لداعش، بل فضيحة. كيف؟
داعش الرسمي في العدد ٣٢٣ من صحيفته الأسبوعية النبأ – التي تأخر صدورها على غير العادة – خصص الصفحة الأولى والافتتاحية وصفحات داخليةً أخرى لأحداث غويران. المهم ما جاء في صفحة داخلية إذ يقول داعش إن الهدف كان اقتحام السجن من دون ”فتح جبهات قتال ضد … (الأكراد) في المنطقة ولكن بعد الانهيار السريع لدفاعات(هم) … والسيطرة …. على مخازن السلاح، قرروا (داعش) توسيع رقعة الاشتباكات للاستنزاف وتشتيت العدو عن عمليات إخلاء المحررين.“
ماذا يعني هذا؟ الهجوم كان اعتباطياً. لكن كم عدد ”المحررين“ الذين تمّ إخلاؤهم بحيث يدخل التنظيم في هذه المغامرة التي ما من شك قتل فيها من سجنائهم أكثر ممن هرب؟ النبأ قالت إن ”مصدرها“ رفض الكشف عن عدد ”المحررين“. فلماذا لا يعلن داعش عن العدد؟ أليس ارتفاعُ الرقم إنجازاً يُحسب لهم؟ أم أن الرقم لا يرفع رأساً خاصة إن أثبت قسد خلاف ذلك؟ والأهم، من هم الذي هربوا أو هُرّبوا؟
في صحيفة القدس العربي، كشف الصحفيان وائل عصام وهبة محمد عن أن قياديينَ من داعش فرّوا وبشكل منظم. من أبرزهم بحسب المقال، ”الشرعي أبو دجانة وهو قيادي عراقي كان مع تنظيم القاعدة ثم تولى مهام في … (داعش) في الرقة … ومن القيادة العسكرية تمكن أبو حمزة الشرقية من الفرار، وهو كادر عسكري في التنظيم في ريف حلب الشرقي، كان اعتقل في الباغوز.“ ونقل الصحفيان عن عارفين أن هؤلاء تمكنوا من الفرار ”من خلال سيارة كانت تنتظرهم في حي الزهور“ ومن خلال تأمين طريق لهم إلى خارج مناطق قسد.
يضيف الصحفيان أن ”المجموعة التي فرت من السجن فيها عناصر من جنسيات عراقية وسورية، ويصل عددهم إلى خمسة وثلاثين سجيناً، كانوا تمكنوا من تهريب هاتف محمول بالتعاون مع أحد حراس السجن لترتيب الفرار بالتنسيق مع خلايا التنظيم النشطة في حي غويران.“
الآن، بعد أن قرأنا هذا الكلام، فإن ربطناه بما قاله داعش، يحق لنا أن نفترض أن الهدف كان تحرير تلك المجموعة حصراً. لهذا كانت السيارة وتأمين الطريق. ولا مانع إن فرّ آخرون؛ لكنّ هولاء لهم الله!
ونفهم من كلام داعش نفسه أن ما تلا اقتحام السجن من ”توسيع رقعة الاشتباكات“ كان جزء منه لتأمين من خرجوا – أي القياديين المتنفذين: السوريين والعراقيين؛ وربّما دبّ الحماس في البعض فحدث ما حدث.
وبالفعل، استمرت الاشتباكات. لكن مع مرور كل يوم كان مزيد من عناصر داعش المتحصنين في المهاجع يستسلمون، حتى أولئك الذين ظهروا بالرايات الحمر يبايعون الخليفة الغائب، كما لاحظ حساب @observer14 في رسالة خاصة على تويتر.
الخلاصة هي أن داعش هو من استخدم السجناء، أبناءه، وقوداً لتهريب علية القوم. الباغوز تعود سيرتها الأولى.
طالبان وإيران
تناقل أنصار القاعدة صورة لرسالة رسمية بالبشتو قالوا إنها صادرة عن طالبان وفيها قرار عزل محافظ هيرات الملا مخلص شرف الدين وتعيين المولوي حياة الله مهاجر محافظاً مكانه. وقالوا إن السبب هو حضور مخلص مراسم تأبين الإيراني قاسم سليماني، مطلع الشهر.
الأنصار أشادوا بطالبان بعد أن كانوا امتعضوا من الأمر الذي يشبه تأبين سليماني في غزة والضجة التي أثارها مسؤولو حماس. واللافت هنا أن أنصار القاعدة هؤلاء ارتكزوا إلى هذا الكتاب للتنكيل بمن يبرر التعامل مع إيران من باب الضرورة الشرعية.
وقد جهتُ سؤالاً حول دقة هذا الخبر إلى المكتب الإعلامي لطالبان الناطق بالعربية وإلى الدكتور محمد نعيم الناطق باسم طالبان من الدوحة. لم أتلقَ جواباً. لكن على تويتر، أكد صحةَ الخبر حساب @Natsecjeff وهو باحث وخبير في مكافحة الإرهاب وهو ابن المنطقة.
لا نزال ننتظر خبراً من طالبان الرسمي. في الانتظار، نسأل: ماذا يعني هذا بالنسبة لعلاقة طالبان مع إيران؟ خاصة أن خبر وصور ”المسؤول الطالباني“ الملا مخلص وهو يحضر مراسم تأبين سليماني نُقلت في الإعلام الإيراني؟
مخلص كان من أوائل الطالبانيين الذين تولوا مراكز قيادية في المحافظات الأفغانية. جاء تعيينه بعد ١٠ أيام فقط من سيطرة طالبان على كابول. فأين بوصلة التنظيم؟ وأين هم أنصار القاعدة من إيران حيث سيف العدل وحفنة من قياديي القاعدة؟
الجواب في القصة التالية.
القاعدة وإيران: عود على بدء
نشر حساب قاعدي مقطعاً من مقابلة قديمة من العام ٢٠٠٩، أجراها أحمد زيدان مراسل الجزيرة وقتها مع مصطفى أبو اليزيد المسؤول العام لتنظيم القاعدة في أفغانستان. المقطع الذي بثه هذا الحساب يتعلق بعلاقة القاعدة مع إيران. أبو اليزيد ينفي أي علاقة غير الكراهية. ويبرر عدم قيام التنظيم بهجمات ضد مصالح إيرانية لا في إيران ولا في العالم بأن الأمر مرهون بتحيّن ”الفرصة“؛ فعن أي ظرف يتحدث؟ لو أن زيدان سأل!
وهنا نذكر أن أسامة بن لادن وجماعته عندما بدأ القصف الأمريكي في أفغانستان في ٢٠٠١، اختاروا إيران تحديداً مستغلين علاقة بن لادن وسيف العدل بالإيرانيين منذ أيام السودان كما يذكر علي صوفان في كتابه الذي وثّق فيه السيرة الذاتية لسيف العدل. صوفان ضابط مباحث فدرالية أمريكية سابق.
يروي صوفان كيف أن سيف العدل تولى ملف تعزيز العلاقة مع إيران بناء على تعليمات أسامة بن لادن؛ وكيف أنه نسّق خروج الجهاديين وعائلاتهم مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي كان يرأسه قاسم سليماني الذي يلعنه أنصار القاعدة اليوم. المفارقة هي أن سليماني أنقذ القاعدة بعد هجمات سبتمبر.
ويذكرنا صوفان، وهذه معلومات عامة، بأن سيف العدل ”حُرر“ مرتين من إيران في صفقتي تبادل: في ٢٠١٠ في صفقة تبادل برعاية شبكة حقاني. خرج سيف ووقتها تولى مؤقتاً زعامة تنظيم القاعدة حتى ينتهي من جمع البيعات للظواهري خلفاً لأسامة. وبعدها عاد إلى إيران لسبب يقول الكاتب إنه غير معروف. ومرة أخرى في ٢٠١٣، خرج سيف العدل في صفقة تبادل بين إيران وفرع اليمن وهي الصفقة التي أخرجت خالد العاروري وأبا الخير وساري شهاب وسيف العدل وأبا محمد المصري، لكن هذين الأخيرين اختارا البقاء في إيران.
ولنذكر أن والد زوجة سيف العدل، وهو مصطفى حامد المعروف بأبي الوليد المصري، كان ممن دخل إيران في تلك الفترة، ثم عاد إلى مصر بعد سقوط نظام حسني مبارك، ثم عاد إلى طهران عبر قطر في ٢٠١٦ ولا يزال يعيش هناك مع عائلته ويعمل ويكتب على تويتر وفي موقع سياسي.
ولنذكر أن نائب الظواهري، أبا محمد المصري، قُتل في طهران في ٢٠٢٠ وكان في سيارته مع ابنته التي هي زوجة حمزة بن أسامة بن لادن. وقع الهجوم في واحد من أشهر وأغلى أحياء طهران.
إذاً، القاعدة يتحركون بحرية في إيران. صحيح أنهم في فترة من الفترات سُجنوا لأنهم صاروا يشتغلون في العلن الأمر الذي أحرج النظام الإيراني وقتها أمام المجتمع الدولي عندما كان ذلك يهم إيران. لكن فيما بعد وإزاء كل هذه الشواهد، واضح أن ما يروج له بعض أنصار القاعدة غير صحيح. سيف العدل يحكم من إيران وعلى الأرجح بحسب مواصفات إيرانية.
اتساع الهوة بين المركز والأطراف
عشية ٢٦ يناير ٢٠٢٢، أعلنت السحاب، الذراع الإعلامية للقاعدة المركزية، عن مرئي ”جديد“ لزعيم التنظيم أيمن الظواهري.
ومن الغلاف عُرف العنوان. المرئي كان الحلقة الثانية من سلسلة ”صفقة القرن.“ بثت حلقتها الأولى في سبتمبر ٢٠٢٠. أي قبل عام وأربعة أشهر
- الظواهري خصص ساعة وأربع دقائق للحديث عن قطر وقناتها الجزيرة. يعتبر أن للاثنتين سياسة إعلامية مخادعة ”ملخصها: ”المجاهدون خونة .. والإسرائيليون أصدقاء.“ وهذا مثير للاهتمام.
- فمن ناحية: عمق العلاقة بين الجزيرة والقاعدة معروفة،
- ثانياً: كيف يتسق انتقاد الظواهري لقطر مع حقيقة أن قطر رعت طالبان، حليفة القاعدة، ولا تزال؟ صحيح أن التسجيل غير حديث. لكن وجب الالتفات إلى توقيت بثه. هل هو تلميح آخر بانتقاد طالبان على نحو تلميحات الظواهري أو القاعدة أو السحاب .. أي شخص أو جهة تدير السحاب والقاعدة الآن .. هل هو تلميح بانتقاد طالبان بسبب مطالبتها الانضمام إلى الأمم المتحدة؟
- في المحصلة، الهوة تتسع كل يوم بين القاعدة المركزية وأنصارها. الاختلاف والتناقض هنا يقع في مسائل هي في صلب السياسة الشرعية أو الفكر الجهادي. وإعلام القاعدة لا يساعد
هيئة تحرير الشام: الخمسية الأولى؟!
في ٢٨ يناير، احتفت هيئة تحرير الشام بذكرى مرور خمسة أعوام على إعلان نظامها التأسيسي.
القيادي في الهيئة مظهر الويس اعتبر أنها نتاج ”عقود من العمل الإسلامي والجهادي لأهل السنة في سوريا.“
لكن المعارض علي العرجاني أبو الحسن ألمح إلى الهيئة عندما قال إنهم ”استقر لهم السيطرة بالظلم وزوالهم مقرون بالعدل.“